أستانة ساحة مواجهة متجددة... والخلاف الإيراني الروسي يتصاعد

العربي الجديد

تستعد المعارضة السورية المسلحة لمواجهة جديدة مع النظام لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في مؤتمر أستانة المرتقب، الأسبوع المقبل، للانتقال إلى مراحل متقدّمة في السعي لإيجاد حلول للصراع السوري. ويُعدّ المؤتمر استحقاقاً مفصلياً في مسيرة الثورة كونه يأتي وسط ظروف بالغة التعقيد تعيشها المعارضة السورية، التي تذهب إلى طاولة التفاوض مستفيدة من بوادر خلاف روسي إيراني في ظل إصرار موسكو على وضع القضية على سكة حل سياسي. ومن المتوقع أن تمارس موسكو ضغطاً كبيراً على النظام وإيران من أجل تمهيد الطريق لحلول أولها تثبيت اتفاق وقف النار ليكون منطلقاً للبحث في قضايا جوهرية أبرزها الانتقال السياسي.

أبرز نقاط الخلاف الروسي-الإيراني تتجلى في مشاركة واشنطن في المؤتمر، وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحافي في موسكو مع نظيره النمساوي سباستيان كورتس، أمس الأربعاء، أن كل الفصائل السورية المسلحة، التي انضمت للهدنة في سورية، مدعوة للانضمام إلى مفاوضات أستانة. وأكد أن موسكو لا تعارض مشاركة (رئيس وفد المعارضة) محمد علوش، في المفاوضات، مضيفاً: "سيمثل وفد المعارضة السورية (إلى أستانة) أولئك الذين وقّعوا على اتفاق الهدنة". واستطرد: "يشارك جيش الإسلام في تلك الاتفاقات (الهدنة والمفاوضات)، ومهما كان موقف العديد من الدول من هذا الفصيل، فإنه ليس مدرجاً على قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية. ونحن ندعم هذه المقاربة، نظراً لما عبّر عنه "جيش الإسلام" من الاستعداد للتوقيع، إلى جانب فصائل أخرى من المعارضة السورية المسلحة، على اتفاقية حول بدء المفاوضات مع الحكومة السورية".

كما أكد لافروف أنه سيكون بإمكان ممثلين عن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، حضور مفاوضات أستانة. ويأتي ذلك متناقضاً مع كلام إيراني اعترض على مشاركة واشنطن. وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، "نحن نعارض مشاركة أميركا في اجتماع أستانة ولم نوجه دعوة لها"، في تصريحات أوردتها وكالة "تسنيم". وفي كلمة أخرى في منتدى دافوس أمس، عبّر ظريف عن ثقته في أن تسهم نتائج لقاء أستانة "في توسيع عملية المصالحة الوطنية في سورية". وأضاف: "من الأهمية أن يدرك الجميع أن المسألة السورية لا يمكن حلها بأساليب عسكرية. وعلى المستوى الدولي، يتعين علينا مساعدة السوريين على بلوغ مرحلة سيتمكنون فيها من خوض الحوار في ما بينهم". ودعا إلى عدم انتظار "اختراق" في أستانة، قائلاً: "يجب أن نكون متواضعين في ما نتوقعه من لقاء أستانة، لكننا نأمل في الحصول على تثبيت نظام وقف إطلاق النار وجعله يشمل جميع الأراضي السورية".

فيما قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن مؤتمر أستانة سيكون مقدمة لحوار حقيقي ناجح بين الأطراف السورية، مضيفاً أنه يأمل أن ينتهي بنتائج يرمي السوريون لتحقيقها، معتبراً أن "ما حصل في حلب فضلاً عن إقرار وقف إطلاق النار خطوتان مهمتان لحل أزمة هذا البلد". كلام روحاني جاء خلال لقائه أمس رئيس وزراء النظام السوري عماد خميس في طهران، الذي أمل أن "ينتهي الاجتماع (أستانة) بحلول تعيد الاستقرار لسورية، وتساهم بمكافحة الإرهاب".

من جهته، قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، علي شمخاني، إن الدول الثلاث الراعية والمنظمة لاجتماع أستانة المرتقب حول أزمة سورية، لم توجه دعوة للولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الاجتماع، مؤكداً معارضة بلاده للأمر، معتبراً أن واشنطن لن تستطيع القيام بدور مؤثر في هذه المحادثات.

وفي سياق التحركات حول الوضع السوري، وصل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس إلى دافوس ومن المتوقع أن يجري محادثات بشأن سورية.

