بعد أن أرهقوا ثورتنا بقاعدة : لكل ممول فصيل، هل سيكون لدينا : " لكل ممول حكومة ؟!"

منذ الأيام الأولى لعسكرة الثورة السورية لاحظ المراقبون تعدد الفصائل والألوية والرايات ، كانت الرايات في جملتها تتدارى تحت عناوين إسلامية ذات طبيعة تاريخية ، تتعلق بأيام الفتح الأول أو بقادته ، فإن تجاوزت ذلك ، قفزت إلى مسمى ( الشام ) ، الحبيب إلى العقول والقلوب ، والمثير لجدل المجادلين وتشكيك المشككين على أكثر من صعيد ..

لم يمض عام على مسمى ( الجيش الحر ) الذي أنس منه الجميع عنوانا وطنيا جامعا ، ومواجها لحقيقة جيش ( العبيد ) أو ( المجرمين ) ؛ حتى أدرك الكثير من السوريين أن هذا العنوان ( الجيش الحر ) مجرد عنوان خلبي ، لا تنضوي تحته قوى حقيقية ، يعتد بها أو يعول عليها .

 وتساءل الناصحون كثيرا ، تساؤل تعجب ثم استنكار ، عن موانع الوحدة والاجتماع والتنسيق ؛ وكان الجواب يأتي متعللا أن هذه الوحدة ممنوعة بقرار أعلى دولي ( أمريكي )، أو سلطوي إقليمي ؛ وكأن الفرقة والشتات والفوضى جزء من المقدمات التي كان يتمسك بها المتمسكون ، للإجهاز على هذه الثورة في الوقت المقرر المحسوب .

وتمادى أمر الشرذمة أو التشرذم في المانحين ، حتى رحنا نوجه حالات من الفصائل بأسماء وعناوين كبيرة ذات رنين وطنين ، تسأل عن عديدها فيتحدث ممولها أو القائم عليها ، عن رقم بالعشرات ، ينفق عليه ، ويعتد به ، ويظن على سبيل التوهم أنه سيحدث أثرا على صعيد معركة ، خرجت من كونها ثورة شعبية ضد ظالم مستبد ، لتصبح حربا كونية ينغمس فيها الروسي والأمريكي والإيراني مباشرة مع جحافل من الميليشيات المنظمة والمدربة والممولة والمنقادة لقيادات مركزية ، لا تحرك بيدقا على رقعة الشطرنج إلا بعد طول تأمل وتدبير .

لقد أثمرت حالة الشتات الفصائلية في سورية الثمرة التي كان يرجوها الروسي والأمريكي والإيراني بل زادت ..

نتذكر يوم كانت الفصائل المعنية إياها ، تتوقف عن قتال مثل ( تنظيم داعش ) مع انحرافه وانجرافه وبغيه وعدوانه ، تورعا عن سفك دم حرام ، ثم نقارن بما صار عليه الأمر بعد ذلك حيث كان الفصيل ينزو على الفصيل طمعا ببعض السلاح ، أو بموقع يظن صاحبه أنه به أليق ، أو أنه يدر عليه بعض التمويل ..!!

ويبدو أن لعبة تشكيل الفصائل حسب رغبة الممول ، وتعدد الفصائل اليوم بتعدد الممولين ، وتبخرها بتبخرهم ؛ قد جعلت البعض يستمرئ اللعبة ، ليأتي على ما تبقى من مصداقية في مشهد الثورة السورية .

في حدود علمنا في سورية حكومة مؤقتة وطنية نالت ثقة أرقى ما توصل إليه السوريون من توافق . وهذا ليس تطويبا من كاتب هذه الأسطر لا للائتلاف ولا للحكومة المنبثقة عنه .

كمواطن سوري كنت أود أن يكون للسوريين مرجعية سياسية أرقى وأتقى ، وأن ينبثق عن هذا الائتلاف حكومة أقدر وأحزم .. ولكن هذا شيء ، وأن نظل كسوريين نغزل على مغزل تلك التي ( نقضت غزلها أنكاثا ) ، شيء آخر ..

ممول جديد عرض علينا منذ شهر تشكيل حكومة ثانية ، وسيطل علينا بعد شهر آخر ممول ثالث يقدم لنا حكومة ثالثة ، ورابع ورابعة ، غير عدوية ، وندخل في أرخبيل من الحكومات ، نشهد فيه على أنفسنا أننا أهل للفوضى ، وأهل للتنابذ ، وأهل للادعاء والاختلاف ..

وسيجد كل ممول حين يريد طابورا من الطامحين والمستوزرين ينتظرون إشارته ، كما سيجد قاموسا من العناوين ، ومرصوفات الادعاء الإصلاحية والبنائية ما يزيد على الذي يريد ..

لا يحتاج المشهد السوري فيما نقدر حكومة ثانية ولا ثالثة . نحتاج إلى الالتفاف حول الحكومة المعتمدة ، وترشيدها وعونها وتسديدها ، وتقويمها ، لتقدم لشعبنا المنكوب بكثير من الأدعياء أقصى ما تستطيع .

وحين تجد المرجعيات المعتمدة أن دور هذه الحكومة قد انتهى لسبب أو لآخر ، فهي المؤهلة فقط لإنهاء حكومة وتشكيل حكومة بديلة ..

يكفي ساحتنا ما فيها من بلبلة وفوضى وادعاء وضياع ..

ويكفي الصامتين صمتا على عبث العابثين ، وفوضى الآثمين

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 745