كيف أبادت بريطانيا ملايين الإيرانيين جوعاً في الحرب العالمية الأولى ؟!

كانت المجاعة الكبرى التي ضربت إيران في الحرب العالمية الأولى ، وتسبب فيها الوجود البريطاني في تلك البلاد ؛ واحدة من فصول التاريخ التي لا يعرف الناس عنها إلا القليل . ومعروف أن بريطانيا صارت هي السلطة  الأجنبية الوحيدة في إيران عقب الثورة الروسية في 1917 ، وأن البريطانيين هم سبب تلك المجاعة ، وبعبارة أدق ، الإبادة البشرية . وتقدر وثائق المحفوظات الأميركية التي تتناول تلك المجاعة الواسعة ، وما صاحبها من انتشار الأمراض الوبائية في إيران يومئذ ؛ عدد موتى المجاعة والأوبئة بحوالي 8 _ 10 ملايين نفس بين عامي 1917 _ 1919 الأمر الذي يجعل تلك الإبادة أكبر إبادة بشرية شهدها القرن العشرون ، ويجعل إيران أكبر ضحايا الحرب العالمية الأولى . ويجب الإشارة إلى أن إيران كانت واحدة من أهم مزودي الحبوب الغذائية للقوات البريطانية المتمركزة في المستعمرات الآسيوية الجنوبية التابعة للإمبراطورية البريطانية في ذلك الحين . ومع الإقرار بأن موسم الحصاد السيء في ذينك العامين ( 1917 _ 1919 ) جعل حال البلاد سيئة إلا أنه لا يمكن الإقرار إطلاقا بأنه كان السبب الرئيس في وقوع تلك المجاعة الكبرى . ويقول غولي مجد الأستاذ في جامعة برينستون في كتابه " المجاعة الكبرى والإبادة البشرية في فارس " إن الوثائق الأميركية تبين أن البريطانيين منعوا استيراد القمح وغيره من حبوب الأغذية إلى إيران من العراق وبلدان آسيا الأخرى وأميركا ، وإن السفن التي تحمل القمح إلى إيران منعت من تفريغ حمولتها في ميناء بوشهر في الخليج الفارسي ، ويجادل مجد بأن بريطانيا العظمى خلقت قاصدة متعمدة ظروف الإبادة البشرية للقضاء على إيران ، وللتحكم في البلاد تحكما تاما لمآربها الخاصة وحدها . ويصف الرائد ( الميجور ) دونوهو إيران في ذلك الأوان ب " بلاد الخراب والموت " إلا أن ذلك الحدث الجلل ما لبث أن غدا هدفا للتستر عليه من جانب بريطانيا ذات السجل الطويل الحافل بالمحاولات المتعددة لإخفاء أحداث التاريخ وإعادة كتابتها بما يوافق مصلحتها . وتحفل صفحات كتاب الأستاذ مجد بالمؤامرات التي تسترت عليها الحكومات البريطانية لإخفاء تورطها في أحداث مختلفة ستلطخ صورة بريطانيا في حال الكشف عنها . وإحدى تلك المؤامرات ما تعرف ب " غارة جيمسون " التي كانت محاولة فاشلة للانقلاب على حكومة بول كروجر في جنوب أفريقيا . وخططت حكومة يوسف تشامبرلين لتلك الغارة ونفذتها بأوامر من الملكة فيكتوريا . ونشرت في 2002 مذكرات السير جراهام باور في جنوب أفريقيا، وكشفت عن  تلك التدخلات البريطانية التي تم التستر عليها اكثر من قرن مع التركيز فيها على السير باور بوصفه السبب في تلك الغارة بقصد جعله كبش فداء لغيره . وتدل السجلات  التي دمرت للتستر على جرائم بريطانيا في العالم ، أو السجلات التي حفظت في الملفات السرية لوزارة الخارجية ، التي لم تستهدف حماية سمعة بريطانيا فحسب ، وإنما استهدفت أيضا حماية الحكومات البريطانية من دعاوى المقاضاة ؛ على محاولات البريطانيين لتجنب تبعات جرائمهم . وتشتمل أوراق " هانزلوب بارك " على تقارير عن " التخلص " من أعداء السلطات البريطانية الاستعمارية في الملايو ( ماليزيا ) في 1950 ، وفيها سجلات توضح ان وزراء في لندن كانوا على علم بتعذيب متمردي الماو ماو في كينيا وحرقهم أحياء ، وربما تشتمل تلك الأوراق على سجلات ذات صلات بالمخمصة ( المجاعة ) الكبرى في إيران . ما سبب تدمير تلك السجلات التي تخص الأسرار المظلمة للإمبراطورية البريطانية ، او استبقائها سرية ؟! السبب ببساطة هو الخوف من أن " تحرج " حكومة صاحبة الجلالة ! . وهناك مجاعة وقعت في آيرلنده بين عامي 1845 _ 1852، وتسببت في وفاة ربع سكان البلاد ، والسياسة البريطانية هي سبب تلك المجاعة . وقامت الحكومة البريطانية مع التاج البريطاني بمحاولة تستر كبرى عليها ، وصب اللوم على "البطاطا" ، وما برحت تلك المجاعة تعرف حتى اليوم في العالم ب " مجاعة البطاطا " ، بينما هي في الحق الثابت ثمرة لشح في الطعام  مخطط له بنية مسبقة ، ومن ثم تعد إبادة بشرية مقصودة من الحكومة البريطانية .

*جزء من مقال للكاتب الإيراني صادق عباسي في صحيفة " في . تي " الأميركية .

وسوم: العدد 674