مشاورة المهدي ( الخليفة العباسي ) لأهل بيته في حرب خراسان

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مشاورة المهدي ( الخليفة العباسي )

لأهل بيته في حرب خراسان

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

خراسان ،أيام تحاملت عليهم العمال وأعنفت ، فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من المكانة على أن نكثوا بيعنهم،ونقضوا موثقهم ، وطردوا العمال ،والتووا بما عليهم من الخراج، وحمل المهدي ما يحب من مصلحتهم ويكره من عنتهم على أن أقال عثرتهم ، واغتفر زلتهم ، واحتمل دالتهم ،تطولا بالفضل ، واتساعا بالعفو ، وأخذا بالحجة ، ورفقا بالسياسة ، ولذلك لم يزل مذ حمله الله أعباء الخلافة ، وقلده أمور الرعية ، رفيقا بمدار سلطانه ، بصيرا بأهل زمانه،باسطا للمعدلة في رعيته ، تسكن إلى كنفه ، وتأنس بعفوه، وتثق بحلمه  .

المشهد الأول :

ترفع الستارة مع موسيقا مناسبة تدل على أهمية المكان .

المكان : قصر المهدي أمير المؤمنين

الأشخاص : بعض حاشية المهدي وجلساؤه يسمرون ويضحكون

أحد الحاضرين : هل سمعتم ماحدث عندما خرج المهدي للصيد ومعه شاعره الظريف أبو دلامة ؟

صاحبه : ابو دلامة !!  ما أظرفه!! إن أمير المؤمنين لايحجبه ولا يمنعه من الدخول عليه .

المتحدث:خرج المهدي ومعه بعض حاشيته وأبو دلامة معهم للصيد ذات يوم  .

جليس: نعم .. وماذا حدث ؟

المتحدث: فلمح أمير المؤمنين المهدي ظبيا  ، فسارع إلى قوسه ونشابه ورمى الظبي فصاده .

جليس : المهدي مشهور بدقته في إصابة الهدف .

المتحدث : ثم رأى مرافقه ابن سليمان طريدة ( وانفجر المتحدث بالضحك وضحك الحاضرون لضحكه )

جليس : هل صادها  ؟

المتحدث : أطلق خلفها كلاب الصيد ،ثم رماها بسهم ( ويستمر بالضحك ) فأصاب أحد كلاب الصيد فقتله بدل الطريدة .

الجميع : يضحكون.. ويضحكون ...

المتحدث : فانبرى  أبو دلامة ووصف المشهدين بشعره

جليس : حلو ... شيء ظريف  وماذا قال ؟

المتحدث: قال أبو دلامة :

رمى المهدي ظبيا فشك بالسهم فؤاده

وابن سليمان رمى كلبا فصاده

فهنيئا لهما كل امرىء يأكل زاده

فضحك المهدي حتى كاد أن يقع من على ظهر الجواد

الجميع : يضحكون...

متحدث آخر : أتذكرون عندما جاء الحرس بأبي دلامة وهو سكران إلى المهدي فأمر بحبسه مع الدجاج حتى يفيق ؟

جليس : نعم.. نعم  ذكرنا بالحادثة

المتحدث : لما أفاق أبو دلامة من سكرته ، ووجد نفسه محبوسا في خم الدجاج ، أرسل إلى المهدي يستعطفه ويعتذر عن فعلته ، فأطلقه المهدي ، وفي اليوم التالي يسأله المهدي : ماذا فعلت ياأبا دلامة لما وجدت نفسك محبوسا مع الدجاج ؟

قال أبو دلامة : كنت أقاقي

الجميع يضحكون : كان يقاقي مثل الدجاج ... كان يقاقي ..

الحاجب بصوت قوي : أمير المؤمنين المهدي رعاه الله

الجميع يقفون صامتين عاقدي أيديهم على صدورهم

المهدي يدخل : السلام عليكم ورحمة الله

الجميع : وعلى أمير المؤمنين السلام

المهدي : اجلسوا تابعوا سمركم ..

