حل الجماعة أو إزاحة الإسلام؟!

لست معنيا بالدفاع عن الإخوان المسلمين وسلوكهم، فهم أقدر على ذلك حين تتاح لهم الفرصة والوسيلة، أما وهم خلف القضبان ومطاردون ومنفيون ومحكومون بالموت والأسر مع غيرهم من أبناء الحركة الإسلامية، بسبب انتمائهم للإسلام وإيمانهم به دينا ودنيا، وحياة وآخرة، وفكرا وسلوكا، ورؤية وتطبيقا، فمن الواجب أن نقول لمن يحملونهم فشل التاريخ والجغرافيا، وإخفاق المسلمين والعلمانيين؛ ليس من المروءة أن تجهزوا على جريح!

الفروسية الحقة أن تنازل ندا لك في الحرية والسلاح، أما أن تصارع مقيدا أسيرا فهذا عيب لا يليق، اللهم إلا إذا كان المقصود التقرب للبلاط الفرعوني، وتقديم أوراق الاعتماد لديه، ثم الحصول على شيء من الفتات الذي قد يبهر ويغشي العيون.

إن التركيز على مواقف معينة للإخوان والحركة الإسلامية عموما دون النظر إلى ما يحيط بالبلاد على مدى قرنين من الزمان أو يزيد، لهو تفكير غير سديد، ينتج أحكاما غير دقيقة بل منحرفة بل ظالمة.

هناك من يقول مثلا إن حل مشكلة الإخوان والوطن يكمن في حلّ الجماعة. وقد يكون هذا أمرا صائبا، ولكن ماذا بعد الحل؟ هل تعود الدبابات إلى ثكناتها، ويكف العسكر عن التدخل في لعبة الحكم والسلطة؟ أشك في ذلك! هل حل الجماعة يعني أن يستتب السلام في الشرق الأوسط ويعود الفلسطينيون إلى بلادهم ويستمتعوا بالحرية والكرامة والأمل؟ لا أظن فالغزاة يبحثون عن مزيد من الأرض والهيمنة.

إن الجماعة ليست مقدسة، وحزب الوفد ليس مقدسا، وبقية الأحزاب ليست مقدسة حتى في فرنسا، فقد نشأ حزب ماكرون (إلى الأمام) قبل فترة قصيرة، وتكوّن من الشباب، واكتسح بقية الأحزاب اكتساحا مذهلا، وأضحت الأحزاب القديمة التاريخية أثرا بعد عين أو هكذا أضحت! لأن مناخ الحرية ينتج كيانات حقيقة قوية. فهل لدينا مثل هذا المناخ؟ علينا أن ننظر بمنظار دقيق إلى ما جرى في مصر والعالم العربي عقب الحملة الفرنسة الدموية التي قادها السفاح الصليبي نابليون، وأباد فيها ثلاثمائة ألف مصري( سُبْع الشعب المصري يومئذ)، واقتحم الأزهر بخيله، وفتح المجال للطائفيين، وخصوم الإسلام، والعملاء الخونة، الذين راحوا بعد قرنين من الزمان يحتفلون بما اقترفه السفاح المجرم تحت لافتة ( العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا)– أي علاقات هذه؟

لقد خرب الصليبيون العالم الإسلامي وبثوا العملاء في كل مكان واحتلوا العالم العربي، ومزقوه، وأسقطوا الخلافة، وزرعوا الكيان النازي اليهودي في فلسطين، ليتخلصوا من اليهود الأوربيين وشرورهم، ويحولوا بين المشرق العربي ومغربه، ويظفروا بقاعدة عسكرية دائمة رخيصة التكاليف..

وفي مسيرة الإجرام الصليبي كان إدراك الغرب ساطعا لأهمية الإسلام ودوره في مقاومتهم فعملوا بكل الوسائل لتشويهه وتحريفه والتقليل من شأنه ووصمه بالدموية والوحشية، وشجعوا حركات الدروشة البلهاء والتصوف السلبي لتكون بديلا عن الإسلام المقاوم الذي حرر الجزائر وتونس والمغرب وليبيا ومصر والعراق والشام، وأخيرا كانوا من وراء جماعات اللحى التايواني التي تشغل الناس بالأمور الهامشية وتعمل لحساب الأجهزة الأمنية، وتشارك في اللهو الخفي الذي يشغل عن جرائم الاستبداد والطغيان والظلم الصارخ، والدماء البريئة التي تسفك في الشوارع بذريعة كاذبة اسمها تبادل إطلاق النار!

