هآرتس: كل اعتذارات إسرائيل لن تبلغ عتبة “أم الحيران”

harts894.jpg

الشهيد يعقوب أبو القيعان

إن قتل يعقوب أبو القيعان لم يكن الجريمة الوحيدة لدولة إسرائيل ضد قرية أم الحيران. معلم الرياضيات المحبوب الذي يحمل اللقب الثاني في الهندسة، أعدمه رجال شرطة مخفيون ذوو أصبع خفيفة على الزناد، ثم تركوه ينزف حتى الموت دون أن يقدموا العلاج الذي كان يمكن أن ينقذه. ولكن يكذب على نفسه من يعتقد أن جرائم إسرائيل في أم الحيران انتهت بهذا الأمر. إن اعتذار نتنياهو الفارغ لم يصل حد عتبة الاعتذارات التي على إسرائيل أن تقدمها لسكان القرية.

الصور القاسية بعد عملية القتل والدمار لا تتوقف: ربى القيعان هي امرأة نحيفة تلبس الأسود وتتجول بين أنقاض بيتها صامتة. نظرها موجه طوال الوقت نحو الأرض. وابن شقيقها، طالب الطب في ملدافيا، قال إنها بهذا تسترجع اللحظات الأخيرة مع زوجها مرة تلو الأخرى.

في الوقت نفسه، كانت تجلس الأرملة الثانية في حالة حداد في القرية المجاورة “حورة”، وهي الدكتورة أمل القيعان، التي تزوجت يعقوب بعد موت زوجها، ويلزمها العرف البدوي بالزواج من أخيه. في عمر الـ 24 كانت محاضرة في كلية كاي للتعليم. عندما زرناها وهي في حالة حداد كانت تحمل شهادة الدكتوراة في التعليم من جامعة بن غوريون. الأرملتان وسكان القرية كانوا في صدمة. من يعمل في محطة الوقود في “حورة” قال لنا بأنه كان يقدر معلم الرياضيات جداً فقد عمل في المدرسة الثانوية المسماة إسحق رابين. إن وزير الشرطة في حينه جلعاد أردان، لا تنسوا له ذلك أبداً، والمفتش العام للشرطة روني ألشيخ، وكثيراً من الأشخاص الآخرين، تنافسوا فيما بينهم أيهم يحرض ضد المعلم أكثر.

قال صهره إن يعقوب وضع في سيارته (جيب الدهس والإرهاب كما يبدو) الحاسوب الشخصي وأغراضاً أخرى من بيته لإنقاذها من الهدم. بهذه الصورة لا يخرج مخرب من البيت بهدف الدهس. قبل بضعة أيام من ذلك، عندما شاهد العمال قد بدأوا بأعمال البناء في حيرون اليهودية، التي ستقام على أنقاض قريته، قال لأبناء عائلته: “اتركوهم وعملهم”. كان هذا هو الإرهابي المجرم، حسب تعبير المفتش العام والوزير.

المعلم يعقوب كان بريئاً من أي ذنب، و قتله هو الجريمة المثيرة للاشمئزاز.

عندما كنا في أم الحيران، ألكس لبيك وأنا، بعد القتل والدمار، لم نكن بحاجة إلى أي لجنة تحقيق، ولا لثلاث سنوات من الأكاذيب والتشويه وتقرير منحاز واحد لعميت سيغل كي نفهم بأن المعلم يعقوب كان بريئاً من أي ذنب، وأن قتله هو الجريمة المثيرة للاشمئزاز. وقد علمنا في حينه بأنه انزلق رويداً رويداً في منحدر الشارع الترابي من بيته عندما أطلقوا عليه النار. لم يكونوا ليطلقوا النار في أي بلدة يهودية على سيارة تسافر ببطء، وبالتأكيد لم يكونوا ليتركوا السائق ينزف حتى الموت، بعدم الإنسانية المحفوظ فقط للنازفين العرب.

ولكن لم يبدأ أي شيء في فجر 18 كانون الثاني 2017. قررت إسرائيل هدم القرية التي نقلت هي نفسها سكانها إليها بعد طردهم من أراضيهم في 1956، لإبعادهم عن أحد الكيبوتسات. وها هم الآن يريدون طردهم مرة أخرى لإقامة بلدة لليهود المتدينين – الوطنيين. شرعن القاضي اليكيم روبنشتاين وقضاة من قبله كل المحرمات. “ليس هناك لسكان أم الحيران أي حقوق في المكان”، قضى روبنشتاين، قاضي المحكمة العليا، منارة العدل في إسرائيل، فقد كان شريكاً في الجريمة أيضاً.

لم يسأل أحد نفسه أين هي حقوق البدو في هذه البلاد التي هي أيضاً بلادهم؟ في مكب القمامة في أبوديس؟ في المنطقة الصناعية الملوثة في “رمات حوفاف”؟ هذا العام لم يعد 1948 ولا حتى 1958، إنه العام 2017، بدون خجل وبدون إحراج وبدون غطاء أمني أو هراء صهيوني: أبرتهايد مصفى في إسرائيل السيادية. التهويد، المفهوم المثير للقرف، هو طرد البدو من أجل البناء لليهود.

بعد ثمانية أشهر على الهدم والقتل عدنا إلى أم الحيران. خرجت ربى نحونا بابتسامة خجولة من داخل الخيمة التي تحولت إلى بيتها وبيت أولادها العشرة، حيث الأنقاض المجبولة بدم زوجها ما تزال تقف هناك صامتة دليلاً على الجريمة.

وسوم: العدد 894