clip_image002_cb822.jpg

clip_image004_252ec.jpg

تعد الإذاعية آمال فهمي من الإذاعيين الذي تركوا بصمات في تاريخ الإذاعة بصفة خاصة والإعلام بصفة عامة وفي هذا الحوار نتعرف على المزيد .

·       ...............................................؟

 وعمري 5 سنوات شاركت في برنامج أبلة زوزو وذلك عام عام 1931 وغنت أغنية قطتي صغيرة واسمها نميرة وظل حلم الوقوف أمام الميكروفون مسيطرًا علي حتى نجحت في التخرج في كلية الآداب بجامعة القاهرة قسم اللغة العربية وعملت في الإذاعة .

·       ...............................................؟

نشأت في حي عابدين وكنت أهوى الصحافة قبل الوقوع في حب الإذاعة فبعد تخرجي عملت 6 أشهر في الصحافة مع الكاتب محمد عودة إلى أن نجحت في اختبارات الإذاعة .

·       ...............................................؟

أول برنامج قدمته كان حول العالم وقدمت فيه تسجيلات نادرة فقدمت حلقة عن ألمانيا بها تسجيل نادر لهتلر وحلقة عن الهند مع تسجيل نادر لنهرو وقدمت برنامج في خدمتك وكان المستمع يرسل مشكلته وأعرضها على المسئولين لحلها ونجح البرنامج نجاحًا كبيرا حتى إنه كان يصلني في اليوم نحو 500 خطاب وكانت هذه المرة الأولى التي يكون فيها برنامج يسعى لحل مشكلات المستمعين.

·       ...............................................؟

كنت أول امرأة تتولى رئاسة محطة إذاعية في مصر وهى الشرق الأوسط عام 1964 وعندما توليت رئاسة إذاعة الشرق الأوسط حرصت على افتتاحها وختامها بصوت الشيخ محمد رفعت وتعلق الجمهور بصوتي من خلال برنامجي على الناصية الذي كان فكرة الإذاعي أحمد طاهر.

·       ...............................................؟

على الناصية بدأ بصوت الإذاعي إسماعيل عبد المجيد الذي كان يذيع خلاله 9 أغنيات وإلى جوارها حوارات ومعلومات وتسلمت الراية منذ عام 1958 وكل فقرة كنت أختمها بسؤال لضيفي : تحب تسمع إيه؟.

·       ...............................................؟

من خلال البرنامج ناقشت قضايا كثيرة وقمت بالكثير من الحملات مثل حملات لقانون الأحوال الشخصية وكان من أول البرامج التي نادت بتنظيم الأسرة إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه البرنامج في جمع التبرعات والمساعدة في علاج المرضى الفقراء فساهم البرنامج في جمع تبرعات لمعهد القلب حتى إنه في فترة ما جمعنا 8 ملايين جنيه خلال سنتين وساهمنا في إنشاء مستشفى 57357 إضافة إلى تطوير عنبر الحروق في مستشفى قصر العيني وأبو الريش كما أنه كان من أول البرامج التي دعت الدكتور مجدي يعقوب لعمل جراحات مجانية للأطفال.

·       ...............................................؟

 استضفت في إحدى حلقات البرنامج مواطنين من قرية شيبة الكنارية بمحافظة الشرقية واشتكى المواطنون من أن الكهرباء قد تخطت قريتهم إلى قرية بهبناي مسقط رأس علي صبري نائب الرئيس وكان محمد فائق وزير الإعلام آنذاك ومتزوجاً من ابنة شقيق علي صبري فتم إيقافي عن العمل ومنعت من السفر وقد حاولت الوصول إلى الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق السادات وهيكل ولكنني فشلت وأيضا هاجمت علي صبري نائب رئيس الجمهورية وبسببه نحيت عن عملي

·       ...............................................؟

البرنامج قدم الدكتور أحمد زويل إلى المستمعين قبل حصوله على جائزة نوبل بـ 14 سنة ومن المواقف التي تعرضت لها أذكر أنه في إحدى المرات قيل إن أكبر سفينة في العالم ستعبر قناة السويس وأردت تسجيل البرنامج من فوق ظهر السفينة وعندما وصلنا إلى الإسماعيلية سمعنا أن السفينة تحركت فكان الحل أن نركب اللنش ونلحق بالسفينة وهو ما حدث بالفعل وسجلت حلقة من داخل غواصة تحت البحر من ميناء رأس التين في الإسكندرية وشرحت تفاصيل نزول الغواصة الأمر الذي استغرق منها نحو 10 ساعات تحت الماء.

·        ...............................................؟

من برامجي برنامج هذه ليلتي وكان عبارة عن حوار غير مباشر مع الضيف ومن خلال هذه البرامج استضفت الكثير من الشخصيات الهامة فتقريبا معظم نجوم الفن والغناء وكل رؤساء تحرير الصحف إضافة إلى الكثير من رؤساء الدول منهم الملك حسين وبن بيلا وهواري بو مدين.

·       ...............................................؟

برنامج آخر كان الأول من نوعه لدى المستمعين وهو فوازير رمضان عام 1955 وكان عبارة عن مسابقة للتعرف على أصوات المشاهير فكنا نستعين بشخص مشهور مطرب أو ممثل ونطلب منه قراءة صفحة من كتاب لتكون الفزورة : (مَن صاحب الصوت؟) واستعنا بكثير من المشاهير على رأسهم أم كلثوم التي قرأت صفحة من كتاب الأيام لطه حسين ولم يعرفها الناس لأنهم لم يتعودوا على صوتها تتحدث ونجحت فكرة الفوازير ولاقت إقبالا كبيرا من الجمهور.

·       ...............................................؟

كان موعد فوازير رمضان عقب مدفع الإفطار وطورت فكرته فيما بعد مستعينة بالشاعر العظيم بيرم التونسي وكتب 30 فزورة لا تزيد الحلقة على دقيقة وكانت عن أشياء تتصل بشهر رمضان مثل المدفع والمئذنة والقطايف وكانت الجائزة الأولى وقتها 5 جنيهات والثانية ثلاثة جنيهات والثالثة جنيهين وبعد رحيل بيرم التونسي كتب مفيد فوزي الفوازير لمدة سنة ومن بعده كتبها صلاح جاهين لمدة نحو 14 سنة وارتفعت الجوائز تدريجيا حتى وصلت إلى مائة جنيه ثم ألف جنيه.

·       ...............................................؟

من المواقف التي لا أنساها لفوزاير رمضان أنه في إحدى السنوات وصلني مليون خطاب (حلول المسابقة) مما جعل مدير مصلحة البريد يتقدم بشكوى إلى مجلس الوزراء بسبب الضغط على هيئة البريد.

·       ...............................................؟

عبد الحليم حافظ طرح علي فكرة الظهور معه في فيلم «حكاية حب بشخصيتي الحقيقية ويكون دوري مقابلة مطرب يقدم نفسه للجمهور لأول مرة وعندما عرض عبد الحليم عليّ الفكرة لم آخذها مأخذ الجد وظننت أنه يمزح معي ولكني بعد فترة وجدته يتصل بي ليخبرني أن التصوير غدًا وتم التصوير في حديقة الأندلس وكانت لحظة جميلة جدا بالنسبة لي وكان أجري عن الفيلم زجاجة عطر فرنسية أهداها لي عبد الحليم.

·       ...............................................؟

تعرضت للإهمال عقب إصابة لحقت بي إثر سقوطي على سلالم مبنى ماسبيرو ونُشرت أخبار تفيد باعتزالي الأمر الذي دفع الرئيس السابق عدلي منصور ودرية شرف الدين وزيرة الإعلام آنذاك للتدخل وقتها فعدت بعد شفائي إلى العمل لكن رفضت في الوقت الحالي استكمال برنامجي مفضلة الجلوس في بيتي مرة أخرى.

·       ...............................................؟

أقول للإعلاميين .. احرصوا على تقديم الثقافة للمستمع بشكل سريع وبلغة راقية.

clip_image001_dec55.png

  

“أيها الشعراء الرائعون سلاماً : انتم تبتكرون طرقاً جديدة لحضور الشعر في الحياة ، هذه بداية منعطف جديد في الشعرية العراقية ، أحييكم من بعيد وأشعر أني كنت معكم وقرأت معكم ، يا لجمالكم القاسي ، محبة واحتراما”.

-الشاعر خزعل الماجدي-

 

clip_image002_bbc4f.png

جمال قصودة

 

للشّعر نشوة/خمرة  قاتلة ، لكنّ القتل جريمة و خطيئة لم يرتكبها الشّعراء بل كانوا من ضحاياها على مرّ العصور عاشوا النّفي و الابعاد و التهجير و السجن و القتل و التنكيل  ،هذه الحالات الموجعة هي سمة من  السّمات التي طبعت حيوات الشعّراء في القرن العشرين بالعراق الجريح  أرض الشعراء.

المأساة الكبرى ان لا يتحسّن الحال في بداية القرن الواحد و العشرين بل تنضاف الى ما سبق

حالات اخرى أكثر وجعا و أشدّ قتامة جرّاء الاحتلال و الارهاب و الطائفيّة و ما ترتّب عنهم من تفجيرات و سيّارات مفخخة و الغام و موتى .

