قطوف وخواطر

 عبد المنعم حليمة

قطوف وخواطر: أرقامها من 501 إلى 520

 عبد المنعم مصطفى حليمة

" أبو بصير الطرطوسي "

www.abubaseeصلى الله عليه وسلم.bizland.com 

taصلى الله عليه وسلم[email protected]

501- هل أنتَ أخٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

  المسلمون بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم واحد من اثنين: أصحاب أو إخوان .. أما الأصحاب رضي الله عنهم أجمعين فقد مضوا .. ومضت معهم الصحبة .. هنيئاً لهم .. وبقي الإخوان؛ وهم كل مسلم موحد صادق الإسلام والإيمان لم تُكتَب له الصحبة .. ولم تُكتَب له رُؤية النبي صلى الله عليه وسلم .. وإلى يوم القيامة، كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا " قالوا: أولسنا إخوانك يا رسولَ الله؟ قال:" أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ... " مسلم.

  والسؤال الكبير والمحرج الذي يفرض نفسه على كل مسلم: هل أحدنا يستحق هذا الشرف الرفيع والعظيم .. الذي منحنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم .. لقب ونسب " أخ للنبي صلى الله عليه وسلم "، هل أنت حقاً تستحق هذا اللقب والنَّسب " أخ للنبي صلى الله عليه وسلم " .. هل أنت في مستوى من الالتزام والاقتداء بأخلاق وسنن الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .. يُؤهلك بحق لأن تكون أخاً للنبي صلى الله عليه وسلم  .. وأن تقول صراحة: أنا أخ للنبي صلى الله عليه وسلم ...؟!

  من جهتي فإني أستحي من النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن أزعم هذا الشّرف الرفيع .. أسأل الله تعالى أن يعينني لأن أرقى إلى مستوى أن أكون أخاً للنبي صلى الله عليه وسلم .. اللهم آمين .. آمين .. آمين.

* * * * *

502- حقُّ الدنيا وحقُّ الآخرة.

  للدنيا حق .. وللآخرة حق .. فمن أراد أن يستوفي كامل حق الدنيا .. ويتمتع بكل ما هو مباح له من أمر دنياه .. بحجة أنها مباحة .. سيكون ذلك حتماً على حساب حق الآخرة .. كما سيؤدي ـ ولا بد ـ إلى التفريط ببعض حقوق الآخرة عليه .. كذلك من أراد أن يستوفي كامل حق الآخرة .. فعليه ولا بد أن يُضحي ببعض حقوق الدنيا .. وببعض متاعها وزخرفها المباح .. وأن لا يتوسع في المباحات وبخاصة منها التي تُلهي وتُنسي صاحبها عمّا يجب عليه نحو آخرته .. والنقل والعقل يُلزمانه حينئذٍ بأن يُقدم التضحية بببعض حقوق الدنيا الزائلة من أجل الآخرة؛ دار المقامة الأبدية التي لا تزول.

  كلما عظمت الغاية ـ حتى لو كانت غاية دنيوية ـ كلما عظمت التضحية من أجلها .. ورخص الغالي والنفيس في سبيلها  .. فما بالك إذا كانت هذه الغاية .. هي سلامتك الأبدية يوم القيامة .. ألا تراها تستحق منك التضحية ببعض متاع ومباحات الدنيا؟!

* * * * *

503- الفسادُ الأوربي مكفولٌ. 

  على المستوى الأخلاقي والعلاقات الاجتماعية في أوربا يوجد فساد كبير .. لكنه فساد مكفولة نتائجه .. حيث توجد المؤسسات الحكومية والخاصة التي ترعى وتحمي مضاعفات ونتائج هذا الفساد .. فالمرأة عندهم ـ على سبيل المثال ـ لو زنت وحملت من الزنى .. لا تواجه أية مشكلة .. من حيث رعايتها ورعاية طفلها .. رعاية كاملة شاملة.

