هل هناك أدب

يمكن أن يسمى أدباً إسلامياً في تركيا؟[1]

محمد يلماز

مدرس اللغة العربية كلية الإلهيات جامعة أولوداغ التركية

لما نتحدث عن تركيا نتحدث بطبيعة الحال عن تلك البلد التي تبنت أو قل إن شئت أجبرت تقريبا على تبني طراز للحياة وهو طراز تم تنسيقه خصيصا من أجلها بما فيه مؤسساتها الاجتماعية و قوانينها أي أننا نتحدث عن بلد مستقل له كيانه داخل حدوده ، و فوق ذلك كله هي تركيا فترة زمنية محددة أعني بها تركيا الوقت الحالي ، تركيا اليوم...فهل هناك أدب يمكن أن يسمى أدبا إسلاميا في تركيا التي نتحدث عنها؟ أريد إثارة هذا السؤال أولا ثم  الإجابة عنه ثانيا.

أول شيء يلقانا و ربما يخدعنا و نحن بصدد البحث عن الإجابة عن هذا السؤال هو ما إذا كان حقا من وجود نخبة من الأدباء، و المهتمين بالأعمال الأدبية أو حتى من يمارسونها من المسلمين في تركيا أم لا ؛ ففي أقل تقدير ألا يحق لنا القول بأن هناك أدبا إسلاميا حيا يشق طريقه في تركيا اليوم طالما هناك أدباء (شعراء كانوا أو قصاصا أو روائيين أو مسرحيين إلخ ) و آخرون ممن لهم صلة بشكل أو بآخر بالأدب من المسلمين ؟

إن هذه القضية لو كانت قضية فكرة أو فلسفة و توافرت فيها شروطها لأمكننا القول بسهولة بأن هناك أدبا خاصا بتلك الفكرة أو الفلسفة و على ضوئها لأمكننا القول مثلا بأنه أينما يوجد أديب ماركسي ينتج أعمالا أدبية يوجد فيه أدب ماركسي ؛ لأن هذه الفكرة و أمثالها التي نحن بصددها هنا لا تحتاج إلى تسليط الضوء عليها باستثناء حاجتها إلى توقد ذهن الأديب حينما ينعكس تأثيرها على الأعمال الأدبية التي ينتجها، غير أن الواقع يختلف إذا كان الأمر يتعلق بالمسلم، ذلك أن حياته كما تخضع في جميع ميادينها لسلطان نصوص شرعية محددة ، فإن ميداني الأدب و الفن فيها يخضعان لمراقبة نصوص شرعية معينة كذلك ، وبتعبير آخر أنه يتوجب على المسلم أن يلتزم بأحكام شرعية تخص أعماله الفنية التي يمارسها إن وجدت مثلما يتوجب عليه أن يلتزم بأوامر و قواعد شرعية في تنظيم حياته الخاصة و علاقاته الاجتماعية على السواء.

و الشعر أوضح مثال على ذلك ، فقد فرض الإسلام على الشعر قيودا و ألزم الشاعر بالتقيد بها في شكله و مضمونه ، و مع ذلك قد يحظى أي عمل أدبي لا يلتزم بهذه القيود بمكانة ما لنفسه في القيم المتوارثة لدى أبناء أية أمة من الأمم إلا أنه من الصعوبة بمكان عد هذا العمل من الأدب الإسلامي على أرض الواقع.

فعلى هذا إذا كان هناك في تركيا من يزعم بأن أي نوع من الأنواع الأدبية و على رأسها الشعر تم تطويره مستمدا أصوله من  الدين الإسلامي إلى يومنا هذا فإنني على استعداد لأناقشه كي أنتفع بعلمه في هذا المجال و في اعتقادي أن الأدب في تركيا واصل سيره عبر التاريخ داخل إطار من الموروث الثقافي الخاص به ، و كذلك إذا كان هناك من تأثير للغرب في الأدب التركي فإنه  يتجلى في صورة تصادم تراث أجنبي مع نظيره المحلي.

هنا قد يسأل سائل و له أن يسأل: ألا يوجد في أدبنا الحي أدباء و شعراء مسلمون؟ و الجواب بالطبع نعم ، إلا أنه لم يتم بعد تقييم تلك الأعمال الأدبية التي يفرزها الأدباء بمقاييس تعتمد على مبادئ الإسلام و كذلك قد يسأل سائل: هل يعد حقا ما يسمى بالأدب الإسلامي الذي هو بمثابة ريشة تتطاير في كل صوب في مهب الريح و الذي ملجؤه الوحيد براعة الأديب و عمق نظراته أدبا إسلاميا أم هو عبارة عن بعض مساع فردية تسير في طريقها الصحيح و لها قيمتها الفنية ؟

هذا و بالأضافة إلى ما سبق فإن هناك نقطة أخرى تلفت الانتباه و هي أن أعمال الأدباء المسلمين بدل أن يكون الأدب و الفن نقطة الانطلاق فيها فإنها تركز جاهدة إلى حد كبير على تتبع المستوى السياسي و الثقافي و الفكري للمسلم و تسعى إلى الغوص في أعماق بعض المسائل الاعتقادية مما يترك انطباعا بأننا أمام نوع من العقيدة المسلم بها التي لا يجوز إثارة النقاش حولها.

لننتظر حتى نتبين إلى أي مدى سوف يستمر هذا الوضع كما قال الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد من قبل:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأخبار من لم تزود

              

[1]  قام بالترجمة من التركية إلى العربية بتصرف محمد يلماز مدرس اللغة العربية  كلية الإلهيات  جامعة أولوداغ التركية