لئن عاش الشّعراء الحالات الاولى بفردانيّة الشّاعر/الانسان  لأن ما سلّط عليهم كان مخصوصا بهم لانتماءاتهم و لأفكارهم و نصوصهم أيضا فانهم قد عاشوا الحالات الثانية ملتصقين بهموم شعبهم الذّي صبّت على رأسه قنابل الفسفور فتنفّسوا معه الاشعاعات و تلاحموا مع اشلاء اخوتهم و احبّتهم ،

و أمام هذه القتامة الموجعة كان للشّعر ان يصير فوهة بندقيّة في وجه كلّ هذا فالشّعر

و الشعراء كما العنقاء تولد من رمادها ،لانها ترفض الموت و تقارعه و تتحدّاه :

موقع أنتلجنسيا للثقافة و الفكر الحرّ يسلّط الضوء على تجربة طريفة و مبتكرة لم يسبق لأحد ان فكّر فيها او نفّذها ، من العراق يأتي الجديد دائما في تجديد الشعّر و بثّ الروح فيه  من جهة المضامين و البنى و يأتي الخلق و الابتكار في مسرحة و خلق المنابر الجديدة للشّعر التي من شأنها ان  تكون أكثر التصاقا بهموم الشعوب – على سرياليتها – و من شأنها ايضا  ان تلفت الانتباه و تحدث الصدمة المشتهاة ،فكم نحتاج لرجّة تحرّك ما مات فينا .

لئن خرج المتنبّي- في صباه -من  الكوفة الى احدى البوادي ليعيش تجربة “التبدّي ” و يتعلم أصول اللغة العربيّة فان ثلّة من الشعراء العراقيين خرجوا ايضا من الحاضرة باتجاه الصحراء

و الى الخراب قريبا من حقول الالغام في رحلة ” الاحتفاء بالحياة و تحدّي الموت”

هي رحلة لتعلّم ” لغة الحياة” و لنشرها توسّدوا الخراب و الصخر و عفّروا رؤسهم بالطين اللّزج – مصدر الحياة و نطفتها الاولى –و قرؤوا الشّعر بحقول الالغام و داخل السيّارات التي تم تفخيخا و تفجيرها ، من هؤلاء ضيفنا الشاعر /الدكتور مازن المعموري الذي يقول عن التجربة :” إنه عندما يكون الشعر مجرد لغة مستعادة بسبب هيمنة الإرث الشعري العربي الكبير على ذائقة الكتابة التقليدية، يصبح لزاماً أن نختلف في الرؤية الفلسفية والأسلوب وتدمير النمط، وما يحدث على أرض الواقع العراقي منذ عام 1980 وحتى الآن، لا يمكن تجاهله تماماً، وبالتالي فإن الكتابة يجب أن تكون على حافة النار والموت، وبالآلية ذاتها في التناغم مع المغامرة والإحساس بالفجيعة الكبرى التي تنال حصتها كاملاً من الشعب العراقي. ويضيف المعموري: من هنا كانت الرغبة في استكشاف المغيب من الواقع والعمل على متابعة نقاط الدمار بدءاً بلحظة الموت الوجودي للمجتمع، التي قدمناها في فعالية المقابر ومروراً بالمفخخات، والآن حقول الألغام التي تعد أحد أخطر المشاكل التي تعاني منها البيئة العراقية، خاصة منطقة الوسط والجنوب المليئة بالألغام، حسب دراسات عالمية متخصصة تكشف أن ربع ألغام العالم في العراق حصراً، ولك أن تتخيل مدى المساحات الشاسعة في المناطق الحدودية. أما الحلة فإنك تندهش لكثرة الألغام فيها لأن الأعداء تحيطها من كل جانب، جرف الصخر ما زالت حتى الآن منطقة حرب وألغام. أما جنوب الحلة فلا تعجب حين أقول لك إن هناك قنابل عنقودية ما زالت ساكنة على رؤوس النخيل في منطقة الكفل، وهذا الكلام ليس مبالغة أبداً.”([1])

-1-الشّاعر/ التّشكيلي / الدكتور مازن المعموري ،كيف يقدّم نفسه للقرّاء؟

clip_image003_741ab.jpgأقدم نفسي شاعرا يرى محيطة وبيئته, ويحاول أن يقول شيئا عن الأشياء التي تغطيها أفكارنا القديمة , لقد أكتشفت إننا لم نتعامل مع الواقع طيلة قرون , فعندما تلقي نظرة على تاريخ الشعر العربي وخاصة مرحلة الحداثة التجريبية منذ نهاية الستينات من القرن الماضي وحتى الان , فإنك تفاجأ بأن أغلب نتاج تلك المرحلة كان حجبا للحقيقة مقابل بهرجة مظاهر الايديلوجيا كالقومية واليسارية والدينية على حد سواء, فالانظمة القومية حولت فلسطين الى يوتوبيا وهمية, واليسار تحول الى عقيدة دينية كما لو أنه رقعة ناشزة في ثوب شرقي مهلهل , والدين حول الانسان الى آلة للكراهية والقتل ونفي الاخر, كل هذا جعل من فنون الشعر والقصة والمسرح والسينما مجرد إكسسوارات لتجميل وجهنا القبيح .

-2-يقول  بابلو بيكاسو:” بعض الرسّامين يحوّلون الشّمس الى بقعة صفراء. و البعض الآخر يحوّلون البقعة الصفراء الى شمس” ، الدكتور مازن المعموري  هل نجح في أن يكون من “البعض الآخر” ؟

clip_image004_2e9a6.jpgإنه جوهر الفن وحكمته المتعالية …  شخصيا أتمنى أن أسمع هذا الكلام من شخص آخر غيري, لأشعر أنني فعلت شيئا يستحق الإحترام, اذ لا أريد أن أبدو نرجسيا أمام الآخرين , لكنني مع نفسي أشعر أنني أستطيع أن أغزل عيون الشمس وأذريها على الحقول والبحار , إن الروح الشعرية التي بداخلي تكاد تقتلني أحيانا فلا أجرؤ على التفوه بكلمة , لذلك فمقولة بيكاسو تنسجم مع روح بيكاسو التعبيرية,  الا انها لا تناسبني تماما فلست مع تحويل المجازات الى حقائق يقينية ويوتوبيات, لكنني أحاول إنارة الظلمة في بئر, ولا أدعي هنا الحكمة , غير أنني ضد إيهام المتلقي وتفريغ الفن من رسالته الإنسانية, الفن لدى بيكاسو لعبة معلم حاذق, أما بالنسبة لي فهو خيار وجودي حتمي, لا يمكن الفرار منه, لا بد لي من مواجهة مخاوفي في كل مرة أمسك شيئا وأكتشف نصا شعريا جديدا .

لا أريد أن يكون الفن بديلا عن الحياة كما يريد بيكاسو , لان الحياة تستحق أن تعاش بكل ما فيها من فواجع وسعادات , ولك أن ترى كيف إن نصوصنا الشعرية غيرت مجال الرؤية تجاه الحدث وليس الحدث نفسه . وفي مجال الرسم حاولت التعامل مع تجربتي الشخصية في الحب كفكرة مجردة وممارسة حسية تقودني للبوح الشعري رسما , حيث السرير والنافذة وحميمية الإحتضان قادت العمل الفني الى ترشيح العناصر الفنية لتنسجم مع تدفق تعبيري ينفلت احيانا من منطق العقل الى منطق الفن ذاته, وهكذا لن يكون لي سوى العمل باستمرار دون توقف لترسيم قصيدتي بلغة الالوان لا الالفاظ , ومنها الى تواشج الشعري بالتشكيلي بدءا بمجموعتي الاولى (كتاب الموتى) التي كانت بمثابة كسر إجناسي متقدم في الشعرية العراقية , وكنت قد عرفت الشعر بانه معرفة في بيان نشر في حينه وقدمت به الكتاب .

-3- مازن المعموري الشّاعر ،نراه يحمل معاولا للهدم من أجل البناء ،نراه يحدث رجّة و قطيعة ابستمولوجية مع كل اليقينيات و المسلّمات هل تأثّرتم بـــــ ” شاعرية أحلام اليقظة” لغاستون بشلار ؟ الا تكون بهذا الفعل عرضة للتهديد خاصة في  مجتمعات مستكينة و غارقة في بحار اليقينيات ؟

clip_image005_904de.jpgلن أبالغ إن قلت أن باشلار فتح امامي عالما شعريا لا يمكن نسيانه , لقد علمنا كيف نتعامل مع الاشياء والذكريات والاماكن ودورها في تحفيز المخيال الذاتي , لقد اكتشفنا مع باشلار كيف ان كل اساطيرنا صنعها شاعر مهووس بالاحلام والغوايات واللغة, علمنا باشلار كيف نقرأ أنفسنا في محيط مليء بالحيوات بدءا من أصغر كائن الى اكبر فكرة حول الكون والوجود مع تحول كل ذلك الى صورة شعرية منتقاة محبوكة بحرفية صانع ماهر وبساطة طفل يكتشف مكانه لاول مرة .

