الروائي الإنجليزي جوزيف كونراد ( 1857 _ 19249) .. حياته ورواياته

*1875 : _  1894: عمله بحارا .

*1895 : صدور روايته " حماقة ألماير " .

*1904 : صدور رواية " نوسترومو "

ولد جوزيف كونراد باسم جوزيب تيودور كونراد ناليتش كورزنيوفسكي في بولندا التي كانت يومئذ تحت الحكم الروسي ؛ ابنا لوطني بولندي قاسى النفي في روسيا لنشاطاته الوطنية البولندية ، وتوفي في 1869 تاركا جوزيف في رعاية خالٍ له . وحين بلغ هذا الخامسة عشرة أدهش الجميع بالبوح برغبته الجامحة لركوب البحر ، وسمحوا له في النهاية بالسفر إلى مرسيليا في 1874 ، ومن مينائها قام بعدة رحلات على السفن الفرنسية التجارية إلى جزر المارتينيك وجزر الهند  الغربية .ووقع في 1878 عقدا للعمل على سفينة إنجليزية نقلته إلى ميناء لويستوفت الإنجليزي على الشاطىء الشرقي للبلاد حيث انضم وهو لا يزال بحارا عاديا إلى بحارة سفينة صغيرة تبحر ذهابا وإيابا بين لويستوفت ونيوكاسل . وتعلم الإنجليزية في ست رحلات بين هذين الميناءين ، ومن ثم بدأ في النشاط التجاري البحري البريطاني ، فأبحر على متون سفن بريطانية كثيرة إلى الشرق وغيره من بقاع العالم . وفي النهاية ، في 1886 ، حاز شهادة معلم لمزاولة التعليم ، وتلك هي السنة التي صار فيها مواطنا بريطانيا متجنسا . وتولى قيادة السفينة التي يبحر عليها لأول مرة في 1888 . وفي 1890 أبحر في زورق بخاري في نهر الكونغو في أحوال كابوسية عسيرة وصفها في روايته " قلب الظلام " ، وجلبت له تلك الرحلة داء عضالا ، وظلت معاسرها العنيفة تراود خاطره دون توقف . وقبيل 1890 فكر في تحويل بعض تجاربه في بلاد الملايو ( ماليزيا ) إلى عمل روائي إنجليزي . وفي عام 1892 _ 1893 ، حين كان ربانا للسفينة " تورينز " المبحرة من لندن إلى أديليد ، باح إلى راكب يتعاطف معه بأنه شرع يكتب رواية " حماقة ألماير " ، وفي رحلة العودة أثر بحديثه الممتع في جون جالزورثي أحد ركاب تلك السفينة . وجد كونراد مشقة في الحصول على وظيفة المعلم التي كان يرغب فيها لحيازته شهادة تعليم ، فاضطر للعمل بين حين وآخر في وظائف أدنى شأنا ، واجتمعت مشقة حصوله على عمل قيادي في البحر مع الاهتمام الذي حركته روايته " حماقة ألماير" وقت نشرها في 1895 لصرفه عن حياة البحر إلى حرفة الأدب ، فاستقر في لندن ، وتزوج فتاة إنجليزية في 1896 ، ومنذئذ  صار ابن الوطني البولندي الذي عمل بحارا  تجاريا روائيا إنجليزيا ،  واعتُبِر زمنا مديدا كاتبا بحريا منح وصفه الرائع لأصقاع الشرق ، واستكشافه لجو الملايو الرومانسي ، وأقاليم أخرى غريبة ؛ أعماله الروائية ضربا من الثراء والروعة إلا أن هذا جانب واحد فحسب من جوانب تلك الأعمال ، وليس أهم جوانبها في التحليل الأخير لها .واستعمل مرارا البحر وأحوال الحياة على متون السفن ، أو أحوال المستوطنات البريطانية الشرقية القاصية ؛ وسائل لاستكناه غوامض أخلاقية عميقة محددة في التجربة الإنسانية . ففي رواية " زنجي نرسيسوس " في 1897 يوضح كيف يفسد زنجي يُحتَضَر معنويات بحارة سفينة بحقيقة جذب محنته لتعاطفهم معه ، وبذا يعرض رمزيا أحد موضوعاته المألوفة ، وهو ضرورة التواصل الإنساني وخطورته في وقت واحد . ويسبر باستعمال الراوي الوسيط في روايته "لورد جِم " إخفاق بحار شاب رومانسي ومثالي إخفاقا عظيما في أداء واجبه ، ويبقي التساؤل الخلقي قائما حتى النهاية بتقديمه سيرة ذلك البطل عبر سلسلة وجهات نظر متعددة في شخصيته . واستعمال الرواة الوسطاء ووجهات النظر المتعددة شائع في رواياته .