كلمة و موقف بمناسبة بيان الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

مواقف الأمم و الشعوب بعامة؛ مواقف تضحية و فداء، و بطولة و رجولة، و إباء محض؛ هو من خصوصية الشهداء و الصديقين الذين ترتقي مواهبهم، و تكرم مواقفهم فيحصل بهم المنفعة، و القدوة الحسنة، فيكونون كأقباس من نور، يهتدي بها السالكون ليكونوا على سواء من أمرهم، و ليرتقوا صعدا على طريق الكفاح الذي ينشدون به الخلاص من عدوان يتربع على أرضهم، أو طغيان يتحكم في أمرهم، أو غزاة يتأذنوهم بالحرب.

 ولاينكص عن المواقف المشرفة، إلا ضليل أو جاهل أو مستضعف واقع في أسر أعدائه، فهو خانع خاضع لا يصدر عنه إلا مايخدم العدو و و الثلاثة كل من موقعه أحبولة طاغية، شاء من شاء أو أبى من أبى و بأي من المظاهر قدم نفسه و الموقف من هؤلاء و مفاصلتهم مقدم على الموقف من الطاغية و مفاصلته. و على أساس منه يكون قوله تعالى:" لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ َ " المجادلة::22 البينة التي يجب أن تقذف في وجه أولئك الذين اختاروا لأنفسهم، أن يكونوا بطانة لحاكم جائر يتأذن شعبه بالحرب و يستعدي عليه الأجنبي، فيستبيح حرماته و يمعن فيه قتلا و تنكيلا. و بشار الأسد في سياسة نظامه و في مواقفه و تحالفاته، و في آلته المدمرة- و هو يشن حربا على البلاد السورية- هو ذلك الحاكم الجائر الذي يجب أن يكون للأمة موقف منه، و في طليعتها العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، و الذين أكثر مايكونون خوفا من الله سبحانه و ذلك لمعرفتهم بمآل غضبه، و بموجب نقمته، و بمايجب أن تكون عليه الأمور من حلال أو حرام. و لاينكص عن ذلك إلا الثلالثة الذين مر ذكرهم آنفا؛ الضليل و الجاهل و المستضعف الواقع في أسر أعدائه. و نعوذ بالله أن نكون منهم أولا، أو أن ندخل في خانة من يوادهم ثانيا، أو من يقف منهم موقف الساكت عن الحق ثالثا. فالأمر جلل، و هو مصاب أمة بكاملها، و جماع الأمر فيه أن الأعداء يخططون لدمار المسلمين، و لطمس حضارتهم ،ولاستلابهم حقوقهم، وواضح أنه يتقدم صفّهُ من المغضوب عليهم فئتان:

 الفئة الأولى تتمثل باللامنتمين و المغرربهم و المساقين قسرا إلى ساحات القتال.

 الفئة الثانية تتمثل بعلماء السوء الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا بطانة للطاغية و منهم العالم الشيخ محمد أبو الفتح البيانوني. ففي كلمة وجهها إلى أحبته بعد أن استشهد بقوله تعالى" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " و الحديث عن حلب قال: فهيأ الله لها من ينقذها من محنتها، و من يعيد إليها و حدتها و أمنها، و من يعمل على تطهير أنحائها، ثم عقب على ذلك بقوله" وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُو " و الذي فهمناه من قوله على وجه الإجمال أن الطيران الروسي الذي شنَّ على المدينة الباسلة أكثر من (70 ألف) طلعة جوية هو من ( جنود ربك) و كذلك الميلشيات الأجنبية المستجلبة من بلدان شتى، و قطعان الشبيحة التي عاثت في سورية فسادا. كل أولئك( من جنود ربك). و لعل هذا التصور الخاطئ هو الذي قاده إلى القول" قل بفضل وبر حمته فبذلك فليفرحوا" و المعروف للقاصي و الداني أن الطيران الروسي، ومعه طيران النظام، و طيران التحالف أكثر ماكان يستهدف الأسواق العامة و المدارس و المستشفيات و التجمعات السكانية الكبيرة، كل ذلك قصد التغيير الديمغرافي لحلب و ماحولها، و أطلال حلب الشرقية و البلدات المحيطة بها من الريف الشمالي و الجنوبي تشهد على ذلك و لسنا في حاجة إلى مزيد. لكن الذي نحن في حاجة إليه أن نهمس في أذنه خمس كلمات