  هذا في أوربا .. أمّا في بلادنا التي تُسمي نفسها بالعربية والإسلامية .. فإنهم يتبعون خطى أوربا في الفساد والتفسخ الأخلاقي خطوة خطوة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ من الفساد لدخلوه .. وهم لم يتركوا وسيلة من وسائل إفساد وتفسيق المرأة والرجل سواء إلا وسلكوها .. ورخصوا لها .. وصنعوا لها الدعاية في وسائل إعلامهم .. ثم بعد كل هذا الضغط .. وهذا المكر والكيد والكم الهائل من الإفساد والترويج له .. لا يريدون أن يتحملوا نتائج فسادهم وإفسادهم .. فلو أن المرأة ـ على سبيل المثال ـ أخطأت ووقعت في الفاحشة .. قام المجتمع ـ برعاية وتواطئ الحكومات الظالمة ـ ليعاقبها بالقتل ذبحاً على جنايتها .. ولو ولدت من الحرام .. فالولد إن نجَ من القتل .. يُنبذْ على جميع المستويات .. ويُحرَم من أدنى حقوق الرعاية والحماية .. وهم بفعلهم هذا يكونون قد ارتكبوا ثلاثة أخطاء:

  أولاً: لما ساروا في طريق الفساد .. وقنَّنوا له .. وروجوا له .. تأسياً ببلاد الغرب!

  ثانياً: لما تهربوا من تحمل تبعات أخطائهم وما جنت أيديهم .. وسياساتهم .. فقتلوا ضحية فسادهم وفسقهم ومكرهم .. وحرموها وولدها من أبسط حقوقهما!

  ثالثاً: لمَّا نجا المسؤول الحقيقي عن انتشار الفساد، وحمايته، والتقنين له .. الذي كان ينبغي أن يُعاقَب قبل أن تعاقَب ضحاياه التي وقعت في شباك فساده وإجرامه!

  ففي بلادنا ومجتمعاتنا محافظون وشرقيون عند الانتقام من الضحية فقط .. أما قبل وقوع الضحية في الخطأ فهم ليبراليون .. وديمقراطيون .. وإباحيون .. وغربيون .. يُؤمنون بالحريات كلها .. فأي تناقض .. وانفصام بين الفكرة وواقعها .. يعلو هذا التناقض والانفصام .. وأي غش وظلم للناس يعلو هذا الغش والظلم!

* * * * *

504- اللص المتمشيخ!

  أن يكون اللص لصاً فهذا قد عرفناه .. وصفاته يعرفها غالب الناس .. أمّا أن يكون المتمشيخ لصاً .. فهذا الذي يحتاج إلى توضيح، وبيان، وتحذير! 

  اللص المتمشيخ .. هو اللص الذي يتظاهر أمام الناس بالتدين .. فإذا خلا بحرمات الله تعالى انتهكها .. كما ينتهك الوحش المفترس فريسته!

هو اللص الذي يحفظ بعض كلمات أهل العلم .. ومصطلحاتهم .. فيرددها بتكلفٍ وتشدّق على مسامع الناس، وبخاصة منهم من يطمع باصطيادهم والسطو على حقوقهم وحرماتهم .. ليظنوه عالماً متديناً وما هو بعالم ولا متدين!

هو اللص الذي يستأكل ويعتاش بالدين .. وباسم الدين .. ويجعل الدين تبعاً للدرهم والدينار في الحركات والسكنات؛ ميَّالاً مع الدرهم والدينار .. يدور معهما ويميل حيثما دارا ومالا .. ويتواجد معهما حيثما يتواجدا .. يبذل الدين لمن يرمي له بالدرهم والدينار .. وبالطريقة التي تُرضي صاحب الدرهم والدينار!

هو اللص الذي يُقاتل دون نفسه وظلمه .. بالكذب .. والفجور .. والغدر .. والخيانة!

  هو اللص الذي يتقوى ببعض الكلمات عن الدين والإيمان .. والأيمان المغلَّظة الكاذبة .. على نهب .. وغش .. وظلم .. وغدر .. وخيانة الناس .. وهذا النوع من اللصوص قد كثروا في هذه الأيام .. فلزم التحذير منهم ومن شباك مكرهم وغدرهم .. فالحذر الحذر!

* * * * *

505- الصغيرُ لا يبقى صغيراً.

  الصغير لا يبقى صغيراً .. فالأيام والسّنون والحياة .. قد تجعله ـ بإذن الله ـ كبيراً في عمره .. كبيراً في علمه .. كبيراً في مواقفه .. كبيراً في كلماته .. كبيراً في أثره على الناس والحياة .. وبالتالي من الخطأ أن تظلَّ تتعامل معه على أنه صغير .. وتقول أنا أعرفه وهو صغير .. يوم أن كان يقول كذا .. ويعمل كذا .. ويلعب بكذا .. ولا أريد لتلك الصورة في نفسي أن تتغير .. أو تتبدل .. كما لا أريد أن أتعامل معه إلا على أساس تلك الصورة القديمة عنه .. فحينئذٍ تكون قد ظلمت الحقيقة .. وظلمت نفسك .. وظلمت ذاك الكبير الذي تجتهد أن تصغّره من عند نفسك .. وظلمت وغششت الناس ممن يتعاملون مع من تحرص على تصغيره .. وهو كبير!