كان تشكيل جماعة الإخوان المسلمين مزعجا للغرب الصليبي واليهود الغزاة معا، وكانت مشاركة الإخوان في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وقتالهم الرائع الذي حقق مع المتطوعين من البلاد العربية أداء مذهلا أصاب العدو بالذعر والخوف (لاحظ أن الشيوعيين العرب أتباع اليهودي المصري الخائن هنري كورييل كانوا الصوت الوحيد الذي وقف إلى جانب اليهود الغزاة في فلسطين، وانتقد قيام الجيوش العربية بواجبها على ضعفها وقلة سلاحها، ووصف ما تقوم به بأنه حرب قذرة!)

بعد أن حقق الإخوان والمتطوعون نجاحات كبيرة ووقفوا على أبواب تل الربيع (تل أبيب)، وساندوا الجيش المصري المحاصر، وزودوه بالمؤن والذخيرة، كان قرار القيادة العليا بإحلال قوات الخائن جلوب الذي تولى قيادة الجيش الأردني، مكان الإخوان والمتطوعين، وبعدها انسحب من قرى ومدن فلسطينية للعدو النازي اليهودي دون قتال، وعاد المجاهدون ليحاكموا في القاهرة، ويتم اغتيال حسن البنا، ويبدأ الحصار لكبرى الحركات الإسلامية التي تعيد الإسلام في جوهره إلى الناس والمجتمع، ولم يتأخر العسكر الذين أعدهم الغرب الصليبي واليهود ليثبّتوا وجود الكيان الصهيوني غير المشروع في بلاد المسلمين ويمنحوه القدس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي وكنيسة القيامة والضفة والقطاع والجولان، نظير إجلاسهم على الكراسي الهشة، وإذلال شعوبهم وتخريب أوطانهم( تأمل ما فعله أديب الشيشكلي والعصابات التي تولت من بعده، والبكباشي النرجسي الحقود وخلفاؤه، وعسكر العراق واليمن والجزائر وليبيا والسودان ومن تشبعوا من الأعراب باستبداد العسكر....).

كانت إزاحة الإسلام هي الهدف الأصلي والرئيس، وكان الطريق إليه بعد تخريب الأزهر ومناهجه هو القضاء على الحركة الإسلامية عموما باستثناء اللحى الخائنة وعملاء أمن الدولة.. لدرجة أصبح معها التحدث عن الإسلام والنطق بمعجمه إرهابا ودعشنة، وموجبا للاستئصال من المجتمع والحياة والوظائف والتجنيد والإعلام والصحافة وكل مرافق العمل الإنساني!

لقد كانت الرصاصة أو الدبابة أقوى من كل الجماعات والأحزاب في البلاد العربية، لأنها لم تكن تُطلق لحماية الحدود والأرض، ولكنها كانت مسكونة بهاجس حماية الكرسي الهش مهما بلغت التكاليف. وبدلا من أن تكون حماية الجماعات والأحزاب طريقا إلى حيوية المجتمع وبنائه وازدهاره، صارت المهمة الأولى هي إزاحتها جميعا، أو إبقاء نظائر كرتونية تصفق وتهتف للجالس على الكرسي الهش، وتكذب على الشعب(تأمل ما أنفقه اليهود الغزاة وصبيانهم الأعراب لإسقاط  الربيع العربي)! 

عباقرة انتقاد الأسرى لا يلتفتون إلى أن الهدف الشيطاني للصلبيين واليهود ليس الحركة الإسلامية وحدها، ولكنه الإسلام. هكذا يسعون إلى وأد الحياة الحقيقية في الأمة الإسلامية، وبعث حياة زائفة تقوم على النهب واللصوصية والجهل وقوة الذراع الغشوم. من المعيب أن نحمّل الحركة الإسلامية تبعة إحراق شباب مصر والمنطقة في صدامات مع سلطات الاستبداد، أو تبعة تجريف الحياة السياسية أو خدمة الأنظمة القمعية بالصدام مع اليسار والناصريين. إن الحركة الإسلامية مهما كانت أخطاؤها التنظيمية والسياسية لا تسوغ إقحام الرصاصة والدبابة لاختطاف الإرادة الشعبية، وأسر الرئيس المنتخب، والحرية التي استمتع بها الناس لمدة عام لم يكتمل؛ لتسود شريعة القتل على الهوية الإسلامية في الشوارع والميادين والبيوت والسجون.. ثم يكون هناك من يمجد الرصاصة والدبابة على حساب الشعب المقهور بدلا من تقدير المقاومة والرفض للجريمة الاستبدادية المنظمة.

الله مولانا. اللهم فرج كرب المظلومين. اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم. 

وسوم: العدد 731