طريقة إيران الجديدة للحرب في سوريا

هذه المادة هي ترجمة وتلخيص لدراسة مطولة نشرها معهد دراسات الحرب ISW

موقع ادراك:19/2/2017

تسعى إيران لتمكين جيشها من تنفيذ المهمات القتالية شبه التقليدية خارج حدود إيران. هذه القدرة التي لا تمتلكها سوى دول قليلة في العالم ستعمل على إحداث تغيير جذري في الحسابات الاستراتيجية وموازين القوى في الشرق الأوسط. ولا يمكن النظر إلى هذا الأمر على اعتبار أنه ظاهرة عابرة، بل إن العديد من قادة إيران العسكريين وقادة الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني (أرتش) والباسيج وغيرهم من القوات العسكرية الإيرانية العاملة في سوريا لا يتوانون عن إظهار عمل القوات الإيرانية هناك او خارج حدود إيران. وبكل وضوح، فإن إيران تنوي مواصلة السير في طريق تطوير قواتها التقليدية لزيادة كفاءة عملياتها.

وخلال عملية استمرت 15 شهراً دأب قادة الجيش الإيراني على نشر آلاف الجنود من مختلف الفروع العسكرية في محيط مدينة حلب بهدف إسقاط المدينة وإرجاعها لسيطرة النظام وهو ما حدث في ديسمبر 20166. ووفق هذا المخطط، حرص القادة الإيرانيون على توجيه القوى التي كانت تركز تقليدياً على العمليات الدفاعية لتمكينها من تنفيذ خطوات تدخل سريع وتعزيز قدرتها على الاستمرار في القيام بعمليات في الخارج لأول مرة منذ انتهاء الحرب بين إيران والعراق في الثمانينات.

هذه التحولات كلها تصب في بوتقة التحول الاستراتيجي الحادث في عقلية القيادة العسكرية الإيرانية نحو موقف أكثر عدوانية في المنطقة. ووجدت إيران ان قدراتها العسكرية غير المتماثلة والتي كانت تهدف إلى ردع الولايات المتحدة وإسرائيل لا تكفي لإجراء العمليات العسكرية التقليدية المطلوبة في سوريا، ولهذا حرص الجيش الإيراني على تذليل العقبات المؤسسية الكبيرة أمامه لتلبية المتطلبات الجديدة.

وتعكس حملة حلب على وجه الخصوص نجاح إيران في تطبيق هذا النهج الجديد خلال الحرب. فقد عززت القوات الإيرانية قدرات وكلائها على الأرض ومكنت القوات الموالية للنظام من السيطرة على مجموعة من التضاريس القوية وانتزاعها من أيدي قوى المعارضة. وساهمت القوات الإيرانية في التخطيط للحملة وانجاحها، وتصدرت المعارك إلى جانب الشركاء المحليين والخارجيين وتلقت في نفس الوقت خسائر كبيرة إلا أنها عادت إلى الواجهة في نمط مستمر من التناوب. وهكذا استمر الجيش الإيراني في تطوير عقيدته الجديدة للوصول إلى طريقة عمل مؤسسية أفضل من ذي قبل تفيد في مثل هذه الحالات.

ستستمر إيران في إحداث تطوير مستمر للنموذج الهجين الذي صنعته للحرب في سوريا عبر تعزيز قدراتها في الشرق الأوسط. وستساهم الإجراءات والتكتيكات التي قامت بها القوات الإيرانية في سوريا بتسهيل جهود طهران في نشر قواتها والقوات الحليفة لها في أماكن أخرى مثل العراق ولبنان. وسيؤدي السماح لإيران في تعزيز نفوذها في سوريا إلى تمكين طهران من توسيع وتحسين قدرات وكلائها وتوجيهها ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها إذا ما قررت طهران ذلك.

وفي نفس الوقت، سيبقى نطاق العمليات القتالية الإيرانية الحالية في سوريا ضامناً لبقاء إيران كلاعب مهيمن على أرض الواقع بغض النظر عن أي تغيرات في الموقف الرسمي الروسي حيال التدخل الإيراني. روسيا من جهتها ساعدت كثيراً في الحملة البرية الإيرانية  ومن غير المنطقي أن تقوم بابدال القوات الإيرانية والموالية لها بقوات روسية في سوريا. الأهم من كل هذا، أن إيران قررت للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الإسلامية التركيز على قوة التوقع التقليدية الخاصة بها وهو ما يحد بشكل كبير من القدرات التسليحية لجيرانها ويضعنا أمام حقيقة مفادها أن ميزان القوى في المنطقة تغير إلى الأبد.

يعتمد هذا التقرير على مصادر من وكالات الأنباء الإيرانية ووسائل الاعلام الاجتماعي لتوثيق قدرات إيران الموسعة للقيام بعمليات عسكرية في دعم النظام السوري. وهكذا ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط مخاطر التهديد الإيراني في المنطقة، خاصة وأن طهران باتت قادرة على نحو متزايد بنقل مشاريعها خارج إيران عدا عن تعزيز قدراتها على توليد وإدامة عمليات التدخل السريع الخارجية التي تتطلب نقلاً للموظفين وللموارد بشكل دوري. ويوصي التقرير الإدارة الأمريكية بضرورة مضاعفة جهودها لاستهداف وفرض عقوبات جديدة على الكيانات والأفراد المشاركين والعاملين في الشبكة الإيرانية من أجل تقييد قدرة إيران على زعزعة استقرار المنطقة وسوريا على وجه الخصوص دون اغفال أهمية ضرورة سعي الإدارة الجديدة على إعادة النظر في خيارات السياسة والتعامل مع إيران وسياساتها في المنطقة.

