الغلام السيء

عاش في بعيد الزمان شاعر واسع الطيبة ، وفي عشية ، حين كان يجلس في زاوية غرفة المدفأة هني البال مستدفئا حيث تتوهج النار وتهس حبات التفاح التي كان يشويها ؛ ثارت عاصفة جائحة ، وتدفق المطر فياضا ، فقال لنفسه : ستبتل أجساد الذين لا سقف لهم .

هنالك صاح غلام يدق الباب باكيا : أدخلني ! أدخلني ! بردان ! جسدي مبتل كله !

كان المطر يتدفق ، والريح ترجرج كل نوافذ الغرفة رجرجة عنيفة .

قال الشاعر فاتحا الباب : يا مسكين !

وقف أمامه غلام تام العري يرتجف والماء يسيل من شعر الذهبي الطويل ، وكان من المحتوم أن يهلك في العاصفة المخيفة لو لم يدخل الغرفة الدافئة .

ردد الشاعر ممسكا يد الغلام : يا مسكين ! ادخل ! سأصلح حالك توا . ستشرب نبيذا ، وتأكل تفاحا مشويا ؛ لأنك طفل تام الحسن والجاذبية !

وحقا كان تام الحسن والجاذبية مثلما قال الشاعر الشيخ . كانت عيناه تشبهان نجمتين براقتين ، وكان شعره يتماوج خصلا ذهبية خلابة رغم الماء الذي يسيل منه . بدا ملاكا صغيرا وإن كان شاحب المحيا ، وكل جسده يرتجف بردا ، وفي يده قوس لطيفة بللها المطر ، وتمازجت ألوان نبالها الخفيفة . وجلس الشاعر الشيخ عند موقده ، وأجلس الغلام في حجره ، واعتصر الماء من شعره ، وأدفأ يديه بين راحتيه ، وسخن له بعض حلو النبيذ ، فتعافى ، ورجع لخديه توردهما النضر ، فوثب من حجر الشاعر الطيب القلب ، وراح يطوف حوله راقصا .

فقال هذا : أنت مرح ، ما اسمك ؟!

فرد : اسمي كيوبيد . ألا تعرفني ؟ هذه قوسي . ترسل النبال جيدا . يمكنني توكيد هذا لك !

انظر ! ها هو الجو يصحو !

 وها هو البدر يتألق صافيا خلف النافذة !

قال الشاعر : قوسك مبتلة فاسدة .

فقال : كان هذا محزنا حقا .

وتناولها وتفحص كل  جوانبها ، وقال ، جفت من جديد ، وما بها من عيب الآن ، ووترها مشدودا شدا قويا . سأجربها الآن !

وأحناها ، وحدد الهدف ، وأرسل منها سهما إلى قلب الشاعر ،

وقال ضاحكا : ها أنت ترى أن قوسي ليست فاسدة !

وركض مبتعدا .

وهكذا أصاب غلام السوء الشاعر الذي آواه في غرفته الدافئة ، وأحسن معاملته ، وقدم له ساخن النبيذ و أحسن التفاح . ارتمى الشاعر باكيا لإصابة سويداء قلبه .

قال متألما متحسرا : إخس ! ما أسوأ كيوبيد غلاما ! سأخبر كل الغلمان بسوئه حتى يحذروه ولا يلاعبوه فما من شأنه إلا أن يحزن نفوسهم ويوجع قلوبهم .

وفعلا تجنب كل الغلمان الطيبين الذين رويت لهم القصة كيوبيد تجنبا صارما إلا أنه استخف بهم جميعا لما كان له من دهاء متين ، فصار حين يبارح طلاب الجامعة محاضراتهم يسير بجانبهم لابسا سترة سوداء وكتابه أسفل إبطه ، فتستحيل عليهم معرفته ، ويسيرون معه يدا في يد كأنه طالب جامعي مثلهم ، وهنالك يسدد سهامه إلى قلوبهم دون أن يلحظوه . ويسير خلف الفتيات قريبا منهن حين يعدن بعد اختبار القس لهن ، أو حين يقصدن الكنيسة لسماع ما يثبت إيمانهن . نعم ، هو دائما خلف الناس ، وإذا حضر مسرحية تراه يجلس في أرفع مكان في المسرح ، ويتألق لهبا براقا حتى يخاله الناس لهبا حقيقيا ، ثم لا يلبثوا أن يكتشفوا أنه شيء آخر . ويجول في حديقة القصر الملكي ، ويمر على المتاريس في المدينة ، نعم ، ومرة رشق بسهمه قلبي والديك ، فسلهما تسمع الجواب ! إنه غلام سيء هذا المسمى كيوبيد ، فلا نفع لك منه . ودائما يركض خلف الناس . تخيل لو أنه رشق بسهمه جدتك ! هذا ما حدث لها في زمن بعيد ، وهو الآن من الماضي وإن كانت هي لا تسلوه  . تبا لك يا كيوبيد السيء ! إلا أنك تعرفه الآن ، وتعرف أيضا عمق سوئه .

*للكاتب الدنمركي هانز أندرسون ( 1805 _ 1875 ) .

وسوم: العدد 854