نور الفجر

لشاعر الأردية شيخ محمد إبراهيم ذوق

ترجمة: د. سمير عبد الحميد إبراهيم

ولد "شيخ محمد إبراهيم ذوق" سنة 1203هـ/1789م، وبدأ تعليمه في أحد الكتاتيب بمدينة دهلي في الهند، ظهرت موهبته الشعرية في فترة مبكرة من حياته، وقام بمراجعة أشعار الإمبراطور بهادر شاه ظفر آخر سلاطين الدولة المغولية في الهند وتنقيحها، ولقب ذوق بملك الشعراء وخاقاني الهند. ويقال إنه ترك أشعاراً كثيرة ضاع معظمها أثناء الثورة التي قامت ضد الإنجليز، فقام تلميذاه "محمد حسين آزاد" و"حافظ غلام رسول ويران" بجمع بعض أشعاره، وترتيب ديوانه الذي ضم 12000 بيت من الشعر، منها 15 قصيدة ومثنوي "مزدوج" غير كامل.

كان "ذوق" شاعراً حساساً، اتصف بالورع والتقوى، وأحب اللغة الأردية حباً ملك عليه مشاعره وأحاسيسه، فجاءت أشعاره رائعة، خاطب فيها الإنسانية جمعاء، وعبر فيها عن زمانه بصدق، فجاءت أشعاره مرآة لعصره، وقد استخدم الشاعر الرمز في شعره للوصول إلى هدفه، وهذه ترجمة لقصيدة جعلنا عنوانها "نور الفجر" فالشاعر بعد أن كاد اليأس أن يحطمه أنقذه صوت أذان الفجر فذكره بربه وبرسوله الكريم، فعاد إليه الأمل والرجاء، وملأ نور الإيمان قلبه.

نور الفجر

ماذا أقول – يا ذوق - عن

أحوال ليالي الهجر؟

ليالٍ لحظاتها مرت

كأنها مائة شهر من بعد شهر

ليلة، واحدة، لم تمض دون

أن تظلها

ظلمة حظي الأسود

بالسواد والقهر

وشموعي حظها من الحزن

لم يكن بقليل

فتساقطت حبات عرقها

ومضت كالنهر

ورحت أردد فزعاً

وأتطلع للأفلاك

كغريق في بحر:

أين أنا؟ وأين أمنياتي

التي كانت؟

هل ضاعت بعد أن ملأ

الحقد قلبك

ضاعت كالبخر

في ستارة الظلمة قسوت علي

ولم يدر أحد بالأمر

لكن قلوب أهل الحي

تقطعت

من ضجيج دقات قلبي

وراح يقيمني حيناً اضطرابي

ويقعدني حيناً ضعفي

قال حين أصاب القلب ما أصاب:

آه؟ كم من إسار حطم الماس؟!..

قالب الروح لم يتحطم يوماً بوصل

بينما الفراق أضاع الروح

دون طعنة نصل

رأيت ورأيت ولكن لم أر

ولو للحظة طلوع الصباح

من طلعته البهية

فحدثني القلب وقال:

هذا ليل الهجر

ويقيناً

لن تبقى أنفاسك للفجر

وهكذا

رحت ألعق دموع الأسى

وأرتشف الحزن

وجلست

أكفكف الجراح

وأتطلع حوالي

لعلي أجد من يحمل المصباح

من يرتل لي "سورة يس"

حتى تخرج الروح في سكون

دون نواح

أتطلع حواليَّ، أتساءل:

ألا يزال في العمر بقية؟!

ثم كانت الإرادة الإلهية

أبقتني على قيد الحياة

ربي كتب لي النجاة

إذ فجأة تناهى لأسماعي

صوت مؤذن

يكبر، يردد

حي على الصلاة

في بيت من بيوت الرحمن

يا لله

بشارة صبح الوصل

واتتني

فعانقتني الفرحة

والدنيا بذراعيها ضمتني

يا لها من سعادة

حين يصدح صوت بـ "الله أكبر"

فها هو ذا طرب السرور يناديني:

تفكر... تفكر..

ما أسعدك أيها المؤذن

فقد رفعت في الوقت المناسب

النداء الرباني

فأنقذتني من همي وأشجاني

صوتك العذب حمل لي

صورة مكة والمدينة

فأيقظني من غفلتي

وأحياني