الحصان العجيب

فاير فلاي:

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من قصص الأطفال الغربية

من كتاب : (The Big Story Book)

( 9 )

خب ( مشى ) فاير فلاي في حلقة السيرك ، وقد نظف ذيله وعرْفُه بالفرشاة حتى بدى شعرها كأنه حرير . وكان هناك مجموعة من الريش الناعم اللامع تتموج على رأسه . أما سرجه فقد حلي بقطع من البلور الملون ، التي كان الضوء ينعكس عليها فتبرق كلما تحرك . كان فاير فلاي يعرف أنه جميل . وكان يجثو على ركبتيه ، وينحني بالمشاهدين ، ثم يبدأ دوره بعد ذلك ، فيبدأ بالخبب  في ثبات حول حلقة السيرك . ثم يجري توني  و  كارلا  اللتان تخصصا في ركوبه يجريان عبر الحلقة ، ويقفزان على ظهره ، ويلوحان بأيديهما للمشاهدين . وهو يجري بهما ، فتتوقف البنات عن لعق مصاصاتهن . ويلوحن بأيديهن .ويتوقف الأطفال الصغار عن التهام غزل البنات . ويلوحون بأيديهن كذلك . حتى الأباء والأمهات كانوا يلوحون بأيديهم من الإعجاب .

وكان توني وكارلا يقومان بكل أنواع الألعاب ، فأحيانا يركبان الحصان بعكس اتجاهه ، وأحيانا يقفان على ظهره وهو يعدو بسرعة ، وأحيانا كانت كارلا  تقف على كتفي توني .

ثم يأتي دور فاير فلاي : فيقف رجليه الخلفيتين ، ويمشي عليهما ، ورجلاه الأماميتان مرفوعتان في الهواء . ثم يقفز متخطيا العوائق التي توضع أمامه ، ويرقص توني فوقه على وقع الموسيقى ، ثم ينحني للجمهور ، وينسحب من حلقة السيرك .

وينطلق الجمهور من شدة إعجابه في هتاف حار ، وتصفيق حاد .

وحينما كان توني يقود فاير فلاي إلى اسطبله استوقفهما صاحب السيرك    ( مستر جنكنز ) فوقف فاير فلاي ساكنا كما عُلم حينما كان الرجلان يتكلمان قال مستر جنكنز  :

ـ " أنا أسف يا توني إذ أقول إن فاير فلاي يجب الا يلعب ، إذ أنه لم يعد صالحا للقيام بدوره بعد ذلك ، لقد كانت رجلاه ترتعشان هذه الليلة ، وأخطأ في خطوتين أثناء الرقص ، وقد تقدمت سنه ، فلم يعد قادرا على اتقان الوقوف على رجليه الخلفيتين . ونحن لا نستطيع أن نتحمل نفقاته أكثر من ذلك " .

والتفت فاير فلاي لينظر إلى توني ، لقد سمع إلى مستر جنكنز يذكر اسمه... وبدا الهم على وجه توني وهو يقول :

ـ " أنا أعرف ذلك يا مستر جنكنز ، لقد عرفت أن ذلك يحدث يوم ما ، إنني أحيانا أقلل من قفزاتي على ظهر فاير فلاي ، لأنه أصبح بطيئا في جريه " .

ولم يكن فاير فلاي ، يعتقد أن صاحبه يقول ذلك ، ولكنه رأى الدموع في عيني توني ، وتأكد أن ما قاله كان حقيقة حتى لو كره توني أن يعترف بها . وقال فاير فلاي بينه وبين نفسه :

ـ " اعتفد أنني الآن فعلا بطيء الحركة ، وأنه أصبح من الصعب عليّ أن أستمر في أداء دوري " .

وسمع فاير فلاي صاحب السيرك يعرض على توني حصانا أكثر شبابا وفتوة من فاير فلاي ، وهو حصان تم تدريبه ، وأصبح جاهزا لاحتلال مكانه . وارتخت أذنا فاير فلاي في ذلة وانكسار ، وعرف أنه لن يستطيع أن يسلي الأطفال في السيرك مرة أخرى .

