رد الشيخ عِوَض القرني على الدكتور الليبرالي تركي الحمد

ألقى الدكتور الليبرالي تركي الحمد محاضرة في النادي الأدبي في مدينة أبها بعنوان ( خصوصياتنا والعولمة ) ، وقد حضرها جمع  كان بينهم فضيلة الشيخ الدكتور عوض بن محمد القرني، المعروف بمعاركه الفكرية مع الحداثيين في العالم العربي، وتصديه لأفكارهم وأطروحاتهم ، وعمله على فضحهم وكشف مخططاتهم من خلال ما يكتبون ...!

وبعد نهاية المحاضرة قام الدكتور عوض القرني (حفظه الله ) بتفنيد ما طرحه الدكتور تركي ، كما نسف كل أفكاره المتعلقة بموضوع المحاضرة ، وصفق الحضور تصفيقا ً حاراً للدكتور القرني حفظه الله .

وهنا نص مداخلة د . القرني :

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :

فالشكر موصول لنادي أبها الأدبي الذي أتاح لنا فرصاً متعددة في أوقات مختلفة للحوار مع حملة الفكر العلماني والحداثي ، ومن ذلك إتاحة الفرصة لنا هذه الليلة للحوار مع الدكتور / تركي الحمد ، وبادىء ذي بدء أؤكد لكم أني لم اعلم بالمحاضرة إلا قبل ساعتين من الآن ، ولم أعلم بعنوانها وموضوعها إلا بعد أن جلست بينكم في هذه القاعة ورأيت ذلك مكتوباً على المنصة ، ولذا أعتذر سلفاً عما قد تسمعونه من اجتزاء وعدم إحكام لا في اللفظ ولا في المعنى ؛ ولكن الإغراء الوحيد الذي دعاني للحضور هو اسم تركي الحمد فقط ، فأنا متابع لإنتاجه منذ سنوات ، أحتفظ له بأكثر من مئتي مقالة ، وقرأت رواياته كلها وأكثر مؤلفاته وسيكون تعقيبي عليه في النقاط الآتية : 

أولا ً .. عند محاولة فهم ما يطرحه الدكتور تركي الحمد في محاضرته لابد من وضع كلامه وأفكاره هذه الليلة ضمن سياقها الطبيعي في منظومة أفكاره وفلسفته العامة، من خلال إنتاجه الفكري متكاملاً فهو : مفكر علماني ابتدأ حياته ناصرياً فبعثياً ملتزماً فشيوعياً ثم انتهى إلى الليبرالية المادية ، التي أصبح من مفردات خطابه من خلالها تنحية الأخلاق عن الفكر والسياسة فهو يتحدث في رواياته عن سيرته الذاتية ويذكر بالتفصيل المشاهد الجنسية مع غير الزوجة مرات متعددة وشرب الخمور والسخرية بالدين والمتدينين. وكذلك من لوازمه الفكرية سابقاً وحاضراً الهجوم على الإسلام ودعاته و مفكريه والحقد على شعائره وأحكامه وتاريخه في كل فرصة تتاح لذلك. 

ثانيا ً.. حين وقع بصري على عنوان المحاضرة "خصوصياتنا والعولمة" توقعت من مفكر يحترم نفسه ويحترم الآخرين أنه سيحدثنا عن خصوصياتنا ما هي؟ وكيف نحافظ عليها ؟ وعن العولمة وكيف نتعامل معها ؟ ولكنني فوجئت مع الأسف بكلام ينم عن جهل أو سوء قصد أو استخفاف بالمستمع أو بهذه جميعاً. لم نسمع الليلة إلا حضاً وحثاً ومحاولة مستميتة للإقناع بالانخراط في العولمة بحلوها ومرها وغثها وسمينها والانسلاخ والتخلي عن الخصوصية ، دون أن يكلف نفسه عناء الحديث عن هذه الخصوصية ما هي؟ ولا عن هذه العولمة ما هي ؟ وهكذا يلح المحاضر بقوة على انه يجب البحث عن المشترك مع الأخر والتجاهل للمختلف معه ، والتغاضي عنه ، وتجاوزه ونسيانه؛ والمشترك هنا هو العولمة والمختلف هو الخصوصية. ثم يبلغ الاستخفاف مداه حين يعترض على من يعرّف ويحدد الهوية أو العروبة أو الإسلام ولا أعلم أي شيء سيبقى في حياتنا له قيمة حين نتغاضى و نتجاهل تحديد وبيان هويتنا وعروبتنا وإسلامنا وكيف يمكننا حينئذ التمسك بها..

ثالثا ً.. يبلغ الأمر به مداه حين يحاول في سفسطة مكشوفة أن يزعم أن الحديث عن ما يسمى بالغرب حديث هلامي وأن هذا الغرب لا يمكن تحديده ... - سبحان الله - !! الغرب بحضارته ودوله وفلسفاته وتاريخه وإمكاناته هلامي لا يمكن تحديده ولا أعلم هل الـدكـتور يـعي ما يقول أم انه يـمـثــّل على خشبــــة الـمـســـرح !! 