ما اريد قوله هنا , هو اننا بحاجة ماسة لمن يوقفنا في المكان الصحيح كي نراجع كل معارفنا , ويقينياتنا التي أصبحت عبئاً على البشر , ما زلنا حتى الان محكومين بنصوص تفسر لنا العالم بمنظور صحراوي عشائري تقليدي بل يتجاوز حتى التقليدي الى البدائي المتخلف, فكل دساتير المجتمعات العربية لم تحدد موقفها من المختلف والغريب حتى الان , لا نملك موقفا ثقافيا ( وانا هنا افرق جيدا بين الحضاري والثقافي لاننا بصراحة نحمل ثقافة ولا نحمل حضارة ) معاصرا تجاه المرأة والحيوان والنبات والماء والهواء , كما لا نملك تمثلات لهذه الاشياء التي ذكرتها مثل ( جمعيات حقوق الانسان , والحيوان , الحفاظ على البيئة , وغيرها ) بمعنى إننا لا نملك أي موقف تجاه محيطنا بدءا بالعائلة التي يعاني فيها الضعيف من التهميش والاهانة سواء كان طفلا او امرأة او مريضا او شيخا , الى علاقتنا بوسائل العمل واخلاقيات الشارع والمقهى وكل الاشياء الاخرى, وهذا بالضرورة يؤكد غياب الوعي النقدي, اذ لا ناقد يستطيع ان يوضح الاشياء والمفاهيم والممارسات والسلطات والافكار, كل ذلك يقع اليوم على عاتق الشاعر لان مجتمعاتنا ما زالت ملتصقة بشفاهية الشعري اكثر من صرامة العقل الجدلي , فنحن شعوب بسيطة حد اللعنة , لذلك أشعر بحاجتي الماسة بشكل مستمر للنقد والافصاح بقوة لدرجة الصراخ أحيانا .

لا غرابة بعد ذلك ان نواجه الكثير من الصدامات مع الاخرين , حيث بدأت معاول التشويه والإساءة بكل تفاصيلها تتشعب لإيقاف حضوري الثقافي , فقد طردت من إتحاد الادباء مع مجموعة من الشعراء الشباب عام 2014 وما زلنا نعمل على تحقيق تقدم رائع بشهادة الجميع رغم الحرب الشعواء التي نواجهها ممن يسمون أدباء المؤسسات البليدة والغارقة بوحل الروتين والتبعية الحزبية .

-4- لديكم جرأة نثّمنها في طرح ما لا يطرح ، في علاج ما وجب أن يعالج ، مازن المعموري من القلّة الباقية التي  تحاول أن تنقّي ثوبها من دنس الطائفيّة ، هل يقبل من الشّاعر أن يكون طائفيًا ؟

clip_image006_17118.jpgكل شعرائنا الكبار منذ البداية, كانوا منتمين حزبياً أو ذوي ميول سياسية معينة, لذلك وجدت إنهم فشلوا في قول الحقيقة لنا, لقد أوهمونا إن الشاعر يجب أن ينتمي لقضية قومية أو يسارية أو دينية كي يكون شاعرا ذا موقف انساني محترم, وهو ما حرمنا من إنجاز نص شعري أو أدبي عالمي , بمعنى امتلاكه لخصائص إبداعية متفق عليها بشكل جمعي, لكن الحقيقة هي إن الشاعر لا بد له من رؤية الواقع كما هو لا كما يراه الآخرون , وعليه ,أحاول أن أتحدث بصراحة عن ظاهرة ثقافية في المجتمع العراقي والعربي هي الطائفية , تلك التي أدت الى حرب شعواء وقد ذقنا ثمرتها وما زلنا نتذوقها يوميا , والشاعر هنا للاسف يعيد إنتاج الماضي بنفس الطريقة وهي الإنتماء الى جهة معينة فيخسر مصداقيته كاملة , أن تكون طائفيا يعني إنك تحمل ثقافة كما هو حالة أي أديب أو روائي أفريقي أو زنجي أميركي, لكن المصيبة العربية تكمن في انه منتم الى جهة سياسية ويدعم القتلة وليس الثقافة أو المكونات الثقافية المؤسسة لرؤيته ورؤية مجتمعه, أن تكون طائفيا هو أن تفسر العالم من وجهة نظر فكرية لا أن تنتمي لطائفة سياسية خاضعة لمصالح كبرى أو إقليمية تهشم المجتمع وتاكل أبنائه , وبالنسبة لي فانا لست طائفيا بقدر ما أريد أن أعمل كأنثربولوجي يفسر ثقافته ويفككها, أنا أرفض الشاعر الذي لا يعرف ماذا يكتب ولا يعرف ماذا يريد .

في ظل هذه الأزمة الوجودية الكبرى , وهي أزمة إبادة مجانية , كنت أفكر بطريقة جديدة للتعبير عن الأحداث , فخرجت بفكرة الفديو الشعري الاول الذي لخّص محنة القتل الجماعي للجنود العراقيين في تكريت, وكان بمثابة صدمة للجميع , وأعتقد إنني لأول مرة شعرت بقوة الشعر وقدرته على إثارة الناس والمجتمع بشكل إستثنائي .

-5- مجازا تقول زوجتكم باحدى نصوصكم:”  إنكَ رجلٌ ملونٌ .. وسوفَ أغسلكَ ذاتَ يوم

هل تراها تنجح في هذا، فتغيّب بذلك ربيعكم الاتي ؟

صدقني .. هذا النص من النصوص القريبة الى قلبي بسبب صدقه وصراحته, اذ بمجرد ان تنتبه الى تصرفاتك اليومية ستجد اننا ابناء ثقافة ( طائفية) عميقة ومؤثرة في كل شيء , لدرجة إن كل سلوكياتنا سرعان ما تكشف عن مرجعياتنا الطائفية والدينية والفكرية , وهكذا تتحدث العلامات التي نضعها في كل مكان, والبيت هو العالم الاهم لمكوناتنا الثقافية , كل واحد منا يضع علامته ويقول ( ها انذا ) ويبدأ الصراع , والمشكلة الاكبر حين تكتشف إن مجتمعنا يعيش في ظل أحادية لونية غريبة لا مكان فيها للالوان والتنوع , وخير دليل هو إبادة التنوع الثقافي والأثني في العراق ومحاولة اختزال المجتمع العراقي الى فئتين هما ( الشيعة والسنة ) وهذا خطأ كبير دفعنا ثمنا جسيما لاجله, والحقيقة هي ان حرب الاختزال التي نعيشها ستعمل على غسل الالوان وتوشيح العالم بالسواد آجلا أم عاجلا . لاننا ببساطة غير قادرين على الصمود امام العرف الاجتماعي , المشكلة ليست في الاخرين,  بل في فهمنا للحياة الاجتماعية والسياسية , ففي البيت غالبا ما يكون الرجل دكتاتورا وفي الشارع غالبا ما يكون الرجل مدحورا وراضخا للقانون او العرف الاجتماعي, لذلك فنحن نعيش أزمة الازدواجية في كل الاحوال دون أن تأخذ الالوان مجالا حقيقيا للظهور الا في مجازات الشعر والاحلام .

-5- ورّطنا محمود درويش في مقولته الرجراجة :” كنْ عراقيّا،لتكون شاعرًا ” و لانك شاعرٌ

و عراقيّ، هل من وصفة سحريّة للعمل  بمقولة درويش ؟

الشاعر الكبير محمود درويش يعلم جيدا ان ارض العراق ليست أرضا للشعر, بل أرضا للمآسي, وعليه فمن الطبيعي جدا ظهور الشعر كرد فعل للقهر والاستبداد , ولك أن ترى ما قدمته كل من سوريا وفلسطين ولبنان من شعراء أفذاذ, إن الأماكن المدحورة والمستباحة تقدم لك نصوصا شعرية في الطريق والبيت والعمل بدون ثمن, الشاعر في العراق مدلل جدا, لا يحتاج سوى قلم وورقة ليلتقط ما يشاء من الشعر المنثور في الشوارع والمقاهي والأسواق, إننا لا نحتاج هنا غير أن ننظر بعمق .

مقولة درويش فيها الكثير من الإحتيال على الحقيقة , لان الشعر لا يأتي الا في ظل الحرية , وما حصل معنا بعد 2003 هو إننا عشنا الحرية الأميركية بكل تفاصيلها, تصور إننا نقرأ الشعر على أجنحة طائرة حربية , وما من أحد منعنا, بل سهل لنا الموضوع بعض الأصدقاء الرائعين, في الوقت الذي لا يمكن لأحد أن يحلم بهذا المشهد في أي مكان في العالم الا بعد موافقات أمنية معقدة, وكذلك مفاعل تموز وسيارات الإسعاف وغيرها .

أنت تعلم إن التجديد والتجريب وجنونات الشعر والفن بشكل عام لا يمكن لها أن ترى النور الا في مجتمعات تحترم الحرية والابداع , ولا أخفيك فان الواقع العراقي لا يشجع تماما على الابداع الشعري , ولكن هذا ما يحدث في كل مرة يولد فيها مبدع أو فنان أو عبقري , ولا أملك أي تفسير للموضوع

-6- كيف للُغْمٍ شعريّ أن يتفجّر بحقل الألغام فيشكّل الأرض من جديد  و يبثّ فيها الحياة ؟

clip_image007_9963a.jpgكانت فكرة الألغام في غاية الخطورة , فعندما تم الاتفاق على الذهاب الى حقل الألغام غمرتنا الدهشة وفرحة من وجد كنزا , الا إن الاداء الذي قمت به كان عفويا جدا, لإنني فكرت كما لو إنني داخل سيارة تحترق الان, والسؤال هو ماذا أفعل في مثل هذا الموقف؟ لا يمكن أن أكون أنيقا أو بملابس رسمية في مثل هذا الموقف , فنزعت ملابسي فورا ودون تردد وقفزت نحو السيارة ومن داخلها بدأ الغضب يشتعل حتى لم تعد الكلمات سوى صراخ متواصل , فكان مشهدا مثيرا ومدهشا بالنسبة لمن تعود على رؤية الشاعر بكامل أناقته الكلاسيكية  .