دعم إيران لنظام الأسد

أعادت إيران تشكيل أنشطتها العسكرية في سوريا على مدى الحرب الأهلية هناك.  فالتغييرات في ساحة المعركة دفعت إيران إلى تكثيف أنشطتها العسكرية في البلاد والتي بلغت ذروتها مع الحملة العسكرية التي استهدفت مدينة حلب. وساهمت الزيادة الكبيرة في القوات الإيرانية المشاركة في ساحة المعركة السورية إلى تصاعد كبير في النهج الإيراني وتعظيم القدرات الإيرانية التي تراوحت بين المد والجزر حسب طبيعة القتال.

ومنذ الأيام الأولى قدمت إيران دعماً عسكريا للنظام السوري، رغم اتسامها بالمحدودية في الفترة الأولى من الحرب حيث أرسلت إيران عدداً محدوداً من ضباط الجيش الإيراني الذين كانوا في الغالب من قوات نخبة الحرس الثوري للتدخل السريع وفيلق القدس من أجل توفير الدعم الفني عالي المستوى لقوات النظام. وفور وصولهم إلى سوريا، بدأ هؤلاء الضباط بتشكيل جماعات شبه عسكرية محلية وساهموا بدعم مقاتلي المليشيات الشيعية العراقية ومقاتلي حزب الله في سوريا. لكن الانتشار المحدود هذا أثبت عدم كفاءته  بالشكل المطلوب.

قامت إيران لاحقاً بنشر عدد من المتقاعدين العسكريين رفيعي المستوى وبعض أفراد القوات البرية التابعة للحرس الثوري من أجل توفير مستوى دعم استشاري أعلى للنظام السوري إلا أن هذا الجهد لم يكن كافياً لتحقيق المهمة المطلوبة. ومع حلول النصف الثاني من العام 2014 قامت إيران بتصعيد مشاركتها في سوريا خاصة مع مواجهة الأسد مزيداً من الخسائر خلال تلك الفترة. ومع ظهور داعش السريع في العراق، اضطرت إيران إلى إعادة توزيع العديد من الميليشيات الشيعية العراقية التي كانت تقاتل في سوريا من أجل الدفاع عن بغداد. وهكذا اضطرت إيران لحشد عدد من ضباط قوة القدس والآلاف من المقاتلين الشيعة الأجانب بما في ذلك الأفغان منهم للتخفيف من استنزاف قوات النظام السوري. وتشير الخسائر التي مني بها ضباط الرتب المتوسطة الإيرانيين إلى تولي الجيش الإيراني بنفسه قيادة العمليات الميدانية في بعض المواقع.

ولعل فشل التدخل الإيراني في هذه الفترة يعكس اتجاه الحرب الاهلية السورية حيث عانى نظام الأسد من خسائر كبيرة في النصف الأول من عام 2015. ومع حلول سبتمبر 2015 وعلى مدار العام 2016 تعاظم التواجد العسكري الإيراني في سوريا وخاصة في عملية حصار وإعادة السيطرة على مدينة حلب. وبشكل عام تألفت المساهمة الإيرانية من قوات الحرس الثوري الإيراني وفيلق القسد والجيش الإيراني التقليدي ( آرتش) و الباسيج – منظمة شبه عسكرية إيرانية. الرسم البياني التالي يوضح الخسائر العسكرية الإيرانية خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر 2015 وحتى يناير 2017. ويظهر من هذا الرسم أن أغلب الخسائر الإيرانية تركزت حول مدينة حلب، فيما تم الإبلاغ عن حالات قليلة في مدينة حماة أو بالقرب من مدينة تدمر أو في دمشق وما حولها خلال نفس الفترة الزمنية.

الرسم البياني 1:  القتلى الإيرانيون في سوريا خلال الفترة ( أكتوبر 2015 وحتى يناير 2017)

ويوثق الرسم البياني رقم 2 معدل إصابة الضحايا الإيرانيين على مدى عامين في الفترة الممتدة بين يناير 2015 ويناير 2017 ويمكن الإشارة إلى زيادة أعداد الضحايا الإيرانيين إبان إطلاق الحملة العسكرية لحصار مدينة حلب.

الرسم البياني 2: معدل الإصابات الإيرانية الأسبوعي في الفترة ما بين يناير 2015 و يناير 2017

شارك الجنود الإيرانيون في هجمات نظام الأسد عبر الجبهة الجنوبية من مدينة حلب خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر 2015 ويناير 2016 جنباً إلى جنب مقاتلي حزب الله اللبناني ومقاتلي الشيعة العراقيين والأفغان والباكستانيين الذين سبق لهم وأن تدربوا في إيران. ساهمت القوات الإيرانية بشكل حاسم للغاية في تخفيف أعباء حصار مقاتلي المعارضة لمدن نبل والزهراء وساهمت كذلك في شهر فبراير 2016 بقطع الطريق الاستراتيجي – كاستيلو- الذي يربط مدينة حلب بتركيا. وخلال النصف الأول من شهر فبراير فقدت القوات الإيرانية ما يزيد على 50 جندياً ومعظمهم كان متورط في هذه العمليات المذكورة هنا. ويبدو أن القوات الإيرانية مرت بمرحلة إعادة انتشار في مارس 2016 وهذا لم يمنع من سقوط ضابط إيراني خلال عملية استعادة مدينة تدمر في ذلك الشهر.

وفي الفترة ما بين أبريل إلى يونيو 2016 ساهمت القوات الإيرانية في صد هجمات المعارضة على طول الجبهة الجنوبية من حلب بما في ذلك مشاركتها في الاشتباكات حول مدن العيص وزيتان وخان طومان حيث واجهت فرقة كربلاء25 من الحرس الثوري هجوماً قوياً أدى إلى مقتل 13 إيراني وإصابة 21 خلال شهر مايو بالقرب من خان طومان، وعادت الخسائر الإيرانية للزيادة مجدداً في شهر يونيو من نفس العام بعد تصدي هذه القوات لهجمات المعارضة على مناطق جنوب غرب حلب لكسر الحصار المفروض عليها في تلك الفترة. وفي شهر يوليو سقط معظم الضحايا الإيرانيين بعد أن شنت قوات النظام ومن يواليها هجوماً كبيراً بهدف قطع طريق الإمداد الرئيسي الذي يصل إلى مدينة حلب في تلك الفترة، وتصاعدت الخسائر مجدداً في شهر أغسطس بعد أن شن مقاتلوا المعارضة هجوماً أخر بهدف كسر الحصار عن حلب.

