حتى يعتاد العالم.. نتعاون على قطع أشجارهم أولاً وقتل أولادهم قبل رميهم في الأردن

الحقائق معروفة: الحديث يدور عن مجتمع مغلق، محافظ ومتدين. نظرته للمؤسسة الأمنية متشككة ومعادية. تعربد على هامشه عصابات من الشبان الذين تدفعهم البطالة والكسل. هذه العصابات لا تمس الوسط نفسه، بل الجيران فقط. فهي تدمر وتقتلع وتحرق وتضرب. الوسط عاجز. العنف يمس بصورته. رؤساؤه محرجون. الزعرنة تجسد لديهم رغبات خفية، لكنهم مع ذلك يريدون أن يظهروا كـ”معياريين”.

 

رؤساء الوسط “يدينون” المجرمين بلهجة ضعيفة، و”يتحفظون” منهم بفتور، يحاولون التقليل من قيمة الجريمة، ويصفون من ينفذونها بـ “الأعشاب الغريبة”. هم يعرفون أن الإدانة الأكثر شدة ستعرضهم كمتعاونين مع المؤسسة المكروهة. عندما يطلبون منهم رداً حازماً أكثر يهزون الكتف ويقولون: ما الأمر، أنحن رجال شرطة؟ بالعكس، لتدخل الشرطة إلى قرانا وتفرض النظام.

 

الشرطة لن تدخل، الشرطة تخاف، ثمة سلاح كثير في هذا الوسط، ويده خفيفة على الزناد. هذا الوسط غير كبير، لكن قوته مخيفة. له علاقات جيدة، وله تمثيل في الكنيست والحكومة. ليس للشرطة مصلحة في التصادم معه. لن تتورط معه. حتى الآن قتل المجرمون في هذا القطاع، حسب معرفتنا، أطفالاً أيضاً. اختطفوا أحدهم وقتلوه، وحرقوا آخر. لهم أساليب كثيرة للتعامل مع الجيران. لا توجد بيانات دقيقة عن الجرائم. لمن تشتكي الضحايا؟ للجيش الذي يساعد المجرمين؟ لوسائل الإعلام اللامبالية والمتراخية والخانعة؟

 

نحن، الواقفين جانباً، عاجزون. من الواضح أن الجريمة في هذا الوسط لا ترتكب باسمنا، لكنها تقع تحت مسؤوليتنا. لا نستطيع التنصل منهم. هم يجلسون على ظهورنا، والعصابات تجلس على ظهورنا. نعرف أنه طالما هناك مستوطنون فستكون هناك جرائم في الضفة. لن يكون بعيداً ذلك اليوم الذي سيستبدل فيه المجرمون من يصمتون الآن.

 

الصامتون أيضاً يعرفون أن الجريمة لم تستهدف تخويف العرب فحسب، بل اليهود أيضاً. فقد جاءت لتحذير الحكومة وردع الجيش، بأن عليهم التفكير مرتين قبل العبث معهم. هم محصنون، ومحظور المس بهم. أجهزة الأمن تستطيع أن تقتل شخصاً في سوريا بسبب جرائم ربما سيرتكبها، لكنها لا تعاقب شخصاً على جريمة ارتكبها. يقوم “الشاباك” بحركات كبيرة وكأنها جهود للعثور على المجرمين، لكنه في الحقيقة يدوس على البنزين في وضع عدم تعشيق التروس.

 

إن الدوس على البنزين في حالة عدم التعشيق هذه هي السياسة. ولكن لا أحد يعترف بوجودها. لا توجد حتى وثيقة واحدة تذكر فيها، ورؤساء أجهزة الأمن لم ينسقوا مواقفهم بخصوصها في لقاء يشبه مؤتمراً وينسى. السياسة هي التنغيص، تنغيص حياة العرب وتخويفهم. هي تعتمد على أن من اقتلعوا بستانه وأحرقوا حقله لن يرغب في مواصلة العيش هنا حتى ولو للحظة.

 

هذه ليست سياسة، بل ثقافة. ثقافة الكذب والنفاق. ثقافة الذين يتوقون لقتل الجميع (“المتطرفون”) أو طردهم إلى الأردن (“المعتدلون”). جميعهم، متطرفون ومعتدلون، يريدون أن يختفي هؤلاء، أن يتبخروا، أن يزولوا (لأنه “لا حل آخر”)، لكن ما الذي سيقوله العالم حينها؟ لذلك، هم يقومون بتنقيط العنف يوماً يوماً. تعذيب صيني دائم، اليوم يقتلعون الأشجار وفي الغد يضربون الأولاد، كي يعتاد العالم.

 

من يرسل الجيش لتنفيذ سياسة التنغيص؟ شبان مشحونون بـ 12 سنة من تعلم الكراهية والانتقام والشعور بالتفوق. لقد أمروهم أن يحافظوا على أمن الجميع، لكن هذا بعد أن تمت تربيتهم على أن يصدقوا بأن اليهود دائماً على حق وأن العرب دائماً على خطأ. ما الغريب في أنهم يساعدون المجرمين ويمسون بالعرب؟

 

هم المسؤولون عن ازدهار الجريمة في هذا الوسط. يجب عليكم تقشير المجهولية عن “جنود الجيش الإسرائيلي”، وستجدون هناك إبن الجيران وابنكم وأصدقاءه. هم ليسوا بحاجة إلى أوامر. فالتنكيل بالعرب يأتي من البطن ومن القلب. هم ليسوا “أولاداً”، بل شباب أقوياء يمكنهم أن يرموا متظاهراً عجوزاً على الأرض ويدوسون على آخره. هم يساعدون المجرمين لأنهم ضخوا فيهم سنوات كثيرة بأن العرب في مستوى متدن، وأن المجرمين أيديولوجيون”. لديهم أوامر وتعليمات، لكن القيم الفاسدة التي تربوا عليها تتغلب على الأوامر الإنسانية التي تلقوها. فقط بعد ذلك، عندما سيكبرون ويصبحون واعين سينتخبون بيبي وليس بن غبير.

وسوم: العدد 952