الاعترافات الناقصة !

في أواخر ديسمبر 2016 اصدر الأستاذ أيمن نور المرشح الرئاسي على زمن مبارك ومؤسس حزب غد الثورة بيانا أو منشورا يتضمن عشرين اعترافا من جانبه حول أخطاء الثورة، مقدمًا مراجعات للأحداث التي سبقت 25 يناير 2011، حيث يعتقد أن المراجعات "تبدو واجبة، أكثر من أي وقت آخر" لأن الشظايا المتطايرة، أو المتبقية من النظام الساقط أدركت أنه لا سبيل لجولة أخرى، واستعادة الزمام، إلا بتفجير الجماعة الوطنية، وتلغيم العلاقات البينية، بخطاب يُغلب الكراهية، وينتصر لغير العقل، مع استخدام العنف، وبث الفرقة بين القوى السياسية وإحلال التعصب مكان الحوار السياسي، واستباحة الدم المصري ليكون سبباً للفرقة، بعد أن كان سبباً للوحدة في مواجهة النظام الفاسد المستبد.

وأشار إلى ثلاثة أمور تتعلق بالقبض على مبارك ونجليه ورجاله، والتعجل في مسار الانتخابات أولاً، وممارسة الوقيعة والدس والأسافين جهاراً نهاراً منذ اليوم الـ19من الثورة؛ بوصفها مناورة للإيهام بنجاح الثورة، بينما الهدف منها هو إلغاء المشترك الذى توحدت عليه الثورة .كما أشار إلى أن إجراء الانتخابات البرلمانية، والرئاسية، لم يكن إلا ضمن الخطوات التكتيكية لتفجير الثورة وصولاً للهدف الاستراتيجي، وهو توفير البيئة الحاضنة لانتصار الثورة المضادة، وهو ما تحقق الآن.

وأضاف أيمن نور: "تقتضى الحقيقة، أن نعترف أن الثورة، وقياداتها، وتياراتها الرئيسية وشبابها ورموزها، أسهموا جميعاً في الوصول لهذه النتيجة، بدرجات متفاوتة، بفعل الغفلة– أحياناً– والعجلة في معظم الأحيان. وراح يسرد عشرين اعترافا تداولها كثيرون من قبل، وتحدثوا عنها أو كتبوا بصورة ملحة وحمّلت في الغالب حركة الإخوان المسلمين التبعة الكبرى في جريمة الانقلاب، مع أنها تحمّلت أكثر من غيرها مضاعفات الانقلاب الدموية وعذاباته القهرية وجرائمه الوحشية.

كان يفترض أن تتوجه الاعترافات إلى الدور الإجرامي الذي قام به الانقلاب ضد الإرادة الشعبية والحرية والكرامة والديمقراطية. وكان ينبغي أن يطرح القضية على وجه آخر، لا يقترب منه كثير من العلمانيين الذي لا يؤمنون بتكاملية الإسلام في تدبير شئون الحياة وإعداد المسلم للآخرة .

إن العسكر نقضوا عهدهم مع الثورة، وهو مالم يكن يتوقعه كثير من الثوار الذين شاركوا في مواجهة الطغيان والاستبداد. وعندما كان اللواء الفنجري يدق الأرض بقدميه ويرفع يده بالتحية احتراما للشعب المصري على شاشة التلفزيون تعبيرا عن العلاقة الوطيدة بين الشعب وسيفه الواقي التي تمثلت في شعار الشعب والجيش يد واحدة؛ فلم يكن أحد يظن أن الانقلاب بدأ من هذه اللحظة، وأن الفنجري اختفى تماما بعد هذه التحية ليبدأ الخداع الاستراتيجي بالتسويف في الانتخابات واستقطاب المشتاقين والدخول في متاهات الدم والدمع وكشف العذرية وإطلاق يد الجنرال بدين في الشارع ليفعل ما يشاء. ومع أن الانتخابات جرت على مضض ودون رغبة حقيقية من العسكر، فقد تم تجنيد معظم الناصريين واليساريين والليبراليين فضلا عن مرتزقة كل العصور، لتمثيل دور الشريك المخالف دون سبب أو مسوغ اللهم إلا تنفيذ الانقلاب الذي كان يتم الإعداد له على قدم وساق، وشهدت دبي وأبوظبي وغيرهما زيارات ولقاءات أسفرت عن تمويل حركة بانجو المسماة "تمرد" بما نقل البلطجية والأوغاد من مرتبة الصعاليك إلى صف الأغنياء والأثرياء، ووجدت الكنيسة– لم يشر إليها نور أبدا!- فرصتها الذهبية للمشاركة في تحريم الإسلام على المسلمين؛ فصالت وجالت وأوغرت صدور أتباعها الذين أمرتهم بالخروج من الكنائس عقب قداس الأحد 30 يونيو والاتجاه نحو التحرير مع عصابات المشتاقين وجنود الأمن المركزي الذين ارتدوا ثيابا مدنية بالإضافة إلى المغيبين والمأجورين، تحت رعاية من كانت الثورة تظنه درعا وسيفا يحميها ويحافظ عليها وأنه يد واحدة مع الشعب! 