وأظهرت معركة حلب مدى اعتماد قوات النظام على القوات الإيرانية لتسيير وإدارة العمليات البرية، هذا عدا عن اعتماد قوات النظام على الدعم الجوي الروسي الكثيف لإنجاح المهمة – القصف الكثيف لا يمكن أن يفسر نجاح قوات النظام في استعادة المدينة، فقد سبق لقوات النظام أن لجأت لعمليات قصف مركزة بحق المدينة في هجمات مماثلة أعوام  2014 و2015 لكنها لم تتمكن من استعادة السيطرة على المدينة. علاوة على ذلك، يمكن الإشارة إلى أن تصاعد أعداد الإصابات الواقعة بين صفوف القوات الإيرانية والمقاتلين المرتبطين بها يعكس مدى أهمية مشاركتها في هذه الحملة.

ويمكن الاستنتاج من طبيعة الهجمات المنسقة التي شنتها القوات بالوكالة التابعة لإيران طبيعة التنسيق العالي التي باتت القوات الإيرانية قادرة على إحداثه، وينعكس ذلك أيضاً من الأعداد المرتفعة للضباط من المستوى المتوسط والصغير – من الحرس الثوري- المنتشرين في سوريا. وهنا يعرض الرسم البياني التالي الرتب العسكرية للضحايا من الحرس الثوري والجيش الإيراني حسب الشهور.

الرسم البياني 3: الإصابات في صفوف الحرس الثوري والجيش الإيراني وفق الرتب العسكرية

ووفق الأرقام فإن نمط الانتشار هذا – انتشار الضباط المتوسطي الرتب- كان الأكثر فعالية للإيرانيين، فمن جهة فإنه ساهم في تقليل العدد المحتمل للخسائر التي قد يتعرض لها الإيرانيون ومن جهة أخرى ساهم في تحسين الفعالية القتالية المحلية للشركاء أيضاً. ووفق ما كشفه إحد جنرالات الحرس الثوري في مقابلة تلفزيونية فقد ساهم انتشار القوات الحرس الثوري وشركائها – مرتزقة إيران- بتزويد المخابرات الروسية بمعلومات دقيقة لتنفيذ الضربات الجوية ومن المرجح أن حزب الله ساعد في تنفيذ هذه المهام بالتعاون مع القوات الخاصة الروسية. كما قام المخططون العسكريون الإيرانيون بنشر قوات مجهزة بشكل خاص ومتطوعين وقوات من النخبة الخاصة في الخطوط الأمامية من أجل توفير الدعم القتالي للقوات في المقدمة – التي تعاني من سوء بالتدريب بشكل أو بآخر.

ومع حلول شهر أغسطس من العام 2016 اعتمدت القوات الإيرانية نمطاً جديداً مع اشتداد عمليات حصار حلب من قبل القوات الموالية للنظام السوري. ولعل تزايد الطبيعة الحضرية لمناطق المعارك بالإضافة إلى الخسائر الثقيلة التي مني بها الإيرانيون سابقاً في خان طومان دفعت قادة الجيش الإيراني لاعتماد طريقة جديدة لنشر جنودهم في حلب وحولها تحديداً. وتشير الإحصاءات إلى خسارة الحرس الثوري لعدد أكبر من الضباط – قرابة ربع الخسائر- في تلك الفترة وهو ما مثل عدداً غير متناسب مع إحصائيات المعارك الطبيعية. ويمكن الاستنتاج من هذه الأرقام أن الجيش الإيراني لجأ إلى الحفاظ على القيادة والسيطرة ضمن المستويات العالية وأوكل مهمة القتال المباشر للقوات بالوكالة والمرتزقة التابعين له لحين الاستيلاء على حلب وقام بسحب جنوده من خطوط القتال الأمامية وصولاً إلى سقوط حلب في ديسمبر 2016.

وهكذا أثبتت عملية حلب نجاح النهج الجديد الذي اتبعته القيادة الإيرانية ولم يخجل الضباط الإيرانيون من الاحتفال بهذه الطريقة، فقد أشار اللواء في الحرس الثوري يحيى رحيم صفوي، وهو المستشار العسكري الكبير للمرشد الأعلى الإيراني، أشار إلى فضل التحالف بين روسيا وإيران وحزب الله لإسقاط حلب. وأشار أيضاً إلى نجاح القوات الإيرانية في تصميم الخطط التنفيذية ومحاربة العدو باستخدام القوات المحلية والشركاء الأجانب دون سقوط أعداد كبيرة من الإيرانيين كضحايا لهذه المعارك. وكشفت حملة حلب أيضاً جزء كبير من الوحدات التشغيلية الإيرانية وعدداً من صغار الضباط الذين تميزوا في المشاركة في الحملة العسكرية خارج البلاد، وهو ما سيصب في اكتساب خبرات أكبر في حملات مماثلة مستقبلياً.

مخطط لتطور الحملة الإيرانية على حلب

1. ديسمبر 2015: ضباط من الحرس الثوري – فرقة كتائب الإمام مجتبى-  ينشرون جنوداً من الوحدة للمشاركة في عملية تطهير منطقة العمليات حول زيتان وخان طومان. تم الإبلاغ عن سقوط 6 قتلى من الفرقة خلال شهر ديسمبر.

