عن المواجهاتِ الأخيرة في إدلب، و انتصارِ النصرة على الأحرار

لقد كانت ( السلفية العالميّة ) ممثلةً بـ ( النُّصرَة )، النواة الصلبة لهيئة تحرير الشام، و ( السلفية المحليّة ) ممثلةً بـ ( أحرار الشام ) كفَرَسَيِّ رهان، تحاول كلٌّ منهما ضمّ المجموعات و الكتائب الصغيرة، المنتشرة في عموم بلدات و قرى محافظة إدلب جانبها، و جعلها الرصيد الاستراتيجي، الذي تدخره للحظة الحسم المرتقبة، التي وقعت قبل أوانها، بحسب رأي كثير من المراقبين.

و تتكوّن جلّ هذه المجموعات من أبناء عائلة واحدة، أو بيت واحد، فتجد في القرية الواحدة مجموعتين أو ثلاثة، ككيانات تنظيمية، تعتمد بشكل واضح على رابطة الدم و القُربى.

لقد أدرك الجولاني أن هذه المجموعات بمجملها، لن تكون رأس حربة في أيّة حرب مباشرة؛ لاجتثاث الأحرار، و إنما يكفيه في كل قرية بضعة عناصر، لاستخدامها كعنصر تحييد للقرية بأكملها، و تعطيلها كقوة منافسة له، و هو ما كان له في عدة بلدات في المواجهات الأخيرة، حيث استطاعت هذه المجموعات بتوجيهات لا تخطئها الظنون، في تحييد نسبة كبيرة من كوادر الأحرار، تحت ذريعة حقن الدماء بين أبناء البلدة الواحدة، و هي خطة انطلت على الأحرار، و تجرّعت نتائجها هزيمة نكراء.  

 وهو ما لم تدركه أحرار الشام، التي زادت في أعداد هذه المجموعات لتكون شوكتها ، غير مدركة أنها غير مفيدة في المواجهات الداخلية، إذ يكفي أن يمتلك خصمك في القرية نفسها مجموعة واحدة، لتجتمع مجموعته مع مجموعاتك وتتفق على تحييد القرية بمن فيها.

لقد كرَّس الجولاني جهده الأكبر لصناعة قوة مركزية، لا تحمل ولاء لبلدة، أو عائلة، فجعل أفراد هذه القوة من المؤمنين بمنهجه اعتقادًا، أو من حارقي المراكب وراءهم، من المهاجرين كالتركستان، أو من نازحي اتفاقيات الهدن في محافظات سورية، و هذه القوة المنظمة هي التي حسمت المعركة في وقت قصير.

لقد كان الجولاني يمتلك في المواجهة الأخيرة أعدادًا أقل من أحرار الشام، فلم يتعدّوا ( 3000 ) مقاتل، بل و مواقع أقلّ تحصينًا، و أقلّ توزعًا ، لكن ما امتلكه و لم يمتلكه غيره، هو تلك القوة المطيعة، سريعة التحرّك، التي لا يخالط ولاءَها له انتماءٌ إلى بلدة، أو عائلة، أيّة مخاوف أخرى.

في حين عملت أحرار الشام لشهور ( بسذاجة، أو اختراق بعض قادتها، أو بقائهم على الولاء لأبي جابر الشيخ، أو الفكر الجهادي العالمي، و إضمارهم العداء للفصائل ذات المشروع المحليّ ) على تعطيل بعض أسباب قوتها القليلة، كالغدر بجيش الإسلام، و تجمع فاستقم في منطقة بابسقا ( قلعة معبر باب الهوى )، التي كانت صامدة بصمودهما فيها ضد تحرشات النصرة في غير وقت، لتسقط تقريبًا دونما مقاومة حقيقية في المواجهة الأخيرة.

و هي ذات الخطيئة التي كانت منها تجاه صقور الشام في جبل الزاوية، التي كانت إحدى المنطقتين المحسوبتين على الأحرار، اللتين صمدتا في المواجهة الأخيرة ( جبل الزاوية، و منطقة الغاب)، و بصمودهما حافظت على نقاط مهمة انحازت إليها عقب توقيع الهدنة مع النصرة.

هذه سنة الله في الكون، و نواميسه الثابتة، التي لا تحابي أحدًا، بعيدًا عمّا يؤمن به المرء، إنّه التخطيط الجيد، و حسن استثمار الموارد، و قد أفضى بالمنطقة إلى سيطرة الجولاني، الذي عمل و خطط و نفّذ بمهارة و احترافية عاليتين، و فاجأ بذلك قادة الأحرار، و حشرهم في أضيق الزوايا.

وسوم: العدد 731