مالك بن نبي.. يتزوج بأجنبية ويرفض الزواج بالأجنبيات

clip_image002.jpg

الكتاب بعنوان " مالك بن نبي، ندوات ميزاب"، تقديم الأستاذ محمد بابا علي، الطبعة الأولى 1435هـ -2014، مطبعة كتابك، الجزائر، من 152 صفحة. ويضم 5 محاضرات منها محاضرة بعنوان "الزواج بالأجنبيات"، خلال سنوات 1968، وأوت 1969، وسبتمبر 1970،  فكانت هذه القراءة..

ألقيت المحاضرة بمناسبة حفل زواج جماعي ألقي بالجنوب الجزائري يومها، فهي إذن محاضرة مناسباتية، بمعنى المجاملة والمناسبة كانت سمة ظاهرة بارزة. في محاضرته كلها كان يقدّم الرجل على المرأة، فهل لهذا التقديم والتأخير دلالة؟. قال بأنه سبق لمؤتمر الفكر الإسلامي أن تطرق لموضوع الزواج بالأجنبيات، ما يعني أن مالك بن نبي أحي الموضوع من جديد إما إضافة أو تصحيحا. واعتبر أن التطرق للمرأة الأجنبية في المجتمع الإسلامي الجزائري ما هو إلا جانب من أحد جوانب قضية المرأة. وأنكر على قاسم أمين بشدة نظرته للمرأة، وبأنه ورّط النسوة المسلمات المؤمنات في اتجاه غريب عن ذهنيتنا وأذواقنا وتقاليدنا وعن فقهنا وكرامتنا. واعتبر أن المرأة من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع في طور من أطوار تاريخه ومراحل تطوره. ما يعني أن المرحلة التي يمر بها المجتمع هي التي تحدد طبيعة وكيفية التعامل مع المرأة، فوجب التعامل مع المرأة بنظرة مختلفة عن أوروبا التي وصلت إلى درجة عالية من التطور التاريخي الذي تعيشه الآن.

أما فيما يخص المساواة، فيرى بن نبي أن المساواة التي ينادي بها الغرب هي التي تضيّع من المرأة كل ما تفضل به الإسلام عليها. و يرى بأن المسألة ليست مقارنة كمية بين الرجل والمرأة، فكلا الرجل والمرأة يبقى الرجل والمرأة سواء كانا متساويين أم لا. و يرى أن الإنسانية تقوم على حقيقتين هما الرجل والمرأة إذا انصهروا في حقيقة واحدة وهي الأسرة. والمرأة والرجل يعتبران من الآحاد المزدوجة التي لا يمكن إضافة الرجل أو المرأة  بل لابد من التقاء الاثنين معا، وهذه من حكم الله في أنه خلق آدم وجعل منه زوجه. فالرجل تتمثل فيه قيم ثقافية وأخلاقية معيّنة لا تتمثل في المرأة بنفس النسبة، كاللّين واللطف والحنان والعطف على الأولاد وتجميل ملابس الأطفال التي نجدها عند المرأة. والمرأة وإن لم تكن رسولة فهي تلد الرسل، وتكوّن أسياد البشرية. والرجل الذي لا يرضع إبنه ليس إنتقاصا من قدره. ثم يختم مسألة المساواة بقوله: نحن لا نساوي بين الرجل والمرأة، بل نعتبر أن الرجل وجه للإنسانية والمرأة وجهها الآخر، ونرى في طبيعتهما تكاملا مقصودا ووظيفة موّحدة هي التي يستمر بها النوع البشري، ويعترف بأن الفضائل التي نراها ممثّلة في المرأة أكثر مما نراها ممثّلة في الرجل.

وفيما يخص عمل المرأة، يرى بن نبي ضرورة تشغيل السواعد العاطلة أولا من الرجال. و يرى بأن جهاد النسوة في بيتهن وخدمة الأولاد والحفاظ على كرامة النسوة. ويعتبر عمل المرأة "إستخدام المرأة" و"توريط المرأة في أنواع من الوظائف"، ويرى أن "استخدام المرأة في المكتب أو العمل يؤدي إلى اختلاط الرجال بالنساء"، ويؤدي إلى "تدني المردود العملي كمّا وكيفا".

