دونالد ترامب ونبوءات سقوطه وانهيار أمريكا

عبدالعزيز الكحلوت

في حياة دونالد ترامب نبوءات كثيرة له وعنه نعرض بعضها، ومنها ما تحقق ومنها ما لم يتحقق. ففي حديثه مع المذيعة الشهيرة أوبرا وينيفري قبل ثمانية وعشرين عاما سألته حول ما إذا كان سيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية فأجاب « إذا أقدمت على ترشيح نفسي فسأفوز..أنا لا أخسر أبدا». 

أما النبوءة الثانية فكانت للمخرج السينمائي الأمريكي مايكل مورالذي كتب في يوليو/تموز من عام 2016 مقالا افتتحه قائلا» يؤسفني أن أكون حامل الأخبار السيئة سوف يفوز دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني» وقدم أسبابا تبرر هذا الفوز والطريف أن مايكل مور أخذ فريق عمله والمصورين ليجري لقاء مع دونالد ترامب بعد فوزه لكن الأخيرمنعه. لم يكن مايكل مور وحده من تنبأ بفوز ترامب فقد سبقه في عام 2010 ناعوم تشومسكي حين قال « الولايات المتحدة تعيش حالة مزاجية مفزعة ومستوى الغضب والإحباط وكراهية المؤسسات ليس منظما بطريقة بنّاءة وهو ما قد يقود إلى صعود اليمين المتطرف في أقرب انتخابات». 

وقال إن صعود رمز يتمتع بالكاريزما في المجتمع الأمريكي سيكون خطرا عليها. وقد تنبأ أيضا مقطع من فيلم « العودة إلى المستقبل»المنتج في عام 1989 بظهور شخص شعبوي تاجر عقارات شبيه بترامب ذي شعر أصفر يدعى Biff يندفع إليه الناس مرددين «بطل أمريكا القومي» وهو توقع لم يتحقق بعد لأن الرئاسة شيء والبطولة شيء آخر». أما عالم النبوءات الروسي فاسيلي نيمتشين الذي عاش في القرن السادس عشر فتنبأ بأن الرئيس الرابع والأربعين لدولة كبرى ستنشأ في شمال أمريكا سيدفع بها إلى السقوط. ولما كان باراك أوباما هو الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة وهو الأمر الذي يفسد النبوءة فقد سارع عالم النبوءات المعاصر بافل غلوبا إلى طمأنة المؤمنين بالنبوءة وقال إن الرئيس باراك أوباما هو الرئيس الثالث والأربعين لأن غروفر كليفلاند الذي ذاع صيته بعدما قام بافتتاح تمثال الحرية عند مدخل ميناء نيويورك في نهاية القرن التاسع عشر كان الرئيس الثاني والعشرين والرابع والعشرين في آن واحد للولايات المتحدة ما يجعل أوباما الرئيس الثالث والأربعين ودونالد ترامب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة.عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ، المختص بعلوم السلام تنبأ هو الآخر بانحسار دور الولايات المتحدة كقوة عالمية خلال فترة تولي دونالد ترامب الرئاسة وبانهيار»الإمبراطورية الأمريكية» قبل عام 2020. 

ويرى اليوم أن تولي ترامب للرئاسة سيسرع من هذا الانهيار. وكان غالتونغ قد تنبأ باندلاع الثورة الإيرانية وبوقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ايلول 2011 واشتهر بتنبؤه بسقوط الاتحاد السوفيتي. أما النبوءة الغريبة فقد جاءت من المسلسل الكارتوني عائلة سيمبسون الذي تنبأ عام (2000) بوصول ترامب إلى الرئاسة وبانتهاء عهده بإفلاس البلاد وقد تحقق الجزء الأول من هذه النبوءات وأصبح دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لكن الجزء المتعلق بسقوط أمريكا وإفلاسها لم يتحقق بعد فهل يتحقق بعد انتهاء ولايته أو أثناءها فلا يتمكن من إتمام فترته الرئاسية. 

المؤشرات حتى الآن ترجح فرضية سقوط ترامب وعدم إتمامه لفترته الرئاسية ولا تستبعد في الوقت نفسه تفكك أو انهيار الولايات المتحدة ومن هذه المؤشرات أولا ضراوة الحملة السياسية والإعلامية التي تشن ضدّ الرئيس الأمريكي منذ اليوم الأول لتنصيبه سواء في وسائل الإعلام الرئيسية أو داخل أروقة الكونغرس بشأن علاقته المزعومة بروسيا وإعاقته عمل القضاء أوتجاوزه الدستور باستغلاله منصبه من أجل جني المال لفنادقه ومنتجعاته وشركاته أو انفضاض بعض شخصيات الحزب الجمهوري عنه وهو الأمر الذي اتضح عند محاولته إلغاء «أوباما كير» ثم اضطراب العلاقات الروسية الأمريكية وغموض مآلات هذه العلاقات على ضوء عودة الحرب الباردة وتعاظم الدور الروسي في العالم وخاصة في الشرق الأوسط وأوروبا. وثانيا انتماؤه الشديد للمسيحيين البيض البروتستانت الـ WASPوتأييده لهم من خلال أدائه السياسي خلال الأشهر القليلة الماضية التي حكمها فقد أكدت أحداث العنف التي وقعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا الشهر الماضي بين مجموعات نازية وعنصرية جاءت من خارج المدينة ومجموعات من أهل المدينة مناهضة لها الوجه العنصري لترامب ومستشاريه عندما تلكأ في إدانة النازيين الجدد والعنصريين البيض ولا تقلل استقالة مستشاره الأعلى ستيف بانون اليميني المتطرف والمؤيد لتجمع دعاة تفوق العرق الأبيض من هذه العنصرية. 