* * * * *

506- الذِّلُّ المركَّبُ.

  الذلُّ المركَّبُ الذي يعلو بعضه بعضاً .. هو عندما يُستمرَأ الذلُّ حتى يُصبح جزءاً من حياة الإنسان لا فكاك لأحدهما عن الآخر .. ولا طاقة لعيش أحدهما دون الآخر! 

  الذل المركب .. هو عندما تستعذب الشعوب تمجيد الطغاة الظالمين .. وتتعامل مع سياطهم على أنها مِنّة ورحمة من الطغاة على شعوبهم!

  الذل المركب .. هو عندما ترضى الشعوب بالعبودية للطغاة الظالمين .. ثم هي لا تشعر أنها قد ارتكبت شيئاً مُشيناً!

  الذل المركب .. هو عندما يُفسَّر ظلم الطغاة على أنه رحمة وحكمة .. وكفرهم على أنه إيمان وصلاح .. وإسرافهم وتبذيرهم على أنه حق خالص لهم من دون شعوبهم .. وهزيمتهم أمام العدو على أنه نصر وفتح ما بعده فتح ولا نصر .. وعمالتهم وخيانتهم لأمتهم ودينهم على أنه سياسة وكياسة تقتضيها مصلحة البلاد والعباد!

  الذل المركب .. هو عندما يغيب الإحساس بالظلم والذل .. ويُصبح الذل كأنه شيء من أساسيات الحياة الضرورية!

  الذل المركب .. هو عندما يُصبح العمل من أجل تحرير العباد من العبودية للطغاة العبيد .. تهوراً .. وعملاً طائشاً مستهجناً تشمئذ منه ذوو النفوس الذليلة!

  هذا هو الذل المركَّب .. أعاذنا الله وإيَّاكم منه .. وما أكثر المصابين به من بني قومي!!

* * * * *

507- يَتَضَاحَكُون. 

  شدَّني تجمعٌ للمشركين .. يتضاحكون بصخب وصوت مرتفع .. فتأملت الوجوه .. والعيون .. والضحكات .. فوجدت الوجوه تعلوها الكآبة والقلق .. والعيون يعتريها الزيغ والشك والخوف .. كما وجدت ضحكهم .. تضاحكاً .. وتصنّعاً .. وتكلّفاً .. يتكلفونه من عند أنفسهم .. وما في أنفسهم رغبة حقيقية في الضحك!

  يتضاحكون .. وفي كثير من الأحيان يتضاحكون وهم يُقارعون شرب الخمر .. لينسوا تلك الحقيقة الباهرة التي تُلاحقهم بالأسئلة التالية على مدار الوقت: من أين أتوا .. ولماذا أتوا .. وإلى أين يصيرون؟! 

  أكادُ أجزم أنه لا يوجد كافر مشرك على وجه الأرض سعيد في حياته .. أو يعرفُ طعمَ السعادة الحقيقية .. فسعادتهم متصنَّعة .. يعلوها التكلف والنفاق .. لأنهم يعيشون القلق والخوف من المجهول القادم لا محالة .. ولأنهم ينشدون السعادة من غير مظانها؛ من حيث يوجد الشقاء .. وأنَّى للشقاء أن يُسعد رواده وطلابه .. ففاقد الشيء لا يُعطيه!

  قال تعالى:) وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (الأنعام:125.

* * * * *

508- ليس من الأمانة.

  ليس من الأمانة .. ولا الفقه .. ولا العدل .. عند مورد الصغائر والكبائر .. أن يُسلَّط الضوء على الصغائر ـ التي منها ما قد يدخل في دائرة المتشابهات، ومنها ما يقبل الاجتهاد ويدور المجتهد فيها بين الأجر والأجرين ـ؛ شرحاً، ونقداً، وتجريماً .. ويُغَض الطرف عن الكبائر وأهلها .. فلا يُشار إليها ولا إليهم تلميحاً ولا تصريحاً!

