دروس هزيمة حلب

تقتضي نتائج معركة حلب الحديث بصراحةٍ مع الفصائل السورية العسكرية المعارضة التي تتحمل قسطاً من المسؤولية عن الكارثة. وعلى كل من يحرص على حفظ دم المدنيين العزّل، وتأخذه الحميّة على العمران السوري الذي بات عرضةً للتدمير بابتذالٍ شديد، أن يجهر بالقول، ويرفع الصوت، ضد استمرار العمل بالوسائل والأساليب والآليات نفسها التي سبقت معركة حلب. 

بات من واجب جميع السوريين أن يشاركوا في وضع حدٍّ للمأساة التي ألمّت بالشعب السوري. ولكن، قبل الدخول في التفاصيل، يجدر بنا الوقوف أمام مسألتين أساسيتين، تشكلان طرفي معادلة الوضع الراهن. الأولى، لا خلاف على حمل السلاح في وجه النظام، من أجل الدفاع عن النفس، كما أن هذه المهمة ستبقى مطلوبةً، طالما أن سورية باتت بلداً محتلاً، وهناك مشروع إيراني لتغيير التركيبة السكانية، يقوم على تهجير أكبر قدر من السوريين، خصوصاً في المساحة التي باتت تعرف بـ "سورية المفيدة". والمسألة الثانية أن النظام لن يتوقف عن جرائمه، حتى لو ألقت الفصائل السلاح، وقرّرت التحول إلى النضال السلمي، بل تؤكد كل المؤشرات أنه سوف يزداد شراسةً، حين يرى أمامه أعداء الأمس وقد صاروا مجرّدين من السلاح. وتاريخ هذا النظام يقول إنه لن يترك وسيلة انتقام إلا وسيمارسها، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر في شروطه المذلّة على فصائل جنوبي دمشق التي اشترط عليها حمل السلاح تحت رايته، لقتال "داعش" وجبهة النصرة. 

لم يعد هامش المناورة واسعاً أمام الفصائل، لا من الناحية السياسية ولا الجغرافية. وبالتالي، صار لزاماً عليها مواءمة نفسها مع الشروط الجديدة، بما يمكّنها من الصمود والاستمرار، ومطلوب منها، في الوقت ذاته، أن تحافظ على قوتها، والمصدر الأساسي لقوتها هو ألا تفك ارتباطها مع الحاضنة الشعبية التي وقفت، طيلة الأعوام الماضية، بكل عزيمة وإخلاص، من أجل تحقيق أهداف الثورة في الحرية والكرامة، والخلاص من نظام المافيا الأسدية. 

لا يمكن للفصائل أن تجتاز حالة الحصار التي تعيشها اليوم، وتشقّ طريقاً جديداً من دون أن تقوم بعملية مراجعة، تتناول ثلاث مسائل: الأولى إخراج السلاح من المدن المحرّرة، وعدم الاعتماد على السلاح وحده في المعركة المفتوحة مع النظام وإيران، وهذا يتطلب إتاحة المجال لقطاع واسع من شباب الحراك السلمي بالعودة إلى المناطق المحرّرة، من أجل بناء بنية صلبة في مواجهة الاحتلال الإيراني الذي لا يوفر وسيلةً اليوم من أجل تغيير هوية سورية. 

والمسألة الثانية تتلخص في ضرورة الاعتراف بالفشل في إدارة المناطق التي تسيطر عليها الفصائل، فالغالبية العظمى من السوريين لم تخرج ضد النظام من أجل إقامة دولةٍ دينية، ولا ينتظر السوريون أن يأتيهم فقهاء من الخارج، كي يعلموهم أصول دينهم. وهذا يستدعي المسارعة إلى إجراء مراجعة شاملة، تأخذ في الاعتبار أن ما يوفر مستلزمات المواجهة والصمود هو برنامج وطني جامع، وليس فتاوى القضاة الشرعيين الذين كان دورهم سلبياً على الثورة. وليكن واضحاً أن أهداف معركة السوريين اليوم هو الخلاص من النظام الأسدي القائم على مجرمي الحرب، وتحرير سورية من الاحتلال الإيراني، الذي جرّ إلى سورية مئات الآلاف من الأجانب، وتتم عملية تجنيسهم تحت بند أنهم من مكتومي القيد. 

أما المسألة الثالثة فهي رفع المظلة عن المقاتلين الأجانب، والعمل بكل السبل لطردهم من سورية، وإدانة التطرف والإرهاب بكل أشكاله، وأن يكون واضحاً أنه لا مكان في سورية لأجندات تنظيمي القاعدة وداعش. سورية لا ينقصها من يدافع عنها أو يحرّرها من الاحتلال الطائفي الإيراني، فأهلها كفيلون بذلك، وقد برهنوا، طيلة السنوات الماضية، على شجاعةٍ وبسالةٍ ترقيان إلى مصاف الأساطير، وكفى أن آل الأسد قد عرفوا من هم السوريون على حقيقتهم.

*شاعر وكاتب سوري، نائب رئيس تحرير "العربي الجديد".

وسوم: العدد 703