مؤتمر حضرموت الجامع

بمناسبة التحضير لمؤتمر حضرموت الجامع المقرر عقده في الشهر الجاري والذي يهدف للبدء في تنفيذ مخرجات الحوار الشامل في اليمن وتطبيق حكومة الإقليم فلعل الحال يماثل الحال في معظم دول وطننا العربي الكبير فإن الواحد منا قد يشعر بالغثيان حد التقيؤ حينما يذكر أو يتذكر التاريخ القيادي الحديث في بلدانا الحبيبة  فكم مرت من أنماط وصيغ وأيديولوجيات ومعتقدات لقيادات كلها خنعت و تعثرت أو انتكست و احتربت لتخرب وتبيد ما بنته ثم بادت هي بعد ذلك ، ولكن هذا لا يدعونا لليأس والسكون عن البحث وإيجاد الحلول فقطعاً هناك أسباب أدت إلى مثل ذلك فالثقافة أو الفهم الخاطئ للواقع أو لبعض الأعراف والتقاليد التي عفا عليها الزمن التي نرددها لنعيدها للحياة دون جدوى ربما هي السبب فما يجب أن ندركه أن إنسان اليوم ليس كإنسان الأمس والظروف تغيرت والعالم يزحف في الألفية الثالثة وإذا لم تكن هناك صيغة تضع في المعادلة كل ذلك فنحن واهمون في الحلم بالاستقرار والحياة الكريمة في عالم يموج بالتحديات ، فالقيادة فن وعلم في المقام الأول مستقل بذاته عن باقي الفنون والعلوم والمهارات وموازينه دقيقة وتقديراته حساسة وقد يكون للموهبة جانب في ذلك  ولكن لا ينبغي تسطيح القيادة إلى زعامة شكلية أو الى قبلية أو طائفية أو أو مدرسة فكرية أو عقائدية أو محاصّة بين كل هؤلاء وإن كان من هذه الفئة أو تلك قائداً فذاً فهذا لا يعني أن كل هذه الفئة قياديون وزعماء بالانتماء .

و لكي نفهم ما هي القيادة فلا بأس أن نقرأ بعض تعريفاتها ونظرياتها والتجارب الناجحة المقاربة لظروفنا حتى نعرف أين نحن منها فبالرغم من البحوث والنظريات والفلسفات في القيادة إلا إنهم جميعا لم يتفقوا على تعريف واضح للقيادة هل هي ذاتية أم مكتسبة معرفية عملية  أم حدسية  أم مزيج من كل ذلك ، لكن أبلغ وأقصر تعريف وجدته هو " فن الوصول للأهداف عبر الآخرين " فلا يكفي أن تصل للهدف لوحدك بل بالآخرين وهي سلسلة من حلقات تشمل بذلك الرؤية والتخطيط والتنظيم والتحفيز والمراقبة والتحكم والتقييم وجني الثمار والنمو المستدام ، و تلك سلسلة تكتسب فاعليتها من ترابط حلقاتها وتقاس قوتها بقوة اضعف حلقة فيها فلو كانت بها حلقة واحدة فقط ضعيفة فقدت السلسلة فاعليتها وقوتها.

فما نريده لبلدانا الحبيبة قيادات على أسس معرفية وحضارية حديثة وقد تخرج الأبناء من أرقى الجامعات في العالم ودرسوا من علوم القيادة ما يؤهلهم لذلك مع الإبقاء على ثوابت الدين و الأخلاق فما فعله   مهاتير  أو أردغان  في التجربة الماليزية والتركية هو اعتماد وتصدر للعلم الحديث في القيادة وبناء الدولة مع الإبقاء على الخبرات القديمة للتوجيه والاستشارة فقط وتنحية العصبية والجهل و غير ذوي الاختصاص من المناصب الحساسة ودفع بالشباب الى مواقع المسؤولية ببرنامج إصلاحي حقيقي خدمي بالدرجة الأولى يحققون به ذواتهم .

