هل بات تفجير المنطقة العربية مطلبًا إيرانيًّا عاجلاً؟

لم تضع الحرب ضدّ (داعش) وأخواتها أوزارها بعدُ، حتى فُتحت جبهة الصراع بين (واشنطن- وطهران) على مصراعيها بعد الاستدارة السياسية الأميركية الكاملة، الذي تشي التطورات بأنه سيتصاعد، وسيكون عنوان المرحلة المقبلة بامتياز . فالأمر مختلف هذه المرة عن السابق، نتيجة لإعلان (ترامب) عن إستراتيجية جديدة ضدّ إيران ووكلائها ومرتزقتها، بالمقابل تمارسُ طهران سياسة الإحماء للنزول بكامل أوراقها من مليشيا ومرتزقة وخلايا نائمة، ولتُلقي أساساً بثقلها في هذا الصراع، متوعّدة بتفجير الإقليم العربي برمته . 

المتابعون لأسرار السياسة الإيرانية، يدركون تماماً أن تداعيات الربيع العربي، والسياسات الأميركية العبثية في عهد بوش الابن، وأوباما كانت أكبر “هدية” قُدّمت على طبق من ذهب لإيران، حيثُ يمكن اعتبار ما جرى في المنطقة قد جاء بسبب التدخلات الإيرانية بمثابة" اللعنة " التي حلت بالمنطقة، نتيجة إلى ما قامت به من تفجير للقنبلة النووية المذهبية التي أرجعت المنطقة قروناً إلى الوراء، بعد أن تم تدمير قدرات دول أساسية كانت تُشكل حجر الزاوية في رحى الأمن القومي العربي؛ وفي مقدمتها العراق الذي كان يمثل جدار برلين العربي وبغيابه اختل التوازن لصالح قوى كإيران، ما جرى بالتأكيد لم يكن حدثاً عادياً في المنطقة، باعتبار حجم التأثير والدور الذي كان يضطلع به، وغياب فكرة البديل الإستراتيجي .

 الأخطرُ من ذلك أنَّ الإطاحة بالعراق قد أسهم في تفجير أكبر قنبلة مذهبية وطائفية في التاريخ الحديث، حيث باتت تعيش المنطقة العربية ومنذ نيسان عام 2003م، وهو تاريخ احتلال إيران للعراق، وحتى يومنا هذا حلقات تراجيدية من الدراما الدموية السوداء ممثلة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية التي فتت الجسد العربي ومزقته أشلاء .

 جُلنا نفهم إيران، النظام الدموي الطامح لتدشين إمبراطورية الخلاص الإلهي مهما كلّف ذلك من.تقديم قرابين بشرية عربية، ووفقاَ لنبوءات يطلقها أبطال الحوزات من خلال فتاوى معدّة سلفاً للتبشير بعودة (المخلص الموعود)، الذين تذكرني فتاويهم بأفلام مصاصي الدماء .

 لكننا في الحقيقة ما نودّ إعلانه أيضاً أن إيران تستعدُّ بجدّ لتسخير كل ما تضع يدها عليه من كروت إقليمية لزجّها في ساحات المواجهة مع واشنطن، وممارسة هوايتها المضلة من خلال البراعة في توظيف حروب الوكالة. انسجاماً مع ما أعلنه (إبراهيم يزدي)، وهو أحد أقطاب المعارضة الإيرانية ووزير خارجية سابق: " إن آخر حرب مباشرة خاضتها القوات المسلحة الإيرانية كانت أمام العراق، وانتهت عام 1988م. لتكون بذلك أخر حرب مسلحة مباشرة تخوضها إيران، وكان الخميني بحاجة لها بشكل عاجل ليحرق بذلك ما تبقى من قوات الشاه المهزومة، وهذا سيؤدي إلى التخلص منها، بعد الزج بها في أتون حرب مدمرة خشية من انقلابها وبالتالي الإطاحة بالثورة الوليدة " .

بعد الثورة صار الجيش النظامي الإيراني وقوات حرس الثورة يُقاد من قبل المرشد ، و تم على ضوء تجربة إيران إيكال مهمة معارك إيران الخارجية إلى شبكة الأمان " المصدات "، والتي هدفها إبعاد خطر الحروب عن الحدود الإيرانية؛ مُمثلة بالمليشيات والخلايا والشبكات الإرهابية التي جهدت إيران في بنائها على امتداد الجغرافيا العربية ؛ «حزب الله وأنصار الله بفروعه » في لبنان والبحرين وجزيرة العرب واليمن ، وأكثر من 31 مليشيا متعددة الجنسيات بأسماء وألقاب ما أنزل الله بها من سلطان ، كلها تحارب تحت إمرة ولي أمر " المسلمين " خامنئي، وبدعم وتوجيه من "رامبو إيران " الجنرال قاسم سليماني .

 أثار سخريتي بالأمس ما طبل له الإعلام الإيراني من رسالة تضامن بين الجيش والحرس الثوري على اعتبار أنهما كالبنيان المرصوص للدفاع عن إيران، وفي نفس السياق دخل الرئيس ( روحاني) على خط ضرورة تسريع الجيش والحرس لإنتاج الأسلحة والصواريخ .... لكن يا سيد (روحاني) ما أفهمه أنا أن صواريخك وطائراتك ... وكل أسلحتك، لن تتجرأ بها على خوض أية مواجهات عسكرية رغم صناعها، الذي لا يكل ولا يمل الإعلام الإيراني يومياً عن سردها، وما نفهمه أيضاً أن سفنكم وبوارجكم وقوارب صيدكم وطائراتكم المدنية تبحر سراً وتسافر جواً إلى موانئ ومطارات عواصمنا العربية لتنقل أسلحتكم ومرتزقتكم لتعيث بها خراباً وتدميراً ، و التي تقاتل تحت إمرة جنرالكم سليماني الذي يتخفى بجنح الليل ليصول ويجول في طول البلاد وعرضها .  وفِي آخر نهفات مواقف إيران الرسمية، أعلنت حكومة طهران أنها تنوي تنسيق الجهود بين أجهزة استخباراتها وكل من استخبارات أفغانستان وباكستان، والتعاون معها للتعرف أكثر على كيفية انتقال الشبكات الإرهابية والخلايا التخريبية عبر إيران وإليها .

 بموازاة ذلك بشرتنا طهران أنها ستدير في قادم الأيام حرباً لا هوادة فيها في حال قامت إدارة ترامب بإلغاء الاتفاق النووي، وتسابق مسئولو النظام متوعدين بالويل والثبور من أن طهران ستقلب الطاولة على ترامب في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان..... والقائمة تطول والجغرافيا تتسع، هذا عدا عن توقعها بقرب سقوط صواريخ الحوثي على السعودية وأبوظبي ومفاجأة غير ساره في البحرين. طبعاً لا نستبعد كذلك إعادة تحالف إيران مع القاعدة ، وداعش وأخواتها، ويصبح قادتها في ضيافتها كعادة الولي الفقيه، حتى تتمكن طهران من الاستمرار في شن حروبها وإلحاق الضرر بالعالم العربي وتدميره؛ مما يدفعنا للتساؤل: هل يُعدّ تفجير المنطقة العربية مطلبًا إيرانيًّا عاجلاً لمواجهة واشنطن ؟.

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 744