أستطيع ان ازعم ان الشعر لاول مرة يستطيع أن يقول كلمة عالية ومشرفة في ظل فوضى عارمة, وفي أرض مليئة بالالغام, منسية ومحاطة ببعض البنايات القديمة والمهدمة وجدنا أشياء لا يمكن ان نتصورها لو اننا بقينا في بيوتنا نكتب او نقرأ, لقد استطعنا ان نستنطق الاماكن ونكسر التابوات والمحرمات بالشعر , فاصبحت الارض العاقر لاول مرة يانعة بالشعر المعاني والدروس وعلامة من علامات الثقافة المعاصرة .

-7- حدّثنا عن تجربتكم مع  ” ميليشيا الثقافة ” و عن فعلها” الميليشاويّ”؟

clip_image008_6cfde.jpgلقد بدأت تجربة ميليشيا الثقافة كصدمة مثيرة للرفض والتهكم منذ البدء, غير ان نجاح حركتنا وضع الجميع امام احراج كبير , لاننا دخلنا من حيث لا يتوقع أحد, فالثقافة العراقية كنموذج للثقافة العربية عانت من قمع الدكتاتورية لفترة طويلة , كما ساهمت الحرب بتدمير صورة الشاعر والاديب, وتحول بنظر الناس الى مجرد شخص مداح لا يساوي شيئا, هذه الصورة وأشياء كثيرة وضعتنا أمام تساؤل عن فرصة تحول إجرائي لابد منه, وهو التخلص من أعباء الماضي والإستفادة من أخطائه, وبهذا نكون في مجال الفعل والقوة لتحريك التراكم التقليدي للادب العراقي, فكان التجريب هو الحل, لخوض غمار التجربة الجديدة في ضوء حوارات ونقاشات مستمرة للقيام بجولة شعرية تبدأ بالمقابر الا ان هذه الفكرة نضجت أكثر بعد الفعالية الاولى وكانت مرحلة الالغام هي الحد الفاصل الذي لفت الانظار كلها بعد عرضه على صفحات الفيس بوك, وتكالب الفضائيات لعرض المشروع على شاشاتها التلفازية , ومنها الى قناة 24 الفرنسية , وأصبح الطموح كبيرا لتنفيذ مغامرات أخرى أقوى من الاولى .

هذه التجربة ساهمت في دعم فكرة إن الواقع مغيب في الادب بسبب الحركات الشكلانية, تلك الحركات المستوردة من الخارج طيلة العقود المنصرمة من القرن العشرين, سيقول البعض ان كل المفاهيم غربية , وانا اقول ان الواقع العراقي ليس غربيا بالكامل , وعليه لابد من قرائته بشكله الثقافي كما هو , ليس من أجل المتعة بل من أجل أن نواجه أنفسنا أولا ومن ثم نصل بالمجتمع كله ونحن في مقدمته الى حلول واقعية لتجاوزها , وانا هنا لا أنصّبُ نفسي مسؤولا عن تغيير , فهذا مستحيل, لكنني أشير الى لحظة إختلاف جذري ومنعطف تاريخي في مسيرة الادب العربي كله, بمعنى إنني أرى الأشياء من وجهة نظر شرقية غير معنية بمستوى القبول او الرفض من قبل الاخر, ولنا في مشروع الألغام مثالا مهما كدليل على إن العالم لا يعرف بما يحدث في العراق الا بعد ان تعرفوا على الصور والمشاهد, فاصبحت الألغام قضية انسانية ووطنية ودولية للتخلص من الالغام والقنابل المتاخمة للمدن, وهكذا مع ما حدث في مفاعل تموز الذي نشر أورامه السرطانية بعد تفجيرات 1981 المعروفة من قبل اسرائيل, وهذا أحد آثار المشروع الجانبية , الا ان الاهم هو المعطيات الفنية للعمل, فقد إنتقلنا في هذه المرحلة من الكتابة الى الفعل , في محاولة لتجاوز النسق العام والروتيني للكتابة بشكل عام, وهو ما جعلنا نقف في مقدمة الحركات الشعرية العربية بلا منازع, ويمكن لكل دارس أن يراجع ما كتبته عن الحركة وبياناتها .

clip_image009_04eed.jpg-8- “كتاب الموتى” ديوانكم الشعريّ البكر الصادر سنة 1998، لماذا كان علينا ان ننتظر ثلاثة عشر سنة لنعانق ديوانكم الثاني “حب مطلق ” ؟

لقد عشت أزمة الاحباط واللاجدوى من الكتابة , ففي مرحلة التسعينات أصبحنا بشكل مادي وملموس مثل قطيع يساق الى موته, بدون إرادة ولا وعي ولا رد فعل , وهذا الخنوع الجماعي للمصير المحتوم هو من قاد الدكتاتور للمضي قدما لاستباحة دولة الكويت , فهو يمتلك 30 مليون جندي يمكن استخدامهم بسهولة, ويمكن التضحية بهم بدم بارد, وبعد 2003 ودخول الجيش الاميركي, شعرنا لاول مرة ان الحياة تعود لاجسادنا الميتة, وهذا الموضوع لا يفهمه العرب قاطبة , لان صدام في عيونهم كان رمزا قوميا, الا ان الحقيقة ليست كذلك, ومع تطور الاحداث وتدخل الدول المجاورة في اللعبة السياسية , عاد القطيع لممارسة نفس الدور بعد الاحباط الذي صنعته اميركا مجددا وهو تسليم زمام الامور لمن لا يملك أي قدرة على إدارة البلد , ودخلنا نفقا مظلما جديدا لا يقل خطورة عن النفق السابق, فماذا يمكن أن أفعل؟

مثلما حدث وأن سجلت موقفي في كتاب الموتى , حاولت العودة الى كتابة الشعر وكنت اكثر تفاؤلا في ( حب مطلق) ومن ثم بدأ العد التنازلي للتفاؤل بسرعة كبيرة , ومنه الى كائنات سرية الذي حاولت به أن أقدم رؤيتي لتحولات المسوخ بصور سريالية مرة وفنتازية مرة اخرى وهكذا تتابعت صور السواد والظلمة حتى بدأت مواجهة مباشرة لا تقبل المهادنة بدأتها بنشر قصيدة ( خرب الله ) عام 2014, وكانت صدمة للكثيرين ممن تابعوا الردود الانعكاسية على صفحات الفيس بوك وفي المحافل الادبية في العراق وخارجه .

لم تعد الكتابة بحد ذاتها مهمة , فنحن شعوب لا تقرأ , ولا يمكن أن يجلب أي كتاب شهرة جيدة الا بعد أن تسلط عليه الأضواء من قبل مؤسسات خاصة أو جوائز مدعومة , لذلك ابتعدت كثيرا عن أي مشاركة في هذه الفوضى العارمة من الإحتيال والنصب الجماعي على الادب, في الحقيقة كان عليّ أن أتحمل تبعات ذلك , الا إنني أستطيع أن أزعم إنني عشت عصرين مختلفين جدا, هما زمن الدكتاتورية وزمن الحرية الاميركية , وكي لا يفهمني المتابعون خطأ, فلا بد من شرح هذا التوصيف ( الحرية الاميركية ) وهو نمط الحرية الذي جاءت به أميركا فيما يسمى احيانا ( الفوضى الخلاقة ) سيعتبره البعض فسادا أو مؤامرة أو أي شيء يخطر ببالك , لكن الحقيقة هي إننا نعيش حرية لا يمكن تصورها أو بالاحرى لا يمكن تحمل تبعاتها الى حد الجنون والضياع والفوضى, وهذا ما ذكرته في أحد نصوصي أيضا بشكل مباشر .

من هنا أقول: إن المسافة التي تقع بين كتاب الموتى وحب مطلق هي عبارة عن تحول تأريخي في الثقافة العراقية على المستوى الشخصي بصفتي شاعرا يمتلك رسالة نحو العالم .

-9-ماذا عن بقيّة الاصدارات ؟

لقد كتبت في مجالات مختلفة منها النقد التشكيلي, وقد نشرت كتابي النقدي المعنون ( كاظم نوير .. الغصن الذهبي في الرسم العراقي المعاصر ) فقد عملت على تناول تجربة الفنان كاظم نوير كنموذج لتحولات كبيرة في مجال الرسم العراقي المعاصر , وهو فنان قدم نفسه منذ التسعينات وهو ـأستاذ دكتور في جامعة بابل / كلية الفنون, وله تحولات كبيرة وسريعة في مجال التجريب والتحديث , كانت بالنسبة لي ملفتة للنظر فدرستها وفق المنهج الوصفي التأويلي, وقد حقق مساحة طيبة من الشهرة والانتشار في الوسط الفني والجامعي .

أما في المجال الشعري وهو مجالي الاساسي في الكتابة , فانا على أبواب نشر مجموعتي القادمة في دار المتوسط بعنوان ( ماذا تفعل الظلمة في غرفتي ) وهناك مشاريع دراسية قادمة أيضا, أتمنى أن تكون محط إنتباه الوسط الثقافي في العالم العربي قريبا .