هذه التطورات تأتي فيما حسمت المعارضة والنظام السوري أسماء وفديهما إلى مؤتمر أستانة. ويرأس القيادي في "جيش الإسلام"، محمد علوش، وفد الفصائل العسكرية المعارضة إلى المؤتمر. ويحمل اختيار علّوش من قِبل فصائل المعارضة السورية المسلحة رسائل واضحة للروس والنظام وإيران، أن الموافقة على الذهاب إلى مؤتمر أستانة لا تعني التفريط بثوابت الثورة السورية وفي مقدمتها استبعاد الأسد من تسويات دائمة، واستعدادها في الوقت نفسه على المضي في عملية سياسية تنهي نحو ست سنوات من صراع، كان النظام مسؤولاً فيه على مقتل، وتشريد ملايين السوريين. ويواجه علوش مرة أخرى سفير النظام في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي يرأس وفد النظام في مؤتمر أستانة، بعد أن كانا تقابلا في مفاوضات جنيف أوائل العام الماضي، وجرت بينهما مناكفات تناقلتها وسائل الإعلام، إذ وصف الجعفري علوش بـ"الإرهابي"، رافضاً الانخراط معه في "مفاوضات مباشرة"، فيما قال علوش، إن الجعفري "قاتل للأطفال"، مشيراً إلى أن لحيته "مرخصة من وزارة الأوقاف التابعة للنظام".

ويضم وفد الفصائل العسكرية للمعارضة السورية اسماً سطع نجمه في مدينة داريا جنوب غربي دمشق مقاتلاً، وقائداً لأهم فصائلها وهو النقيب المنشق عن جيش النظام، سعيد نقرش، الذي كان قائد لواء "شهداء الإسلام". ويعطي وجود نقرش زخماً وقوة أكبر لوفد المعارضة، كونه يمثل أحد أهم فصائل المعارضة المسلحة. كما يمثل ياسر عبدالرحيم "غرفة عمليات فتح حلب" في الوفد العسكري للمعارضة السورية. ويعد من الضباط العارفين بكل تفاصيل المشهد العسكري في حلب وريفها.

كذلك يمثّل حسام ياسين كبرى فصائل المعارضة في حلب وريفها وهي "الجبهة الشامية" التي تضم فصائل عدة، وهو يتحدر من بلدة أورم الكبرى غربي حلب. ويضم وفد المعارضة أيضاً قائد "تجمع فاستقم كما أمرت" مصطفى بيرو، ومنذر سراس الذي يمثّل "فيلق الشام"، ويامن تلجو عن "جيش الإسلام"، وأحمد سلطان عن "لواء السلطان المراد". فيما يمثّل مأمون حاج موسى ألوية "صقور الشام" الفاعلة في ريف إدلب. ويضم وفد المعارضة العديد من المستشارين العسكريين والسياسيين والقانونيين والإعلاميين، وفي مقدمتهم نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، عبدالحكيم بشار. وإلى جانب بشار يقف عضو الائتلاف نذير الحكيم، وهو صاحب تجربة طويلة في العمل المعارض. ويضم الوفد، أيضاً، أسامة أبو زيد، يحيى العريضي، وهشام مروة، خالد شهاب الدين، أيمن أبو هاشم، وآخرين.

وأشارت مصادر في الجيش السوري الحر لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك أسماء ستنضم للوفد، منهم ضباط ذوو رتب عالية يعملون بعيداً عن الأضواء، مشيرة إلى أن الوفد افتقد وجود قادة جبهات مهمة يمتلكون معلومات أوسع عن الخروقات التي تقوم بها قوات النظام لاتفاق وقف إطلاق النار، كما يملكون رؤى ناجعة حول أفضل السبل لتثبيت الاتفاق، محذرة من "أفخاخ روسية" في حال عودة الوفد إليهم في كل شاردة، وواردة.

وعلمت "العربي الجديد" أن هناك ضباطاً معارضين رفضوا أن يكونوا ضمن الوفد مفضلين البقاء كمستشارين خارج الوفد الرسمي والاستشاري أبرزهم اللواء محمد فارس. ولن تكون مهمة وفد المعارضة سهلة، خصوصاً في ظل بوادر واضحة عن نية النظام كعادته إغراق المفاوضات بتفاصيل غير مجدية، ومناورات الهدف منها تمييع التفاوض وإفساده، وإخراجه عن السياق المرسوم من روسيا وتركيا.

وجاء اختيار النظام للجعفري ليؤكد ذلك. ويرى مراقبون أن وجود الجعفري على رأس وفد النظام إلى أستانة يؤكد أن الأخير ليس معنياً بنجاح هذا المؤتمر، إذ يُعد الجعفري، وهو من الشخصيات المقربة من طهران، من "صقور" النظام. كما أنه من الشخصيات "المراوغة" التي لا تؤمن بوجود حل سياسي يقوم على قرارات دولية تدعو إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، ويرى أن المعارضة السورية "مجرد إرهابيين" يجب التعامل معهم بالقوة، ومن المعروف أنه يتبنى للرؤية الإيرانية الرافضة بالمطلق التطرق إلى مصير الأسد. ويغلب على وفد النظام الطابع السياسي، إذ يضم سفير النظام في موسكو رياض حداد وهو لواء سابق في جيش النظام، إضافة إلى مستشار وزير الخارجية في حكومة النظام أحمد عرنوس، ودبلوماسيين آخرين، وثلاثة ضباط لم تعلن وسائل إعلام النظام عن أسمائهم.

وسوم: العدد 704