  على الفقيه ـ الذي يتصدَّى لمشاكل الناس ـ أن يتنبه لهذا المعنى الهام .. إذ لا ينبغي أن يشغل نفسه ـ أو يقبل من الآخرين أن يُشغلوه ـ بالصغائر على حساب الكبائر .. فيُناقش هل دم البعوضة نجس أم لا .. بينما دم أخيه المسلم ينزف ـ ظلماً وعدواناً ـ أمامه من دون أن يُشير إليه وإلى قاتله بكلمة!

* * * * *

509- العلماءُ والمجاهدون.

  العلماء يعصمون الأمة ـ بإذن الله ـ من الضلال والانحراف .. والجهل .. والمجاهدون يعصمون الأمة من أن يسطو العدو عليها وعلى حرماتها.

  العلماء يحرسون ثغور الأمة من أن يتسلل من خلالها البدع والأهواء والشركيات الضارة والفتاكة .. والمجاهدون يحرسون ثغور الأمة من أن تتسلل من خلالها طلائع العدو.

  العلماء حرَّاس العقيدة والشريعة .. والمجاهدون حرَّاس دار العقيدة والشريعة.

  العلماء بهم يسود الحق والعلم والعدل، والإخاء والمحبة، وكل خلق حميد .. والمجاهدون يحمون ويحرسون مكتسبات وآثار العلماء .. وبهم يسود الأمن والأمان.

  العلماء والمجاهدون هم غرس الله في الأرض؛ الذين يستخدمهم الله تعالى في طاعته ونصرة دينه، والجهاد في سبيله.

  العلماء مثلهم في كتاب الله تعالى الميزان .. والمجاهدون مثلهم في كتاب الله تعالى الحديد .. كما قال تعالى:) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحديد:25. والميزان والحديد يكملان بعضهما البعض .. إذ لكل منهما رسالة تكمل رسالة الآخر .. لا قيام لأحدهما من دون الآخر .. بهما تتحقق ـ بإذن الله ـ العصمة والسلامة والإزدهار والعزة للأمة .. وهما بالنسبة للنظام كالجناحين بالنسبة للطائر فإن أصيب في أحد جناحيه وقع وعجز عن الطيران .. وتهاوى بين الحفر .. كذلك النظام الذي يُصاب من جهة العلماء أو المجاهدين .. فإنه يُصاب بمقتل .. ويعجز عن النهوض والقيام بواجباته الشرعية .. كما يعجز عن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية سواء .. ولو حاول النهوض أو المواجهة فإن مآله إلى السقوط والإنهيار لا محالة .. لذلك لم تتوقف محاولات العدو ـ ومن غير كلل ولا ملل ـ عن إحداث الفتن بين العلماء والمجاهدين للتفريق والتحريش بينهما .. وإحداث شرخ كبير من انعدام الثقة فيما بينهما .. وكأن لكل منهما مساره وتوجهه وغاياته المختلفة عن الآخر .. لعلمه بالآثار المدمرة التي تُصيب جسد الأمة جرَّاء ذلك!

* * * * *

510- الشِّدَّةُ على قدرِ المخالَفَةِ.

  يُنكِر عليَّ بعض الإخوان شدتي في بعض الردود على المخالفين ..؟

  وللإخوة هؤلاء أقول: انظروا إلى نوع وقدر المخالفة التي وقع فيها المخالف .. فستجدون أنه ومخالفته يستحقان هذه الشدة.

  فالشدة ليست على الإطلاق ممدوحة أو مذمومة .. بل منها الممدوح ومنها المذموم بحسب نوع وكم المخالفة التي وقع فيها المخالف .. وبحسب قصد المخالف من وراء مخالفته .. فالمخالفة التي تُصادم وتُناقض التوحيد .. لا ينبغي أن تُنكَر كما يُنكر أي ذنب دون الشرك والكفر .. والمخالفة التي يترتب عليها سفك الدم الحرام .. لا يجوز أن تُنكر كما تُنكَر الصغائر أو الذنوب التي هي دون وزر وجرم قتل الأنفس البريئة المعصومة والمصانة شرعاً .. وهكذا بقية المخالفات .. وفي السُّنة دليل على صحة ذلك: حيث أن من الأخطاء والمخالفات كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينكرها بعبارات شديدة كأنما حب الرمان يتفقأ من وجهه الشريف .. ومن الأخطاء والمخالفات كانت تُعالَج على طريقة ما بال أقوامٍ .. وأحياناً بكلمة أو عتاب لطيف .. أو بنظرة .. أو بسمة .. فكل هذا وارد .. والفقه يقتضي منا بأن نضع كل أسلوب من الإنكار في موضعه الصحيح .. وبحسب نوع وقدر وآثار المخالفة التي وقع فيها المخالف .. من غير زيادة ولا نقصان.