-10- كلمة الختام

دائما ما تكون الكلمة الأخيرة للشعر وليس للشاعر , أو هكذا أتصور الموضوع , لأن ما يبقى هو النصوص العظيمة , تلك الروح الحية للإبداع الإنساني , لذلك أقول : الكلمة التي لا تصدر عن تجربة معاشة لن تمنحنا القدرة على الدهشة, لذا كن نفسك دون أقنعة وتزييف في الحياة قبل الشعر

[1] -صفاء ذياب ، في تجربة فريدة قام بها شباب من مدينة الحلة ….القدس العربي ،16 افريل 2015

النص الكامل لحوار منير شفيق مع فضائية القدس حول الانتفاضة الفلسطينية 4/5/2016

نشرتها جريدة المساء المغربية

-         شهدت الشهور الماضية في فلسطين اندلاع ما سمي إعلاميا بانتفاضة السكاكين بعد أن اعتقد الكثيرون أن الانتفاضة الفلسطينية انتهت إلى غير رجعة. ما تحليلك للسياق الذي اندلعت فيه هذه الانتفاضة؟

 - في الحقيقة لقد كانت للانتفاضة مؤشرات عدة قبل اندلاعها كان يمكن للمرء أن يتوقعها وإن كان الكثيرون لا يتصورون أن هناك انتفاضة في الطريق وهذا الاعتقاد كان يقوم بدوره على بعض المؤشرات خصوصا تلك التي كانت تنظر إلى أن نخب الشعب الفلسطيني أصبحت غارقة في الحياة اليومية ومنشغلة بالعمل والوظيفة والديون والالتزامات البنكية، أو مستغرقة في أنشطتها ضمن منظمات المجتمع المدني التي انتشرت كثيرا واستوعبت العديد من الأطر والمناضلين السابقين، إضافة إلى السياسة المعلنة للسلطة التي كانت ضد الانتفاضة وكذلك التنسيق الأمني المشدد مع المحتل الصهيوني. هذه هي المعطيات التي كانت يرتكز إليها أولئك الذين يقولون إنه لا يوجد أي احتمال لاندلاع الانتفاضة من جديد.

-         طيب ماذا عن المؤشرات التي كانت تبشر باندلاع انتفاضة؟

-         إن المراقب للأوضاع الفلسطينية قبل سنة أو سنتين كان يلاحظ أن هناك إرهاصات لقيام هذه الانتفاضة. فمن الناحية السياسية تبين أن السلطة الفلسطينية وخصوصا منظمة التحرير وصلت إلى طريق مسدود فيما يتعلق بإيجاد تسوية أو إنجاح مسار المفاوضات أو تحقيق الهدف الذي تم رسمه منذ اتفاق أوسلو سنة 1993 وهو إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وقد تبين قبيل أربع أو ثلاث سنوات من الآن أن الطريق قد سدّ نهائيا أمام أي مفاوضات وأصبحت السلطة والقيادات الفلسطينية الرسمية التابعة لمنظمة التحرير تدور حول نفسها ولم يعد عندها شيء تضيفه سوى التهديد باللجوء إلى المحافل الدولية وخصوصا إلى المحكمة الجنائية الدولية بظن أن هذا قد يخيف نتنياهو ويدفعه إلى طاولة المفاوضات غير أن هذا الأخير كان مطمئنا تماما بأن أمريكا تضع كل ثقلها للحيلولة دون الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد تبين أن هذه محاولة فاشلة أيضا لا يمكنها أن تحقق شيئا في مواجهة الاحتلال وأقصى ما كان يمكن أن يتباهى به هذا التوجه الرسمي هو القرار الصادر عن هيئة الأمم المتحدة برفع علم فلسطين ضمن أعلام الدول الأعضاء.

-         أليس هذا إنجازاً يحسب للسطلة الفلسطينية؟

-         هذا إنجاز رمزي وبسيط جدا ليس له أي أهمية إلا للذين يريدون أن يتلهوا بمثل هذه الأمور الشكلية، فالمطلوب هو إنجازات حقيقية وليست رمزية ورغم ذلك فإنني لا أقلل من أهمية هذا الأمر.

-         ولكن ألا يعتبر إنجازا مهما بالنظر إلى أنه يحفظ للقضية الفلسطينية الاستمرارية والحياة، ويضمن أن تظل على الأقل على أجندة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؟

-         لا أظن، فالمغزى الأساسي لمثل هذا القرار هو أنه لا يزال هناك رأي عام بين بعض الدول الأعضاء في هيئة الأمم يمكن أن يصوت لمصلحة القضية الفلسطينية. وحتى هذا المغزى لم يعد بالنسبة لي شيئا مهما لأن التجربة أثبتت أن كل ما كنا نعطيه أهمية فيما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة لم تصل إلى النتيجة المرجوة وهي تحقيق مطلب الدولة الفلسطينية. وهذا ما يفسر أن الجميع اليوم أصبح في حالة يأس حتى أولئك الذين كانوا يدافعون عن هذا التوجه واللجوء إلى المنظمات الدولية لانتزاع قرارات لصالح القضية تبين لهم أن هذا الطريق مسدود فلا هو ضغط على نتنياهو ليسحب قواته وينهي الاحتلال، ولا هو استطاع حتى أن يوقف الاستيطان، بل على العكس من ذلك لقد تضاعف الاستيطان مؤخرا واستمر تهويد القدس بشكل أكبر إلى حد اتخاذ قرارات للتقسيم الزماني والمكاني للصلاة بين الفلسطينيين والصهاينة بالمسجد  الأقصى. في رأيي إذن يجب أن نتوقف عن التباهي بهذه الأوهام حول وجود اعترافات بالقضية الفلسطينية أو تصويت هذا البرلمان أو تلك الحكومة للدولة الفلسطينية إنها كلها مجرد شكليات وكان من الممكن أن تكون مفيدة لو كان هناك على الأرض عمل حقيقي وميداني يفرض انسحاب الاحتلال والقضاء عليه. يمكن أن نقول إذن إن هناك اليوم أزمة سياسية فلسطينية يقر بها الجميع بما في ذلك أولئك الذين كانوا يقفون وراء اتفاق أوسلو ووراء كل المفاوضات وعمليات التسوية ومنهم الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس أبو مازن الذي يعترف بأن الطريق مسدود وأن نتنياهو لا يريد أن يصل إلى تسوية بل إن أمريكا نفسها نفضت يدها من محاولة عمل أي شيء ودخلت البلاد منذ سنتين في حلقة مفرغة وحالة انسداد. هذا الانسداد إلى جانب تمادي الاحتلال والاستيطان والبطش يعني أن هناك ظروف مناسبة لقيام الانتفاضة كحل لهذا المأزق. وهذا ظهر في عدة أحداث كان من أهمها حادثة استشهاد الشاب الفلسطيني أبو خضير وحرق جثته ففي سياق ذلك كانت ستندلع انتفاضة شعبية عارمة لولا تدخل السلطة الفلسطينية التي هدأت الأوضاع واحتوت الغضب الشعبي. ولكن هذا الغضب وتلك الأجواء كان مؤشرا واضحا على قرب اندلاع الانتفاضة وعلى وجود استعداد وتململ شعبي نحوها. وفي الحادثة الثانية المتعلقة بحرق عائلة الدبابشة ظهر مجددا هذا الغضب الشعبي ثم جاءت الاعتداءات على المسجد الأقصى وفكرة التقسيم الزماني للصلوات داخل المسجد لتشكل الشرارة التي تندلع منها الانتفاضة فعليا بعد أن ظهر أن هناك خطر حقيق وداهم على المسجد خصوصا بعد أن اتخذ قرار التقسيم الزماني لتقسيم الأوقات بين الفلسطينيين واليهود وبدأ الكيان الصهيوني فعلا في تنفيذه وهنا تحركت جماهير القدس وبدأ بتكليف البعض بحراسة المسجد والاعتصام بداخله خصوصا من الشباب وقامت الانتفاضة من القدس وبناء على ذلك تمت تسميتها. ورغم أن البعض سماها في البداية ب"الهبة" إلا أن انطلاقها من القدس كان هو المهم. وأثبت الواقع أن الانتفاضة فرضت على نتنياهو خلال بضعة أسابيع أن يتراجع وأن يعلن صراحة أنه لا يريد أي تقسيم زماني للصلاة في المسجد الأقصى بل إنه تعهد بالحفاظ على الوضع القائم. وهذا يمكن اعتباره الانتصار الأول الذي تحققه الانتفاضة في شهرها الأول.

-         أليست السلطة الفلسطينية جزءا من هذه الانتفاضة ألم يكن لها دور؟

-         لم يكن لها دور في هذه الانتفاضة فالسلطة ليس لها وجود في القدس ولا تأثير لها هناك، وربما كانت هذه المسألة هي ما زاد الانتفاضة قوة وتأثيرا. ففي الضفة الغربية مثلا بدأت المناوشات فتلتها التدخلات بل إنه في البداية بدأ السكان الفلسطينيون المحسوبون على 48 يتحركون لدعم المحتجين في القدس فأرسلت السلطة الفلسطينية مبعوثين إلى النواب العرب في الكنيست وأقنعهم بأن يضعوا كل ثقلهم لمنع التحركات التي جرت في مناطق 48 . هل يمكن أن تتصور ذلك؟ لقد كان ذلك كارثة سواء من السلطة أو من جانب النواب العرب الذين استجابوا لهذه الدعوة.