أحدهم : كنا نتذاكر فصول (ابو دلامة ) وظرفه يا أمير المؤمنين

المهدي : أبو دلامة ؟ لعله يحضر الآن فإنه لا يتخلف عن مجلسنا إلا لعذريمنعه

ويلتفت المهدي إلى الحاجب ويقول : اسقنا يا غلام .

الحاجب : أمر مولانا أمير المؤمنين

يحضر الشراب ، يوزع على الحاضرين بعد أمير المؤمنين ، يتذوقه الحاضرون ،

أحدهم معلقا : إنه محلى بالعسل .. لاأطيب ولاأزكى ..

آخر يرد: إنه كذلك فهو شراب أمير المؤمنين

الحاجب بأعلى صوته : أبو دلامة بالباب يا أمير المؤمنين

المهدي : دعه فليدخل ، لا يطيب السمر إلا بوجوده

أبو دلامة : السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته

المهدي : وعليك السلام   تفضل

تقدم أبو دلامة من مجلس المهدي

أبو دلامة : لو كان يقعد فوق الشمس من كرم === قوم، لقيل اقعدوا يا آل عباس

             ثم ارتقوا من شعاع الشمس في درج === إلى السماء ، فأنتم أكرم الناس

أجسنت والله يا أبا دلامة ، فما الذي أخرك عنا ؟

( وكان أن ولد لأبي دلامة ابنة ليلا ، فأوقد السراج وجعل يخيط خريطة من شقق  -

_ شبه الصرة _ثم طواها وجاء بها إلى المهدي )

أبودلامة : ولد لي الليلة جارية يا امير المؤمنين

المهدي : مباركة إنشاء الله ، جعلها الله لك مسرة وفرحا ، هل قلت فيها شعرا ؟

ابو دلامة : نعم ، قلت :

فما ولدتك مريم أم عيسى === ولم يكفلك لقمان الحكيم

ولكن قد تضمك أم سوء ===  إلى لباتها وأب لئيم

المهدي يضحك ويقول : فما تريد أن نعينك به في تربيتها

أبو دلامة : تملأ هذه ( ويشيرإليه بالخريطة بين أصابعه ) يا أمير المؤمنين

المهدي : وما عسى أن تحمل هذه ؟

أبو دلامة : من لم يرض بالقليل لم يرض   بالكثير

المهدي : املأوا له هذه الخرقة مالا

( فلما نشرت ملأت عليهم صحن الدارفدخل فيها أربعة آلاف دينار )

أبو دلامة : يحمل المال بسرعة ويذهب إلى بيته 

تسدل الستارة مع موسيقا مناسبة

المشهد الثاني : المهدي في مجلس الحكم

ترفع الستا رة ، اضاءة مناسبة ، المهدي جالسا على السرير ، حوله بعض الوزراء والحاشية ، في مجلس الحكم ، يحيط بهم مجموعة من الحرس .

المهدي للحاجب : ما وراءك يا غلام ؟

الحاجب : رجل من رعيتك يستأذن لأمر هام يا أمير المؤمنين

المهدي : أدخله علي

الرجل : السلام على أمير المؤمنين

المهدي : وعليك السلام ، ما حاجتك ايها الرجل ؟

الرجل: يا أمير المؤمنين إنك طلبت ( فلانا ) وأهدرت دمه ، ورصدت جائزة لمن يلقي عليه القبض !