* * * * *

511- هكذا الدُّنيا!

  قد تأملت الدنيا فوجدتها عبارة عن خليطٍ هائلٍ من التغيرات، والتقلبات، والتجاذبات، والانفعالات المتغايرة، والمختلفة، والمتعاكسة .. وجدت فيها الحركةَ والسكونَ .. العملَ والخمولَ .. الصحة والمرض .. الغنى والفقر .. الشّرف والوضاعة .. القناعة والطمع .. الشح والكرم .. الجهل والعلم .. الكفر والإيمان .. الصلاح والطلاح .. الظلم والعدل .. العدوان والمعتدى عليه .. الجهاد والتدافع المستمر بين الحق والباطل .. القتل والقتال .. الكوارث الطبيعية والبشرية وضحاياها .. الصلة والقطيعة .. الاستقامة والفسوق .. الطهر والنجاسة .. السرور والحزن .. الهمَّ والغم والسعادة .. الربح والخسارة .. الغفلة واليقظة .. العزة والذلة .. اليد العليا واليد السفلى .. اللقاء ثم الفراق .. وفراق أكبر وفراق دون فراق .. وما بين كل صنفين أصناف عدة؛ بعضها قريب إلى هذا الصنف، وبعضها الآخر قريب إلى الصنف الآخر .. ولكل صنف من هذه الأصناف الآنفة الذكر ـ وما بينها من أصناف ـ أهله وطلابه!

وجدتُ المكرَ والخداع والغش .. محناً وفتناً وبلاء .. مشاكلَ تُدبِر وأخرى تُقبِل .. فما إن تدبر مشكلة حتى يظن صاحبها أنها قد فُرِجت، وأنه قد استراح وأراح .. إلا وتُقبل عليه أختها التي هي أشد من سابقتها .. وذلك من غير توقف ولا انقطاع .. كما وجدت التزاحم والتدافع فيما بين الناس على الكسب وأسبابه، بالحلال أو الحرام .. والرياسة وأسبابها، بالحق أو الباطل .. ضغط يرتفع، وضغط ينزل .. وما بين الضغطين جلطات وسكتات .. وموتات!

هكذا هي الدنيا؛ فهي عبارة عن حركة دؤوب ـ لا تعرف الثبات ولا القرار ـ تعبر عن تلك التغيرات والتقلبات والتفاعلات المتغايرة المتقلبة .. أرحامٌ تدفَع .. وقبور تَبلَع .. وما بينهما آهات .. وبلاءات .. وآلام .. وفتن ومحن  .. ومن لم يفهمها على هذا الوجه .. ويتعامل معها على هذا الوجه .. وأنها دار عمل وكدٍّ واختبار .. ثم أرادها لنفسه دار قرار واستقرار ومتاع وجزاء .. لا هم ولا غم ولا نكد فيها .. لا ينتظر بعدها لنفسه متاعاً ولا جزاء أو حساباً .. فهو واهم وخاسر .. وسرعان ما سيصدمه الواقع الأليم .. الذي لا يُحسن تفسيره .. والذي قد يُوقعه في قلقٍ شديد .. قد ينتهي به إلى الانتحار .. أو إلى كثير من الأمراض والعقد النفسية!

  هذا المعنى المشار إليه أعلاه هو المراد من قوله تعالى:) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (العنكبوت:2. وقوله تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (محمد:31. وقوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (الانشقاق:6. وقوله تعالى:) وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة:105. وقال تعالى:) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت:64.

* * * * *

512- الإحسانُ الخسيس! 

  الإحسان الخسيس؛ هو الإحسان الذي تسبقه نية المنّ والأذى بما تمَّ الإحسان به؛ كأن يعجز الخسيس عن الإساءة إلى من يرغب بالإساءة إليه، فيُحسن إليه بعطاءٍ أو معروف ليؤذيه ويذله بإحسانه .. أو ليستخدمه لمآرب خاطئة عند الحاجة .. من دون أن يقوَى المحسن إليه على أن يرد له طلباً أو يرد الإساءة بالمثل؛ إذ كيف يردها عليه بالمثل وبالأمس القريب قد تلقى منه إحساناً أو معروفاً .. فأخلاقه وحياؤه يمنعانه من فعل ذلك .. لذا فهو يؤثر الصبر على ذل وإذلال وأذى المحسن الخسيس ولا أن يرد عليه بالمثل .. أو أن يرد له طلباً .. والمحسن الخسيس يعلم منه هذا الخلق النبيل .. لذا فهو لا يتوانى في أن يستمر بالإحسان إليه بين الفينة والأخرى .. ليستمر تمتعه بإذلال وأذى من يُحسن إليه .. وليقوى على استخدامه لأغراضه الخبيثة عند الحاجة!

