الأستاذ (بليمَت)

من الأدب الكرديّ

د. هوار بلّو /العراق

[email protected]

أشرقت الشمس لتنسج بخيوطها سمفونية ربيعية ساحرة ، وجلس الأستاذ (بليمت) إلى طاولة أمام باب المقهى القريب من داره يتناول قهوة الصباح ويستطلع العدد الجديد من الجريدة قبل أن يحين موعد محاضرته في الجامعة . وبينما هو منغمس في لذة استكشاف ما استجدّ من الأخبار ، أحسّ بيد تربت على كتفه ، فالتفتَ إليها ليجد زميله الأستاذ (كاميران) وافقاً بجانبه ، فطوى الأستاذ (بليمت) جريدته وعزمه على تناول القهوة معه ، فجلس إلى طاولته واسترسل كعادته في حديث صباحي مشوق يفتح الأذواق على رأس ذلك اليوم الجميل . وبينما هما يقهقهان على أنغام حديثهما غير الجدي ، توقف الأستاذ (كاميران) من قهقهته فجأةً وسادت على إثر ذلك فترة من الصمت استغلها ليحدق من خلالها بنظراته في الخاتم الكبير الذي يحمله زميله في إحدى أصابع يده اليمنى ، وتساءل مبتسماً : (هل لي أن أعرف سرّ هذا الخاتم الكبير الذي تحمله في إصبعك يا أستاذ؟ لطالما راودني الفضول في التعرف على قصته) ، فردّ الأستاذ (بليمت) مبتسماً : (إنه هدية من كبير عائلتنا .. إنه يجلب الحظ على حدّ اعتقاده!) ، فتعجب الأستاذ (كاميران) من نبرة زميله في الحديث ، وقال : (وهل تؤمن بهذه الخزعبلات يا أستاذ؟ فما عرفناك إلاّ داعياً للتجديد والإصلاح وثائراً على الأسطورة والكذب في هذا البلد ، فمنذ أن تمكنَت أناملك مِن التلاعب باليراع وأنت تحارب الرجعية والتخلف في هذا المجتمع ، ومقالاتك ومؤلفاتك التي تسد عين الشمس خير دليل على ذلك ، فأنت تتبنى في كتاباتك ثورة جريئة على الأعراف والتقاليد ، فبربّك كيف تدع هذا الخاتم الرجعي يدنّس أناملك التي لطالما احتضنت اليراع المتجدد ، فإنني على يقين أنك لا تؤمن بالحظ الذي يجلبه هذا المعدن الأصمّ). فردّ الأستاذ (بليمت) في هدوء : (صحيح أنني لا أؤمن بذلك لكنني أيضاً لا أستطيع أن أخلعه ، لا أريد أن أتمرد على عرف العائلة وقوانينها بهذه البساطة !) ، فقال الأستاذ (كاميران) : (لكنك تنشد التغيير والإصلاح في كتاباتك ليل نهار ، وينبغي عليك أن تضحي قبل الجميع وأن تبدأ بنفسك قبل غيرك. يجب أن تثور على العرف والتقليد الأعمى ليكون فعلك بقدر قولك!) ، فابتسم الأستاذ (بليمت) ابتسامة عريضة ، ثم قال : (يا صاح .. لي فلسفة في تغيير الناس قلّ أن تجدها عند غيري من دعاة التغيير ، فأنا أحياناً كثيرة أرغم نفسي على القبول بأشياءٍ تافهة يؤمن بها الناس مِن حولي وأنا لا أؤمن بها ، ليُرغموا – هم أيضاً – أنفسهم على القبول بأشياء عظيمة أؤمن بها أنا وهم لا يؤمنون بها ، فهكذا أضغط على زرّ التغيير في المجتمع!!) ، قالها ونظر إلى ساعته وهو يضع جريدته على الطاولة ، ثم انتفض قائلاً وهو يبتسم : (لقد أخذنا الحديث ، فلنسرع قبل أن أتأخر عن تلامذتي).