سورية وطننا ومشروعنا وطني في أبعاده وآفاقه ..

يكفينا تهويما في الفراغ وضياعا في دوامات التفريق

تعلقنا بكلمة الشام رومانسي حالم نحب أن نردد ( اللهم بارك لنا في شامنا ) نحب أن نغني : ( شآم أهلوك أحبابي وموعدنا ...آواخر الصيف آن الكرم يعتصر ) . وإذا كان وراء كل حلم حقيقة ، فالحقيقة هنا أننا نحن سورويون ومتعلقون بسورية ومشروعنا سوري وأردنا بثورتنا : إنقاذ سورية من الاستبداد والفساد وإشاعة العدل والسلم فيها ...

مضينا سنوات ست مع مسميات ماتعة ، بعثت فينا النشوة والخدر معا كلها انتمت إلى الشام ، والتصقت به ، وغردت في فضائه من مثل ( أجناد الشام ) وفرسان الشام ) و(فتح الشام ) و(تحرير الشام ) ثم (جيش الإسلام) و( جيش الفتح ) و( كتائب أو سرايا أبي عبيدة )...تسميات أرهقت ثورتنا وشعبنا ، وحملته فوق طاقته ، ووراء شعبنا وثورتنا وأمامها أمثال ( برنارد لويس ) يشرحون معاني هذه المصطلحات ويضيفون البهارات المخوفة والمنفرة عليها . ألم يكن الأولى بنا أن ننتصر على رومانسيتنا ؟! أو لم يكن الأولى بأولي الأحلام والنهى أن يكونوا اكثر التصاقا بالواقع ، والدوران في فلك فقه المرحلة وضروراتها ، وعدم الاسترسال وراء أحلام رغبوية ، يزجيها شباب متألقون الحلم دائما هو سيد أمرهم..

أكبر جريمة ارتكبها فرقاء متشاكسون في فضائنا السوري هي تصنيف ( الوطني في مواجهة الإسلامي ) أو الإسلامي في مواجهة الوطني !! ونسي هؤلاء وأولئك أن كل وطني صادق هو إسلامي بالضرورة ، كل إسلامي مبصر هو وطني بالضرورة . وأن اختلاق هذا التنافر بين الوطني والإسلامي ما هو إلا محاولة لمصادرة الاثنين معا .

لقد كنا بحاجة بين يدي هذه الثورة إلى إعادة التأكيد أن مشروعنا لسورية المستقبل هو مشروع وطني ، مشروع عدل وحرية ومساواة وكرامة وطنية ، ومشروع نماء وبناء وعزة وقوة ذاتية . على صعيد الفرد نريد : السوري القوي الأمين ، وعلى صعيد المجتمع أردنا المجتمع المدني الموحد المتكافل المتواد المتراحم ، المجتمع المترفع عن الصغائر والمتطلع إلى معالي الأمور . وعلى صعيد الدولة أردنا وما زلنا نريد الدولة التي تحمي العدل وتسوس به ، والتي تبسط ظلها بالتساوي على كل مواطنيها بالسواء .

بعد كل ما جناه شعبنا وثورتنا خلال ست سنوات ، نحن اليوم بحاجة إلى وقفة مراجعة هذه التسميات ومع هذه الطرائق ، وهذه الادعاءات ( ألقاب مملكة في غير موضعها ) . أنحتاج إلى مراجعة هذا الذي نراه ، والذي صبرنا عليه ، وصبرُنا عليه ، لم يكن يعني أننا شركاء فيه ، أو راضون عنه !! فهذا جيش أو هذا فيلق وتلك جبهة بل دولة وذاك لواء ، والمشهد الثوري السوري لم يكن بحاجة إلا إلى الصدق والصبر والعمل المدروس الهادئ ، يجتمع القائمون عليه على العقيدة الواحدة ، والرؤية المسددة ، والمشروع الوطني ينبع من الواقع ولا يزرع في حقول الوهم ..