وبيع فاير فلاي لتاجر خيول في الريف ووضع في حظيرة مع الخيول الأخرى يشربون ويأكلون الشعير معا .

وحينما كان يؤخذ للتدريب كان ذلك يتم في حقل طين صغير ، وأصبح عرفه وذيله قذرين متبلدين ، بعد أن كانا ينظفان ، ويرجَّلان بالفرشاة ، حتى يبدوا شعرهما كالحرير الناعم . وقد أصبح فاير فلاي بائسا ، ورأى أناس يحضرون ويذهبون : بعضهم اشترى خيولا ، وآخرون باعوا خيولا ... ولكن واحد منهم لم يُبِد أي اهتمام بفاير فلاي . فقد كان في نظرهم أصغر أو أكبر من النوع الذي يطلبونه ، كما أن منظره يبدو ـ في أنظارهم ـ مفزعا رهيبا .

وذات يوم ـ وبينما كان في الحقل يحاول العثور على بعض التبن ـ رأى جماعة من الناس يقتربون منه ، وفتح أذنيه إلى آخرهما ليلتقطا ما يقال ، إنه يأمل أن يأخذه إنسان ... ، أي إنسان ، بعيدا عن هذا المكان .

ونظر فاير فلاي إلى الناس بشغف شديد : كان هناك طفلان مع أبيهما ... لقد ذكراه بأيام السيرك ، أيام أن كان يزرع البهجة والسعادة في نفوس الأطفال .

فقالت البنت الصغيرة وهي تشير إليه :

ـ " يا أبي ... إن حجمه يناسبني تماما " .

فقال أبوها :

ـ " كيف تقولين ذلك يا دابي ... إنه أقبح الحيوانات التي رأيتها في حياتي منظرا ، وأعتقد أنه مريض " .

قالت دابي :

ـ " لا يا أبي بل يظهر أنه شقي حزين " .

وقال الطفل :

ـ " نعم يا أبي ... أرجوك لا تقل لا لـ دابي ، ومعنا دكتور جونس الذي صحبنا ليفحص صحة الحصان الذي يقع عليه اختيارنا ... لماذا لا تجعله يقوم بهذه المهمة ... وبعد ذلك نتخذ قرارنا ؟ " .

وأجاب الأب :

ـ " فكرة سليمة يا جيري " .

ووقف فاير فلاي في هدوء وسكينة حينما كان دكتور جونس الطبيب البيطري يفحصه فحصا شاملا ... ففحص فمه ، وعينيه ، وفحص بعد ذلك أرجله بحثا عن قروح أو نقاط موجعة ، ثم جس كل جزء في جسمه ، وفي النهاية قاس حرارته .

إن فاير فلاي لم يمر بمثل هذه التجربة من قبل ، ولكنه وقف هادئا ساكنا آملا ألا يكون مريضا .

ثم قال الدكتور جونس :

ـ " حسنا يا دان لا شيء أبدا ... الحصان سليم تماما ، يظهر أنه كان يعيش على مستوى رفيع ، ويعامل معاملة طيبة حتى حضوره إلى هنا ، وكل ما هناك الآن أنه مصاب بضعف بسبب نقص التغذية ، وواجبك مراعاة ذلك " .

وهتفت دابي في فرح وسرور :

ـ " إنه الحصان الذي أريده يا أبي ، إنني أعرفه ، من فضلك يا أبي إشتره لنا  .... من فضلك  " .

أما جيري الذي كان له حصانه الخاص فقد أضاف :

ـ " من فضلك يا أبي ... اشتره لدابي ، وساحاول أن أساعدها في تنظيفه ، ومن حق دابي يا أبي أن يكون لها الحصان الذي تريده " .

والتفت الأب إلى تاجر الخيول وسأله :

ـ " من أين أتى هذا الحصان ؟ " .

