هل يأتي ذلك اليوم ؟

شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب ؟ !!! ما هذا القول المنكر الذي ما زال يردده الأغبياء ؟

الاسلام ديننا والعربية لغتنا الجزائر وطننا ؟!!! يا له من شعار أجوف لا يخرّج سوى المتزمتين و الإرهابيين  .

ابن باديس رائد النهضة في الجزائر ؟ !!  يا للكذبة السخيفة ، إنما هو " الأصولي  الأول "  كما قالت تلك العلمانية المدللة التي نصبوها ناطقا رسميا باسمهم .

جمعية العلماء خير جمعية أخرجت للناس ؟ يا للمصيبة  !! لا يصدّق هذا الزعم إلا السذج والأغبياء لأنها معبد الكهنوت الرجعي والشيوخ المتنطعين.

والحلّ إذًا ؟ هذه الجمعية وشعاراتها ورموزها و " ثوابتها " لا مكان لهم سوى المتحف ، ولْتطوَ هذه الصفحة المظلمة ولْيُهل التراب على كل هذا الركام الذي يعيق تقدّمنا ، ولْيفسح المجال نهائيا للتنوير والانفتاح.

تقولون إن ما كتبته أوهام ووساوس ؟ أخشى أن لا ، لأن المتحكمين في مفاصل حياتنا السياسية والثقافية والإعلامية فعلوها أكثر من مرة  وجاهزون لفعل ما هو أشنع في ظلّ هشاشة حصوننا الداخلية ، فقد منعوا الجمعية من العودة إلى الساحة بعد الاستقلال ، وضعوا رئيسها تحت الإقامة الجبرية تماما كما فعل الاحتلال الفرنسي،  حلّوا جمعية القيم لأنها أرسلت برقية إلى حاكم مصر تستنكر الحكم بإعدام سيد قطب ، ألغوا التعليم الأصلي الذي كان يكوّن الاطارات الدينية تكوينا تخصصيا ، نزعوا عن الجامعة الاسلامية تميزها فغدت مجرد معهد يستقبل – في الغالب – أصحاب أضعف المعدلات في الباكلوريا وأسوأ السلوك ، والقائمة طويلة : إلغاء المرجعية الاسلامية من المناهج الدراسية ، التمكين المتزايد للفرنسية في الحياة العامة ، تهميش العربية أكثر فأكثر، تعيين غلاة التغريبيين على رأس القطاعات التي لها علاقة بالتربية والتوجيه ... فلماذا لا يأتي دور ما تبقى من الثوابت في ظل استفحال التغريب واستضعاف حراس الشخصية الوطنية ؟

لقد بدأ الأمر حين ربطوا بين العلم ويوم موت الشيخ ابن باديس ، وامتدّ مع رفض اطلاق اسمه على أي مؤسسة وطنية لا في قسنطينة ولا خارجها إلا بلدية " الهرية " التي كانت مكان مزبلة عمومية ... الرسالة واضحة ، وإمعانا في الاحتقار نصبوا له تمثالا في مدينته ، وهو الذي قضى حياته يحارب كل ما يخالف شرع الله ! ومن ينسى كيف أهالوا التراب على عظماء الحركة الوطنية الذين أفنوا اعمارهم وكابدوا عذابات الاحتلال الفرنسي ، محوا اسم مصالي الحاج من كتب التاريخ ومن الذاكرة الجماعية – وهو أبو النضال السياسي الجزائري مهما كانت أخطاؤه عند اندلاع حرب التحرير – وأقصوا فرحات عباس ويوسف بن خدة وخوّنوهما وعاقبوهما بالإقامة الجبرية رفقة الشيخ محمد خير الدين – بقية جمعية العلماء- في 1976 بسبب بيان صحفي يدعو إلى نبذ الأحادية وفتح باب الحريات للشعب.