رابعا ً .. تحدث الدكتور عن الحضارة ، وأنــكر أن يكون هناك حضــارات متـعــددة وقـــــال ( إن الحـضـارةالإنـس ـانـيــة واحــــدة عـبـر التـاريـخ ) .. ثم عاد فناقض نفسه أثناء الحديث وردد كثيراًً الحضارة البابلية والحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والحضارة العربية... الخ. وكلامه ليس بصحيح فللحضارات قواسم مشتركة ، ولكل حضارة خصائص تنفرد بها ولا ينكر ذلك إلاّ مكابر..! 

خامسا ً.. وتحدث عن الثقافة كقسيم للحضارة في حياة الأمة، وقــــال إن الأصــل بين الثـقـافات الـتـصالح والتــسامـح لا الــصـراع إلا اذا سُيّـسـت الــثـقـافـة .. وإني لأتساءل في هذا المقام ، هل عـــداؤك للـثـقـافة الإســلامـية مسيّــس؟؟!! وماذا تقول في قوله سبحانه وتعالى (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم))؟؟!! الثقافة الإسلامية ثقافة منفتحة لكن لها ضوابطها ولها ثوابتها التي يجهلها العلمانيون ويسعون لإزاحتها وتلك شنشنة نعرفها من أخزم. 

سادسا ً .. اتهم الـدكتـور الإسلاميين بأنهم نتاج الحداثة وإن تظاهروا بالأصالة ودلل على ذلك بأن اكثر خريجي كليات الهندسة منهم ، وهذا جهل منه فاضح بما سبق الإشارة إليه من انفتاح الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية ومن يمثلها على كل نافع مفيد وتفريقهم بين ما هو إرث مشترك بين جميع الأمم كالهندسة والطب والعلوم ، وما هو من خصائص كل أمة في الفكر والعلوم الإنسانية والأخلاق والقيم ، وهذه شهادة من علماني للإسلاميين حيث إن أكثر مثقفيهم يتوجهون للتخصص النافع المفيد بينما اغلب العلمانيين ذهبوا للغرب لدراسة العلوم الإنسانية بل لدراسة الأديان واللغة العربية . 

سابعا ً .. يقول الدكـتور بالحرف (لــيس هنـاك ثــبـات مــطــلــق لأي شـــيء). وهذا الكلام خطير وأثر من آثار التشبع بالليبرالية.. وماذا يقول الدكتور في ربوبية الله وألوهيته وبقية أصول الإسلام وقطعياتها؟ وماذا يقول عن الأخلاق والقيم والحق والباطل والهدى والضلال؟؟ بل ماذا يقول في حواس الإنسان !!

ثامنا ً .. ويؤكد الدكـتور (أن عـناصـر الهــويــة متـغيـّرة مــتـحـولــة) .. وهذا يصدق عليه وعلى أمثاله ممن عاشوا حياتهم متسولين على موائد الأفكار العلمانية لهم في كل يوم قـــبــــلـة جـديـدة وهــويـة جديدة؛ بل وكل هوية منها متماهية متناقضة (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً)) .. ولذلك نجد تعليل هذا الطرح الخاطىء السابق من الدكـتور تــركــي الـحــمد نفسه في قوله ( العمى الثقافي الذي نعيشه ) وكلامه هذا يصدق على نفسه وأمثاله من العلمانيين فاقدي الهوية والوجهة... !

تاسعا ً.. ومن آثار التبعية الثقافية للغرب والتسليم له بكل ما يقول قول المحاضر( حين اكتَشَفـَنـا الغرب أو اكتشفناه في القرن السابع عشر أو الثامن عشر ) .. فهذه المقولة تكريس لما في الثقافة الاستعمارية الغربية من أن أي مكان في الأرض يبقى مجهولاً وغير مأهول بالإنسان حتى يصله الغربي ويسيطر عليه عسكرياً واقتصادياً أو على الأقل فكرياً وبالإضافة لهذا فالواقع التاريخي يقول: (( أننا محتكون بالغرب منذ أربعة عشر قرناً في الفتوحات الإسلامية ثم في الحروب الصليبية )) .. فما هذا الجهل الفاضح الذي يتحول به مفكرونا ودكاترتنا إلى بـــبــــغــــا وات تردد مــا تـُـلـقـن بلا وعــي و لا فــهم ولا عــلم... 

عاشرا ً .. وأخيـــــراً فإنني إحساناً للظن بالدكتـور وأمثاله من أبنائنا لا أعزو ما هم فيه من انبهار بالغرب وتيه وتناقض في صحـاري فلسفاتــه وأفكـاره .. وعـداء مـع ديـنـهـم وأمـتـهـم إلا إلى الجهل بدين الإسلام وتاريخ الأمة ، وتقليد الـعـلـمانــييـ ن الغـربـييـن في كيفية تعاملهم مع النصرانية المحرفة الخرافية فيما سمي بعصر التنوير في الغرب.. !

أشكركم مرة أخرى .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وسوم: العدد 732