وفتح فاير فلاي أذنيه لكل كلمة تقال ، لقد تمنى أن يخبرهم التاجر أنه كان حصانا مشهورا في السيرك ، ولكن التاجر اكتفى بقوله :

ـ " إنه أتى من بيت طيب ، إنه لطيف مع الأطفال ، وسيكون مثاليا مع ابنتك ... لقد تربى مع الأطفال " .

قال الأب :

ـ " سنشتريه .... سنحضر سيارتنا الشاحنة غدا لنقله " .

ولن يصدق فاير فلاي أذنيه ، وأخذ يقرب أنفه من دابي ، ويمسها بلطف ... وهي تربت عليه ، وتمرر يدها برقة على عرفه ، وتهمس له :

ـ " لا تحمل هما فسنعتني بك ... ولا يهمني أن تكون الآن قبيح المنظر ، كريه الرائحة " .

وسأل أبوها :

ـ " هل له اسم ينادى به ؟ " .

فأجاب التاجر :

ـ " إنهم يطلقون عليه هنا فاير فلاي " .

فصاحت دابي :

ـ " أوووه أنا أحب هذا الاسم ... دعنا نبقي عليه كما هو " .

وفي وقت متأخر في اليوم التالي نظر فاير فلاي حوله إلى موظنه الجديد وابتسم ؟ فله مربط طيب جميل بجانب مربط حصان جيري الذي يدعى بنكي ، وأصبح الحصانين صديقين من أول لحظة ، ويستطيع كل منهما أن يرى الآخر خلال الحاجز الذي يفصل بينهما . وسعد بنكي بأن له صديقا على مقربة منه . وغسل دابي وجيري فاير فلاي غسلا جيدا ، ورجَّلا شعر عرفه وشعر ذيله .

قالت دابي :

ـ " انظر يا جيري ... إن ذيله ابيض خالص البياض ، وكذلك عُرْفه ... من كان يصدق هذا ؟ " .

وابتسم جيري إنه سعيد لسعادة أخته الصغرى وقال :

ـ " أنا كنت أعرف أنه جميل من بادئ الأمر ، وانظري إن أقدامه بيضاء كذلك ... إنه حصان ممتاز ، ولا يهم المبلغ الكبير الذي دفع فيه " .

كان بنكي يراقبهما من فوق باب مربطه ، وبدا كما لو كان موافقا على كل كلمة يقولانها . وبعد الانتهاء من تنظيف الحصان قالت دابي : " دعنا نريه لأبينا وجرت إللى البيت لتحضر أباها  " .

وصاح الأب حينما رأى فاير فلاي :

ـ " يا للسماء !!! أهذا نفس الحصان الذي اشتريناه ؟ أنا لا أستطيع أن أصدق هذا إنها أعظم بكثير من ذي قبل ... وأبي يحب أن نذهب غدا للبحث عن سرج جديد له ، وعليك أن تختبريه غدا في ساحة التدريب ... " .

وكادت دابي تطير من الفرح ، وحينما عاد أبوها المنزل  قالت لجيري :

ـ " دعنا  نر فاير فلاي في ساحة التدريب ، فلابد أنه متعب من السير في كل ذلك الطين " .

ووافقها جيري على ما قالت ، ووضع حبلا واسعا حول عنق فاير فلاي ليقوداه إلى ساحة التدريب ، وقاداه معا إلى ساحة دائرية جميلة ، كانت الحشائش في الحقل طرية لينة ، ونظر فاير فلاي حوله ورأى بعض العوائق والحواجز الصغيرة التي نصبها جيري ليقفز من فوقها حصانه بانكي فعرف أنها ساحة التدريب وأحسن كما لو كان قد عاد إلى السيرك من جديد .

