الهرة والساحرة الأرضية

الهرة والساحرة الأرضية

( 16 )

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من كتاب :

(The Big Story Book)

سوداء اللون ... منقطة بنقط بيضاء صغيرة الحجم بشكل ملحوظ ... بل ربما كانت أصغر قطة في المنطقة كلها ، إنها   كيتي   " Kitty "  التي كانت تعتبر نفسها أشقى حيوان في الغابة الكبيرة التي تعيش فيها .

نعم لقد كانت تعيش في هم دائم ، في الوقت الذي تعيش فيه كل مخلوقات الغابة في بهجة وسعادة : السناجب ... الأرانب البرية ... البوم ... النحل ... الجميع سعداء ما عدا كيتي التي كانت تعيش في شقاء دائم ، ولها الحق في ذلك ؛ فكل حيوان يعيش في الغابة له أسرته التي يعيش معها وبين أفرادها ، قد تكون أسرة كبيرة ، أو أسرة صغيرة ، أو أسرة متوسطة ، ولكنها أسرة على كل حال .

أما كيتي فلا اسرة لها : فهي لا تعرف لها أبا ولا أم ، ولا أخ ولا أختا ، ولا صديقا تحبه ويحبها ، وذلك جعلها تعيش في شقاء دائم .

وذات يوم كانت تمشي عبْر أحد الحقول وهي تنظر إلى الأرض في انكسار ، والدموع تملء عينيها ، لذلك لم تر المقشة التي كانت تعترض طريقها ، فاصطدمت بها ، وتعثرت أقدامها وسقطت على الأرض الصلبة .

وكانت الدموع تتحدر على خديها الصغيرين وهي جالسة تلعق بلسانها أقدامها الموجوعة . وفجأة سمعت صوت بكاء صادرا من بين الأشجار الواقعة خلفها ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها صوت بكاء صادر من غيرها .

مسحت كيتي دموعها عن خديها وأطلت برأسها بين الأشجار فرأت ساحرة جالسة بين الأشجار ، إنها أصغر ساحرة يمكن أن يتخيلها أي واحد في الوجود ، وكانت الدموع تغطي وجهها الصغير فسألتها كيتي :

هل أستطيع أن أساعدك ؟ فجاءها الجواب من الساحرة :

ــ "   لا يستطيع أحد أن يساعدني ... إنني شقية حزينة كما ترين ، فأنا أعيش وحيدة في هذه الغابة الكبيرة ... بلا أسرة ... ولا صديق ... يحبني وأحبه  " .

ردت كيتي :

ــ " إنني أحس بمشاعرك ، إنني أعيش نفس مشكلتك ، فأنا أعيش بلا اسرة ، ولا أملك إلا نفسي التي تسمى " كيتي " .

فجاءها الجواب وأنا لا أملك إلا نفسي أنا " وني "  "    Winny   "   ولكن لا تفهميني خطأ ، فأنا أحب الأشباح والجنيات التي تعيش في الغابة الكبيرة ، ولكن ذلك يختلف طبعا عن الحب العميق المتبادل بين أفراد الأسرة الواحدة  .

واقتربت كيتي من الساحرة الصغيرة ولامست بفرائها الناعم حاشية ثوبها الجميل وقالت :

ــ " أنا أقدر مشاعرك تماما ، وأنا كذلك أحب السناجب والبوم والطيور والأرانب ، وكل من يعيش في الغابة ، ولكن ذلك يختلف طبعا عن الحب الأسري المتبادل بين كل أفراد العائلة الواحدة ، فليس في الغابة من يهتم بي أو يشاركني همومي ، فإذا جعت لا أجد من يطعمني ٍ ، وإذا مرضت لا اجد من يقف بجانبي ، وإذا ما حزنت لا أجد من يخفف عني حزني " .

وتوقفت الساحرة ويني عن البكاء وهي تستمع إلى كيتي ثم قالت ويني :

ــ " أنا أقدر مشاعرك يا كيتي ولكن صبرا حتى أبوح لك ببقية همومي   ...  هناك مشكلة أخرى تشقيني غير مشكلة عدم وجود أسرة أو صديق والشعور بالوحدة والوحشة ، إنها مشكلة خطيرة بالنسبة لساحرة مثلي " .

ثم نظرت ويني حولها لتتأكد أنه ليس هناك من يسترق السمع ثم همست فس أذن كيتي :

ـــ " مشكلتي الثانية الخطيرة هي أنني لا أستطيع الحصول على رخصة تسمح لي بالطيران " .

ثم بدأت شفتها السفلى ترتجف وأضافت قائلة :

ــ " من سمع من قبل بساحرة أرضية ؟ ساحرة لا تستطيع أن تحلق فوق الأرض ؟ أنا أشعر أنني عديمة الفائدة ... فأنا لا أستطيع الحصول على رخصة تسمح لي بأن أطير بمقشتي إلا إذا كان معي طيار مساعد يرافقني في الطيران ، وأنا لا أستطيع العثور على هذا المساعد فقد اكتشفت أن كل من أعرفه يخاف من الطيران بل يخاف من مجرد الارتفاع عن الأرض " .

وانخرطت ويني في البكاء من جديد وفجأة نظرت كل من ويني وكيتي إلى الأخرى ، وفي نفس اللحظة توقفا عن البكاء ؛ لقد خطرت لكل منهما فكرة واحدة في نفس اللحظة ، وأشرقت على وجه كل منهما ابتسامة عريضة . ثم قالت كيتي وهي تمسح دموعها وتتجه غربا في الغابة :

ــ " سأراك هنا يا عزيزتي ويني  بعد ساعة " .

قالت ويني :

ــ " لا مانع  ...  ساعة لا أكثر " .

وسحبت مقشتها واتجهت شرقا داخل الغابة ، وتوغلت في الغابة إلى أن وصلت إلى بيت السناجب وقالت لهم :

ــ إن عندي سرا خطيرا .          

ــ صحيح ؟ وما هذا السر ؟ .  

وهمست كيتي لهم بالسر .

وانطلقت السناجب إلى مساكن البوم ، وباحت للبوم بالسر . وطارت البوم إلى أعشاش الطيور وهمست لها بالسر .

وطارت الطيور وباحت بالسر للأرانب .

وفي ذلك الوقت في شرق الغابة كانت ويني تهمس بالسر للعفاريت . وحملته العفاريت للجنيات ، وحملته الجنيات لعرائس البحر . وكان جواب الجميع لابد أن نشهد هذا الحدث .

ومشت كل حيوانات الغابة وراء كيتي ، ومشت كل جنيات الغابة وعفاريتها وراء ويني . وهتف الجميع وصفقوا بحرارة وهم يرون ويني وكيتي يصعدان إلى ظهر المقشة . زكلما ارتفعت المقشة ارتفع صوت الهتاف والتصفيق ، وانطلقا في الفضاء ، وظل يطيران ويتمتعان بضوء القمر الفضي .

ولم تعرف ويني الحزن بعد ذلك ، ولن تعرف كيتي الهم بعد ذلك .

وعاشا سعيدتين بعد أن وجدت كل منهما من تحبه ويحبها.