صحيفة عبرية: تخيل أنك فلسطيني تقتحم إسرائيل بيتك كل ليلة.. لـ “رسم الخرائط”!

في الليل، حيث الجميع نيام، كان أفراد طاقمي يستعدون خارج أحد البيوت. أحدهم يدق على الباب وآخر يقتحمه فوراً. ندخل جميعنا سريعاً، وبقوة، وبأسلحة مصوبة. وجوه عدد منا مطلية، وآخرون بوجوه مكشوفة. أحد ما يجمع أبناء العائلة ويحبسهم في إحدى الغرف. هنالك صرخات. عربية مكسرة وعبرية سريعة، وبالعكس. أيوة، أيوة، بسرعة… الهويات. الأغراض تتحرك، وأحياناً تتكسر. أحدنا يصوّر غرف البيت أو يفتح كراسة ويرسم رسومات. ساعات تمر، وأحياناً أيام. بعد ذلك نخرج في طريقنا إلى البيت الآخر.

توقف، إلى هنا وصلت ذاكرتي. كما تشاهد فيلماً، يسرع لكي يصل إلى المشهد القادم. لم أتخيل في يوم من الأيام ما جرى هناك، في البيت، في اللحظة التي نخرج فيها. أولئك الذين يحبّون الرمزية سيجدونها بسهولة في التشريع العسكري، في البند الذي يسمح باقتحام البيوت. البند 67 من “الأمر بشأن تعليمات الأمن” ينص على “أي ضابط أو أي جندي فوضه ضابط، بصورة عامة أو محددة، يُسمح له بالدخول في أي وقت إلى أي مكان (…)”. وهكذا منذ 1967، الوقت الذي احتللنا فيه الضفة، يتم في كل ليلة إرسال جنودنا لاقتحام البيوت الخاصة لعدد لا يحصى من العائلات. ليس هنالك حاجة لأمر، التفكير بتفتيش قضائي سيضحك أي جندي أو شاويش شاب، وذرائع اقتحام المعاقل الخاصة للسكان-الرعايا هي عديدة ومتنوعة. في الواقع، غير محدودة.

تفتيش، اعتقال، مراقبة، رسم خارطة للبيت، هذه هي الأصناف الشائعة. ولكن في الواقع، كل شيء، حتى الحاجة إلى التوقف للراحة في منتصف قرية، والسعي الدائم لإظهار الحضور. “المهمة العليا كانت خلق شعور بالعزلة في أوساط السكان الفلسطينيين. هذه الجملة ليست مني، هي جملة جاءت في العروض والإحاطات، قال لكاسري الصمت واحد من عشرات الضباط والجنود الذين ضُمّنت شهاداتهم في تقرير شامل سننشره هذا الأسبوع بصورة مشتركة مع “ييش دين” (يوجد عدل)، و”أطباء من أجل حقوق الإنسان”. هناك العديد من الأسماء في لغة اقتحامات الجيش الثابتة للبيوت، وليس هنالك أمر يعكس ويجسد الاحتلال أكثر منها. هذا صورة مصغرة عن الاحتلال، جوهر السيطرة على السكان المدنيين مغلفاً بقشرة جوز. الوسيلة الأكثر روتينية هي الأكثر تغلغلاً، وزعزعةً، وعدم تبرير.

أريد كمثال التوقف لحظة عند المفهوم المجرد “رسم خرائط”. هذا هو الوصف العسكري للاقتحامات التي تتضمن رسم مبنى البيت وتفاصيل عن كل ساكنيه. هذا التوثيق قد يشمل تصوير البيت، وتصوير ساكنيه “بمن فيهم الأطفال القاصرين”، تصوير أو تسجيل هويات أو تفاصيل أخرى مثل أرقام التلفونات، ورسم كروكي للغرف والمداخل. يحدث هذا غالباً ليلاً، ما بين منتصف الليل والخامسة صباحاً. ولأن “رسم الخارطة” يقتضي التجول في أرجاء البيت، يقومون بتجميع ساكني البيت في غرفة أو غرفتين ويضعون عليهم حراسة.

من هي العائلات التي يتم اختيار بيوتها كهدف لـ “رسم الخارطة”؟ كلها، جميعاً. “كانوا يقولون لنا مسبقاً بأن ليس لهم علاقة. أشخاص في الواقع غير مشاركين في الإرهاب، أبرياء بلغة مغسولة” هذا ما قاله لنا أحد الشهود، الرقيب أول في وحدة دوفدفان (وحدة المستعربين). ضابط بدرجة رائد قال: “ليس هنالك أي مطلوب (للتحقيق)، ليس هنالك أمر يتعلق بنشاطات تخريبية معادية أو شخص خطير. أنت تدخل إلى البيت فقط لتفحص وتقوم بعملية رسم خارطة للبيت – كم غرفة فيه، ثم تنتقل إلى البيت التالي”. وقال آخر، وهو بدرجة رائد: ” ولكن هذا تماماً اعتباطي، كان بإمكاني أن أختار أي بيت أريده، مثلما تفحص الرياح، تلعق الإصبع وترفعه وترى أين تهب الريح. لم يكن هنالك أي توجيه”.

ومن الجانب الآخر، من المكان الذي توقفت فيه ذاكرتي، ويرفض خيالي العمل، تجري هناك اقتحامات أخرى. ليست بـ”مهمة” يجب تنفيذها، وليست “مهمة” بطولية، بل هي روتين يومي لحياة مكشوفة ومقتحمة. ما بعد الصدمة يتدحرج. “أراهم قادمين للهدم والتوسيع. يخيفون ويزرعون الرعب، مع أوجههم المغطاة ومع السلاح الذي يحملونه”، هذا ما قالته إسراء أبو عليا من بلدة المغيّر، لطاقم “أطباء من أجل حقوق الإنسان”. “غير قادرة على توفير حاجات البيت، ولا أستطيع السيطرة عليه. أنا مطرودة من بيتي، وعدوي موجود بداخله، يكسر الأشياء ويمس بأولادي، ولا أستطيع فعل شيء”، أضافت هند حامد من بلدة سلواد.

غالباً، لا أعتقد أن الجنود كاسري الصمت يجب أن يقرأوا تقاريرنا. تُعرض شهاداتهم من أجل لمعرفة الآخرين، الذين لم يكونوا هناك، عما فعلناه باسمهم. ولكنني هذه المرة أتوجه إليكم وأطلب منكم: اقرأوا هذا التقرير، الأكثر شمولاً، الذي كتب عن هذا الموضوع كي نستطيع أن نكمل لأنفسنا الجزء الناقص في الفيلم.

وربما، من يعرف، ليت أخوتي وأخواتي المتظاهرين في بلفور سيجدونه مهماً. أنتم الذين تعرضتم مؤخراً لاعتقالات عبثية ولعنف شرطي وشاهدتم الفجوة التي لا تحتمل أحياناً ما بين الواقع الذي عشتموه وما بين بيانات كاذبة يتم نشرها في وسائل الإعلام. حاولوا أن تخطوا خطوة أخرى وتخيلوا كيف ستشعرون في اليوم الذي سيتخذ فيه قرار، لا سمح الله، بأن تكون بيوتكم مكشوفة، وتكون لياليكم مقتحمة. عسى أن يبدأ الإصلاح من هذا التخيل.

وسوم: العدد 907