2.  يناير 2016:  قوات الباسيج الخاصة تطلق عمليات خاصة بالقرب من خان طومان مما أدى إلى سقوط خسائر كبيرة في صفوفها.

3. فبراير 2016:  قوات الحرس الثوري والباسيج الخاصة تطلق عملية لكسر الحصار عن قريتي نبل والزهراء بدعم من الغطاء الجوي الروسي. تم الإبلاغ عن سقوط أكثر من 40 إصابة بين الجنود الإيرانيين خلال النصف الأول من فبراير معظمهم شارك في هذه العملية.

4. أبريل 2016:  إصابات مختلفة في صفوف قوات الحرس الثوري بالقرب من العيس بعد عملية أطلقتها قوات المعارضة هناك.

5. أبريل 2016: وكالة أنباء فارس تنشر صوراً لقوات الجيش الإيراني “أرتش” الخاصة في محيط منطقة حاضر.

6. أبريل 2016:  مصادر موالية للنظام تشير إلى أن قوات الجيش الإيراني الخاصة شنت عملية بالتعاون مع مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية ضد قوات المعارضة في منطقة العيس.

7. مايو 2016: قوات الحرس الثوري الإيراني تتكبد خسائر كبيرة في خان طومان بعد هجوم شنه مقاتلي المعارضة – أكثر من 15 قتيل.

8. أغسطس 2016:  سقوط إصابات في صفوف القوات الإيرانية أثناء تصديها لهجوم شنته قوات المعارضة لفك الحصار عن حلب.

9. أكتوبر 2016:  تقارير تتحدث عن مقتل أحد عناصر قوات الباسيج بالإضافة إلى عدد كبير من الإصابات في مشروع شقق 3000  بعد هجوم من قوات المعارضة على المنطقة.

10. نوفمبر 2016: تصاعد في أعداد الضحايا الإيرانيين بعد تمكن قوات المعارضة من محاصرة حي مركزي في المنطقة الجنوبية من حلب.

الجزء الثاني: القوات العسكرية الإيرانية المتواجدة في سوريا

عززت إيران من قدراتها في سوريا تبعاً للمتطلبات التشغيلية خاصة فيما يتعلق بالحملة التي استهدفت مدينة حلب. وقد أثبت المخططون الإيرانيون عبر لجوئهم إلى دمج قوات إيرانية من فروع مختلفة أن قدرات الجيش الإيراني على إنجاز المهام الخارجية أكبر بكثير مما قد يتصور البعض. وهنا نقدم شرحاً موجزاً للقوات الإيرانية العاملة على الأرض في سوريا استناداً إلى التقارير المختلفة وتقارير الإصابات الخاصة بهم.

• قوات الحرس الثوري

اعتمد النظام الإيراني كثيراً على عناصر الحرس الثوري الإيراني للمشاركة في عمليات النظام في المناطق المحيطة بحلب، وهو ما شكل تحولاً كبيراً في عقيدة المنظمة العسكرية الإيرانية وموقفها التاريخي. فمنذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية اختص الحرس الثوري الإيراني بحماية النظام الإيراني من التهديدات الخارجية والداخلية، إلا أن الحرس الثوري مر بإصلاحات هيكلية في عام 2008 هدفت إلى تحقيق اللامركزية في الهيكل التنظيمي الخاص به وجاءت هذه الإصلاحات من أجل زيادة قدرة الحرس الثوري على الصمود في وجه تحديات الولايات المتحدة وإسرائيل.

التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر 2015 كان نقطة التحول في دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا. فقد سبق هذا التدخل تواجد عدد من ضباط الحرس الثوري رفيعي المستوى وعملهم كمستشارين عسكريين في سوريا في فترة ما بعد منتصف العام 2012 لكن مشاركتهم هذه كانت محدودة من أجل التدريب وتقديم المشورة لتعزيز قدرات قوات النظام السوري.

ووفق جدول إحصاءات الإصابات التي لحقت بجنود الحرس الثوري الإيراني يظهر أنها تزايدت بشكل كبير بعد سبتمبر 2015 وتعكس هذه الزيادة في الإصابات قرار قادة الحرس الثوري نشر جنودهم على الخطوط الأمامية وفق نموذج عمل جديد.

وتشير تقارير توزيع الخسائر إلى أن عناصر محددة من قوات الحرس الثوري تم نشرها في الخطوط الأمامية من المعارك. ويبدو أن قادة الجيش الإيراني لجؤوا للاعتماد على التناوب بين القوات المختلفة المتاحة، وهكذا تم استغلال الوحدات الأفضل والأكثر تسليحاً للمشاركة في المعارك حسب أهميتها. وتشير المشاركة واسعة النطاق من وحدات الحرس الثوري البري إلى شدة مساهمتها في الصراع في سوريا وهو ما يعد نقطة تحول أساسية في موقف الحرس الثوري وعدم اقتصار جهده على تطوير قوات النخبة فحسب.

ويبدو من هذه الإحصاءات أيضاً ان عملية نشر قوات الحرس الثوري كانت متفاوتة ووفق مستويات مختلفة وفقاً للاحتياج التشغيلي في كل معركة. وتظهر أيضاً الإصابات في صفوف الضباط رفيعي المستوى النموذج الاستشاري الذي قدمه الحرس الثوري لقوات النظام وشغله للمناصب القتالية في ساحة المعركة أيضاً، فعلى سبيل المثال، كان لواء الامام مجتبى الثاني ولواء الإمام ساجد الثاني في مراتب متدينة من حيث أعداد الضحايا. وتظهر الإصابات المعلنة هنا أن أغلبها كان في وحدة الصابرين – المشاة في الحرس الثوري- وهو ما يعني تقدم المقاتلين من الرتب الدنيا في هذه المعارك.