  هذا هو الإحسان الخسيس، وهذا هو المحسن الخسيس .. والصبر على أكل التراب خير للمرء من أن يمد يده لهكذا محسن خسيس .. أو يقترب من هكذا محسن خسيس، وهذا المحسن الخسيس يدخل دخولاً كلياً في معنى قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى (البقرة:264. وقوله تعالى:) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى (البقرة:263.

* * * * *

513- إن أردت لعلمك أن يُثمر ويزيد.

  إن أردت لعلمك أن يُثمرَ ويزيد .. ويُبارك الله به .. فاعمل به .. فما رأيت سبباً يزداد به العلم .. وينمو .. ويُثمر .. ويكثر عطاؤه .. مثل العمل به .. وما رأيت سبباً يمحق العلم .. ويمحق بركته وأثره .. مثل تنكّب العمل به .. فيكون صاحبه مثله مثل من يقول ما لا يفعل .. ويعلم الناس وينسى نفسه .. وكمثل السراج؛ يحرق نفسه ويُضيء للآخرين .. وهذا حظه من كتاب الله تعالى، قوله تعالى:) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف:3. وأنَّى لمن كان موضع سخط ومقت الله تعالى أن يُبارك الله به وبعلمه!

* * * * *

514- ) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (الضحى:10.

  ) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (الضحى:10. هذا هو حكم الله تعالى .. لا يجوز لك أن تنهر وتزجر السائل لمسألته .. أيَّاً كان وضعه .. والدافع له على السؤال .. إذ تكفيه عقوبة ـ إن لم يكن من ذوي الحاجة ـ ذل المسألة وآثارها .. فأنت معه بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تُحذيه بعض ما تملك .. أو تعتذر له بلطف ورفق .. وما وراء ذلك فهو العدوان!  

  هذا هو حكم الله تعالى .. لكن ما هو حكمه عند حكومات بلادنا القرقوشية: فهم من جهة أجاعوا الناس وأفقروهم .. ونهبوا أموالهم .. وسطوا على حقوقهم وخصوصياتهم .. تحت عناوين شتى ما أنزل الله بها من سلطان .. وأهملوا حق الرعية عليهم .. ثم بعد ذلك سنوا قوانين جائرة تنص على اعتقال كل من تسول له نفسه أن يتسول .. أو يسأل الناس شيئاً يسد به حاجته وفقره وجوعه .. فوقعوا في الظلم من جهتين: من جهة كونهم قد ظلموا الناس وأفقروهم .. وأجبروهم على السؤال ومد الأيدي .. ومن جهة معاقبتهم لمن اضطروه بظلمهم وعدوانهم على السؤال .. وزجّه في السجون أشهراً لكونه أصبح من طبقة المتسولين .. وما كان ليكون من هذه الطبقة لولا ظلمهم وعدوانهم، وإهمالهم له ولحقوقه! 

* * * * *

515- ) أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ (النحل:27.

  كل من يُجادل عن الطاغوت .. ويُقاتل ويُخاصم دونه .. ويُوالي ويُعادي فيه .. سواء كان هذا الطاغوت صنَماً من حجر .. أو شجر .. أو بشَرٍ .. أو قبرٍ .. أو كان نظاماً جاهلياً باطلاً .. أو كتلة تزعم تمثيل شعب .. أو حزباً .. أو منهجاً باطلاً متَّبعاً .. أو دستوراً وقانوناً يحل حراماً ويحرم حلالاً .. أو حاكماً لا يحكم بما أنزل الله، يزعم لنفسه خاصية الحكم والتشريع من دون الله .. فهو ممن سيوجَّه إليه هذا السؤال التقريعي التوبيخي .. يوم القيامة؛ يوم لا ينفع مال ولا بنون ) أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ (؟! أخرجوهم وأظهروهم ـ إن كنتم قادرين ـ لكي يُدافعوا ويُجادلوا عنكم يوم القيامة .. كما كنتم تدافعون وتجادلون عنهم في الحياة الدنيا .. وتُعادون أوليائي من أجلهم .. وأنَّى ) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (النحل:27.  