المهدي: نعم   فعلت   وأمرت

 الرجل : يا أمير المؤمنين أمسكت بالرجل  فاستجار  فأجاره معن بن زائدة فقلت له : طلبة أمير المؤمنين وبغيته  قال : قل لأمير المؤمنين إن الرجل في جوار معن

تغير وجه المهدي ، وقال بحزم :

المهدي : أحضروا لي معنا على الفور ( موسيقا تصويرية معبرة )

الحاجب : معن بن زائدة مع الحراس في الباب يا أمير المؤمنين

المهدي : ادخلوه

معن : السلام على أمير المؤمنين

المهدي بغضب : أتجير علي يا بن زائدة !!؟

معن: يا أمير المؤمنين قضيت عمرا في طاعتكم وخدمتكم ، وقتلت من أجلكم وفي طاعتكم في اليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفا ، أفما تروني أهلا لأن تهبوا لي رجلا واحدا استجار بي ؟

المهدي وقد سري عنه : نعم هو كما ذكرت ، إنه لك يا معن  ، هو لك

معن : ياأمير المؤمنين إن الرجل خائف وفقير فهلا وصلتموه 

المهدي : اعطوه خمسة آلاف درهم

معن : يا أمير المؤمنين إن صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية

المهدي : اجعلوها مائة ألف درهم

معن : الشكر ... الشكر لأمير المؤمنين

يخرج معن مسرعا ليبشر الرجل ، ثم يلحق به المال

الحاجب : بريد خراسان بالباب يا أمير المؤمنين

المهدي: دعه يدخل

رجل البريد : السلام على أمير المؤمنين المهدي

المهدي : وعليك السلام ، ما وراءك يا رجل كيف تركت عاملنا بخراسان 

البريد : تركته _ ايها الأمير _ في شر حال ، طرده أهل خراسان ، ونقضوا بيعتهم

 وأعلنوا تمردهم ، وقد أرسل إليك هذه الرسالة

يناولها للحاجب ويعطيها الحاجب لأمير المؤمنين ، يقرأ المهدي الرسالة ، يقف فجأة وقد ارتسمت على وجهه علامات الغضب

موسيفا فوية معبرة

تسدل الستارة

المشهد الثالث :

الأشخاص : المهدي أمير الؤمنين ،عمه العباس ين محمد ، موسى ولي العهد ، هارون ، الفضل بن العباس ، وعلي ، ومعاوية بن عبدالله ،

من الموالي : الكاتب محمد بن الليث ، سلام صاحب دار المظالم ، الربيع أحد المستشارين .

ترفع الستارة .. المهدي جالس وقد لبس لباس الحرب وحوله الحاشية وخاصة أهل الرأي والمشاورة .

المهدي : تعلمون لما دعوتكم ، إنه لحدث عظيم لم يحدث مثله في دولتنا الفتية ، ولا بد قبل أن أقدم على أي تصرف من الرأي والمشورة والنصيحة لتدارك الأمر ومداواة الفعل ، فقد غّر أهل خراسان حلمنا وسعة عفونا ، فكسروا الخراج ومنعوه ، وطردوا العمال ، وسألوا ما ليس لهم بحق ، وقد بعثت  إليكم أنتم أهل بيتي ولحمتي ووزرائي ، استنصحكم للرعية ، وأقلب وجوه الرأي معكم ، فأنتم أهل نصحي ومشاورتي

العباس بن الفضل : نحن كما عهدتنا يا أمير المؤمنين ولن نخذلك أبدا ما حيينا 

المهدي : على بركة الله نبدأ ، وأرى أن تتعقب يا عماه يا أبا الفضل قولنا ، وتكون حكما بيننا ، وناصحا ومعينا .

أبو الفضل : أمر مولاي أمير المؤمنين

المهدي : وآمر كاتبنا محمد بن الليث أن يحفظ مراجعتنا ومداورتنا ويثبت مقالتنا في كتاب يجعله عنده .

محمد بن الليث : أمر مولانا المهدي

المهدي : فلنبدأ على بركة الله ، ونحب أن نسمع من موالينا اولا ، تكلم يا سلام .

سلام : ايها الأمير إنما نحن عمالك واصحاب دواوينك ، فحسن بنا ، وكثير منا، أن نقوم بثقل ما حملتنا من عملك، واستودعتنا من أمانتك ، وشغلتنا به من إمضاء عدلك ، وإنفاذ حكمك وإظهار حقك ، فلا خبرة لنا بالسياسة ولا تجربة لنا في أمور الحرب وفنونها .