ومع كل ما يعيشه اليوم شعبنا وثورتنا من قرح . ومع كل ما نتابعه من خذلان ، انتقلت لعبة ( الفك والتركيب ) من الفضاء السياسي إلى الواقع الفصائلي ، ففي كل يوم انفكاك أو التحام جديد . فمن يريد أن ينفك وينشق على إخوانه يتدرع بطفولية بالغة بآيات يزعم أنه نزلت فيما يدعي أنه ( الولاء والبراء ) !!. ومن يريد أن يحمل السلاح على إخوانه فيقاتلهم ويستحل دماءهم ومن ورائها سلاحهم وأموالهم ، يرفع نصب عينيك : (( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )) !! ويعتبر نفسه الممثل لأمر الله الذي يجب أن يفيء إليه البغاة . ويعطي نفسه بذلك الحق في قتال إخوان له حتى يفيئوا إلى أمره . ثم إذا قرر فريق لمصلحة وقتية عارضة أن يلتحم بفريق ، وأحيانا لتمثله والتهامه ، جلسوا وراء طاولة وخطوا خلفهم لافتة: (( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ..)) ؛ فأي استهانة بكلمات الله؟! وأي استخدام لآياته ( وأعوذ بالله من هذا التعبير ) من قوم ، باتوا الأسهل عليهم ما نرى وما نسمع ، ونحن مع كل جولة نسترسل ونؤيد وندعم على أمل أن يكون على أيدي هؤلاء الذين لم يعد يجدي الاسترسال معهم خلاص . وعلى الطرف الآخر من المشهد يرتكب المحتلون الجرائر ، ويقتلون الأنفس ، ويخرجون الأبرياء من الديار ..

هذا الكلام بكل تأكيد لا يقصد به الشهداء الأبرار الذين وفوا وقضوا ومضوا ، هذا الكلام لا يقلل من تضحيات القابضين على الجمر الذين وقفوا أنفسهم في سبيل الله، ومازالوا ترفرف فوق رؤوسهم إرادة أن تكون كلمة الله هي العليا . هذا الكلام لا يعني الأبطال الذين خرجوا مدافعين عن نفس وعن عرض وعن حق وعن حقيقة .

لقد أرهق المشهد السوري منذ الأيام الأولى للثورة ، بل حرم الشباب السوري من المثابة الحقيقية تخلف الذين أناط الله بهم حمل اللواء الحق بالحق عن دورهم ، وإخلادهم إلى الأرض ، وتشاغلهم بصغائر الأمور ؛ حتى لم يجد الناس إلا رؤوسا فيها من القصور ومن غير القصور ما فيها ، فكان هذا التردي وكان هذا الاضطراب وهذا البغي وهذا العدوان .

نعم لقد آن للمسكين بالكتاب اليوم أن يعلنوا عن موقف واضح لا لبس ولا غبش فيه . آن لهم أن يعلنوا عن أهدافهم وعن مشروعهم الوطني المستقبلي في بناء سورية واحدة موحدة لكل أبنائها في ظل العدل والحرية والكرامة ...

من حقنا أن نعلن أننا طلاب حق ، وطالب الحق يسعى إليه من أقرب الطرق ومن أيسر السبل ومن أقلها كلفة ، ولا يسعى إلى الالتفاف على نفسه ، ووضع العصي في عجلات عربته ، وافتعال المعارك الدون كيشوتية ، على أمور متوهمة أو متخيلة أو مشتهاة أو لما يأتي تاويلها بعد . معركتنا في سورية مع متسلط مستبد وفاسد ونحن لسنا في حرب لا مع العالم ولا مع الإقليم ولا نملك القدرة أن نصلح كل معوج تحت قبة السماء .

إلى الذين استطابوا لعبة الفك والتركيب ، والجمع والتفريق ، والنبذ والجذب ، والاستشفاع بكل هذا بآيات الله وكلماته نقول يكفي كفى كفكفكفان ..

يكفي كفى كفكفكفان فهذا الدم الذي يسفك هو دمنا وهذه الحرمات التي تنتهك هي حرماتنا وهذا الوطن الذي يدمر هو وطننا ..

انتظرناكم بناة محررين ولا نريدكم ديوكا ولا طواويس منتفشين ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 705