مسلسل مفاوضات جنيف : الجزء الرابع

 درجت السخرية السياسية من إعلانات تجار السياسة في الأمم المتحدة موسكو وطهران والنظام السوري في دمشق عن البدء بسلسلة جديدة من مهزلة الدراما السياسية المسماة "مسلسل مؤتمر جنيف: الجزء الرابع "، لكن هذا الجزء بحالته التي جرى الترويج لها عبر شاشات الأخبار والتلفزة لن يقدّم جديداً و هو ليس أكثرمن تظاهرة سياسية تراجيدية تدعي حل الأزمة السورية يقودها الروس والإيرانيين وشبيحة نظام بشار الأسد ، ومخرجها مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا دي ميستورا، وفوق هذا إشراك لكومبارس من فروع لمعارضة بائسة خلقتها موسكو وإيران إلى جانب بشار وزبانيته ، الذين يدّعون تمثيلهم لشعب لا يزال يقبع تحت خط النار و بشكل مستمر .

 لا شك بأن كل التفاصيل الخاصة بالتفاوض ومساراتها كان يمكن اختزالها من خلال مسلسل الجزء الأول من جنيف ، لكن الجزء الرابع من جنيف كان بمثابة مشروع سياسي عقيم تم تركيبه بمؤامرة سياسية أممية ، تزامن معه عملية حمص التي ابتكرها النظام لتشدّ السامعين والمشاهدين الدوليين فقط إلى مشهد أكشن يتم اتهام المعارضة السورية المنخرطة في جنيف بالقيام به ، لإرجاع الأمور إلى المربع الأول .

 كانت الرؤية السياسية النقدية ترى بأن مسلسل جنيف لا يحتمل أكثر من الجزء الأول بوصفه يجسد مرحلة دموية مستمرة وقاتلة للشعب السوري الذي هُجر من أرضه ،وانتهكت حرماته وأعراضه ، إلا أن الظروف الدولية والإقليمية ، وحالة التردي العربي كان لها وجهة نظر أخرى من خلال أهمية استمرار هذا المسلسل على غرار دراما مسلسل باب الحارة .

 انطلق مسلسل مؤتمر جنيف بجزئه الرابع، بعد شد وجذب وتأخير وبعد ثلاث أجزاء "فاشلة بامتياز " لم يتم التوصل من خلالها إلى أي نتائج ملموسة تنهي معاناة الشعب السوري الذي يلعب دور البطولة ، ويتعرض لأكبر هولكوست عرفه التاريخ الحديث .

 تأجلت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر ؛ بسبب خلافات كبيرة ومعقدة بين الوفود المشاركة على طبيعة التمثيل ، وجدلية التفريخ للمعارضة الذي نجح النظام والروس في خلق بعضها ، إلى جانب التضارب في جدول الأعمال بين ما تريده المعارضة المعبرة عن ضمير الشعب السوري ، وبين النظام السوري الذي يحاول اللعب على التناقضات ، والإغراق في التفاصيل ، ومحاولة كسب الوقت لحرف المفاوضات عن مسارها ، إلى جانب الدور السلبي الذي يلعبه ستافان دي مستورا المبعوث الأممي غير النزيه إلى سوريا.

الظروف التي واكبت انطلاق جنيف 4 :

 لا شك بأن الأمر اللا فت للنظر يتمثل في عدم انخراط الولايات المتحدة الأميركية تحت إدارة ترامب في الملف السوري من خلال مسار جنيف 4 ، مما استغلته موسكو ببراعة فائقة لمحاولة ملء الفراغ السياسي والعسكري ؛ مما أسهم في جعل روسيا هي الطرف الأقوى القادر على فرض ما تريد نيابة عن القوى العظمى المتأمرة على سوريا . هذا الموضوع يطرح الكثير من التكهنات حول مدى وجود تفاهم روسي – أميركي حول مجريات ما يجري على الأقل دبلوماسياً بالنسبة للأزمة السورية .

 أسهم استفراد روسيا في إيجاد بيئة ضاغطة غير مسبوقة على المعارضة السورية ، التي تفتقد ظهيراً دولياً أو حتى إقليميا ضاغطاً للوقوف معها ، إلى جانب محاولة فرض منصات جديدة للمعارضة السورية الديكورية " كمنصة موسكو ، بهدف إحداث شرخ في مرجعيات التفاوض بين مرجعية الرياض التي تعتمدها الهيئة العليا للمفاوضات ، ومنصة موسكو والقاهرة ، ومحاولة إثارة الخلافات بين هذه المنصات الثلاث ؛ مستغلة وجود خلافات جوهرية فيما بينها ، خاصة أن لبعضها أدواراً مشبوهة توخى صانعها خدمة النظام السوري والطرف الروسي أولا .