وتشير تقارير الصحافة الإيرانية إلى أن عملية التناوب بين عناصر الحرس الثوري كانت تتم من مرتين إلى ثلاث مرات شهرياً. ويبين الرسم أدناه معدل الإصابات التي تم الإبلاغ عنها لدى وحدات الحرس الثوري في سوريا وهو ما يدعم هذه الحقيقة. ويمكن الاستنتاج أيضاً من زيادة أعداد المصابين في وحدات كربلاء 25 ولواء الإمام سجاد محمد الثاني وغيرها تواجدها في الخطوط الأمامية أكثر من غيرها.

الإصابات في صفوف الحرس الثوري حسب الأشهر

وفي المرحلة ما بعد يونيو 2016 بدأ الحرس الثوري بسحب قواته من محيط حلب، خاصة مع اقتراب المعارك من المناطق الحضرية وهو ما يعني زيادة نسبة الأخطار التي قد تتعرض لها القوات الإيراني. وهكذا، ساهمت الحملة الإيرانية في سوريا في تغيير وتطوير هيكلية الحرس الثوري الذي كان مصمماً للدفاع عن النظام الإيراني ضد عملية غزو بري داخل إيران او اضطرابات داخلية فيها. ومؤخراً في يناير 2017 لجأ الحرس الثوري إلى إنشاء قاعدة تدريب خاصة به غرب إيران مخصصة للاستفادة من تراكم الخبرات في المعركة السورية وتعميم تجربة فرق الحرس الثوري هناك.

وساهمت الخبرات المتأتية من العمل الميداني للحرس الثوري في سوريا في تشكيل وحدة مخصصة من الحرس البري تحت مسمى”  المشاة المحمولين جواً”  والتي تعمل على تنفيذ عمليات الدعم والقيام بعمليات هجومية في جميع أنحاء العالم.  وذلك بعد اعتماد الحرس الثوري لمهام الجهود الخارجية والاستحواذ للمرة الأولى في تاريخه القتالي.

• قوات الآرتش ( الجيش الإيراني)

يمكن النظر إلى تورط الجيش الإيراني في سوريا على أنه تورط أكثر محدودية بالمقارنة مع التدخل الذي قامت به وحدات الحرس الثوري، لكنه يشير في نفس الوقت إلى مرونة كبيرة من قبل قادة الجيش العسكريين خاصة في مسائل تجاوز القيود العقائدية للاستجابة للمتطلبات المتغيرة بشكل كافي. وتاريخياً، اقتصرت مهمة الجيش الإيراني على حماية السلامة الإقليمية الإيرانية ولم يتم نشر أي من وحدات الجيش الإيراني في أي من مناطق النزاع المختلفة منذ انتهاء الحرب العراقية  – الإيرانية عام 1988 وحتى عام 2016، حيث تم نشر وحدات من الجيش الإيراني في سوريا وهو ما يعد تحولاً جوهرياً في عقيدة الجيش ووضعها داخل المؤسسة العسكرية التي يسيطر عليها الحرس الثوري أصلاً.

ووفق التقارير فقد تم نشر مجموعتين من الوحدات الخاصة بالجيش الإيراني في سوريا على الأقل. وثبت تلقي المجموعة الأولى لخسائر بشرية في أبريل 2016 ويبدو أن نشر هاتين المجموعتين كان لتعزيز تواجد الحرس الثوري ومساهماته في المناطق الجنوبية من حلب.

وتشير التقارير أيضاً إلى أن جميع الخسائر التي تعرض لها الجيش الإيراني في سوريا كانت بين صفوف القوات الخاصة، فيما تم ترقية قائد الوحدات الخاصة مرتين في وقت لاحق وهو ما يشير إلى رضا النظام الإيراني على مشاركة القوات الخاصة للجيش الإيراني في سوريا.

وفيما يتعلق بالإصابات في صفوف المجندين العاديين، فقد وقعت إصابة وحيدة وتحديداً في 1 أغسطس والتي كانت وفق الصحف الإيرانية ” في نهاية خدمة الجندي التي استغرقت 45 يوماً”  وهو ما يوحي بأن هناك وحدات من الجيش الإيراني قد انتشرت في يونيو من عام 2016  في مناطق مختلفة من سوريا. علاوة على ذلك، تشير رتبة الجندي والفرقة التي يعمل بها “وحدة من قوات الجيش الإيراني غير الخاصة” إلى انتشار عدد من وحدات الجيش التقليدية في مناطق مختلفة من سوريا على الأقل بشكل جزئي. ومع ذلك يبقى المدى الكامل لمشاركة الجيش الإيراني في سوريا غير معروف حتى الآن لكنه بلا شك كان أوسع بكثير من مجرد الوحدتين التين تم الكشف عنهما هنا، خاصة وأن طائرات النقل التي يمتلكها الجيش الإيراني كانت تتنقل بشكل مستمر تجاه سوريا خلال هذه الفترة.

ويبدو أن قوات الجيش الإيراني تعمل بشكل متكامل ضمن هيكل القيادة والتحكم للحرس الثوري في سوريا، وفق ما كشفه اللواء في الجيش الإيراني “عطاء الله صالحي ” في مقابلة أجريت معه في أبريل 2016. وتشير البيانات المتوفرة أيضاً إلى استعداد الجيش الإيراني وقدرته على إدارة الاحتكاك منذ فترة طويلة بين المنظمتين الإيرانيتين.

وخلال شهري يونيو ويوليو 2016 سعى الجيش الإيراني لدعم التشغيل البيني للخدمات من خلال سلسلة من الإصلاحات في هيكل القيادة الإيرانية التي من شأنها أن تؤمن تخطيط وتنفيذاً أفضل للعمليات العسكرية باستخدام الفروع التقليدية للجيش الإيراني.

ويبدو ان المخططين الإيرانيين قد آمنوا بضرورة تحقيق دمج أفضل بين الجيش الإيراني والقوات المسلحة – كل ذلك تحت سلطة الحرس الثوري-  وهو ما سيعزز قدرة إيران على مواجهة أي تحد خارجي، وهو ما حدث فعلاً حيث اعتبرت سوريا كساحة تجريبية للاستراتيجيات الجديدة هذه داخل الجيش النظامي الإيراني.

