هي جريمة حرب ..وجريمة ضد الإنسانية، ولن نرضاها لأطفال كل أعدائنا

نقدر أن بعض الناس في حالات الغضب يخرجون عن طورهم . فيقولون ما لا يرضون حين يفيئون إلى رشدهم وإلى عقولهم . ومن الطبيعي أن نُعذر نحن السوريين ، فيما يصدر عن بعضنا ، من تجاوز الحق ، إزاء ما يعاني هذا الشعب المستضعف المظلوم المكلوم ، على مدى عقود..

وإذا كانت الفواجع ما تزال تنزل بهذا الشعب منذ ست سنوات تترى ؛ فإن ما وقع على أهلنا وأطفالنا في خان شيخون منذ ثلاثة أيام ، كان من الفواجع البالغة التي تجاوزت في عنفها وقسوتها كل الحدود . ثم جاءت المواقف الدولية والإقليمية المتراخية واللامبالية والمكتفية بأحسن حالاتها بالتنديد والاستنكار اللفظيين  لتزيد النقمة والغضب ، وتؤجج مشاعر الرفض وتؤز في النفوس المكلومة الرغبة في الانتقام ..

وهكذا طاشت عبارات ، هي إلى الشطحات غير الإنسانية واللاإسلامية اللاعقلانية أقرب ، تطالب برد عدوان غير مشروع في أصله وطريقته بمثله ، على خلفية طائفية ، لم تكن يوما من شريعة هذه الأمة ، ولا من منطلقات هذا الشعب ، ولا هذه الثورة ، وإن فرضها المعتدون بقسوة عليها ..

وعلى صفحات التواصل الاجتماعي تناثرت عبارات ، هي نوع من الرغبات المخنوقة الممتزجة بموت السارين الأصفر يتخلل صدور الأطفال ، فيكبت صوت الحياة فيها . وتعالت هذه الأصوات حتى طفت على السطح فكادت أن تحجب ما تحتها من نفوس محبة للحياة وللخير مستعدة للتضحية في سبيلهما ..

لقد أدبنا الإسلام على القصد في الرضا والغضب . وعلى قول الحق أينما كنا لا تأخذنا في الله لومة لائم . ومع علمنا أن كثيرين سيتصدون للوم هذه الكلمات ، واتهام كاتبها ، فإن الحق أحق أن يتبع ، وأنه لا بد لكلمة الحق من حامل ، ولا بد للوائه ، حين يضطرب أمر الناس ، من رافع ..

إن ما جرى على أهلنا في خان شيخون ومن قبل في الغوطة الشرقية في 2013 ، ومن قبل ومن بعد ، هو من الجرائم التي تقع خارج إطار الشريعة والقانون ، وهذه الجرائم من العدوان الذي يرد بالأخذ على أيدي المعتدين ، وقمعهم ومحاسبتهم وليس بإيقاع مثله عليهم ، أو على أهليهم وذويهم . وهذا هو التأويل الحق لقوله تعالى فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . ردوا عدوانه بما يردعه ويقمعه ، وليس دائما بمجاراته بما يرتكب من منكرات وآثام !!

إن مشهد الأطفال يختلجون تحت تأثير الغاز السام كما يختلج الطائر الذبيح ، بغض النظر عن هوية آبائهم وطبيعتهم ، مشهد لا يطيقه إلا من نزعت الإنسانية من قبله . وإن رؤية وجوههم المدثرة بأكفانها البيض سيجلل بالسواد تاريخا للإنسانية ما زال يرخي الحبل للمجرم ليرتكب الجريمة تلو الجريمة تلو الجريمة في  دوامة من الجرائم يظل يحميها من يقال فيهم أقوياء  متحضرون ، ما يكون لأهل كلمة التقوى أن يقبلوا أن يكونوا أبدا مثلهم لا في مقارفة الجريمة والإثم ، ولا في الرضا بها والتغطية عليها...

نعم أيها المسلمون الأبرار ..نعم أيها السوريون الأحرار ما يكون لنا أن نتمنى ولا أن نتشهى أن هذه الجريمة تكون من صنع أيدينا في أي وقت وتحت أي عنوان ..!! بل يجب أن تظل راية العار تجلل هذه الجريمة ومرتكبيها ، بأي وصف اتصفوا ، وتحت أي عنوان احتشدوا.

ويجب أن نبقى في كل موقف وإن كان صعبا ضنكا ، منحازين لإنسانيتنا سر كرامتنا ، منحازين لشريعتنا ولقيمنا ، منحازين للحق الذي خرجنا منتصرين له ، مدافعين عنه ، مطالبين به ..

اللهم إنا مغلوبون فانتصر ..

اللهم ألهمنا رشدنا ، وأعذنا من شرور أنفسنا ، وألزمنا كلمة التقوى في كل أمرنا ، واجعلنا أهلها والأحق بها ...

اللهم يا ناصر المستضعفين إلى من تكلنا ؟!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 715