أعلم ذلك يا  سلام ، وأقدره ، ولكن أريد أن تدلو بدلوك في هذا الأمر .

  سلام :  إن لهذه الأمور أيها الأمير أقوام من أهل الحرب ، وساسة الأمور ، وقادة الجنود ، وفرسان الهزاهز ، وإخوان التجارب ، وأبطال الوقائع ... فلو عجمت ما قبلهم ، وكشفت ما عندهم  ، لوجدت نظائر تؤيد أمرك ، وتجارب توافق نظرك ، وأحاديث تقوي قلبك .

المهدي : هذا صواب ، إن في كل قوم حكمة ،ولكل زمان سياسة ، وفي كل حال تدبير يبطل الآخرالأول ، ونحن أعلم بزماننا ، وتدبير سلطاننا .

سلام : نعم أيها الهدي ، أنت متسع الرأي ، وثيق العقدة ، قوي المنة ، بليغ الفطنة ، مؤيد البديهه ، معان بالظفر ، مهدي إلى الخير ..

المهدي : إن المشاورة والمناظرة بابا رحمة ، ومفتاحا بركة ، لا يهلك عليهما رأي  ولا يتفيّل معهما حزم ( لايضعف) فأشيروا برأيكم ، وقولوا  بما يحضركم، فإني وراءكم ، وتوفيق الله من وراء ذلك .

الربيع : أيها المهدي إن تصاريف وجوه الرأي كثيرة ، وإن الإشارة ببعض معاريض القول يسيرة ، ولكن خراسان أرض بعيدة المسافة ، متراخية الشقة ، متفاوتة السبل ، فإذا أحكمت نظرك في أمر ، وقلبت فيه تدبيرك ، فليس وراءه مذهب لحجة طاعن  ولكن إذا أرسلت به الرسل وبعثت به البريد ، فإن الأحداث تتغير ، والمواقف تتقلّب ، قبل أن يصل إليك الجواب ، لبعد المسافة كما ذكرت ، واتساع الرقعة .

المهدي : وبماذا تشيريا ربيع ؟

الربيع: الرأي لك ايها المهدي _ وفقك الله _ أن تعمد إلى الطلب إلى  رجل ذي دين فاضل ، وعقل كامل ، وورع واسع ، ليس موصوفا بهوى في سواك ، ولا متهما في أثرة عليك .. ثم تسند إليه أمورهم ، وتفوض إلية حربهم ، وتأمره بلزوم أمرك ما لزمه الحزم ، وخلاف رأيك إذا خالفه الرأي ، عند استحالة الأمور ، واستدارة الأحوال التي ينقض أمر الغائب عنها ، ويثبت رأي الشاهد لها ، فإنه إذا فعل ذلك فواثب أمرهم من قريب ، وسقط عنه ما يأتي من بعيد ، تمت الحيلة ، وقويت المكيدة ونفذ العمل إن شاء الله .

المهدي : شكرا لك يا ربيع ، لنر ما عند ابن عمنا  الفضل بن العباس .

 الفضل : ايها المهدي إن ولي الأمور ، وسائس الحروب ، ربما نحى جنوده ، وفرق أمواله في غير ما ضيق أمر حزبه ، ولا ضغطة حال اضطرته ، فالرأي لك أيها الأمير _ وفقك الله _ أن تعفي خزائنك من الانفاق  للأموال ، وجنودك من مكابدة الأسفار ، ومقارعة الأخطار ، ( ايضا ) لاتسرع للقوم في الإجابة لما يطلبون ، والإعطاء لما يسألون ، فيفسد عليك أدبهم ، وتجرىء من رعيتك غيرهم ، ولكن أغزهم بالحيلة ، وقاتلهم بالمكيدة ، وأبرق لهم بالقول ، وأرعد نحوهم بالفعل ،

المهدي : ثم ماذا ؟

الفضل : ثم ادسس إليهم الرسل ، وابثث الكتب ، وضع بعضهم على طمع من وعدك ، وبعضا على خوف من وعيدك ... فإن مرام الظفربالغيلة ، والقتال  بالحيلة أنفذ من القتال بظبّات السيوف وأسنة الرماح ..