 يكرر أيمن نور في اعترافاته كما تسمى معزوفة مملة تقول إن القوى الإسلامية بمكوناتها المختلفة أصيبت عقب الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، بقدر من الانتشاء والزهو بالانتصار حال دون حرصها الواجب على شراكة وطنية واسعة.. 

وهذا كلام غير صحيح، ويعلم أيمن نور أن الرئيس مرسي دعا كل القوى وحاول استرضاءها فرفضت وتمنعت، وهي لا تستحق. لأن الفائز لوكان من الشيوعيين أو الناصريين أو الوفديين أو غيرهم ما كان ليسمح بالمشاركة ولو كانت هامشية، ثم ألا يرى أن الانتشاء والزهو بالانتصار حق لمن يثق بهم الشعب أيا كانوا؟ لماذا نحرم على أصحاب الفوز حقهم في النشوة والزهو؟ أليسوا بشرا من حقهم أن يفرحوا إذا انتصروا، ويحزنوا إذا انهزموا ؟

وإذا كان فوز الإسلاميين بالصندوق في تصور أيمن نور– وهو تصور غير صحيح- جعلهم ينظرون لغيرهم نظرة دونية "رقمية" مما أدى إلى زيادة مشاعر الكراهية ضدهم من جانب القوى الأخرى، فهذا ليس مسوّغا لتتحول هذه القوى إلى خدمة البيادة والانتقال إلى معسكر الثورة المضادة والمشاركة في الانقلاب العسكري الدموي الفاشي .  

ويرى أيمن نور أن صدور الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012، كان كارثياً في بعض نصوصه، وفى طريقة صدوره، بغير تشاور أو حوار.. وأن إلغاء الإعلان في 6/12/2012 لم يقابل بإيجابية من جبهة الإنقاذ، بل أنكرته، كي تستمر في مسار التصادم والتقاطع ( لم يقل إنها جُندت لخدمة الانقلاب المنتظر كي تحظى ببعض الفتات، بينما كان الدكتور مرسى كما يقول نور ساعياً لاستعادة التواصل والحوار)..

يحسب لأيمن نور اعترافه أن بعض رموز القوى المدنية تورطت بشكل قاطع في علاقات بقوى إقليمية (لم يقل إنها خليجية وصهيونية)؛ مناهضة للثورة وفشلت الثورة في تطمينها من البداية (كيف؟)فاحتضنت الثورة المضادة وموّلت بسخاء لانتصارها على الثورة.. (هل عدم التطمين المزعوم يعني احتضان الانقلاب؟).

وإذا كان الرجل يرى أن 30/6 كانت غضباً شعبياً، وأن 3/7 كانت انقلابا عسكرياً على نظام منتخب وانقلابا عسكرياً حتي على ما طرحه الناس في 30/6 من العودة لصندوق الانتخاب.. فإنه يستعيد ما يسمى حالة انتشاء مقابلة لرموز 30/6 حيث قبلوا انتهاك كل القواعد الديمقراطية وقواعد الحرية وحقوق الإنسان.. وأظنه يعلم أنهم ما كانوا ليقبلوا أو يرفضوا، لأنهم كانوا في كل الأحوال مأمورين من مرتكب الخطيئة الأعظم؛ وهم العسكر الذي تجاهل أيمن خطيئتهم الكبرى في تخريب البلاد وقهر العباد، وإيمانهم أن مصر ضيعتهم التي لا يفرطون فيها ولا يتركونها لأحد.

إن أكثر من ستين عاما حكم فيها العسكر، حطمت مصر، وأزرت بها، ومرغت كرامتها في التراب على كل المستويات، ولم يبق إلا أن يعودوا إلى ثكناتهم؛ لعل وعسى تتغير الأحوال، وتنتهي الأحزان .

الله مولانا. اللهم فرّج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!

وسوم: العدد 730