-         هل تدخل هذه المبادرات في إطار التنسيق الأمني مع إسرائيل؟

-         طبعا هذا جزء من التنسيق الأمني والسياسي ولكن الأهم من هذا أن الانتفاضة استمرت بعد كل ذلك. وعندما أصبحت المواجهة يومية وانطلقت عمليات المقاومة بالسكاكين والدهس بالسيارات والاشتباكات على الحواجز بالمولوتوف والحجارة وظهر أن الأمر جدي ومتواصل تبين أنه إلى جانب الانتصار الأول الذي تحقق بتراجع نتنياهو عن التقسيم الزماني بدأت الحملة الإعلامية والسياسية كلها من أجل توصيف ما يجري ب"الهبة الفلسطينية" بدلا عن استعمال توصيف "الانتفاضة". بدأ هذا الوصف مع محمود عباس أولا الذي سماها هبة ثم تبنتها بعض القوى الفلسطينية الأخرى ومالت وسائل الإعلام بشكل عام إلى تسميتها هبة وحتى مراسلو قناة الجزيرة كانوا يتعمدون أن يسموها هبة.

-         ما تفسيرك لهذا التوصيف الذي يتفادى ذكر الانتفاضة ويفضل لفظ "الهبة"؟

-         لأن هناك توجها وخطا لدى منظمة التحرير ولدى بعض الدول العربية بتفادي اندلاع أي انتفاضة أو صدام مع الكيان الصهيوني. فالهبة بالنسبة لهم قد تعني أنها مؤقتة وهي مجرد ردة فعل وستنتهي قريبا، لكن تبين أن المسألة أبعد من أن تكون مجرد هبة من أجل المسجد الأقصى وإنما طرحت ما هو أبعد من المسجد الأقصى بعدما أقر نتنياهو بأنه يريد أن يحافظ على الواقع القائم وخصوصا أن الانتفاضة استمرت في شهرها الثاني لتمتد إلى الضفة الغربية وغزة وهناك سقط شهداء أيضا بكثافة وهذا يدل أن الانتفاضة أبعد من قضية المسجد الأقصى وإنما تطرح كذلك مسألة الاحتلال. وقد مرت عليها اليوم أكثر من ستة أشهر وهذا يعني أن لا أحد يقدر أن يصفها بالهبة إلا تجاوزا أو عنادا لأن ما نواجهه فعلا هو انتفاضة بكل ما للكلمة معنى سقط فيها أكثر من 190 شهيدا وآلاف الجرحى وشهدت أحداثا كبيرة، وسقط من الكيان الصهيوني ومن جنوده ما لا يقل عن 34 قتيلا. هذا أكد على قضيتين هما أننا أمام انتفاضة، وأن هذه الانتفاضة طويلة الأمد وسوف تستمر وليست هبة عابرة. وفي خلال هذه الأشهر الستة كانت هناك مشاهد تثبت ما نريد قوله مثل استقبال أمهات الشهداء لجثامين أبنائهن بالحماسة والتأييد وهذا مؤشر على أن الانتفاضة ليست فقط نزوة شباب أو غضبة عابرة أو يأس بل إنه تيار كبير. كما أن هذه الجنازات التي أقيمت لدفن الشهداء بعدما فرض على العدو تسليم الجثامين لأهاليهم ضمت الآلاف من المشاركين مما يدل على نفس عام وتأييد للانتفاضة بل إن محمود عباس نفسه قدم في خلال هذه الأشهر الستة تصريحات تعبر عن نوع من التفهم للهبة كما وصفها، وقال في فترة من الفترات إنها نتيجة لليأس بعد أن أغلقت إسرائيل الطريق أمام المفاوضات والتسوية ويمكننا أن نتفهم يأس الشباب ولا نستطيع لومهم وهذه هبة عفوية ليس وراءها أحد وكأنه يقول للصهاينة لا بد ان تعودوا للتفاوض معي. ورغم تراجعه عن هذا الموقف لاحقا إلا أنه كان تصريحا مهما جدا في حينه، حيث هاجم الانتفاضة مرة أخرى في أحد خطاباته وسماها انتفاضة السكاكين. وبالمناسبة هذه ليست انتفاضة سكاكين.

-         لماذا ترفض تسمية انتفاضة السكاكين؟

-         رغم أن السكاكين كانت إلى جانب الدهس وسيلة من الوسائل الرئيسية لتفعيل هذه الانتفاضة إلا أنها أشمل من ذلك. وقد تعمد الإعلام للأسف أن يبرز من الانتفاضة فقط هذه الحوادث التي ترفع فيها السكاكين ويستشهد فيها المقاومون أو يقتلون بعض الصهاينة في حين كانت هناك مئات من الحوادث التي تسجل يوميا على الحواجز وتطلق فيها النار ويسقط فيها جرحى على الخصوص من الفلسطينيين ولم يتم الاهتمام بها. وهذه هي الحوادث الأكثر، فعلى سبيل المثال في الشهر الرابع من الانتفاضة كان عدد الجرحى حوالي 14 ألفا وهذا يعني أنه هناك 200 إلى 300 جريح يوميا كل هؤلاء أين أصيبوا وفي أي سياق جرحوا.؟ لقد أصيبوا في اشتباكات يومية مع العدو الصهيوني على الحواجز وبالتالي فالانتفاضة أشمل من بعض حوادث السكاكين والدهس.

-         هل استطاعت هذه الانتفاضة بعد ستة أشهر من اندلاعها أن تفرض أهدافا محددة أو برنامجا وأفقا واضحا؟

-         أظن أن هذه الانتفاضة حددت أمامنا أربعة أهداف عمليا. دحر الاحتلال، تفكيك المستوطنات، إطلاق كل الأسرى، وفك الحصار عن قطاع غزة كلها مطالب بدون قيد أو شرط. هذه الأهداف يمكن أن تشكل برأيي برنامج الانتفاضة وهي أهداف قابلة للتحقيق، فمن الممكن أن يفرض على العدو بدون قيد أو شرط التراجع من الضفة الغربية والقدس وأن يطلق كل الاسرى ويفك الحصار عن غزة . كل هذه المطالب ممكنة الحصول وإن هذا الأمر ليس سهل الاستيعاب على الذين اعتادوا أن ينظروا إلى العدو على أنه فعال لما يريد وأنه يحتل متى شاء ويهاجم متى شاء.

-         ما الذي يدفعك إلى التفاؤل بأن هذه الأهداف كلها سهلة التحقيق؟

-         هناك أدلة ومؤشرات عديدة تجعلني أعتقد أنها أهداف قابلة للتحقيق. أول مؤشر هو أن الجيش الصهيوني الذي واجه هذه الانتفاضة جيش مهزوم بأربعة حروب. هزم في حرب 2006 بلبنان، ثم في حروب -2008 و2012 و2014 في قطاع غزة. هذا الأمر ليس بسطيا فهذا الجيش انسحب من جنوب لبنان بدون قيد أو شرط وانسحب من قطاع غزة وفك المستوطنات بدون قيد أو شرط رغم أن القطاع لا يزال محاصرا. هذا يعني أننا نواجه جيشا ضعيفا يختلف عن الجيش الذي كان في السابق إنه جيش مهزوم واقعيا ونفسيا. وهذا الجيش ومنذ الانتفاضة الأولى أي قبل 25 سنة أصبح جيش شرطة. فقد أصبح عمله الاساسي أن ينتشر في الشوارع ويعتقل المطلوبين والمقاومين ويتصدى للأطفال إذا كانت هناك مناوشة، أما الجيش الميداني الذي كانه الجيش الصهيوني لم يعد قائما اليوم. بل أصبحنا أمام قوات أمنية يطلق عليها جيش. وهذا أضعف هذا الجيش كثيرا والذي لفت الانتباه إلى هذا التحول هو هزيمة لبنان في 2006 حيث أن بعض التقارير الرسمية الموثوقة التي صدرت عن الصهاينة أو عن غربيين متعاطفين معهم أشارت إلى أن الجيش الصهيوني دخل في حرب لبنان وهو لا يمتلك قائد كتيبة ميداني واحد لأنه كان مشغولا في مطاردة أطفال الحجارة في الشوارع طوال سنوات. لقد تغير طاقم الجيش خلال 25 سنة وأصبح الضابط الصهيوني يترقى من خلال مطاردته للناس والقيام بأعمال ومهام الشرطة وليس من خلال مناورات ميدانية وحروب حقيقية. الخلاصة أن هذا الجيش ضعيف وهي نقطة جد مهمة. أما المؤشر الثاني فهو يتعلق بالقيادة السياسية القائمة اليوم من حول نتنياهو التي أصبحت متخلفة جدا عن مستوى القيادة التي كانت في السابق. لقد كانت هذه القيادات السابقة نشيطة وطلائعية وتحمل مشروعا وكان أغلب عناصرها قادمين من الخارج ومن أوربا على الخصوص وتجر وراءها تاريخا من النضال هناك في الميدان العمالي بل إن العسكريين منهم كان بعضهم قد انخرط في الجيش البريطاني وبعضهم شارك في الحرب العالمية الثانية. أما القيادة السياسية اليوم فهي متخلفة وتفتقد للثقافة ومتعصبة، تصور أن قياديا مثل ليبرمان عمل لمدة 15 سنة حارسا في ملهى ليلي قبل أن يصبح زعيما حزبيا ومسؤولا. قيادة من هذا النوع المتدين المتعصب قيادة ضعيفة ترتكب الأخطاء وقابلة للهزيمة. ومن المفيد جدا في الصراع مع العدو الانتباه إلى قيادته وإلى مدى ارتكباها للأخطاء في إدارتها للصراع فإن كثيرة الأخطاء فهي سهلة الهزيمة. وإضافة إلى ذلك فإن هذه القيادة أصبحت معزولة حتى عن حلفائها فعلاقة نتنياهو مثلا مع حلفائه أمريكا وأوربا ليس على ما يرام فهي مفعمة بالإشكالات ويعتريها نوع من الفتور وأصبحت العلاقة معه مكروهة. أما المؤشر أو العامل الثالث المتعلق بالمجتمع الصهيوني فيمكن أن نفهمه انطلاقا من عملية نشأت ملحم الشاب الفلسطيني الذي نفذ عملية في تل أبيب بمسدس عوزي ثم بعد ذلك رمى السلاح في حاوية وهرب وبقي مختفيا لمدة أسبوع حتى تم اكتشافه وقتله، وخلال هذا الأسبوع عجزت قوات الأمن عن إلقاء القبض عليه وعاشت تل أبيب التي يعرف عنها أنها المدينة التي لا تنام حالة من الذعر وأصبحت في حالة طوارئ شبيهة بفرض حظر التجول مما يعني أن هناك حالة من الرعب والخوف العام في المجتمع الذي كان في السابق إبان الانتفاضة الأولى والثانية يعيش حياته العادية مباشرة بعد ساعة أو ساعتين من حدوث عملية استشهادية. إضافة إلى هذه المؤشرات الداخلية السابقة يوجد العامل الدولي فأمريكا وأوربا غير مرتاحتان لما يجري وتخشيان الانتفاضة ولا تستطيعان التعامل معها كما تم التعامل مع الانتفاضات السابقة لأن الأوضاع تغيرت دوليا خصوصا مع تصاعد عامل آخر مؤثر هو الرأي العام العالمي وخصوصا الأوربي والأمريكي والذي أصبح بنسبة تصل إلى 70 بالمائة حسب بعض استطلاعات الرأي معارضا لسياسات نتنياهو، لا نقول أنه مع الشعب الفلسطيني، لكنه على الأقل ضد سياسات الكيان الصهيوني، وهذا يعني أن هذه الانتفاضة إذا تواصلت وتقوت ستؤدي إلى تعبئة وحشد ضد نتنياهو. إذن نحن أمام ظرف مختلف جوهريا عن ظرف الانتفاضتين السابقتين، وأمام موازين قوى أصبحت لصالح الانتفاضة صحيح أن هناك انقساما بين مكونات الشعب الفلسطيني وهناك معارضة من طرف السلطة الفلسطينية وخصوصا من طرف محمود عباس للانتفاضة مع استمرار التنسيق الأمني إلا أنه إذا تمت معالجة هذه المشاكل وارتفع مستوى دعم الانتفاضة لتصبح انتفاضة شعبية شاملة ستتحول إلى نوع من العصيان المدني السلمي الشعبي تغلق من خلاله المدن والقرى والمخيمات ويعتصم الناس في الشوارع ويصرون على ذلك حتى رحيل الاحتلال وتفكيك المستوطنات.