* * * * *

516- ) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (هود:49. 

  لمن يستبطئ النصر والفَرَج والفَتْح .. ثم بدت عليه علامات الانهيار والاستسلام .. والركون إلى الظالمين .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن تتكالب عليه العِدَى .. وتتناوشه سهام الظالمين والمنافقين من كل حدبٍ وصوب .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن يستوحش من الغربة وقلة الأعوان والأنصار .. ويرى من الناس نفوراً من الحق .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن لم يترك الحقُّ له صاحباً .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن يستوحش طول الطريق الموصل إلى الحق والنجاة .. وتضعف نفسه عن المواصلة وإتمام المسير، ومقاومة التحديات .. ثم أن نفسه تحمله على التماس طرق قصيرة ملتوية ما أنزل الله بها من سلطان .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن يجد في نفسه ضعفاً .. ثم هي تحمله على مداهنة الطغاة الظالمين، والركون إليهم، وإطرائهم .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن أصابته رهبة وخشية من قوة الطغاة الظالمين وجندهم .. وظن أن لا قائمة للحق وأهله .. تجاه قوتهم .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن داهمته المحن والهموم .. وتراكمت عليه البلايا والخطوب .. وظن أن لا منجى ولا مخرج منها .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (.

  لمن آلمه ظلم الظالمين .. ثم لم يجد سبيلاً ولا معيناً للانتصاف لمظالمه منهم .. نقول له:) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (. ) إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (القصص:37. 

  ) فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ( اجعلها ـ أيها المسلم ـ شعارك .. أينما كنت .. وحيثما حللت وتوجهت .. تُفلح بإذن رب العالمين.

* * * * *

517- كلمةُ حق يُرادُ بها باطل.

في كثير من الأحيان يعجز أهل الباطل عن نصرة باطلهم بكلمة باطلة .. فيلجؤون حينئذٍ إلى كلمة حق لينصروا بها باطلهم .. وهذا أسلوب دنيء .. هو أشد فتكاً وأثراً واشتباهاً على الناس .. من الانتصار للباطل بالباطل أو بكلمة باطلة!

كم من فتنةٍ انتصروا لها .. وسقطوا فيها .. باسم وزعم محاربة الفتنة!

كم من ظلم انتصروا له .. باسم العدالة .. وتحقيق العدل!

كم من غلوٍّ يُمارَس .. بزعم محاربة الغلو والغلاة .. والتكفيريين!

حاربوا الدين والتديّن .. باسم الوسطية والاعتدال!

كم من علم يُظهَر وما أرادوا منه سوى الانتصار لظلم الطغاة .. وكم من علم يُكتَم وما أرادوا منه سوى الانتصار لظلم الطغاة!

كم كمّموا من أفواه الناس .. وحجّموا من حرياتهم وحقوقهم المشروعة .. باسم استتباب الأمن .. ومكافحة الإرهاب!

كم من فساد وكفر وإلحاد نشروه .. وزرعوه في دروب الناس .. تحت زعم ضرورة احترام الحريات .. وقدسية الحريات!

كم من مجزرة يرتكبها المجرمون بحق الأبرياء .. ثم يزعمون إن أردنا إلا الدفاع عن النفس .. وتوجيه ضربة استباقية للعدو!

ومن يسلك هذا الدرب الخبيث .. حتى يُعرَفَ به .. حق على الناس أن يحذروه .. وأن يُحذّروا منه!

* * * * *

518- تَصديقُ الكَذِب!

مِن مُدمني الكذب .. الذين يقتاتون بالكذب .. ويُقاتلون بالكذب .. مَن يَكذب ويَكذب .. ويُكرّر الكذبَ .. حتى يُصدِّق كذبَه بأنه حقٌّ وصدق ما بعده إلا الكذب والضلال .. وهو بعد أن يُصدّق كذبَه .. ويُقنِع نفسه ـ ومن حولَه ـ بصدق كذبه .. يستدل بكذبه كدليل وبرهان لا راد له .. ويُؤرّخ له على أنه حقيقة من حقائق التاريخ والماضي التي لا تقبل النقاش .. وما أكثر ضحايا هذا النوع من ذوي الكذب المركَّب والمغلَّظ!

* * * * *

519- عَواقِبُ الكَذِب!