فترامب وإدارته مازالوا ينتهجون سياسات معادية لطبيعة المجتمع الأمريكي القائم على التنوع فالمجتمع الأمريكي في الأصل مجتمع مهاجرين ويشكل المهاجرون غير البيض نحو36% من مجمل السكان وهم الأسرع نموا والأكثر شبابا. سياسات ترامب المعادية للأقليات تهدد بالفعل السلم الاجتماعي فتهديده بطرد 11 مليون لاتيني يقفز فوق حقيقة هامة تتمثل في وجود نحو 47 مليون مواطن امريكي من أصول أسبانية وبرتغالية (الهيسبانك) كما أن فوزه جاء مخيبا لآمال كل الذين وقفوا مع حقوق الإنسان وضد التمييز والعنصرية. وكانت ولاية كاليفورنيا، وهي الأكثر عددا والأكثر تمويلا للخزانة الأمريكية، قد شكلت لجنة «نعم كاليفورنيا» (YesCalifornia) في أغسطس/آب عام 2015 لإجراء استفتاء في الولاية بحلول 2019 من شأنه أن يبدأ في الطريق الطويل الذي قد يؤدي إلى الانفصال القانوني عن الولايات المتحدة CalExit. 

ومن المؤشرات انتهاجه سياسة ضريبية منحازة للأغنياء على حساب الفقراء. وقد كشفت دراسة أجرتها صحيفة الغارديان عن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء فالاغنياء يملكون حصة أكبر من الثروة في شكل ملكيات أو استثمارات مالية وعقارية وبالتالي فإن مردود رأس المال أعلى بكثير من مقابل العمل (الأجور). وحسب الدراسة فإن الأغنياء لا يدفعون الضرائب بما يتناسب مع الثروات التي يجمعونها وجاءت الخطة الضريبية المقترحة من إدارة ترامب لتخفض ضريبة الشركات من الحد الأقصى الحالي وهو 35% أو أكثر إلى نسبة 15% فقط بينما تقترح الخطة تخفيض ضريبة الدخل على الأفراد من 39.6% لأعلى شريحة إلى 35%. ويرى الخبراء أن من شأن هذه السياسة الضريبية زيادة العجز تريليونات الدولارات الإضافية وكذلك اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء. 

وكانت حركة « احتلوا وول ستريت « قد عبرت عن استياء الجماهير من الوضع الاقتصادي ومن عمليات الإنقاذ المالي التي ذهبت لصالح أصحاب الشركات الكبرى. وترى أن 1% فقط من الأثرياء الأمريكيين يملكون 40% من الثروة ولذلك فإن من حق التسعة والتسعين في المئة أن يكون لهم نصيبهم من الثروة لذا كانت احتجاجات وول ستريت بسبب سوء توزيع الثروة. ومن المؤشرات الأهم وقوف ترامب في وجه العولمة وتصميمه على بناء الجدار العازل بين بلاده والمكسيك وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية النافتا التي تربط بلاده بكندا والمكسيك ورغبته في استعادة الاستثمارات والصناعات الأمريكية من الخارج والمقدرة بنحو 2.6 تريليون دولار وزيادة الضرائب على الواردات وفرض الطريقة الأمريكية في عقد الصفقات التجارية وهو ما سيؤدي حتما إلى عزلة أمريكا وانخفاض حصتها من التجارة العالمية وعودة شركاتها العابرة للقارات إلى الداخل الأمريكي فيما يشبه الإنقلاب على العولمة وعلى منظمة التجارة العالمية. 

ومن المرجح أن يؤدي ذلك في المقابل إلى الركود وخسارة الوظائف وانهيار حصيلة الضرائب وزيادة العجز و الإضرار المباشر بالقطاع الأمريكي الخاص الذي يشكل55.3 % من مجمل الاقتصاد الأمريكي وزعزعة ثقة أكبر شركائها التجاريين كالصين وكندا والمكسيك واليابان وألمانيا بها وإلى امتناع الدول عن شراء سندات الخزانة الأمريكية وبيع ما لديها من أصول ومن سندات بلغت قيمتها (6.4) تريليون دولار من اجمالي دينها العام البالغ (19.188) تريليون دولار في الوقت الذي يتوقع فيه مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي نمواً للدين العام يصل إلى 22.6 تريليون دولار بحلول عام 2020 بما يعني عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها واستمرار حاجتها للاستدانه من الخارج وبينما كان على الإدارة الأمريكية لخفض الدين العام خفض الإنفاق العام بمقدار تريليوني دولار في العام إذا بها تنفق 4 تريليونات دولار خلال العام الماضي. 

وإذا استمر الحال على ماهو عليه فإن إفلاس الولايات المتحدة وعزل ترامب لن يكونا نبوءة أو رجما في الغيب بل حقيقة ماثلة للعيان.

وسوم: العدد 737