تحيا فرنسا.. تسقط دماء المصريين!

أخيرا صحّ ما توقعت. فقد عادت مشيرة خطاب بخفي حنين!

كتبت قبل شهور محللا فكرة ترشيح هذه السيدة لقيادة منظمة اليونسكو الدولية التي تعني بالتربية والثقافة والعلوم. وقلت إنها لن تفوز في الانتخابات المقررة في شهر أكتوبر 2017، لأن المرشحين العرب كانوا خمسة، وأن فرنسا أعلنت في آخر لحظة قبل إغلاق باب الترشيح عن مرشحتها اليهودية من أصول مغربية، والمسألة ببساطة تعني أن تفتيت الأصوات سيمكن فرنسا من الفوز بسهولة، وهو ما حدث فعلا يوم 13/10/2017م، وبعدها انطلق أحد الأشخاص المقربين من الانقلاب العسكري الدموي الفاشي هاتفا: تحيا فرنسا تسقط قطر!

هذا الشخص لو كان ينتمي لدولة تحترم تاريخها وكرامتها ووجودها، لحاكمته على الفور، وعاقبته بأشد العقوبات، وللأسف يبدو أن الانقلابيين يقصرون احترام التاريخ على تحية العلم بهتاف بائس خافت لا يخرج من القلوب والصدور بقدر ما يعبر عن أداء واجب ثقيل!

الشخص الذي هتف لفرنسا وأسقط قطر؛ ارتكب جريمتين:

الأولى: أنه أعلن موافقته ضمنا على ما اقترفته فرنسا في بلاده والعالم العربي من مذابح وحشية وعمليات نهب منظمة مازالت مستمرة حتى اليوم، لا تسقط بالتقادم، ولا تزوير الطبقة المثقفة الخائنة للتاريخ، ولا احتفالاتهم بما يسمى العلاقات الثقافية مع فرنسا، ولا بما يرددونه صباح مساء عن باريس بلد النور والحضارة.

لقد ذبح السفاح نابليون في حملته على مصر أواخر القرن الثامن عشر سُبع الشعب المصري. وقتل أكثر من مليون شهيد في الجزائر، وقضى على ثقافتها ولغتها العربية، وكون نخبة أو طبقة أو حزبا من أشد الأحزاب خيانة ووحشية وولاء له، ومازال حتى اليوم يقتل المسلمين في جمهورية مالي من أجل تأمين منهوباته من الثروات المعدنية الثمينة ( فوسفات وذهب ويورانيوم وماس..).

الأخرى: أن قطر والبلاد العربية الأخرى جزء منا ونحن جزء منها، والخلافات التي تجري اليوم بين الأنظمة العربية؛ ستنتهي غدا أو بعد غد، كما جري ويجري منذ عقود بل من قرون. ولا يجوز أن نهتف ضد أنفسنا. ولذا لم يكن بيان وزارة الخارجية الغاضب الذي ينفي أن "الهتّيف" المذكور ليس دبلوماسيا، ولا ينتمي إلى المسئولين الحكوميين بصلةٍ موفّقا. وبدلا من أن يدين تصرفه المشين، ويلقنه درسا في الحرص على احترام تاريخ الوطن وكرامته ووجوده، انتفض لأنه نُسِب خطأ إلى وزارته، ولم ينتفض من أجل الجريمة التي ارتكبها المذكور ضد الوطن والتاريخ. وهذا خلل في تفكير السلطة الغشوم وسلوكها ورؤيتها للأمور!

لقد ظهر المذكور في صور ودية عديدة مع وزير الخارجية الحالي (سامح شكري) ومع وزير الخارجية الأسبق ورئيس حملة المرشحة المصرية لليونسكو(محمد العرابي)، مع صور أخرى في مقر اليونسكو وانتخاباتها بما يؤكد أنه قريب للنظام ويعمل بوحيه ويسير على خطاه، فانتماؤه الانقلابي أقوى من الانتماء للدبلوماسية المصرية. ولذا يتحمل من يحتضنونه مسئولية أولى في جريمته النكراء!