وتشير تصريحات مسؤولي الجيش الإيراني إلى تحقيق تطور أوسع في عقيدة الجيش لتشمل عمليات انتشار وقائية في الخارج كجزء من مهمة الجيش لحماية الحدود الإيرانية على سبيل المثال. وعلى إثر التدخل الذي قامت به وحدات الجيش الإيراني في سوريا تم في وقت سابق من عام 2016 إنشاء قواعد تدريبية خاصة للجيش في مناطق جنوب شرق إيران ترتكز على الدروس المستفادة من التدخل في سوريا. وفي ظل ترحيب ضباط الجيش الإيراني بهذا الأمر فمن المحتمل زيادة تمويل المؤسسة التي تعتبر واحدة من المؤسسات الربيبة للنظام الإيراني.

• قوات الباسيج

تعد قوات الباسيج قوة دعم للحرس الثوري الإيراني مكلفة بالأمن الداخلي الإيراني وتعمل كشرطة للأخلاق. تخدم قوات الباسيج كقاعدة تعبئة للحرس الثوري الإيراني في مواجهة مختلف التهديدات. ووفق الإحصاءات فإن هناك ما مجموعه 87  مقاتلاً ومتطوعاً ينتمون للباسيج ظهروا في جداول الضحايا والإصابات في الفترة الممتدة بين أكتوبر 2015 و يناير 2017.

الوحدات الخاصة من قوات الباسيج المعروفة باسم “الفاتحين” تستوعب عدداً كبيراً من المتطوعين والمتدربين من مختلف المحافظات الإيرانية وتحرص على تدريبهم وتزويدهم بمهارات القتال، وعلى مدار تاريخ إيران الحديث لم تملك وحدة “الفاتحين” دوراً واضحاً إلا أن التقارير الموثقة تشير إلى أن إنشاء هذه الوحدة يعود إلى أوائل الألفينات.

ويشير تقرير آخر للحرس الثوري الإيراني أن العميد حسين همداني  – من قادة قوات الباسيج- لعب دوراً رئيسياً في تنظيم الانتشار العسكري الإيراني في سوريا.

وشارك مقاتلوا الباسيج مباشرة في المعارك، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شباب ومتطوعي الباسيج لم يملكوا سوى القليل من الخبرة أو التدريب وهو ما دفع قادتهم إلى زجهم بالمعارك في الخطوط الأمامية للاستفادة من اندفاعهم. ووفق تصريحات القادة الإيرانيين فقد لعبت قوات الباسيج وخاصة وحدة “الفاتحين” دوراً رئيسياً في دعم عمليات النظام في مناطق جنوب حلب خلال يناير 2016 وساهمت في استعادة مدن الزهراء ونبل في فبراير 2016.

وأشار قائد وحدة الفاتحين بأن قواته خاضت معارك كثيرة في بلدة خان طومان جنوب غرب حلب في يناير 2016 حيث أصيب 12 مقاتلاً من جنود الوحدة من اصل 250  إصابة للجنود الإيرانيين في تلك المعارك. ويشير القائد نفسه في تصريح آخر إلى سقوط 30 قتيل من قوات الباسيج اعتباراً من أكتوبر 2016.

وإثر مشاركة هذه القوات في سوريا عبر مسؤولون عسكريون إيرانيون عن عزمهم على توسيع فعالية الباسيج العسكرية، كما تم تعيين حسين جيبرفار، العميد المحنك من الحرس الثوري الإيراني كقائد للمنظمة. كما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري نية إيران توسيع إنشاء وحدات الفاتحين وأكد عزم الحرس الثوري على دعم تشكيل قوات الباسيج وترقية قادتها.

وتعكس المشاركة المؤسسية بين قوات الحرس الثوري والجيش الإيراني والباسيج في سوريا قدرة إيران على إعادة توظيف قواتها المسلحة إلى قوة موحدة تعمل بطريقة تقليدية إلى حد ما. كما أنه مؤشر إلى احتمال حدوث مزيد من التغيرات للقوات المسلحة الإيرانية كما يظهر ذلك تفضيل الجيش الإيراني الاعتماد على الطريقة التقليدية في تنظيم عملياته الخارجية.

يضاف إلى ذلك ما نتج عن التدخل العسكري في سوريا من ترقيات للضباط المرتبطين بالتدخل الإيراني هناك، حيث ستتركز الترقيات على هؤلاء الضباط عوضاً عن الضباط من خلفيات المخابرات أو` الأمن الداخلي وهو ما يشير بشكل أو بآخر إلى زيادة تعزيز النظام الإيراني لعملية التدخل الخارجي مع الاستفادة من النمط السوري.

الجزء الثالث: كيف استفادت إيران من روسيا في سوريا

ساهم التعاون العسكري الإيراني مع روسيا في سوريا في زيادة قدرة طهران على تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية التقليدية المعقدة. وتعلم الإيرانيون من خلال الاحتكاك والمشاهدة، وحاولوا بوعي استخلاص الدروس المستفادة في سوريا لاستخدامها في تطوير القوات العسكرية وشبه العسكرية. وهكذا لجأت إيران إلى ايفاد القوة التقليدية من اجل الاستكمال وفي بعض الحالات لكي تحل محل الاعتماد على الوسائل غير المتماثلة في القتال، وروسيا من جهتها ساعدت القيادة العسكرية الإيرانية في تحقيق هذا الأمر. وقامت روسيا بإدخال إيران ووكلائها للانضمام إلى الحملة الروسية والالتزام بخططها وتنفيذ عمليات متزامنة ومتتالية متعددة تحت إشراف الطيران الروسي. هذه المفاهيم تعد ثمرة قرابة قرن من التفكير العسكري السوفيتي والروسي المتقدم بالإضافة إلى الخبرة العملية في العمليات العسكرية التقليدية.