أخشى أن يستمرّ النيل من ثوابتنا ورموزنا إلى درجة إلغاء " المعلوم منها بالضرورة " ، وقد بدأ ذلك حين اخترعوا ضرّة يضايقون بها اللغة العربية ، وبين عشية وضحاها بدا أن هناك لغة " وطنية ورسمية " لم نكن نعرفها طول حياتنا ، لم يكتبوا بها وثائق عبر التاريخ ولا ألّفوا بها كتبا ولا هم متفقون على حروفها حتى ، لغة لم يكن يعرفها الأمير عبد القادر قائد الدولة والجهاد ضد الاحتلال ولا ابن باديس إمام التربية والتعليم والتحرير ولا قادة الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال الفرنسي ، فعلى سبيل أمامي قائمة اتحاد انتصار الحريات الديمقراطية للانتخابات العامة عام 1951 وفيها شعار الحزب لذلك الاقتراع  :  " ضدّ الرعب والفقر والسكوت ، من أجل احترام الاسلام واللغة العربية " .

كل هذا كان من المسلّمات لأنه الحق المبين الذي لا تُعرف الجزائر إلا به لكن غلاة الفرنكوفيل صنعوا لغطا سخيفا سمّوه البربريزم لضرب العربية ( والإسلام أيضا) وعينُهم على الفرنسية وليس على أي لغة أو لهجة ، وبدؤوا يكسبون المواقع شيئا فشيئا حين خلا لهم الجوّ في نظام تغريبي صريح وانتقلوا من الدفاع إلى الهجوم ، فما الذي يمنعهم من حظر الشعارات الباديسية بقوة القانون ؟  فشعب الجزائر عندهم ليس مسلما بل هو أمة " متفتحة " تتيح حرية العقيدة والإلحاد للجميع وما الاسلام سوى دين جلبه الغزاة وفرضوه علينا فرضا وقد ثبت بالتجربة ومن خلال نصوصه أنه دين قتل وإرهاب وتخلف ، لم يعرّبنا ولم يحضّرنا ولم ينفعنا في شيء ، ولغته العربية ليست لغتنا بل هي لغة دخيلة فاشلة ... هذا هو منطق القوم ، كانوا يلمّحون به وأصبحوا يصرحون وينفذون مخطط " الجزأرة " أي قطع علاقاتنا بالإسلام والعربية ليخلو الجوّ للفرنسية والتغريب ، فما الذي يحول دون ذلك والأمة مستضعفة حتى ان بعض أبنائها المتمسكين بدينهم استهواهم لغط البربريزم ، أصبحوا يحبون الاسلام ويكرهون العربية والعرب !!! وأنا متأكد من أن بغضهم صادق أما حبّهم فلا أدري ، كنا نريدهم في جانب المنافحين عن ثوابت الأمة فإذا بهم ضحايا الدعاية الطائفية الزائفة ، وأظن أنهم لم ينشغلوا بالحق لصعوبة مسالكه فانحازوا للباطل ، وصاروا هم أيضا أبواقا لرفض الشعارات البادسية الخالدة كأنهم لا يرون بأعينهم أن تلك الدعوة المختلقة لا صدق فيها بل هي معول لهدم مرجعيتنا وضرب وحدتنا والتمكين للفرنسية ورمينا في أحضان الفكرة الغربية .

هل سيُحظر نشيد " شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب " ؟ لمَ لا وقد غُيّب عن المدارس منذ مدة لأن هوى القوم مع نشيد آخر لم يرد فيه ذكر اسم الله ولو مرة واحدة ، وهل سنُطالَب بقوة القانون بنزع الشعار الثلاثي لأن مرجعيتنا لم تعد تلك التي تركنا عليها ابن باديس ؟

مع كل هذا ما زال هناك احتفال بيوم العلم لأن أيامنا العجاف أيام لا علم فيها ، فلا بأس برفع شعارات لا جدوى منها.

هذا ليس تشاؤما كما قد يرى " الطيبون " الذين يحتاجون إلى توضيح الواضحات وإثبات البديهيات بل هو الحقيقة الماثلة بقسوتها ومرارتها ، ويكفي الالتفات إلى الهجوم المتكرر على جمعية العلماء الآن للاستعداد للأسوأ ، أما الذين يراهنون على الانتخابات لتفادي كل ما ذكرت فلا شك أن انتظارهم سيطول.

وسوم: العدد 716