-         ما الذي ينقص الانتفاضة إذن لتصل إلى هذا المستوى من التصعيد؟

-         أولا هذان الشرطان اللذان تحدث عنهما أي رحيل الاحتلال وتفكيك المستوطنات مهمان جدا لأن لا أحد يستطيع معارضتهما فلا أمريكا ولا أوربا ولا هيئة الأمم المتحدة تستطيع أن ترفض هذه المطالب لأن دحر الاحتلال أمر مسلم به في العالم كله. وثانيا ينطبق الأمر نفسه على الاستيطان بل وحتى على تحرير الأسرى ورفع الحصار عن غزة. هذا معناه أننا أمام أهداف قابلة للتحقيق والوصول إليها أسهل من الحلول الأخرى مثل الحديث عن حل الدولتين الذي يتوقف على المفاوضات وبالتالي يتوقف على إرادة الصهاينة، لكن إذا تعاملنا مع الوضع باعتباره احتلالا واستيطانا يجب أن يزول فإنه سيحرج الجميع ولن يستطيع أحد أن يطلب منك في هذه الحالة أن تذهب إلى المفاوضات. لماذا سنتفاوض مع الاحتلال؟ أما عن العقدة التي سألت عنها وهي الأساسية حول عوائق إمكانية توحيد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ليشارك في الانتفاضة فأنا أرى أن العائق الأساسي فيها هو سياسة السلطة الفلسطينية وإعلان محمود عباس أنه ضد انتفاضة السكاكين، طيب أقول لعباس إذا كانت ضد انتفاضة السكاكين فلتنضم إذن إلى عصيان مدني سلمي واتخذ موقفا مؤيدا أنت وباقي المنظمات غير الحكومية وقد هذه الاحتجاجات. وارفعوا شعار الاعتصام السلمي حتى رحيل الاحتلال إذا كانوا فعلا ضد العنف. إن حل هذه المشكلة يتوقف على ضرورة الاعتراف بأن سياسة التسوية والمفاوضات التي سار وراءها محمود عباس فشلت ووصلت إلى الطريق المسدود ولم يعد لدى عباس ما يقدمه للناس وهو يدعي منذ سنتين أنه سيلجأ إلى المنظمات الدولية من أجل الضغط على نتنياهو دون نتيجة، فما مبرر الاستمرار في هذه السياسات؟

-         طيب ماذا عن موقف الفصائل الفلسطينية من الانتفاضة؟

-         لقد أعلنت كلها بما في ذلك حركة فتح تأييدها ودعمها للانتفاضة رغم أنها قد تختلف حول بعض القضايا مثل خلافها حول حل الدولتين لكنها كلها متفقة على دحر الاحتلال والاستيطان فلماذا لا ندفع باتجاه دعمها وتأييدها لفكرة العصيان المدني؟

-         كأنك تتحدث عن برنامج مرحلي جديد من أجل تحقيق الأهداف التي أشرت إليها.

-         لا أريد أن أستخدم مصطلح البرنامج المرحلي لأنه سيء الصيت، ما أريده هو أن يتفق الجميع على مستوى ومرحلة جديدة من النضال الفلسطيني تتوحد فيها كل القوى وبعد انسحاب الاحتلال بدون قيد أو شرط فلنختلف حينها.

-         ألا ترى أن تحقيق أهداف الانتفاضة كما رسمتها لا يمكن أن يتم إلا بانتفاضة أخرى على السلطة الفلسطينية أولا؟

-         لا، لا نريد انتفاضة على السلطة الفلسطينية.

-         لكنك أشرت إلى أن السلطة الفلسطينية عائق أمام تطور وتقوية الانتفاضة لتحقيق أهدافها.

-         هذا صحيح لكن ليس كل مكونات السلطة تتبنى هذه الموقف المضاد للانتفاضة. والدليل على ذلك على قرار المجلس المركزي الفلسطيني مؤخرا القاضي بوقف التنسيق الأمني وإعادة النظر في اتفاق أوسلو وكان بحضور محمود عباس ووافقت عليه اللجنة التنفيذية. لقد كان هذا موقفا قويا. لكن هناك بعض الأطراف في السلطة مصرون على مواقفهم المعارضة للانتفاضة فمدير المخابرات الفلسطينية جابر فرج صرح مثلا قبل فترة بأنه تم إحباط أكثر من 200 عملية مقاومة ضد الكيان الصهيوني كما أن محمود عباس صرح للقناة الثانية أنه في إطار التنسيق الأمني تم تفتيش المدارس وحقائب التلاميذ وتم اكتشاف أكثر من 75 سكينا في مدرسة واحدة. إنهم يعملون ويحاولون لجم الانتفاضة لكن عملهم يظل على استحياء وبدون حق وموقفهم ضعيف، ولذلك نحن لا نريد مقاتلتهم بل نريد أن تدخل فتح في مشروع الانتفاضة.

-         هل يمكن أن تدخل فتح في الانتفاضة بالقيادة الحالية؟

-         ممكن، أعتقد أن الظروف الحالية قد تفرض على فتح الانخراط في الانتفاضة بمشاركة عباس أو في غيابه. وحتى في حال عدم تحقيق إجماع للفصائل حول هذا الموضوع، فبإمكان الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية وحماس والجهاد أن يتفقوا على هذا الموقف. إن اتفاق هذه الحركات قد يخلق توازنا في الساحة الفلسطينية يفرض على فتح أن تنضم إليهم، وإذا لم يتحقق ذلك فمن السهل أن يرتكب الكيان الصهيوني حماقة جديدة ضد الشعب الفلسطيني تدفع الناس إلى النزول للاحتجاج في الشوارع. مثلا لقد كان المؤكد أن استشهاد الأسير محمد القيق بعد إضرابه عن الطعام سيدفع الجماهير للخروج للاحتجاج. وإذا نزلت الجماهير بهذا الشكل واعتصمت في الشوارع سوف تؤثر على الرأي العام العربي الذي لن يظل متفرجا وسينضم بالضرورة إلى الاحتجاجات الفلسطينية. وهذا كله سيؤثر على الرأي العام العالمي وبالتالي على الأنظمة والحكومات كلها عبر العالم.

-         لا أحد يمكن أن يعارض المبادئ والأهداف الأساسية للانتفاضة وشرعيتها لكن هناك عامل آخر هو الذي يؤثر في في مواقف القوى العظمى هو ما تسميه أنت بموازين القوى التي على ما يبدو لا تزال لصالح الكيان الصهيوني الذي لا يزال في موقف قوة والدليل على ذلك تصريح نتنياهو مؤخرا من الجولان السوري المحتل بأن إسرائيل لن تتخلى أبدا عن هذه الأرض.