قالت دابي :

ـ " يجب أن أركبه الآن ولو لمرة واحدة  "

 وقبل أن يتمكن جيري من منعها تسلقت سور ساحة التدريب ، وانزلقت فوق ظهر فاير فلاي . فصاح جيري :

ـ " أنت لا تستطيعين ركوب الحصان وهو عاري الظهر بهذا الشكل وأنت تجهلين سلوكه وطريقته  .... لا تتحركي بالحصان حتى أستدعي أبي إلى هنا " .

وقف فاير فلاي ساكنا تماما ، فهو لا يعرف أن الفتاة الصغيرة على ظهره ، وهو ينتظر منها الإشارة ليبدأ السير .

ثم هزته دابي في رقة بركبتيها ، وبدا فاير فلاي يمشي بها في هدوء ورقة ، وفي ثبات وطمأنينة ، دون أن يزيد من سرعته . ولم تكن دابي خائفة بالمرة ، بل بالعكس كانت تشعر بالطمأنينة الكاملة على الرغم من أنها كانت تركب الحصان بغير سرج تجلس عليه ، وبغير ركاب تضع قدميها فيه  . وكانت في منتصف الساحة عندما وصل جيري وأبوه :

ـ " تعالى هنا يا دابي وأوقفي الحصان " .

وابتسمت دابي واتجهت بالحصان ناحية أبيها ،  إنها راكبة جيدة على الرغم من صغر سنها ، لقد تعلمت دروسا في الركوب ، وكانت غالبا ما تركب " بنكي "       ( حصان جيري ) ، مع أنه أكبر حجما من فاير فلاي .

وحينما وصلت دابي إلى أبيها جذبت حبل الحصان في رقة ، فتوقف في الحال . وصاح أبوها في غضب :

ـ " لماذا ارتكبتِ هذا التصرف السيء ؟ ... إنك تؤذين نفسك ، وتسيئين إليها بذلك  " .

فصاحت دابي في سعادة :

ـ " هل رأيت يا أبي كيف كان جميلا رائعا في سلوكه ، إنه بالتأكيد تدرب تدربا رفيعا "  .

فلما رأى الأب أن ابنته لم تصب بأذى بدأت نفسه تهدأ ، ولكنه حذر ابنته قائلا :

ـ " لا تركبيه عارى الظهر بلا سرج مرة آخرى ، فأنت لم تعرفيه جيدا بعد " .

كان حيري يراقب دابي وفاير فلاي في اهتمام عظيم وشغف كبير ، وفجأة قال :

ـ " أبي : إنني أود أن أجرب شيئا ... فلتبقوا هنا " .

وجرى إلى الحظيرة وسرج بنكي ، وامتطى ظهره وخرج إلى ساحة التدريب . فلما وصل إليهم قال لدابي :

ـ " اعطني مِقْود فاير فلاي . فأعطته دابي الحبل وأخذت دابي وأبوها يراقبان جيري في شغف عظيم وهو يخُبّ لحصانه ، وفي يده مقود فاير فلاي . والحصانان يخبان جنبا إلى جنب .

وبعد عدة دقائق ترك جيري مقود فاير فلاي ... وأصبح فاير فلاي حرا لا يتحكم فيه أحد ، ولكنه أخذ يجري بجانب بنكي محتفظا بنفس المسافة بينهما . وحينما توقف جيري بحصانه بنكي توقف فاير فاي كذلك . أجرى جيري هذه التجربة عدة مرات وكانت تنجح كل مرة .

وحينما رجع إلى بوابة ساحة التدريب ترك جيري بنكي ، وأخذ بزمام فاير فلاي . وأمام دهشة الجميع ثنى فاير فلاي رجليه الأماميتين ، وارتكز على ركبتيه على الأرض ، وانحنى برأسه وعنقه .

وصاحت دابي في حماسة وحرارة :

ـ " إنه يا أبي حصان من أحصنة العرض ، لابد أنه كان في سيرك أو كان حصانا ذا شأن علينا أن نفكر في الاشتراك به في عروض الخيل " .