وذكر بالإسم السيّدة فضيلة مرابط، بأنها معادية لتعدد الزوجات وتسمي المجتمعات الإسلامية بـ " مجتمعات تعدد الزوجات"، واعتبر التعدد مسألة مبدئية وليست واقعية. ثم تساءل في صفحة 49 وهي آخر صفحة من المحاضرة، فقال.. هل يجوز لنا نحن معشر المسلمين أن تتزوج بناتنا بأجانب ويتزوج أبناؤنا بأجنبيات؟. ويرفض المسألة جملة و تفصيلا، فيقول.. "المرأة لصيقة بثقافتها، فهي لن تنفصل عن معتقداتها من أجل عبد الله أو أحمد، بل ستأتينا بضاعتهم ووباؤهم في عقر دارنا في ثوب امرأة. فيصبح للرّجل ابنان: أحدهما تمسيه أمه "مارسيل" والثاني يسميه أبوه "عبد الله أو أحمد". وتقوم بين الزوجين معركة حول الأسماء في كلّ مرّة يولد فيها مولود جديد. وعليه فأقل ما يصيبنا في حياتنا العائلية هاته البلبلة من جرّاء الزواج بالأجنبيات. ونتيجة لكل ما سبق ذكره فإنه لا يمكن أن تستوي أخلاقنا بأخلاقهم – أي الأروبيّين -، ولا أن تنسجم مع عادات غربية عنها".

تعقيب القارئ المتتبع.. أول ما يلفت الانتباه أن مالك بن نبي تزوج بفرنسية وقد أشاد بخصالها ووقوفها إلى جنبه في أحلك الظروف التي تعرّض لها، وكان معجبا بالتنظيم الذي تبدع بشأنه في بيتها ومع زوجها، بل إنه إعترف أنه أخذ منها بعض أفكاره وذلك لشدة تأثره بها. لكن بن نبي في هذه المحاضرة يعلن بصريح العبارة رفضه الزواج بالأجنبيات. ويبقى الزواج من الأمور الشخصية التي لا يحق التدخل فيها، إذ ليس من حق المرء أن يتساءل لماذا بن نبي تزوج بأجنبية ويوصي بعدم الزواج بالأجنبيات، لكن من حق القارئ المتتبع أن يذكر الملاحظة ويشير إليها، دون التعرض للحياة الشخصية للفرد. وتزوج مالك بن نبي من فرنسية وفي الكتاب يرفض بشدة الزواج بالأجنبيات، ويشرح ويفسّر الأسباب التي دعته لذلك، ونحن بدورنا ننقل هذه الأسباب التي ذكرها، وننقل في نفس الوقت أن بن نبي يرفض الزواج بالأجنبيات رغم أنه تزوج بالأجنبية. مع العلم في المحاضرة يرفض الزواج بالأجنبيات جملة وتفصيلا، ولم يكن ضد "الطريقة والغاية والوسيلة والدافع"، إنما كان ضد الزواج بالأجنبيات مهما كانت "الطريقة والغاية والوسيلة والدافع". وموضوع "الزواج بالأجنبية" أمر شخصي أكثر مما هو فكري ولا يلام عليه الرجل، ويحترم بن نبي حين تزوج بالفرنسية وهذا شأنه، ويحترم بن نبي حين عارض الزواج بالأجنبيات وهذا شأنه، ولا يمكن إقحام النظرة الشخصية في الزاوية الخاصة بالأفكار. مع العلم فكر مالك بن نبي متناسق، ومتماسك، ومترابط لم تتغير أفكاره من بدايتها لنهايتها. وما نقدمه من ملاحظات لا يمس جوهر ولب هذا التناسق والانسجام، والترابط الذي ميّز بن نبي عن غيره. فالترابط موجود وكل المفكرين والفقهاء يخضعون للنقد، والنقد لايسىء إليهم. وبن نبي صاحب الفكر المتناسق عبر كافة مراحل حياته، لا يضره في شيء لو تعرض له أحد بالنقد. والأفكار العميقة التي تبناها بن نبي في بداية كتاباته في منتصف الأربعينات هي نفسها أكدها وأعادها وهو في أواخر حياته سنة 1973، ويمكن للقارئ أن يطالع "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" التي كتبها سنة 1972، "و محاضرة "دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين" سنة 1973، ويقارنه بـ"شروط النهضة" التي ألفها سنة 1948، و "وجهة العالم الإسلامي" سنة 1949، ستلاحظ تطابقا وتكاملا وتناسقا بين أفكاره ولا يوجد تناقضا من ناحية إيمانه بأفكاره والسعي لتطبيقها بما استطاع وحسب الظروف التي أتيحت له. ولا يوجد تناقضا في كتب مالك بن نبي من حيث الأفكار، والتشبث بها، والإيمان بها، والإخلاص لها. وتبقى مواقفه السياسية تخضع للنقد والرد، كغيرها من المواقف السياسية الشخصية لأي مفكر وفقيه، وتظل آراءه الشخصية كزواجه بالأجنبية الفرنسية و دعوته فيما بعد لعدم الزواج بالأجنبيات، ضمن الآراء الشخصية التي تذكر وتحترم.

وسوم: العدد 703