 الكلمة الأولى- و هي قرآنية محضة- و تتمثل بقوله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون :23

 الكلمة الثانية- و هي السؤال الذي يكاد يكون على كل لسان، ماذا أصابك يارجل؟ و ماذا دهاك؟ حتى انقلبت هذا الانقلاب الذي هو الأسوأ في تاريخ العلم و العلماء، و حتى أدليت بهذا البيان الذي أقل مايقال فيه أنه لايصدر عن رجل من أهل العلم، و لامن أهل الفطنة، و لامن أهل الذكاء و الخبرة، و لا من المنتمين حقيقة لأمتهم و لدينهم، و حتى لعشيرتهم و أهلهم؟ إذ كيف يكون له ذلك و هو يعيش اليوم في حلب المستباحة من قبل الميلشيات الرافضة، التي أتت على خضراء المدينة بعد أن زلزلت أركانها بالعنقودي و الفراغي و الارتجاجي و بالبراميل العمياء، و بكل مالديها من متوافر الآلة الحديثة التي جعلت منها أثرا بعد عين.

 و الكلمة الثالثة تتعلق باختبائه وراء العائلة الكريمة، و بمااشتهرت به من مواقف مشرفة، و من صلاح ودين، و قد غاب عن ذهنه أن مقام النبوة لم يشفع لأبي لهب عمّ النبي صلى الله عليه و سلم، الذي لم يغن عنه ماله و ماكسب؛ بل أسماه الله أبا لهب و توعده بالنار هو زوجته، و كذلك الحال بالنسبة لزوجتي نوح و لوط عليهما السلام اللتين لم يشفع لهما مقام النبوة! قال تعالى:"

: ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين 

 ". فمن لم يسرع به عمله لن يسرع به نسبه و في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم. و هذه مسألة يقاس عليها. فـ( كل امريء بما كسب رهين) الطور:21 و ارتهانه مرتبط بما قدم و آخر. و هو الذي كان على الشيخ أن يعرفه أولا. و لا نتعالم عليه في هذه. قال تعالى:" إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ." ق:50 و قال أيضا." وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ." الزخرف:44.

 و الكلمة الرابعة: إن الله لايستحي من الحق و فيها أسف و حسرة و لابشرى. فالتاريخ لايرحم. فالذي سجّل للشيخ الطوسي الذي كان يتقدم جيش التتار إلى بغداد دوره، و الذي حفظ لابن العلقمي خداعه و مكره و قد كان عرابا لهولاكو، سيسجل عن الذين اصطفوا مع طاغية الشام، من أمثال الشامي و البوطي اللذين أفضيا إلى ماقدما و الحسون و الرحمون: و أخيرا أبي الفتح الذين كانوا من تابعي النظام و من خدّامه المخلصين و لم يقفوا الموقف المشرف الذي يرضاه لهم الله ورسوله سيما في مثل هذه الأيام الحاسمة، و سيعلم القوم ممن خاب فألهم أية خسارة يخسرونها بعد ذلك الفساد العريض، و بعد تلك المواقف الشريرة، التي أصابتهم في الصميم" و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" الشعراء:22

 و الكلمة الخامسة: و هي الخاتمة، تتعلق بمايجب أن يفعله هو و من اصطف صفه أو من دخل مدخله أو وقف مثل موقفه في خدمة الطواغيت و تتمثل بإجراءات أربع. و هي على التوالي

 أولا- أن ينخلع من ربعة الطاغية و من ولائه له.

 ثانيا- أن يبرأ منه قولا و عملا.

 ثالثا- أن يتوب إلى الله توبة تتسع لماهو فيه من ذنب.

 رابعا- أن يعود إلى موالاة المؤمنين ليكون له مالهم و عليه ماعليهم و عندئذ سيكون إن شاء الله مشمولا بقوله تعالى." قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا" الزمر 53

أ.د. عبد العزيز الحاج مصطفى

رئيس وحدة الدراسات السورية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 702