تركيا و مزاعم الديكتاتورية

بدء العد التنازلي على الاستفتاء في تركيا و راحت ساعة الصفر تصبح اقرب فأقرب لمعرفة أي الحملتين (حملة نعم و حملة لا) ستفوز بذلك الاستفتاء، وريثما تحين تلك الساعة صدرت تحاليل وأفكار حول النظام الرئاسي التركي الجديد فمنهم من كتب أنها بداية الديكتاتورية في البلاد ونهاية نشوة الديمقراطية وآخرون رأوها بأنها نقطة تحول نحو الاستقرار السياسي الذي يسهم في تثبيت الخطى نحو التقدم والازدهار.

التخوف من الديكتاتورية هو أكثر ما يقلق الكثيرين من متابعي المشهد السياسي التركي فالأمثلة السيئة لبعض نظم الرئاسة التي تمثلت في بعض الدول مثل اليمن والعراق و سوريا زادت من هذا التخوف و جعلت النظام الرئاسي محل شبهة، لكن هذا التخوف في الواقعية العملية لا ينطبق عل تركيا لاختلاف الزمان والمكان و الإنسان ولو أضفنا على ذلك المغالطات التي شابت تلك التخوفات إما لجهل لما عليه الحال في الداخل التركي أو لغاية في نفس يعقوب، وهنا لابد من شرح بعض تلك التباينات.

أولا: اقتراح النظام الرئاسي لن يُفرض على المجتمع التركي بل سوف يأتي عبر استفتاء شعبي وكذا رئيس البلاد فهو لم يأتي على ظهر دبابة أو انقلاب عسكري وإنما عبر التصويت في صناديق الاقتراع ولهذا لايمكن قياسه على أي من الرؤوساء الديكتاتوريين الذين حكموا بلادهم بقوة السلاح والخوف، والذي بدوره أفضى الى توريث الحكم وهذه المسألة بحد ذاتها غير موجودة في الذهن التركي لا عند السياسين ولا حتى عند طبقات المجتمع التركي بمختلف إنتماءته السياسية.

ثانيا: المؤسسة العسكرية في تركيا لها إستقلالية كبيرة ولذلك لن يستطيع أي رئيس منتخب أن يسيطرعليها ويديرها كيفما شاء فهي مؤسسة ذات تقاليد عريقة ممتدة لعدة قرون والمخاوف من أن يحصل فيها كما حصل في بعض الدول ذات نظام رئاسي مستبد يتحكم فيه رئيس البلاد بالجيش كما يشاء أمرٌ مستبعدٌ جداً في الوقت الحالي وحتى في المستقبل.

ثالثا: ظاهرة سطوع الحزب بسطوع قياديه فكثير من الأحزاب السياسية في تركيا تشتهر لاشتهار صاحبها أي أن الشخص هو الذي يأخذ الحزب نحو الشهرة وعند غياب هذا الشخص أو ابتعاده عن العمل السياسي يبدأ الحزب بالضعف والاختفاء عن الساحة السياسة وفي هذا أمثلة عدة مثل الحزب الديمقراطي الذي كان بقيادة عدنان مندريس و حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان وحزب الطريق القويم لتانسو تشيلر وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الحركة السياسية في تركيا دائمة ومتجددة في إبراز شخصيات سياسية لامعة ولهذا لايمكن وصف النظام الرئاسي على أنه معد لأردوغان وحزبه فإن كان اليوم قائمٌ على حكم البلاد فغداً لن يكون والأيام تداولٌ بين الناس ولكل زمان دولة ورجال وعليه فإن هذه التعديلات سوف تبقى لصالح البلاد، فالكثير ممن حكموا تركيا جاؤوا ورحلوا ولكن نظام الحكم في البلاد بقي قائماً. 

رابعا: النظام الرئاسي سيُحمّل الرئيس و حكومته عبءً أكبر من ذي قبل فهم الأن تحت المجهر والكل يرتقب منهم خطأً حتى يبرر موقفه الرافض لتلك التعديلات وعليه فإنه في حالة نجاح حملة نعم في الاستفتاء على أصحاب هذه الحملة أن يثبتوا وجهة نظرهم في أن هذه التعديلات لصالح الاستقرار والتطور ولهذا على الحكومة في المنظور القريب أن تعطي نتائج إيجابية ملموسة يتلمسها المواطن التركي قبل الدول المتخوفة من النظام الرئاسي الجديد .

خامساً: الشعب الذي وقف في وجه انقلاب السادس من تموز لم ولن يسمح بعد الأن لأي شخصية كانت أن تصبح ديكتاتورية في حكمها له فما حصل في 16 من تموز العام الماضي أصبح رمزاً لكل الأتراك بمختلف أطيافهم السياسية و العرقية وباتت الديمقراطية جزءً لا يتجزأ من العقلية السياسية التركية،وفي حال اقرار النظام الرئاسي الجديد سينظر الشعب التركي للنظام الجديد فإن نجح بما وعد كان بها وإن لم ينجح فكما أقر النظام الرئاسي يمكنه أن يعيد اقرار النظام البرلماني. 

فراس رضوان أغلو                                                                            

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 716