ديمستورا : ناقل للتهديدات

 يذكرني دور ديمستورا بدور الممثل الأميركي جيسن ستاثام بطل Transporter سلسلة أفلام، الذي ينقل الطرود والرسائل المشبوهة ، ويقبض الثمن جراء مهمته القذرة تلك، حيث الدور المتنامي للمبعوث الأممي دي مستورا، حوله من مجرد وسيط نزيه لادارة المفاوضات إلى منخرط بإدارة الأزمة لصالح النظام ؛ فما بين التماهي والميوعة مع مواقف النظام ، إلى دبلوماسية نقل تهديدات رئيس النظام السوري بشار الأسد، للمعارضة السورية ، حين أبلغ نصر الحريري رئيس وفد المعارضة، خلال اجتماع مغلق حسب ما تم تسريبه : "إن فشلت المفاوضات فسيفعل الأسد بإدلب ما فعله بحلب". وقال دي مستورا للمعارضة إن الجلسة الافتتاحية ستُعقد بمن حضر، هذا عدا عن رضوخ ديمستورا لمطالب ورغبات موسكو، وهو ما سيؤدي إلى إفشال المفاوضات برمتها ؛ بسبب رفض الهيئة العليا للتفاوض الرضوخ لضغوطه ، ومحاولة حرف المفاوضات عن مساراتها .

ما المطلوب من المعارضة السورية :

 على الرغم من الجدية الكبيرة التي تبديها المعارضة السورية المشاركة في تحقيق اختراق وتقدم حقيقي في المفاوضات ودفعها إلى الأمام، فإن العقبات القائمة وعدم جدية وفد النظام السوري الذي عبر عن رغبته في انتهاج سياسة الإغراق في المفاوضات ، ليس إلا لجهة إفشالها ، إلى جانب استمرار النظام في عملياته الميدانية دون رادع مدعوما من روسيا وإيران ؛ كلها عوامل تزيد من عمق مأساة الشعب السوري ، في الوقت الذي لا يمتلك فيه وفد النظام أية صلاحيات لاتخاذ القرارات، وهذا يتطلب طرح التساؤل التالي : ما هو المطلوب من المعارضة الآن ؟ في تقديرنا يجب تركيز الحوار مع الطرف الروسي – على الرغم من كونه الطرف الدموي المنخرط في مذابح الشعب السوري - على أساس أهمية إنهاء الكارثة التي تمر بها سوريا ، ودفعه لممارسة ضغط حقيقي ميداني على النظام ، وأنه ليس لديه تصريح مفتوح لتحقيق المكاسب من خلال تبنيه للارهاب ولسياسة الأرض المحروقة

 كذلك ضرورة إصرار المعارضة على موضوع هيئة الحكم الانتقالي بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2245 الذي يحدد إلى جانب ما سبق أهمية تنظيم جدول أعمال واضح يشمل الانتخابات ، وعملية الانتقال لتنظيم دستور توافقي جديد .

 إلى جانب ما سبق لا بد من التركيز على أهمية ايجاد آلية واضحة تحت رقابة دولية صارمة لوقف اطلاق النار في عموم الأراضي السورية، وبشكل دائم درءا لزهق الأرواح .

 المعطيات السياسية وعلى الأرض السورية لا تشي بانفراجة قريبة في الملف السوري، لا سيما في ظل التأمر بين النظام ووبعض القوى الإقليمية " إيران " والدولية ، عزز ذلك الانكفاء الأميركي المتعمد عن الانخراط بشكل ايجابي في الأزمة السورية .

 دي مستورا بشر الجميع بأن الجولة الماراثونية لجنيف 4 ستنتهي الخميس ، ووفد النظام يريد حرف أجندة التفاوض حول الإرهاب ، لكن نسي أن نظام بشار ومن لف لفه هم من يمارسون أبشع صور الإرهاب ، وسيستمر مسلسل جنيف بجزئه الخامس والسادس إلى ما شاء الله.... ، بعد أن هانت أرواح الشعب السوري على العالم ، وأصبحت مجرد رقم حسابي ليس إلا .

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 709