ويمكن لعمليات نقل المعرفة هذه أن تساعد الجيش الإيراني في إحراز تقدم أكبر لفهم الحرب التقليدية، وهو ما سيساهم في جعل إيران قوة عسكرية عظمى في منطقة الشرق الأوسط خلال وقت قصير نسبياً مما يغير من موازين القوى والبيئة الأمنية في المنطقة بشكل دائم.

وبشكل واضح استخدم الجيش الإيراني ساحة الصراع السوري كبيئة تعليمية لقواته. ففيلق الحرس الثوري الإسلامي وجامعته التابعة له – جامعة الإمام حسين التي تعد موطناً للتعليم العسكري المتقدم للحرس الثوري- قاموا بنشر طلابهم إلى سوريا بشكل يكاد يكون اقرب إلى جزء من برنامج تعليمي أو دراسة داخلية للضباط الإيرانيين. ويقر الضباط الإيرانيون بالفوائد الكبيرة التي حصلوا عليها إثر مشاركتهم في العمليات العسكرية إلى جانب الضباط الروس. فأحد الجنرالات الإيرانيين أشاد باستخدام روسيا للقاعدة الجوية المسماة “قاعدة الشهيد نوجيح” في محافظة همدان الإيرانية وذلك بسبب استفادة أفراد سلاح الجو الإيراني من خبرات الطواقم الروسية التي درستهم طرق تشغيل الطائرات وإطلاقها والخدمات اللوجستية التي تقدم لها. هذا عدا عن المناورات التي قامت بها إيران مؤخراً من أجل أخذ الدروس والاستفادة من معاركها الأخيرة في سوريا – المناورات شهدت مشاركة روسية.

التخطيط العسكري التقليدي

أتاح التعاون الوثيق بين العسكريين الروس والإيرانيين على الصعيدين التشغيلي والتكتيكي تناقل المعرفة بين الجيشين. فقد شارك ضباط كبار روس وإيرانيون في عمليات التخطيط التشغيلي وكانوا على اتصال دائم مع غرف العمليات المشتركة. وعلى الأرض، تعاونت القوات الخاصة الروسية – على الأقل بعض فرقها- مع القوات الموالية والمدعومة من إيران بالوكالة مثل حزب الله اللبناني، ومن المحتمل وجود اتصال وثيق بين ضباط الحرس الثوري والضباط الروس هذا عدا عن احتمال قيادة ضباط إيرانيين لعمليات مشتركة خدم فيها جنود روس.

وقد تكون القوات الإيرانية قد قدمت بعض الدعم للطائرات الروسية لتنفيذ عملياتها الجوية، على الرغم من أن القوات الإيرانية – على الأرجح- لا تقدم مثل هذه الخدمات – لا تملك وحدات تحكم هوائية لقيادة الطائرات الروسية. علاوة على ذلك، نجح محور الامن الروسي الإيراني في سوريا على تنسيق الجهود المختلفة عبر جبهات متعددة. فعلى سبيل المثال، كانت روسيا تزيد من حدة غاراتها الجوية في مناطق شمال سوريا في المقابل، أطلقت كل من قوات النظام السوري والقوات الإيرانية عمليات مكثفة بالقرب من العاصمة دمشق لاستغلال انشغال الجبهة الشمالية بحملة القصف العنيفة وهكذا.

وأظهرت إيران والميليشيات التابعة لها – بما في ذلك حزب الله والميليشيات العراقية- قدرة عالية على استخدام النهج الروسي –العقيدة الروسية في القتال- خلال حملتهم الناجحة ضد مقاتلي المعارضة في مدينة حلب والتي تمت بدعم من الضربات الجوية الروسية وبإشراف مستشارين روس. فقد بدأت القوات الموالية للنظام والتي حظيت بدعم حزب الله ومقاتلي الميليشيات الشيعية الأفغانية والعراقية بالإضافة إلى عناصر قوات الحرس الثوري – فيلق القدس، كل هذه أطلقت سوياً عمليات متزامنة ومتتالية ضد المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة في مدينة حلب وما حولها وذلك اعتباراً من شهر أكتوبر 2015. واستمرت القوات الموالية للنظام والقوات المدعومة إيرانيا في استخدام نسق العمليات المتزامنة والمتتالية لتطويق مناطق حلب التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة بالإضافة إلى تشديد الحصار عليها حتى وقت متأخر من عام 2016. ولم تظهر إيران أو أي من القوى المؤيدة للنظام قدرتها على القيام بهذه النوعية من العمليات داخل ساحة المعركة السورية قبل التدخل الروسي في سبتمبر 2015 وهو ما يظهر مدى الاستفادة الكبيرة التي تحققت للجانب الإيراني من هذا التدخل.

وتمكن النظام السوري بالتعاون مع حلفائه الإيرانيين والروس من استعادة مدينة حلب من أيدي المعارضة نتيجة لخطة محكمة طبقت على ثلاث مراحل، وقامت بعزل مناطق سيطرة المعارضة الواحدة تلو الأخرى لتطبق الحصار عليها وصولاً إلى انهيار المدينة تحت إصرار الحملة الروسية. وتمكنت القوات الموالية للنظام السوري وبدعم روسي وإيراني من قطع أو خط إمداد للمعارضة في مناطق شمال مدينة حلب لأول مرة في 3 فبراير، وبعد ذلك أطبقت الحصار على المدينة بعد قطع خط امداد آخر في مناطق شمال غربي حلب في 28 تموز. وهكذا انهارت جيوب المعارضة الواحد تلو الآخر تحت تأثير حملة جوية وبرية شرسة على المدينة واضطرت المعارضة إلى الاستسلام والانسحاب في الفترة بين 13 و 22 ديسمبر من العام الماضي. هذا النوع من التكتيك هو تخصص روسي بحت ( تحمل البصمة الروسية الواضحة) وسبق لروسيا ان لجأت إليه في مناطق شرق أوكرانيا، ولم يسبق أن اعتمد هكذا نمط قبل التدخل الروسي في سوريا في سبتمبر 2015.