 المهدي : إننا نستمع إليك ، ونفتح قلوبنا وعقولنا    لما لديك ، فهل عندك من مزيد      الفضل : ايها المهدي إن الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحيل ، ويفرق كلمة عدوه بالمكايدة ، أحكم عملا ، وألطف نظرا ، وأحسن سياسة من الذي لا ينال ذلك إلا بالقتال ، وإرهاق الجند ، وإتلاف الأموال .

المهدي : هذا رأي قد أسفر نوره ، وبرق ضوءه وتمثل صوابه للعيون وتجسد حقه في القلوب ، ولكن فوق كل ذي علم عليم

ثم نظر إلى ابنه علي : فقال : ما تقول يا علي ؟

علي : ايها المهدي إن أهل خراسان لم يخلعوا من طاعتك يدا ، ولم ينصبوا من دونك أحدا يكدح في تغيير ملكك .. فإنهم لا يزالون قوما من رعيتك ، الذين جعلك الله عليهم واليا ، وجعل العدل بينك وبينهم حاكما .

المهدي : فما الرأي فيهم على ما ذكرت من ولائهم وعدم عدائهم ؟

علي : ايها المهدي لقد طلبوا حقا ، وسألوا إنصافا ، فإن أجبت دعوتهم ، ونفست عنهم ، فقد أطعت أمر الرب ، وأطفأت نائرة الحرب ، ووفرت الأموال ، وحمل الناس عملك هذا على طبيعة جودك ، وسجية حلمك ، فأمنت أن تنسب إلى ضعفة ، وأن يكون ذلك لهم  فيما بقي دربة .

 وإن منعتهم ما طلبوا ، ولم تجبهم إلى ما سألوا ، فقد جعلتهم لك ندا ، ووقفت معهم موقف الخصم أمام الخصم ، فما الفائدة من ذلك وهم لا زالوا طائفة من الرعية ، مقرين بمملكتك ، مذعنين لطاعتك  !

المهدي : هذا رأي سديد مستقيم في أهل الخراج الذين شكوا ظلم عمالنا ، وتحامل ولاتنا ، أما الجنود الذين نقضوا مواثيق العهود ، وأنطقوا لسان الإرجاف ، وفتحوا باب المعصية ، أفلا ينبغي أن أجعلهم نكالا لغيرهم ، وعظة لسواهم ؟

علي : فليعلم المهدي وفقه الله أنه لو أتى بهم مغلولين في الحديد ، مقرنين بالأصفاد ، ثم اتسع لحقن دمائهم عفوه ، ولإقالة عثرتهم صفحه ، واستبقاهم لما هم فيه من حربه ، لما كان بدعا من رأيه ، ولا مستنكرا من نظره ، لقد علمت العرب أنه أعظم الخلفاء والملوك عفوا ، وأصدقها صولة ، لا يتعاظمه عفو ، ولا يتكاءده صفح ، وإن عظم الذنب وجل الخطب .

المهدي : إن لك لعقلا ، ورأيا راجحا بارك الله فيك ، فبماذا تختم ؟

علي : الرأي للمهدي وفقه الله أن يحل عقدة الغيظ بالرجاء لحسن ثواب الله في العفو عنهم

المهدي : أما علي فقد نوى الليان ، وفض القلوب عن أهل خراسان ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون

( ثم يلتفت إلى ابنه موسى ولي العهد ويقول : ما ترى يا أبا محمد ؟

موسى : أيها الأمير لا تسكن إلى حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم ، وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم (يقصد أهل خراسان ) والحال من القوم تنادي بمضمرة شر ، وخفية حقد ، قد جعلوا المعاذير عليها سترا ، واتخذوا العلل من دونها حجابا، ,ذلك كسبا للوقت وإطالة للأيام ، حتى يقوى أمرهم ، وتتلاحق مادتهم ،وتستفحل حربهم .

