عاجل إيران الخطر رقم 1 وليس داعش

باتت إيران تحتل- بلا منازع -  اليوم لائحة أخطر  التهديدات على الأمن القومي العربي  ، فلا شك بأن طهران قد أسهمت في تفجير الأزمات الإقليمية ، وأدخلت المنطقة في أتون صراع مذهبي  وطائفي وعرقي أفضت إلى واقع مخيف ، ما  جعل دولة الولي الفقيه ، تليها  داعش   تحتلان  صدارة المشهد الإرهابي بلا منافس .

المصيبة أن   " تنظيم داعش الارهابي "، بات يُشكّل الأولوية بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية ، متناسين أو متاغفلين  تهديد إيران ومليشياتها  التي تعيث خراباً ودماراً وقتلاً وتدميراً في العراق وسوريا ...... والقائمة تطول .

في الواقع ، فإن مواجهة داعش وأخواتها لا تقل أهميّة عن مواجهة التحدي الذي تطرحه "إيران ومليشياتها  العابرة للحدود ". فالأزمات الإقليمية التي تعصف بالمنطقة منذ ما يقارب الست سنوات ، ربّما أسهم في احتمال اندلاع مواجهة  خطر حروب عربية – إيرانية  جديدة، نظراً لأن الأخيرة هي المنخرطة بشكل مخيف في تدمير الأمن الإقليمي ، بحيث أصبحت  المستفيد الأبرز من كل ما يجري من تداعيات نتيجة  الأوضاع الحاليّة؛ فالتهديد الذي  باتت تشكله "طهران"  يتضح من خلال سياساتها وسلوكها التدخلي العدواني،  ومشاريعها الإستراتيجية القصيرة والمتوسطة و بعيدة الأمد، التي تستهدف تحويل المنطقة إلى دول أقليات متهالكة ، وضعيفة ،  بحيث يسهل نخرها وتدميرها  عن طريق النفوذ لها ، وتدمير بنيتها الديموغرافية ووحدتها الجغرافية ، وفق مخطط مدروس ودائم وفعال ، وهذا  هو تهديد أكبر بكثير للمنطقة من تنظيم  داعش المؤقت  ، الذي سيزول بسهولة ويسر ، ما دام هناك إرادة دولية  ، وإقليمية صادقة لتدميره .. حققت إيران منذ العام 2003 ، العديد من الانتصارات الإستراتيجية   ومن أبرزها  تدمير دول المنطقة  ؛ وفي مقدمتها إخراج العراق من معادلة المواجهة مع إيران ، وتحويله إلى دولة مهددة للعرب ، ومن ثم ركوب موجة الربيع العربي  لتنفيذ مخطط العبور إلى المتوسط - وهو ما تحدثنا عنه في مقالات تحليلية مفصلة  سابقة – ساعدها تفجر الأزمات الإقليمية على امتداد المنطقة ، مما  استنزف الجيوش العربية وأنهكها ، ونجحت طهران بامتياز بحرف بوصلة الصراع  عن القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل  ،  بل والاشتراك مع تل أبيب في تنفيذ المشروع الشرق أوسطي الجديد ،  الذي فشلت في تحقيقه لسنوات خلت، لتقوم دولة ولي الفقيه بخطة شيطانية لتنفيذ هذا المخطط الجهنمي ، الذي سيدمر الكيان العربي.

وبسبب ما جرى ويجري  ، أسهمت المتغيرات الإقليمية والدولية في تسهيل    التدخّل العسكري الإيراني  الواسع  في الأزمة السورية، العراقية ، اليمنية ، اللبنانية ...   مما حقّق لها  المزيد من المكاسب؛ وقد شملت هذه المكاسب شرعنة  هذا التدخل  دولياً ، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف  ، وتحولت طهران بقدرة قادر إلى الشريك الموثوق للقيام بهذه المهمة .  

الأدلّة  والمعطيات  تطول  للتدليل على سلوك دولة الولي الفقيه الإجرامي والعدوان،  فهي الداعم الأبرز لـ"لمليشيات الموت والدمار " الإرهابية في العراق وسوريا واليمن ،  كما تدعم الأقلية الشيعية لقلب الأوضاع في المنطقة ، كما أنها تجتهد ليل نهار لدعم  اقامة كانتونات مستقلة ، بغرض تقسيم دول المنطقة  ، وتفتيتها  ، إلى جانب إعادة بناء وتركيب الخلايا النائمة لزعزعة الأمن والاستقرار اللامحدود .  لم يقف الأمر عند هذا الحد ، فقد  عمدت إيران إلى سلسلة من الإجراءات العدوانية  الأخرى بدءً من  محاولة التهجير القسري لسنة العراق وسوريا ، تمهيداً لتطبيق فكرة الإحلال والاستيطان  الشيعي  مكانه ، الذي انتشر كالنار في الهشيم الآن ، ليدمر الخارطة الديموغرافية للمنطقة  ،و لم تنحسر أي من الأنشطة العدوانية الإيرانية لتفوق  داعش؛ ولتصبح طهران  أكثر عدائية على كافة الجبهات، مع ضرورة الانتباه أن هذا السيناريو سيستمر  سواء قبل انتهاء صلاحية "داعش" أو بعده ، وهو المرجح بعد العمليات العسكرية في الموصل والرقة .

يحسب لإيران أنها دولة شيطانية  بارعة في توظيف المتغيرات ، وتحويل التهديدات إلى فرص من خلال  ركوب "هوسة الإرهاب" ،   والزّج بمئات الآلاف من المرتزقة والإرهابيين من مختلف دول العالم  ليعيثوا فساداً ودماراً في منطقتنا، وقد تحالفت ضمناً مع إسرائيل  في هذا المشروع المعدّ مسبقاً، ليعود بعث  المشروع الشرق الأوسطي من جديد  .

من خلال استغلال خلق داعش لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط لصالحها. وبالتالي، إشغال العالم العربي ، ومنعه من الاستفادة من حالة عدم الاستقرار.  .

لا بد من استراتيجيات عاجلة ، وقد تشمل مثل هذه الخطوات ضمان الانكفاء الإيراني ، وإشغاله  في الداخل بعيداً عن المحيط الإقليمي بأي شكل ، قبل أن يستفحل هذا السرطان ، وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج العالم العربي ، إلى الضغط على دولة ولي الفقيه  لوقف مشاريعه العدوانية، وفي مقدّمة هذه الخطوات إيجاد جبهة  عربية مشتركة في مواجهة إيران  ، وبشكل إستراتيجي واضح  ومحدد المعالم . لكن ومع حالة التخاذل العربي هذه ،  يجب على النخب والمثقفين إعادة البوصلة إلى وجهتها  " الخطر الإيراني "  عبر التفاعل الإعلامي، لاسيّما على وسائل التواصل الاجتماعي، للتعريف بالخطر الإيراني، والتركيز عليه  .

ولم يفت الأوان بعد لإصلاح الانطباع بأن أغلبية  العرب يرى في إيران الخطر رقم واحد على الأمن الإقليمي ، وأن طهران باتت جزءً من مشاكل المنطقة، و المصدر الأساسي لعدم الاستقرار والتطرف في الشرق الأوسط.

د.نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                     

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 692