إن هذا الشخص الذي هتف لفرنسا وأسقط فطر، يعلم يقينا أن هتافه لفرنسا هو هتاف لليهود الصهاينة ولليهودية الصهيونية التي فازت وتربت في المغرب الشقيق، وهو أيضا هتاف لرئيسة الجالية اليهودية المصرية، التي باركت مشيرة خطاب المرشحة المصرية لليونسكو، ونشرت صورة معها وهي تباركها، مما يشير إلى الولاء الأهم عند الشخص الهاتف والمرشحة والنظام العسكري الحاكم للسادة اليهود الغزاة!

الأمر من وجهة نظري طبيعي للغاية، فقد بذل اليهود الغزاة جهودا جبارة لإسقاط النظام المصري العربي الإسلامي الذي جاءت به الإرادة الشعبية المصرية في انتخابات نزيهة، ليحل مكانه الحكم العسكري السافر في 30 يونيو 2013. ( اعترف بذلك كتابة الطائفي المعادي للإسلام عماد جاد!)، ويصبح قائد الانقلاب بطلا قوميا للكيان اليهودي الصهيوني، ويستمتع وزير خارجية الانقلاب بمشاهدة مباراة كرة قدم في بيت رئيس القتلة اليهود بنيامين نتنياهو(!) فالولاء لليهود الغزاة مسألة طبيعية!

حين يتخلى النظام الحاكم عن ولائه الطبيعي لأهله وقومه، ويغدق عواطفه ومشاعره- إن كانت له عواطف ومشاعر- على من ذبحوا شعبه وقومه وأمته، وأذلوا عسكره في 1967- وكنت شاهد عيان- وجعلوا الجنود والضباط يمشون حفاة عراة في لهيب الصحراء التي لا شجر بها، لا زرع ، لا ماء، حينئذ يصبح السلوك الشائن من شخص يؤيد النظام العسكري مسألة طبيعية!

حين يتخلى النظام العسكري الحاكم عن التفكير بعقله وذهنه، ويفكر بلسانه وعضلاته، فلا تتوقع منه أن يحاور أشقاءه العرب، أو يختار الشخص الطبيعي للقيادة المحلية أو الدولية.

كان يفترض حين يكثر المرشحون العرب أن يجلس معهم ويرى صاحب الأولوية في الترشيح، ومن هو أقدر على إحراز الفوز من أي عاصمة عربية كان، والوقوف وراءه بكل قوة، وقيادة المجموعة العربية والإسلامية والإفريقية للتعبير عن وحدة معنوية وفكرية تقدم للعالم كله موقفا موحدا محترما، ولتكن النتيجة ما تكون، ولكن سياسة " كيد النساء" التي تستعين بالرداحين والرداحات وكيل الاتهامات هنا وهناك، وتلويث سمعة الدول المشاركة في التصويت بالرشوة والتبعية وغير ذلك، جعل صورة النظام العسكري الحاكم غير طبيعية!

في عام 2009 اختار النظام العسكري بقيادة مبارك وزير الثقافة فاروق حسني ليدخل معركة اليونسكو، وطبق المنهج ذاته، ولكنه أخفق بعد أن كان على وشك الفوز، وزيادة في مكايدة الشعب والعرب، قال للمهزوم: " ارم وراء ظهرك يا فارق!" – ما أتعس كيد النساء!

ويعلن الانقلاب اليوم عن تكريم المرشحة المهزومة في مجلس النواب الانقلابي، وتهنئتها على العودة بالسلامة – ما أشبه الليلة بالبارحة!

كل من يحمل ذرة من فكر أو عقل يعلم أن وصيفة السيدة جيهان لم تكن صالحة بشخصها ولا بمن تمثله للمنصب الأممي الرفيع، فهي سيدة لا تربطها بالثقافة إلا فكرة تحديد النسل الفاشلة، وختان البنات الذي لا يمثل قضية كبرى في المجتمعات. كان الناس يتصورون مثلا أن يتم ترشيح "زاهي حواس" على ما فيه وعليه من شبهات، لأنه يرتبط بالمجال الثقافي العالمي، ولكن سيدتنا المهزومة، لم تكن لها علاقة بالثقافة من قريب أو بعيد، اللهم إلا إرضاء السيدة الأولى، وتنفيذ رغباتها! واللهم لا شماتة! فالملايين التي ضاعت في هذه المغامرة كانت ترصف طريقا طويلا يخدم المصريين التعساء!

الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! 

وسوم: العدد 742