إن لم نفعل ذلك قفز على المناصب الساديون والمرضى والحمقى و الانتهازيون وفعلوا بنا الأفاعيل وفي علوم الإدارة والقيادة الحديثة من النظريات والأدوات والتطبيقات ما يحقق بسهولة الأهداف والتوازنات و الاستقرار و الحياة الكريمة للشعوب وما يقصي هؤلاء المرضى عن العبث بحياة الشعوب ومقدراتها والمتتبع لتجربتي مهاتير –أردغان يجد أن النظرية الحديثة المعروفة )بالقيادة الخدمية   Servant Leadership)  وواضعها جرين ليف طاغية في جميع أجزاء التجربتين فمهاتير أدرك المؤامرة الاستعمارية في تقسيم السكان الى  فئات لا يمكن أن تصطلح على أساس عقدي أبداُ  ولا أن يسيطر احدها على الآخر  فـ%45 ملايو  )مسلمون( و 30 % صينيون  )بوذيون 25 %,  (  هندوس وآخرون و طوائف وفئات لا تأتلف إلا بالمواطنة   ، فخدم الجميع بالمصالحة الوطنية وتوفير الأمان للجميع وركز الخدمة على الأقليات فزاد لهم الحريات والمواطنة المتساوية و الحياة الكريمة فتغلب بذلك حتى على زعاماتهم وكسب الرهان واستمر في الخدمة حتى أرسى قواعد الدولة الحديثة ، و أردغان من نظافة بلدية اسطنبول -وهنا التركيز على الفعل- كانت البداية فقد كان الزائر للمدينة يتلثم لكي يستطيع أن يمشي في شوارعها من القاذورات (المادية والمعنوية ) فجعلها أنظف و آمن مدينة سياحية في تركيا ثم تسلم الحكم فيها فجعلها أنجح وأفضل مدينة اقتصاديا  ثم عمم التجربة على جميع البلاد فكانت النهضة الشاملة فوقف معه الأغلبية وافشلوا الانقلاب الأخير عليه فالنجاح المستدام  هو أن تربط نجاحك بمصلحة الآخرين .

؟ (Servant Leadership) فما هي نظرية القيادة الخدمية

هي أحدث النظريات التي تطمح إليها قيادات العالم الناجحة و صاحبها  (جرين ليف ( Green Leaf 1979 وتعرف بنظرية  الرقي الأخلاقي و وإدارة التعامل مع المرؤوس كغاية لا وسيلة و تضع النجاح و المجد في نجاح المجموعة لا الفرد ومن أهم صفات القائد الناجح فيها هي قيامه بالخدمة للمرؤوسين – بوجدان العطف والرحمة لا القهر أو التسلط و الخروج من هموم النفس لهموم الجماعة بتفاني في الخدمة حتى يمتلك بذلك  القلوب و طاقتها طواعية لا كرها.

فمن المدهش وأنت تقرأ هذا كأنك تقرأ فصلا من سير ة واقعية للإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقلب القيادة بين جنبي

النبوية والرسالة مشفقاً رحيماً حتى على أعداءه بعيداً كل البعد عن حظ النفس وأنانية الذات أو لكأنك تفند موقفاً حازم اً للخليفة الراشد أبو بكر

أو تشرح قرار اً شوروياً لعمر يجمع له أهل بدر رضي لله عنهم جميعا وأرضاهم.

كان العالم يظن أن القيادة إمكانيات خاصة وقوى خارقة أو بطش وجبروت  أو  "كاريزما  Charisma  " تولد مع الإنسان و تورث أو تصقلها

التجربة و العلوم والتدريب وإن كانت هذه كلها قد تساعد في نجاحها ولكنها بعد نمو الوعي والتجربة وانتشار العلوم والمعرفة أصبحت

الحقيقة الواضحة هي أن القيادة روح ممتلئة بالهم العام وآفاق لا متناهية من التضحيات وارتباط روحي قوي مع الأخلاق المطلقة

والضمير الحي تترجم إلى أفعال وأعمال وخدمة صادقة للمرؤوسين على أسس علمية تصنع بها المعجزات وما سوى ذلك فهو طيفُ  وهمٍ

يقترب و يبتعد عنها بما يسمح به السياق الزماني والمكاني للأفراد .

وسوم: العدد 701