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" إيّاكم والكَذِب؛ فإنَّ الكَذِب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار، وما يزالُ الرجلُ يكذب ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتب عند الله كذَّاباً " مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم:" رأيتُ  الليلَةَ رجلين أتياني، قالا: الذي رأيتَهُ يُشَقُّ  شِدْقُهُ فكذَّابٌ، يَكذبُ بالكَذْبَة تُحمَلُ عنه حتى تبلُغَ الآفاقَ، فيُصنَعُ به إلى يومِ القيامةِ " متفق عليه.

ومن عواقب الكذب أنه يُورث صاحبه النفاق، كما في الحديث:" أربَعٌ خلال من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً: من إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلَف، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجرَ، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتى يدَعها " متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم:" آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعدَ أخلفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ " متفق عليه.

قلت: ومن لوازم خلف الوعد، وخيانة الأمانة، والغدر بالعهد .. الكذب .. فكل من أخلف الوعد، أو خان الأمانة، أو غدر بالعهد لزمه أن يكذب وأن يكون من الكذَّابين ولا بد .. فالكذب هي الخصلة المشتركة بين جميع خصال النفاق .. والعياذ بالله.

وكان عمر بن الخطاب t يقول:" من يَكذب يفجُر ".

وعن الصدّيق t قال:" الكذبُ يُجانِبُ الإيمان ".

وقال لقمان لابنه: يا بنيّ احذر الكذب، فإنه شهيٌّ كلحم العصفور مَن أكلَ منه شيئاً لم يصبر عنه. 

ومما يجني الكذب على صاحبه في دنياه ـ وبخاصة إن كان شديد الكذب ـ أنه يَفقد ثقة الناس به؛ فيتعاملون معه بشكٍّ وارتياب، ويأخذون صدقه بكذبه، وأن كل ما يصدر عنه يحتمل الكذب؛ إذ لم يعد بمقدورهم أن يميزوا بين كذبه من صِدقه .. فمن يستعذب الكذبَ مرةً يستعذبه مراتٍ ومرات .. ومن يقتات بالكذب يعزُّ عليه الإمساك عنه .. لكنه بذلك يخسر الأصحاب والخلان والأعوان .. وغيرهم الكثير الكثير .. ولا يلومَنَّ إلا نفسه!

* * * * *

520- عالميّةُ الإسلام.

الإسلام دين الله للعالمين .. ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله للعالمين .. والمسلم ينتمي إلى أسرة المسلمين العالمية بغض النظر عن جنسياتهم، وبلدانهم، وألوانهم، ولغاتهم .. له أخوة وأحباب في كل مكان .. وله بيوت ينتمي ويأوي إليها في كل مكان .. يألم لآلام المسلمين ـ أينما كانوا ـ كما يألم المسلمون لآلامه .. وهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والقلق والحمّى .. ولا يجوز لهم أن يكونوا غير ذلك .. لا فرق لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود، ولا أسود على أبيض إلا بالتقوى والعمل الصالح .. يستوون في الأصل والمنشأ ويتباينون في العمل والاجتهاد والعطاء .. وهم ـ على ما بينهم من تباين في المواهب والعمل ـ إخوان متحابون في الله، تربطهم رابطة العقيدة والدين .. غاياتهم .. ووسائلهم .. وهمومهم .. وتطلعاتهم واحدة ومشتركة .. ما يجمعهم أكبر وأكثر بكثير مما يفرقهم. 

كنت في مجلس ـ يضم عدداً من الجنسيات المختلفة؛ منهم البريطاني، والباكستاني، والبنغالي، والصومالي، والهندي، والعربي، والارتيري، والإفريقي، والتركي ـ أتلقى فيه مداخلات وأسئلة الحضور .. فتكلم أحدهم على طريقة الوطنيين مستخدماً مصطلحاتهم الوطنية .. وإذ بالجميع يلتفتون إليه وينظرون إليه نظرة تعجب واستهجان .. وكأن كل واحد منهم يقول له: أين حظنا من حديثك وكلامك .. وأين نحن منك .. وما هي مكانتنا عندك .. ثم إذا كان كل واحد منا سيضرب على وتر الولاء الوطني والقطري .. فما الذي يجمعنا .. دعك مما أنت فيه ـ يا هذا ـ إنها جاهلية نتنة .. لا تليق بالمسلم الموحّد .. فأدرك الأخ أنه ارتكب خطأ لا يليق بمثله!

* * * * *

521- يتبع في الصفحة التّالية إن شاء الله.