وابتسم فاير فلاي في نفسه . إنه لن يستطيع أن يقف على رجليه الخلفيتين بعد ذلك ، ولكنه يعرف كيف يقوم بدوره في الحلقة وهو بالتأكيد لن يصيب صاحبه الجديد بأي أذى .

وكانت دابي تتدرب عليه كل يوم ، وكان فاير فلاي يقفز فوق العوائق الصغيرة بسهولة ، وأحيانا كانت دابي تتجول بحصانها في الغابة مع جيري وحصانه بنكي ، وكان هذا يسعد فاير فلاي أيضا . ولم يكن خائفا من الحيوانات ، فقد عاشر الكلاب والأسود والنمور وحتىالفيلة في السيرك . وكذلك لم يكن يخاف شيئا .

وذات يوم سمع فاير فلاي دابي وأخاها جيري يتحدثان عن عرض الخيول ... فقال في نفسه وهو سعيد :

ـ " إذن من أجل هذا العرض كانوا يدربونني تدريبا متواصلا " .

وأخيرا حل اليوم الموعود ، وغُسِل فاير فلاي ونظف بالفرشاة ... وضفر عرفه ، وزين في نهايته بسيور من المطاط ... كان في منتهى السكون والهدوء حينما كانت دابي تقوم بتنظيفه وتجميله ، لقد عرف أنه سيعود الآن للحلقة من جديد ، وأنه سيشد إليه الأنظار ، ويثير إعجاب المشاهدين ، ذلك الإعجاب الذي أسعده كثيرا من قبل .

وكانت دابي تلبس أجمل ما عندها من ثياب الفروسية ، وكان شعرها معقوصا مثل عرف فاير فلاي . وشعر فاير فلاي أنه فخور بها إلى أقصى حد . ووضع ـ على عجل ـ في شاحنة الخيل ، وبدأ الرحيل إلى مغامرته الكبرى .

وحينما وصلوا إلى الساحة التي سيقام فيها عرض الخيول ثنى رجليه الخلفيتين ، ووثب بالأماميتين نازلا من الشاحنة .

وأحس أن دابي متوترة في الأعصاب إلى أقصى حد ؛ فهذا هو أول اشتراك لها في عرض من عروض الخيل .

ونظر فاير فلاي حوله ، كان متهيبا ... يشعر كأنما هو عائد إلى السرك من جديد بكل ما حوله من خيول وأطفال .

وجرى بعض الأطفال وراء دابي ،وسألوها أن يملسوا بأيديهم على شعر فاير فلاي . وأخذوا يسألونها : أهذا حصانك الجديد ؟ !! .

كان فاير فلاي مصار اهتمام الجميع ، وكان سعيدا بهذه اللحظات على الرغم من أن دابي كانت تخشى أن يأخذه الخوف من الضجة والحركة حوله ... نعم لقد أحب هذه اللحظات .

وساعدها أبوها في تركيب السرج ، وكانت دابي تحرص على أن تمشي به حين يفرد أرجله بعد أن قضى وقتا طويلا بلا حركة . وهو في الشاحنة .

وبعد أن عادا من جولتهما ... شبك الأب بطاقة على ظهر معطف دابي ، وعليها الرقم 6 بخط كبير .

وبهذا الرقم يستطيع حكم العرض أن يميزها من غيرها من المتسابقين وهم جميعا يحملون أرقاما مختلفة .

ووقفت دابي والمتسابقون الأخرون أمام البوابة في انتظار بدء مسابقة القفز . وأتت اللحظة المنتظرة حينما سمعت صوت مكبر الصوت " رقم 6 يتفضل بالتقدم إلى حلقة المسابقة " .

وكان الأب وابنه جيري واقفين عند البوابة يتمنيان لدابي وحصانها فاير فلاي حظا سعيدا ومشى فاير فلاي يخب بزهو وخيلاء إلى الحلقة ، ووقف منتظرا إشارة البدء من دابي .

