هل انقلبت روسيا على إيران ؟

أثار إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوقيع على وقف إطلاق النار في سوريا مع تركيا، العديد من التساؤلات  المغلفة  بالريبة والشك العميق لدى إيران ، حيث انتقل  ذلك  من  خلف الكواليس إلى العلن ، وأدى ذلك  إلى طرح الكثير من السيناريوهات حول بناء تحالف روسي تركي ، وما  يمكن أن تترتب عليه و ذلك  بناءا على هذا التحول الكبير من تداعيات خطيرة على إيران ومصالحها الإقليمية ؛ لا سيما ما يتعلق بالأزمة السورية ؟ .

التحليلات الإيرانية لم تعد تستوعب ما جرى وما يجري من تنسيق روسي تركي ، وصعوبة  إدراك  مدى  انقلاب الموقف الروسي ،  وحجم الضرر الذي يمكن أن ينجم جراء ذلك  .

الرؤية الإيرانية يمكن حصرها وفق دائرة التخوف من التقارب الروسي التركي ، حيث تطالب بأن تكون طهران شريكاً كاملاً في المفاوضات الجارية في الظل ، وبالمقابل تُمارس دبلوماسية السياسة المكوكية ، حيث يحج مسئوليها يومياً إلى دمشق لاستجلاء الصورة أولاً بأول ، مع إرسال التهديدات  للأسد بأن أية تسوية على حسابها ستؤدي لقلب الطاولة على الجميع.

المسار الثاني للرؤية الإيرانية يصب في خانة التحسب من دخول إسرائيل على خط تصفية الحسابات ضد حزب الله بعد تضخم قدراته ، والتحذير من أن حزب الله بات يمتلك قدرات نوعية وتسليحه سوف تفاجئ الجميع ، فبرز التضارب في المواقف الإيرانية من خلال الإعلان عن موقفين متناقضين في نفس الوقت ، مما يدلل على حالة التخبط التي باتت تعاني منها إيران  ؛ الأول : أنه لا خروج لحزب الله وللمليشيات الشيعية العابرة للحدود دون التنسيق مع طهران المتوثبة لنهش ثمن مواقفها من الفريسة السورية  ، أما الثاني الإعلان عن استحالة انسحاب  إيران وحلفائها من سوريا ، و اعتبار الانسحاب من هناك  يُشكل أكبر مؤامرة على الأمن القومي الإيراني .   – كما جاء على لسان علي أكبر ولايتي –كون الهدف النهائي لهم  دعم محور الممانعة ، والعبور إلى فلسطين  ، إضافة إلى الإعلان عن عزم طهران الزج بمليشيا الحشد الشعبي العراقي- صاحب الرسالة  العظيمة والمقدسة  على حد تعبير شمخاني -  في أتون الأزمة السورية قريباً ، تحت عنوان مكافحة الإرهاب الوهابي السلفي ،

تحاول طهران توظيف ما طرحته روسيا من شعارات حول  وقف إطلاق النار في سوريا باعتبارها هدنة هشة  وغامضة ، تاركة الباب مفتوحا أمام احتمال شنها لهجمات لتصفية المعارضة السورية في أماكن عديدة ، والاستفادة منها في إعادة ترتيب الصفوف للهجوم  على ادلب ، والقيام بعمليات نوعية لتصفية رموز وقادة المعارضة السورية المسلحة .

تحاول إيران الاستفادة بشكل كبير من فكرة لا طالما روجت لها ، وهي ضرورة اقتناص الفرصة التاريخية لتصفية المعارضة  التي فشلت تماماً في تنظيم نفسها بشكل صحيح على النقيض تمامًا من "مليشياتها " ، والتي بشرت بإمكانية  تفكيكها وتدميرها في وقت قريب، مُشيرةً إلى إنه من المحتمل  أن يفر الآلاف  من المسلحين إلى تركيا والأردن بعد شعورها باليأس ، وتحت ذريعة التهديد بالتصفية  . 

تدرك إيران تماماً بأن المعطيات الجديدة  بدأت بالتحول على ضوء التقارب الروسي – التركي ؛ محاولة دق أسافين في هذه العلاقة ، فضلا عن محاولاتها  المتكررة لنقل الإرهاب والفوضى إلى العمق التركي بوسائل عديدة ، حيث أنها لن تتوقف عن أداء هذا الدور القذر، ربما في محاولة يائسة لاستعجال ضرب هذا التقارب ، على الرغم من أن روسيا لا زالت مستمرة  في ذبح الشعب السوري  ، ومحاولة مصادرة خياراته وتصفية معارضته.

د. نبيل العتوم    

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 702