رسالة هرتزل إلى السلطان عبد الحميد رحمه الله تعالى

د. عبد السلام البسيوني

أرسل ثيودور هرتزل رسالة إلى السلطان عبد الحميد الثاني، يعرض عليه قرضاً من اليهود، يبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني، مقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود قطعة أرض يقيمون عليها حكماً ذاتياً. وفيما يلي نص الرسالة:

ترغب جماعتنا في عرض قرض متدرج من عشرين مليون جنيه إسترليني، يقوم على الضريبة التي يدفعها اليهود المستعمرون في فلسطين إلى جلالته، تبلغ هذه الضريبة التي تضمنها جماعتنا مائة ألف جنية إسترليني في السنة الأولى، وتزداد إلى مليون جنيه إسترليني سنوياً. ويتعلق هذا النمو التدريجي في الضريبة بهجرة اليهود التدريجية إلى فلسطين. أما سير العمل فيتم وضعه في اجتماعات شخصية تعقد في القسطنطينية.

مقابل ذلك يهب جلالته الامتيازات التالية:

الهجرة اليهودية إلي فلسطين، التي لا نريدها غير محدودة فقط، بل تشجعها الحكومة السلطانية بكل وسيلة ممكنة. وتعطي المهاجرين اليهود الاستقلال الذاتي، المضمون في القانون الدولي، في الدستور، والحكومة، وإدارة العدل في الأرض التي تقرر لهم. (دولة شبه مستقلة في فلسطين).

ويجب أن يقرر في مفاوضات القسطنطينية، الشكل المفصل الذي ستمارس به حماية السلطات في فلسطين اليهودية، وكيف سيحفظ اليهود أنفسهم النظام والقانون، بواسطة قوات الأمن الخاصة بهم.

قد يأخذ الاتفاق الشكل التالي: يصدر جلالته دعوة كريمة إلى اليهود للعودة إلى أرض آبائهم. سيكون لهذه الدعوة قوة القانون، وتبلغ الدول بها مسبقاً:

وقد رفض السلطان عبد الحميد مطالب هرتزل. ومما ورد عنه في ذلك قوله:

(إذ أن الإمبراطورية التركية ليست ملكاً لي، وإنما هي ملك للشعب التركي، فليس لي والحال كذلك أن أهب أي جزء فيها! فليحتفظ اليهود ببلايينهم في جيوبهم، فإذا قسمت الإمبراطورية يوماً ما فقد يحصلون على فلسطين دون مقابل. ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا).

ولكي نأخذ شهادة يوثق بها عن السلطان عبد الحميد ننقل فيما يلي ما قاله الزعيم جمال الدين الأفغاني مما ذكره المخزومي في كتاب: خاطرات جمال الدين الأفغاني، فهي فصل الخطاب قال:

إن السلطان عبد الحميد لو وزن أربعة من نوابغ هذا العصر لرجحهم ذكاءً ودهاءً وسياسة. فلا عجب إذا رأيناه يذلل ما يقام لملكه من الصعاب من دول الغرب. إنه يعلم دقائق الأمور السياسية، ومرامي الدول الغربية. وهي معد لكل هوة تطرأ على الملك مخرجاً وسلماً. وأعظم ما أدهشني ما أعده من خفيّ المسائل، وأمضي العوامل؛ كيلا تتفق أوروبا على أمر خطير في الممالك العثمانية. كان يريها عياناً محسوساً أن تجزئة السلطنة العثمانية لا يمكن أن تتم إلا بخراب الممالك الأوروبية بأسرها، وكلما حاولت دول البلقان الخروج على الدولة بحرب، كان السلطان يسارع - بدهائه العجيب - لحل عقد ما ربطوه، وتفريق ما جمعوه. ولا تعليق.

وسوم: العدد 792