إنه أسلوبه الأثير لبيان تعقيد تجربة الإنسان ، ومشقة الحكم على أفعال الناس . ويعتمد في روايته " قلب الظلام " على تجربته في نهر الكونغو لخلق جو افتراضي من الظلام والرعب يقيم البطل فيه علاقة حميمة مع الشرير الفاسد ؛ التاجر البلجيكي الذي أضاع كل مثله المبكرة ، وخضع لأسوأ عناصر الحياة في وطنه التي كان يتطلع إلى تحسينها .وفكرة صعوبة التواصل الحقيقي مؤتلفةً مع فكرة أن هذا التواصل قد يُفرَض علينا  فرضا لا نتوقعه ؛ أحيانا مع شخص ربما يكون ظاهريا نقيضا خلقيا لنا إلى درجة أننا قد نضطر فيها إلى اعتراف غامض بنقيضنا بوصفه ذاتنا الحقيقية ؛ هذه الفكرة ، فكرة صعوبة التواصل الحقيقي ؛ موجودة في كثير من أعمال كونراد ، وهي واحدة من الأفكار  الباطنية لقصة " الشريك السري " الصادرة في 1912 . وهذه القصة ممتعة لما فيها من وضوح وقوة وصف بهما كونراد جو خليج سيام مثلما شعر به قبطان بحري شاب حين تولى قيادة السفينة أول مرة . وهي ، القصة ، تستعمل أيضا الموقف والحادثة استعمالا رمزيا لتبين بعض مفارقات  الذات والتعاطف بين الناس . وتستكشف قصص وروايات أخرى لكونراد الوسائل التي تواجه بها القوانين التي نحيا في ظلها الاختبار في لحظات الأزمة ، فتظهر قصور هذه القوانين أو قصورنا نحن . والخيال الإنساني قد يفسد مثلما في رواية " لورد جِم " ، وقد يحمي مثلما في رواية " خط الظل " التي ظهرت في 1917 . وفي أوقات قد يرافق الانعدام  التام لهذا الخيال إنسانا معينا مثلما رافق القبطان موير في رواية " الإعصار " التي نشرت في 1902 ، وإن كان ذات الانعدام  في أحوال أخرى يجعل إنسانا آخر غريبا غرابة حافزة على السخرية منه مثلما حدث مع القبطان ميتشل في رواية " نوسترومو " التي صدرت في 1904 . و" نوسترومو" ، التي هي دراسة عميقة ودقيقة للمؤثرات السياسية و " المصالح المادية " المفسدة للعلاقات الشخصية ،وتدور أحداثها  في جمهورية متخيلة في جنوبي أميركا ؛ تعتبر على نطاق واسع أعظم أعمال كونراد . ونالت روايتاه السياسيتان الأخريان ،وهما " العميل السري " التي صدرت في 1906 ، و " تحت عيون غربية " التي صدرت في 1910 ؛ حديثا اعتبارهما الأدبي الكبير . و " تحت عيون غربية " قصة طالب روسي يرتبط على غير إرادة منه بالعنف المناهض للحكومة في روسيا القيصرية ، وتضعه الظروف دون مقاومة منه في موقف يُجبَر فيه على التظاهر بأنه ثوري بين الثوريين مع أنه جاسوس للحكومة الروسية . وهذا منتهى الانعزال والانقطاع الإنساني  حين  تضطر دائما إلى التظاهر بنقيض حقيقتك . إنها قصة لها قوة قصص وروايات ديستويفسكي ، وتكشف عن كونراد مختلف كثيرا عن كونراد الحالم الرائع بالبحر الذي صوره نقاده الأوائل .

                                          ***

كان كونراد متشائما من صنف الشاعر الإنجليزي هاردي إلا أنه نظم تشاؤمه بوسائل ألطف وأذكى ، وكان أيضا ممتلكا عظيما لناصية النثر الإنجليزي ، وهي حقيقة مذهلة حين نعلم أنه وصل الحادية والعشرين دون أن يفقه كلمة إنجليزية واحدة ، وأنه تلبث إلى مُختَتم حياته يتكلم الإنجليزية بلكنة أجنبية ثقيلة .

*عن " مقتطفات نورتون المختارة من الأدب الإنجليزي " .

وسوم: العدد 910