وعد بلفور.. مَن الذي يمكنه تصحيح مسار تاريخي خاطئ؟

لقد كانت الضربة التي وجهها الإنجليز للعرب وحركتهم القومية هي تجزئة البلدان العربية، من خلال سياسة (فرق تسد)، والشروع في تأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين على أرضية تنفيذ وعد بلفور، ومن أوجع الضربات أثراً في كيان العرب وأهدافهم، وكانت أشدها وطأة على شعب فلسطين، إذ كتب على هذا الشعب أن يبقى صاحب قضية لا صاحب وطن.

وكان وعد بلفور بمثابة إرادة دولية امبريالية، شكلت حجر الزاوية للمشروع الصهيوني، وتجسد ذلك الوعد واقعاً مريراً، بما تضمنه من تزوير تاريخي، وإنكار لحقوق شعب فلسطين، وإهدار لها، خاصة حقه في تقرير مصيره.

ورغم مرور مائة عام على وعد بلفور، وعصر العولمة، وتراجع النفوذ الاستعماري ومؤسسات حقوق الإنسان، واندحار العنصرية إلا أن ثقافة السيطرة وانتهاك الحقوق لم تفارق العقلية التي تتحكم في مصائر الشعوب المضطهدة، والتي يشكل الشعب الفلسطيني أبرز صورها.

وإنَّ من أشد ما يؤرق الضمير الإنساني أن تحتفل بريطانيا بالذكرى المئوية لوعدها، الذي أصبح يعتاش على أنقاض مقدرات الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي لم يسيء لأحد يوماً، وكان حرياً بزعيمة الاستعمار العالمي سابقاً أن تعتذر وعلناً للشعب الفلسطيني، والأمة العربية، وتعويضه، ولكن الضمير العالمي كان ولم يزل متردياً.

وفي هذه المناسبة، لا بدَّ من التأكيد أن شكوى بريطانيا للجنائية الدولية وحقوق الإنسان، هو حق شرعي وطبيعي لمحاسبتها على ما اقترفته بحق الفلسطينيين، ولكن مَن يجرؤ على امتلاك القوة التي يمكنها تصحيح مسار تاريخي خاطئ؟

ورغم استمرار تداعيات وعد بلفور، ها نحن نكتب بلا تردد، لنسجل مأساة شعب فلسطين، وما خلفوه وراءهم عند اقتلاعهم من مدنهم وقراهم، والأمل يراودهم بالعودة إلى ديارهم التي ما تزال مفاتيحها في جيوبهم، ولا يعرفون اليأس ولا القنوط مهما تكررت العثرات، وتوالت العقبات، وذلك لإيمانهم بالممكن بكل معانيه وأبعاده، والتصدي للأكذوبة القائلة (أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض)، ولنؤكد على عدالة قضية شعبنا وهويته العربية، وتراثه المادي والمعنوي، وكلنا ثقة بأن الشعب الفلسطيني الذي صمد طوال ألوف السنين، برغم جميع المآسي والكوارث والحروب والاحتلالات، لن يُقضى عليه؛ بل سيعود إلى أرضه، مهما تلبد الأفق بالغيوم، وطال الدرب، وتراجع الحق، كما عاد بعد كل محنة مرت به!!.

وسوم: العدد 744