-         من الطبيعي أن يقول نتنياهو مثل هذا التصريح لا ننتظر منه أن يعلن رغبته في الانسحاب وهذا أمر معروف فالمحتل يتشبث بالأرض حتى آخر لحظة ويصرح بأنه سيبقى فيها للأبد. هذا كان موقف شارون مثلا قبل يوم واحد من إعلان فك الارتباط مع قطاع غزة لقد كان يعتبر الانسحاب من غزة يوازي الانسحاب من تل أبيب. لكن في النهاية الرغبات والأهواء شيء، وموازين القوى شيء آخر. وأنا لا أفهم السياسة بالإيديولوجيا بل أفهمها من خلال الوقائع وموازين القوى. إذا قامت معادلة على الأرض تجعل خسائر الاستمرار في احتلال الضفة الغربية أكثر من خسائر الانسحاب فسينسحب العدو وهو يدرك أن الانسحاب في مصلحته. تخيل معي هذا السيناريو لنفترض أن جميع الجماهير نزلت إلى الشوارع هل يستطيع الجيش الصهيوني أن يحتل كل الميادين والشوارع ؟ هذا مستحيل طبعا. وتخيل معي أن هذا النزول واكبه تحرك شعبي عربي وإسلامي وبدأت الأنظمة العربية تتحدث عن الاحتلال بما في ذلك الأنظمة التي تربطها اتفاقات مع الصهاينة فأوربا وأمريكا لن تتحملا رؤية هذا المشهد لعدة أشهر وتصور معي أن الرأي العام الغربي بدأ يرفع الشعارات ويحتج على ما يجري ألن يؤثر كل هذا في الاحتلال؟. هناك عامل آخر مهم في هذا السيناريو هو مسألة الانسحاب بدون "قيد أو شرط" التي تعتبر في نظري أسهل الحلول بالنسبة للكيان الصهيوني.

-         كيف ذلك؟

-         دعني أشرح لك أولا من خلال مثال انسحاب شارون من قطاع غزة فعندما قرر فك الارتباط مع القطاع تعرض شارون لضغوطات دولية وعربية عديدة من أمريكا وأوربا ومصر وحتى من السلطة الفلسطينية من أجل توقيع اتفاق للانسحاب من القطاع من أجل تثبيت فك الارتباط لكنه رفض. قد يتساءل البعض لماذا رفض شارون أن يعقد اتفاقا للانسحاب ويضع شروطه؟ هل تعلم ماذا كان جوابه؟ لقد قال لو كنت وقعت اتفاقا بالانسحاب فهذا يعني أنني انسحبت من أرض إسرائيل وهذا من المحرمات بالنسبة له، وإذا كنت قد انسحبت من غزة باعتبارها أرض إسرائيل فكيف يمكن أن أثبت أن يافا وحيفا أراضي إسرائيلية. هذا يعني أن من السهل على الكيان الصهيوني أن ينسحب من الأرض التي يحتلها بدون قيد أو شرط على أن يكون ذلك الانسحاب من خلال اتفاق. ثانيا إذا عدت إلى كواليس اتفاق أوسلو ستكتشف أن الاتفاق كاد يفشل بسبب كلمة واحدة هي "الانسحاب من مناطق (أ)و(ب)" فالمفاوض الفلسطيني كان مصرا على التنصيص على هذه العبارة بينما المفاوض الصهيوني أصر على أن يضع بدل كلمة انسحاب عبارة "إعادة الانتشار". هذا يعني أنهم قادرون على الانسحاب بدون قيد أو شرط وهذا سهل عليهم أكثر من مطالبتهم بدولة وتوقيع اتفاق واعتراف. نحن الآن نطلب فقط أن نعيد الأوضاع مؤقتا إلى اتفاق هدنة 1948 وبعد ذلك لكل حادث حديث.

-         لكن ألا ترى أن الوضع العربي الحالي لا يسمح ولا يساعد على انتزاع أي مطلب أو حق من إسرائيل على اعتبار أن جل القوى الإقليمية التي كانت تدعم المقاومة منشغلة اليوم بأوضاعها وصراعاتها الداخلية؟

-         أظن أن هذا الوضع العربي الحالي وانشغال الدول العربية بنفسها وصراعاتها هو سيف ذو حدين، فصحيح أنه يحرم الفلسطينيين جزئيا من الدعم الذي كانوا يحظون به لكنه من ناحية أخرى يرفع عن الفلسطينيين ضغطا عربيا كان دائما ذا طابع سلبي، لا يجب أن ننسى أن كل التنازلات الفلسطينية كانت بسبب ضغط عربي حتى إجهاض كل الثورات والانتفاضات الفلسطينية تم بتدخل عربي. فإذا كانت الدول العربية في موقع ضعف ومنشغلة ببعضها فهذا يعني أن الفلسطينيين يمكنهم أن يستفردوا بالعمل وبالقرار، ويمكن بعد ذلك أن تلتحق بها هذه الدول. طبعا هذا لا ينفي أن الوضع العربي الحالي بكل سلبياته لا يدعو إلى الارتياح لكن انعكاساته على القضية الفلسطينية ليست بالضرورة بتلك السلبية التي يعتقدها البعض.

-         لكن ألا تعتقد أن هذا الوضع ليس تماما في مصلحة الفلسطينيين ما دام المستفيد الأكبر والأول منه هو إسرائيل؟

-         هذه فكرة شائعة في السنوات الأخيرة تدعي أن إسرائيل مستفيدة من الوضع العربي ومن انشغال الجيوش العربية في سوريا ومصر والعراق...كيف يمكن للكيان الصهيوني أن يستفيد من هذا الوضع إذا كان جيشه نفسه ضعيفا ولا يستطيع مواجهة الانتفاضة؟ فكرة استفادة إسرائيل من هذا الوضع العربي تبدو ظاهريا مقبولة وراجحة، لكنني أرى أنها غير صحيحة ببساطة لأن الكيان الصهيوني ضعيف وعلاقته بأمريكا اليوم ضعيفة كذلك فكيف يمكن أن يستفيد؟ الوضع شبيه بمن يعتقد أنه يمكن أن يستفيد من إفلاس البنوك، ما الفائدة من ذلك إذا لم تكن مليونيرا أو بنكا تستطيع شراء المؤسسات المفلسة؟  كان من الممكن أن تستفيد إسرائيل من هذا الوضع لو حدث قبل عشرين أو ثلاثين سنة. والدليل على هذا أيضا أن إسرائيل دخلت في حرب في ظل هذا الوضع العربي الضعيف في 2012 و2014 ورغم ذلك خسرت الحرب مع غزة في ظل حصار عربي.  

-         أشرت سابقا أنك لا تفضل أن تكون هناك ثورة أو انتفاضة شعبية ضد السلطة الفلسطينية وتفضل أن يحدث هناك تفاهم بين الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح وحماس. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟

-         أنا برأيي أن هذا التفاهم لا يجب أن يكون بالضرورة بين حماس والسلطة الفلسطينية. وفي نظري إن فكرة إنهاء الانقسام بين حماس وفتح أصبحت متجاوزة وقديمة. إن التفاوض يجب أن يكون بين حماس والجهاد والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية ومن يؤيدهم من الفصائل الفلسطينية والمنظمات مع محمود عباس. لا بد أن يتم دعوته للبحث عن حل وعن الاستراتيجية المناسبة لمواجهة الاحتلال وإذا أردت فتح أن تقود هذا المشروع فلها أن تلعب الدور الرئيسي لأن هذا أساسا من مصلحتها. وأؤكد هنا أنه لا يجب أن تنحرف البوصلة نحو صراع داخلي فلسطيني لكنني ألاحظ وكأننا نجر محمود عباس بالقوة إلى الجنة فما يقوم به في فتح يدمر المنظمة ويدمر الفرصة السانحة أمام الشعب الفلسطيني. وإذا تعذر انضمام قيادة السلطة فما على هذه المنظمات الفلسطينية أن تتخذ قرار للاتفاق مع من ينضم إليها من منظمة فتح، وأنا أعلم أن هناك قوى كثيرة بفتح ميالة إلى هذا التفاهم وهذا واضح في كثير من الكتابات ومنها ما كتبه مروان البرغوثي وقدورة فارس وهما صوتان من داخل فتح يقولان بهذا الرأي.

-         هل يساهم العمل الذي تقوم به حماس من عمليات للمقاومة وأسر بعض الجنود الإسرائيليين في تقوية الانتفاضة أو إضعافها؟

-         أظن أن الوضع الفلسطيني اليوم فيه بعدان: بعد غزة بحماس كقوة عسكرية مقاومة أثبتت وجودها على الأرض وضرورتها التي يجب أن تعزز وتقوى نظرا لأهميتها الاستراتيجية وهو بعد شبيه بوضع حزب الله في لبنان بجيشه وأسلحته وصواريخه. أما البعد الثاني فهو المتعلق بالضفة الغربية والقدس وطريقهما المقاوم يتجسد من خلال الانتفاضة والعصيان المدني السلمي وهاتان الاستراتيجيتان تسيران جنبا إلى جنب.

-         ألا يعتبر ذلك فصلا وتشتيتا للقضية؟

-         لا يجب أن نفصل بين البعدين فحماس قادرة على دعم الانتفاضة فهي مدعوة في حالة العصيان المدني والاحتجاج إلى النزول للشوارع أيضا بشعارات وأهداف موحدة مع الضفة الغربية والقدس: دحر الاحتلال، فك المستوطنات، الإفراج عن الأسرى، وفك الحصار عن غزة. 

المزيد من المقالات...