وجذبت دابي حصانها جذبة خفيفة من زمامه ." هيا بنا ننطلق يا فاير فلاي "

وانطلق الحصان ، وقفز من فوق العوائق كلها بنجاح كامل دون أن تمس حوافره واحدة من العوارض الخشبية . إن لمسة واحدة لعارضة منها تسقطها على الأرض ، وتخرج دابي من المسابقة . وبعد أن طافا بالحلقة كلها أوقفت دابي حصانها . ... كان هناك تصفيق حاد حينما وقفا ينظران وبعض الرجال يضع عوارض أعلى من السابقة .

ومرت ثانية انطلق فاير فلاي يقفز من فوق العارضة ، وأثناء إحدى القفزات مس بحافره عارضة مسا خفيفا ، ولكنها ـ لحسن الحظ ـ لم تسقط . وعلا تصفيق الجمهور مرة ثانية .

وأسرعت دابي بقولها : " حسن يال فاير فلاي ... امض في طريقك " .

ورأى فاير فلاي بعض الخيول وهي ترتطم بالعوارض وتسقطها على الأرض ... وحينما كان يحدث ذلك كان الحكام يطلبون ـ في أدب ـ من أصحاب هذه الأحصنة أن يغادروا حلقة السباق .

وبعد الدور الثاني من القفز على العوارض خرجت دابي بحصانها من الحلقة ... لقد انتهت المسابقة وعلا صوت التصفيق بشكل لم يسبق له مثيل .

وكان الأب والأم ومعهما جيري ينتظران في فخر وزهو ليحيوا دابي وفاير فلاي ... وأخذوا يربتون عليه برقة وإعجاب .

وقال أبوها وهو يعانقها " إنك لرائعة حقا يا دابي " .

بعدها ساد الصمت التام ليسمع كل فرد قرار الحكم ، وعلا الصوت من خلال مكبر الصوت :

ـ " فليدخل الحلقة الفرسان أصحاب الأرقام الآتية :  رقم 9 ... رقم 11   ... رقم 6 .

 وصاح جيري صيحات الفرح : " هوووو بي ... هوووو بي ، وعلا الهتاف والصياح والتصفيق الحار .

ومشى فاير فلاي وراء دابي مباشرة  ، ووقف بمحزاة الحصانين الآخرين .

وقال الحكم : رقم 11 آن راين راكبة الحصان مد نيث تتفضل بالتقدم إلى الأمام .

ووقف الحكم بالقرب من رأس الحصان ، وشبك شريطا أصفر في سرجه ، وهذا يعني أنه فاز بالمركز الثالث ، وسلم الحكم على الفارسة الصغيرة ، وهنأها .

ثم نادى الحكم رقم 9 سوبليك ، وشبك شريطا أحمر في سرج حصانها جنجر ... وذلك يعني فوزه بالمركز الثاني .

وأخيرا نادى الحكم  رقم 6  الأنسة دابي جرانت فارسة الحصان فاير فلاي تتفضل بالتقدم  " .

وتقدمت دابي وهي تركب حصانها نحو الحكم ، وغمزت الحصان غمزة خفيفة بركبتيها ، وأمام إعجاب الجميع واندهاشهم انحنى فاير فلاي للحكم . وهدر التصفيق في كل المدرجات . وتقدم الحكم وهو يبتسم ابتسامة عريضة ، وشبك شريطا أزرق جميلا في سرج فاير فلاي .... وهذا يعني فوزه بالمركز الأول .

وتقدم الحكم خطوة إلى الأمام ، وقدم لدابي كأسا فضيا هي كأس البطولة . وقال :

ـ " مع أجمل التهاني يا دابي ... فاير فلاي كان أفضل حصان كما أنك كنت أحسن فارسة  " . وشعر فاير فلاي كأنما قد عاد إلى السيرك من جديد .... لقد كان سعيدا .... سعيدا جدا .... وهو يعلم أن دابي سعيدة مثله .

وقال بينه وبين نفسه في الحقيقة قد يكون وضعي هنا أحسن من وضعي في السيرك بكثير .