روسيا من جهتها أدخلت الطيار الحربي مباشرة إلى المعركة (استخدمت الطائرات الهجومية المخصصة لدعم القوات البرية بما يوفر مزيجاً من الدعم الجوي في المعركة وعمليات الاعتراض الجوي التي تعد سمة بارزة للفن التشغيلي الخاص بالاتحاد السوفيتي). وقامت روسيا بتنفيذ غارات منتظمة ضد الخطوط الأمامية للمعارضة بهدف تعطيل تحركات وتنقلات قوات المعارضة على طول محاور متحدة بالإضافة إلى إعاقة نقل التعزيزات الخاصة بها وتسهيل تقدم القوات الموالية للنظام والميليشيات الداعمة لها بالمقابل. وربما شارك المقاتلون المدعومون من طهران في دعم الضربات الجوية الروسية عبر تقديم معلومات استخباراتية لها أو ربما عبر التعاون مع القوات الخاصة الروسية الفاعلة على الأرض. وبالفعل، نجحت القوات الإيرانية في منح قوات النظام فرصة ذهبية لاستغلال القوة الجوية الروسية على مدى أشهر الحملة التي استمرت لأكثر من 15 شهراً بهدف استعادة مدينة حلب، ولا سيما خلال عملية فبراير لتخفيف الحصار عن قرى النبل والزهراء الشيعيتين في مناطق شمال حلب. يذكر أن القوات الإيرانية عانت أكثر من 50 إصابة خلال النصف الأول من شهر فبراير، سقطت غالبيتهم العظمى خلال المشاركة في هذه العملية على الأرجح.

القدرات  العسكرية التقليدية

استفاد القادة العسكريون الإيرانيون على الأغلب من نجاح الحملة الجوية الروسية وهو ما دفعهم إلى توجيه أولوياتهم نحو تطوير قدرة الدعم الجوي التي من شأنها أن تسمح لإيران بتكرار آثار الدعم الجوي الروسي مع القوات بالوكالة العاملة على الأرض في مناطق أخرى. وبالتأكيد كان القادة الإيرانيون سعيدون بالتدخل الجوي العسكري الروسي في سوريا، لكنهم بلا شك كانوا يفضلون أن يتولوا زمام الأمر بأنفسهم. وفي أواخر فبراير 2016 أنشأ الحرس الثوري وحدة هجوم جوية جديدة، والتي جاءت على الأغلب بعد تأثر قادة الحرس الثوري بعمل القوات الخاصة الروسية في مناطق حلب وغيرها في ذلك العام. وقامت إيران أيضاً بتقديم طلب لروسيا من أجل شراء أسطول كامل من مقاتلات سوخوي -30 (وهو ما يعادل تقريباً ما تملكه الولايات المتحدة من مقاتلات F-30). ومثل هذه القدرة الجوية من شأنها أن تقلل من اعتماد طهران الكبير على القوة الجوية الروسية (وفي العراق الأمريكية) من أجل دعم عملياتها البرية.

وسمحت الحملة السورية أيضاً للمسؤولين العسكريين الإيرانيين في مراقبة طرق دمج صواريخ أرض – أرض وأرض –جو في العمليات العسكرية التقليدية. فقد أثبتت روسيا فوائد اقتران القدرات الصاروخية طويلة المدى مع أنظمة الدفاع الجوي من أجل تحقيق السيطرة الإقليمية وتقييد حرية الولايات المتحدة في المناورة في ساحة المعركة. ونقل مثل هذه المعارف مهم في نظر المسؤولين العسكريين الإيرانيين الذين كشفوا عزمهم تعزيز التطبيقات التقليدية من الترسانة الصاروخية الهائلة الخاصة بهم. ومع تسليم روسيا نظام الدفاع الجوي المتطور S-300 لإيران في أكتوبر 2016 يمكن لإيران البدء بنشر أنظمة صواريخ بشكل متزايد على رأسها الصواريخ البالستية مع أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة لإطلاق غازات الهجوم والدفاع بشكل مماثل لما أنشأته روسيا في سوريا.

الآثار

عملية نقل المعرفة هذه بين إيران وروسيا وضعت الولايات المتحدة في مواجهة إيران أقوى بمعدات وطرق عسكرية أفضل وفي نفس الوقت تكن العداء للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ولعل عملية نقل المعارف العسكرية هذه إلى إيران كانت أكبر علامة فارقة ساهمت في زيادة القدرة العسكرية التقليدية الخاصة بإيران. ومن المتوقع أن تتصاعد القدرات العسكرية التقليدية الإيرانية طالما استمرت القوات الروسية والإيرانية بالعمل جنباً لجنب في سوريا، وببساطة فإن القوات الإيرانية باتت تمتلك خبرة كبيرة في أفضل الممارسات لتطوير ونشر واستخدام القوات المختلفة في ساحة المعركة. وهنا تستعد روسيا لتعليم ايران وسائل عسكرية إضافية في ظل المرحلة القادمة من الخطة الروسية لدعم نظام الأسد. ولن تقتصر عمليات التوسع في المناورات المشتركة بين البلدين على سوريا فحسب بل ستحاول إيران على الأرجح تصدير هذا التطور لدول مجاورة مثل العراق على الأغلب. وهنا يجب أن تدرك الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون أن التعاون العسكري الإيراني – الروسي العميق في سوريا بحد ذاته يشكل خطراً كبيراً على موازين القوى في الشرق الأوسط برمته.

وسوم: العدد 708