المهدي : ما العمل يا موسى ، وكيف نعالج أمرهم ؟

موسى: فليشدد المهدي أُزُره لهم ، ويكتّّب كتائبه نحوهم، وليضع الأمر على أشد ما يحضره فيهم .. حتى تطأهم الجيوش ، وتأخذهم السيوف ، فإن فعل المهدي فيهم ذلك ، كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم ، وهزيمة لكل بادرة شر منهم .

المهدي : قد قال القوم ( مخاطبا عمه أبو الفضل ) لم يبق إلا أن نسمع مقالتك يا عماه بعد أن سمعت ووعيت .

أبو الفضل العباس : ايها المهدي وفقك الله وسدد رأيك ، فأما الموالي فأخذوا بفروع الرأي ، وسلكوا جنبات الصواب ، وتعدوا أمورا قصر بنظرهم عنها أنه لم تأت تجاربهم عليها .

وأما الفضل فقد أشار بالأموال ألا تنفق ، والجنود ألا تفرق ، وأن يتم غزوهم بالحيلة والمكيدة ، وأن لا يعطوا ما طلبوا استصغارا لشأنهم واستهانة بحربهم،  أقول:

 إنما _ ايها المهدي _ يهيج جسيمات الأمور صغارها

وأما علي فأشار باللين وإفراط الرفق . وإذا جرد الوالي لمن غمط أمره ، وسفه حقه ، اللين محضا والخير بحتا ، لم يخطهما بشدة تعطف القلوب على لينه ، ولا بشر يحيشهم ( يجعلهم يفزعون) إلى خيره ، فقد مّلكهم الخلع لعُذُرهم(العُذُر:اللحام الذي يكون على خد الفرس ) ،ووسع لهم الفرجة لثني أعناقهم ، فإن أجابوا دعوته ،وقبلوا لينه من دون ما خوف اضطرهم ولا شدة حال أخرجتهم ، لم يزل ذلك يهيج عزة في نفوسهم ، ونزوة في رؤوسهم ، يصرفون بها رأي المهدي فيهم .

المهدي : وإن لم يقبلوا الدعوة ويسرعوا إلى الإجاية باللين ؟

العباس بن محمد : وإن لم يقبلوا دعوة المهدي ، وسرعوا لإجابته باللن المحض والخير الصراح فذلك ما عليه الظن بهم ، والرأي فيهم وما قد يشبه أن يكون من مثلهم ، _ أقول _ إن الله تعالى خلق الجنة وجعل فيها من النعيم المقيم ، والملك الكبير ما لا يخطر على قلب بشر ، ولا تدركه الفكر ، ولا تعلمه نفس . ثم دعا الناس إليها ورغبهم فيها ، فلولا أن خلق لهم نارا جعلها لهم رحمة يسوقهم بها إلى الجنة لما أجابوا ولا قبلوا .

المهدي: يخاطب ابنه هارون : لم نسمع منك بعد يا هارون .

هارون : خُلطت الشدة أيها المهدي باللين فصارت الشدة أمرّ فطام لما تكره ، وعاد اللين أهدى قائد إلى ما تحب ، ومع ذلك أرى أن الحرب خدعة ، والأعاجم قوم مَكََََرَه  ينبغي الحذر منهم ، والطبيب الحاذق ، الرفيق بطبه ، البصير بأمره : العالم بمقدم يده ، وموضع ميسمه ، لا يتعجل الدواء قبل أن يقع على معرفة الداء .

المهدي لقد كفيتم وشفيتم ، وكنتم من الناصحين ، شكر الله سعيكم ، وسوف نرى رأينا بالأمر ثم نطلعكم عليه إنشاء الله ، وعلى الله قصد السبيل .

تسدل الستارة مع مايناسب من موسيقا تصويرية .