أسباب فشل السياسيات الامريكية في سوريا

العرض : نشرت صحيفة واشنطن بوست الامريكية تقريرا بعنوان (  لماذا كانت أمريكا محكومة بالفشل في سورية ) تحدثت فيه عن أسباب فشل السياسات الامريكية في سوريا والتي كان اخر نتائجها حسب تقرير الصحيفة سقوط مدينة حلب والذي شكل كارثة إنسانية تسبب بها اختيار المسار الوسط في نزاع عسكري كما تحدث التقرير عن الفشل الامريكي في الدفاع عن فصائل دعمتها الاستخبارات الامريكية والتي كانت هدفا لكلا من النظام وحلفاءة وكذلك لجبهة النصرة 

وفيما يلي ترجمة التقرير :  

في بعض الأحيان من الممكن أن نتحدث ونقاتل في نفس الوقت. ولكن في سوريا، فاقم قرار الولايات المتحدة في متابعة المسار المزدوج أو نهج منتصف الطريق في الفوضى التي نشهدها حاليا 

قدم وزيرة الخارجية المهزوم جون كيري نداء آخر للإخلاء الآمن لما تبقى من حلب يوم الخميس مؤتمر صحفي بوزارة الخارجية، استخدم اللغة الأقوى في وصف الوضع: “سربرينيتسا أخرى. . . أي شيء باستثناء المجزرة. . . الذبح العشوائي. . . سياسة ساخرة لإرهاب المدنيين”.

ولكن منذ خمس سنوات، لم تتطابق إجراءات الولايات المتحدة مع خطابها. سلاح كيري الحقيقي الوحيد الآن هو معاناة الشعب السوري الرهيبة، والعار الذي تولده تلك المعاناة في كل شخص يشاهدها. وأيضاً يخيم هذا العار على هذه الإدارة.

ويقول نقاد كيري بأن جهوده للتفاوض على تسوية دائماً محكومةً بالفشل. ربما هكذا، ولكن بعد التدخل العسكري الروسي في أيلول/ سبتمبر عام 2015، خلصت الإدارة أن الدبلوماسية هي الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق في حلب. وكونه تم اتخاذ هذا القرار، على المسؤولين العمل على انجاحه. ولكن بدلاً من ذلك، استمروا في التلاعب بالمعارضة المسلحة بينما هم غير مستعدون لتقديم الدعم الكامل لها.  

في سجلات تاريخ الحرب السرية، يبرهن دعم وكالة الاستخبارات المركزية للمعارضة السورية على وجود فصل مظلم وخاص. بدأ هذا الجهد في وقت متأخر- ما يقرب من عامين من الحرب- بعد أن بدأ المتطرفون بالفعل في السيطرة على المعركة ضد الرئيس بشار الأسد. وباتت المعركة خليطاً من دول المنطقة ومقاتلي تلك الدول، وبشكل اسمي من مراكز عمليات في الأردن وتركيا، ولكن في الواقع تتم السيطرة عليهم من قبل أكثر من 80 ميليشيا محلية؛ كانت قاداتها في كثير من الأحيان فاسدين أو أنهم من الجهاديين أنفسهم.

ولم تكن وكالة المخابرات المركزية وشركاؤها على استعداد لتزويد المعارضة بالأسلحة – وخاصة الصواريخ المضادة للطائرات تطلق من على الكتف – التي من الممكن أن تحسم المعركة. وبالفعل زودت الوكالة المقاتلين بالأسلحة المضادة للدبابات، التي كانت قوية بما فيه الكفاية لتأرجح الكفة ضد الأسد في صيف عام 2015، وبدأ المحللون بالقلق من “النجاح الكارثي”، مع انهيار النظام وملئ الجهاديين لفراغ السلطة في دمشق. وبعد فترة وجيزة، تدخلت روسيا.

كانت المشكلة الأكبر بالنسبة لوكالة الاستخبارات المركزية أن حلفاءها لم يمكنوا من إيقاف هيمنة جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وقد تظاهرت جماعات المعارضة “المفحوصة” بخلاف ذلك، لكنهم كانوا يقاتلون جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة التي أعادت تسمية نفسها هذا العام باسم فتح الشام. و جذب المتطرفون الجماعات المعارضة الأخرى لسبب بسيط: كان مقاتلوهم الأكثر استعداداً للموت من أجل القضية.

حاولت الولايات المتحدة أن تبتعد عن هذه المشكلة. ففي عام 2014، زرت قادة إحدى المجموعات المفحوصة- المعروفة باسم حركة حزم- في منزل آمن على الحدود السورية التركية، وكان المقاتلون في حالة يائسة. كانت الولايات المتحدة قد قصفت مخيماً لجبهة النصرة ، في مسعى لقتل مسلحين من ما يسمى مجموعة خراسان. وقال المقاتلون المدعومون من وكالة المخابرات المركزية: دمر هذا العمل مصداقيتهم. كانوا على حق؛ فقد طردتهم جبهة النصرة من مقرهم.

وكان كيري من المدافعين الأوائل عن استخدام القوة العسكرية ضد الأسد، ولكن بعد تدخل الروس بشكل حاسم في العام الماضي، بدأ كيري يأخذ في الاعتبار برنامج وكالة الاستخبارات المركزية باعتباره عائقاً أمام الاتفاق الدبلوماسي الذي اعتبره الخيار الواقعي الوحيد.

لم يرغب كيري في التخلي عن المقاتلين “المفحوصين” بشكل تمام، وناقش فكرة إعطاء بعض الجماعات المزيد من الأسلحة. لكنه اعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في أن تقديم المساعدة مشروط باستعدادهم للانفصال عن جبهة النصرة،  وهو الأمر الذي وافق عليه القليل من المجموعات أو كانوا قادرين على فعله، لذلك استمر الابتعاد عن المشهد.

التقى كيري بشكل مكثف خلال هذا العام مع نظيره الروسي سيرجي لافروف؛ لتنفيذ “وقف الأعمال العدائية” اتي تم التفاوض عليها في شباط/ فبراير الماضي. و واصلت وكالة المخابرات المركزية في الوقت نفسه دفع برنامج يستهدف روسيا وحلفاءها السوريين والإيرانيين، وساعدت في حماية جبهة النصرة.

توصل كيري إلى وقف إطلاق نار وشيك في شهر أيلول/ سبتمبر، ولكنه كان مشروطاً بوقف في القتال، ذلك الوقف الذي لا كيري ولا لافروف يمكنهما تقديمه.

لم يكبح الروس الأسد أو الإيرانيين. ولم يتمكن كيري من الإيفاء بوعده في فصل المعارضة “المعتدلة” عن جبهة النصرة. كانت قوى المعارضة- الجيدة والسيئة- “مرصوفة” في منطقة حلب. ولم تتمكن للولايات المتحدة من تفكيك التحالف المناهض للأسد التي كانت قد أنشأته.

كانت لدى كيري مهمة مستحيلة في محاولة لإدارة السياسة التي كانت تسير في اتجاهين في آن واحد. ربما كان يجب عليه التوقف عن هذا السير؛ إذا استشعر بأن عمله غير ممكن التطبيق. ولكن إنها نقطة قوة كيري ونقطة ضعفه بأنه يعتقد أنه يمكن أن يحرك الجبال. ليس هذه المرة. بدلاً من ذلك، أصبح كيري معصوراً ومحشوراً في أنقاض سياسة مشوشة ومضطربة.

وسوم: العدد 700