اليمن أول اختبار حقيقي للعاهل السعودي الجديد

"ذي إيكونوميست":

قام العاهل السعودي الجديد، بعد توليه مقاليد الحكم مؤخرا، بانقلاب دبلوماسي لافت للنظر الشهر المنصرم بعدما حشد تحالفا عشريا من الدول السنية  لشن هجوم على الحوثيين الشيعة في اليمن. وحتى قطر والإمارات العربية المتحدة، الندين في السياسة الإقليمية، قد وضعتا جانبا خلافاتهما، ولبتا النداء لمواجهة الحوثيين الذي يخوضون حربا بالوكالة لصالح إيران. لقد أرسلت مصر طائرات وسفن، كما تعهدت دول أخرى بتقديم المساعدة مثل المغرب وباكستان.

ودائما ما كانت تتحاشى المملكة العربية السعودية الحديث بصوت عال والدخول كطرف في العمليات العسكرية. وربما يكون هذا الحضور البارز وغير المعتاد من المملكة إشارة إلى النفوذ الذي بات يمارسه نجل الملك «سلمان»، وزير الدفاع «محمد بن سلمان»، الذي لم يتجاوز عقده الثالث من العمر. وتريد الدول السنية بلا شك رسم خط ضد مزيد من التعدي من قبل إيران التي تمارس نفوذا قويا في العراق وسوريا ولبنان. لكن المملكة العربية السعودية، التي تتعامل مع شبه الجزيرة العربية كما لو كانت حديقتها الخلفية، حساسة بشكل خاص إزاء الاضطرابات في اليمن.

وسيكون المحك الحقيقي بالنسبة للفريق المحيط بالملك «سلمان» هو نتيجة العمليات العسكرية، وما مدى نجاحها في جلب الاستقرار للجار الجنوبي، اليمن، الذي يتخبط في الفوضى. المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط وصاحبة الوصاية على أقدس مدينتين لدى المسلمين، مكة المكرمة والمدينة المنورة ، مما منحها مكانة مركزية في العالم السني. وفي الوقت ذاته توصف المملكة بأنها «متخبطة». وباتت محاولات الرياض إسقاط الرئيس السوري «بشار الأسد» عن طريق دعم الجماعات المتمردة في وضع حرج نتيجة تدخل إيران وحليفها اللبناني «حزب الله».

وقد اعتمدت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة على أمريكا في حماية أمنها. ويعاني جيشها العديد من نقاط الضعف. «إن الجيش لديه بعض القدرات الممتازة المتخصصة، لكنه لا يعكس بعد ميزانية الدفاع الهائلة للبلاد»، على حد وصف «إميل حكيم» للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في بريطانيا. وخلال أحداث العمليات التي دخلت المملكة اليمن في عام 2009، حقق الجيش السعودي التعادل في أحسن الأحوال ضد الحوثيين، ثم اقتصر على معقلهم في شمال البلاد. ووصفت برقية أمريكية مسربة الضربات السعودية بأنها «غير دقيقة».

وفي 30 مارس/آذار قصفت غارة جوية مخيم للنازحين في شمال اليمن، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 29 شخصا. وبعد يوم، أصابت قنبلة مصنعا للألبان قرب الحديدة، ما أسفر عن مقتل 23 شخصًا. ولم يعترف السعوديون بأي أخطاء.

وقصفت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها المطارات ومستودعات الأسلحة ومنصات إطلاق الصواريخ في أيدي بقايا الجيش اليمني الموالي للرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، والذي تحالف مع الحوثيين. وفرضت السفن حصارا على الموانئ اليمنية لوقف شحنات الأسلحة. لكن الحوثيين ما زالوا يتقدمون على الأرجح. «من غير المرجح أن يتسبب القصف من الجو في أكثر من ذلك بكثير. الضرر سيكون محدودا»، بحسب قول «كريستيان كوتس أولرتشسن» من جامعة رايس في تكساس.

التدخل البري أمر مختلف تماما، حيث إن الحوثيين معروفون بإمكانياتهم البرية وقدراتهم القتالية. أي تدخل بري لن يكون ضد الحوثيين وحدهم، بل إن على من يقومون به أن يتوقعوا مقاومة وقتالا مع تنظيم القاعدة وباقي المجموعات المتمردة الأخرى التي كانت أحوال اليمن واضطراباته أرضا خصبة لهم ليتمددوا. والسؤال الآن: ما هي الدول المستعدة لإنزال قوات برية؟ هناك مصر التي لا تزال تصف اليمن بأنه «فيتنام» الجيش المصري منذ حروب حقبة الستينيات في القرن الماضي. وهناك باكستان المترددة في الانخراط، نظرا لكونها لا تريد فتح جبهات تضاف إلى حربها ضد طالبان، كما تخشى من تفاقم وتأجيج الصراع بين السنة والشيعة في البلاد.

ولن تتحقق التهدئة في اليمن إلا من خلال اتفاق سياسي. ويبدو أن الملك «سلمان» مصمم على إعادة الرئيس «عبد ربه منصور هادي» إلى منصبه، وتنحية الحوثيين عن طريق إعادتهم إلى حيث خرجوا. ويتردد أن رجال الدين في المملكة العربية السعودية قد تلقوا أوامر بوصف الحوثيين بأنهم «أعداء الإسلام». ويتمثل الإشكال في كون الحوثيين يشكلون حوالى 40% من سكان اليمن، وهو ما سيجعل القيام بتنحيتهم صعبا للغاية. وعلاوة على ذلك، فإن السيد «هادي» فقد مصداقيته لدى كثير من اليمنيين، وفر من البلاد ما يؤكد فقدان مصداقيته.

وآمنت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة أن إنهاء الحرب أصعب بكثير من إشعالها. ولن يتردد أعداء المملكة العربية السعودية في تحويلها إلى مستنقع: تصريحات إيرانية على وسائل الإعلام الاجتماعي تتحدث بالفعل عن أن اليمن ستكون «أفغانستان السعوديين».