بنو علمان

محمد علي البدوي

المنظر: مكتب صحيفة التنوير, ثلاثة مكاتب لثلاثة صحافيين. الغرفة تبدو مرتبة وأنيقة وقد انتضدت فيها الملفات وأجهزة الهاتف وقصاصات الصحف. وتبرز لوحة كبيرة مثبتة على جدار الغرفة مكتوب عليها ( الدين لله والوطن للجميع ).

المشهد: يدخل ثلاثة صحافيين, يبدو الأول مغضباً جداً وهو يقلب الصحيفة, بينما يعمد الثاني إلى مكتبه ويبدو الثالث منهمكاً في عمله.

الأول: ( في غضب ظاهر ) آه .. أكاد أجن .. أكاد أصعق.

الثاني: لماذا يا عزيزي؟

الأول: هؤلاء الظلاميون... الرجعيون.

الثاني: المتطرفون.. الأصولين.. ماذا فعلوا بك؟.

الأول: لقد أهانوني.. وجهوا لي صفعة شديدة.

الثاني: كيف؟؟... دعني أرى ( يتفحص وجه صديقه جيداً).. إني لا أرى شيئاً.

الأول: ( يزيح يده في عنف ) آووه .. كف عن هذا أيها الأبله. خذ اقرأ (يناوله الصحيفة).

 الثاني: (يحدق في الصحيفة) أين ؟ لا أرى شيئاً... أووه.. هنا.. هاهاها (يضحك).

الأول: أو تضحك أيضاً؟!

الثاني: يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم.. أنت نملة.. هاهاها (يضحك).

الأول: لقد كان رداً موجعاً على مقالتي بالأمس.

الثاني: موجعاً جداً.

الأول: ولكني لن أتراجع.. سأظل ثابتاً.. وسأقاوم حتى الموت.. سنحرر المرأة وسيظل الدين قابعاً في المسجد.. وسنتحرر من كل القيود.. كل القيود.

الثالث: (يلقي بالأوراق جانباً ويأخذ بالمشاركة في الحديث) إيماننا بقضيتنا أول عوامل النصر.

الأول: لكن لابد أن يصمت هؤلاء المتطرفون...وإلى الأبد.. لابد أن تنتقل صحيفتهم "العودة" إلى الدار الآخرة.. نعم.. لابد.

الثاني: صدقت.. سنوات ونحن نعمل ونعمل ... وكاننا نحرث في البحر.

( يرن الهاتف فيتناوله الأول).

الأول: نعم.

صوت: صحيفة التدمير.

الأول: التنوير.. ياسيدي.

صوت: بل صحيفة التدمير.

الأول: عفواً.. لقد أخطأت العنوان.. يا سيد..

صوت: أين الخفاش الكبير؟

الأول: لعلك تقصد رئيس التحرير.

صوت: بل أقصدكم أنتم يا عصابة السوء.. يا خفافيش الليل.. ماذا تريدون لنا؟ التبعية والانهزامية.. أن نقتات فتات الأعداء.. تروجون للجريمة.. وتحاربون الفضيلة وتريدون للمرأة الخروج على الدين والتقاليد.. وتزعمون الإصلاح..!!

(يغلق السماعة في عنف).

الأول: (مغضباً) آووه.. سأجن.. سألقي بنفسي من هذه النافذة.. لا.. لا.. بل من هذه النافذة (يظل يدور في مكانه).

الثاني: اهدأ يا عزيزي.. المتطرفون مرة أخرى.

 الأول: ومن غيرهم؟.. إنهم يغيظونني.. يفقدونني صوابي.. لقد فعلنا كل شيء.. سخرنا منهم.. سخرنا كل وسيلة لحربهم, لكننا دائماً ما نواحه بجدار صلب.. صلب جداً.

الثالث: لا بأس.. قطرات الماء ستفعل فعلها.. فقط دعونا نعمل.. وفي صمت.

الأول : أووه.. لقد ضقت ذرعاً.. حتى الروايات القديمة الهالكة أخرجناها من قبورها ونفخنا فيها الروح.. ولكن لا فائدة.. وكأنما هؤلاء القوم يملكون قلوب الناس.

 الثالث: لا يكفي أن تجري بل لابد أن تصل.

الثاني: وماذا تقصد يا حكيم الزمان؟

الثالث: لابد أن نصرح بأهدافنا.. أن نحققها بأيدينا.. أن نبدأ المواجهة.. لقد ملكنا كل شيء؛ الإعلام.. المناصب ماذا ينقصنا؟

الأول: وهل تعتقد أننا في انتظار الضوء الأخضر منك أيها الأبلة؛ لقد كتبنا وصرحنا واستأجرنا الغواني للخروج في مظاهرات تطالب بالخروج والمساواة مع الرجل.

الثاني: ومتى فعلتم ذلك؟

الأول: اليوم.

الثالث: فما المشكلة إذن؟

الأول: لقد انقلب السحر على الساحر وطالب الناس برؤوسنا.. عشرات الاتصالات تستنكر فعلنا, خسائر متلاحقة في توزيع صحيفتنا.... وكل ما أخشاه .....

الثاني: نعم!

الأول: كل ما أخشاه.

الجميع : نعم .. نعم.

الأول: أن يصل غضب الناس إلينا.

(هدير صاخب وصيحات غاضبة تملأ المسرح).

الثالث (في ذعر): ماهذا؟ ما الذي يحدث هنا؟

الأول: لقد وقع المحذور!!

الثالث (للثاني): اذهب واستطلع الأمر.

الثاني: هه.. لا. لا.. اذهب أنت.

الثالث: أنت نائب رئيس التحرير.

الثاني: وأنت حكيمنا والمنظّر لنا.

الأول: أووه.. جبناء.. سأذهب أنا. (يخرج).

 (احتضن الثالث الثاني في خوف, أصوات متداخلة, صرخة مدوية, يدخل الأول وملابسه غير مرتبة).

الثالث: ما هذا؟ ما الذي حل بك؟

 الأول: (يرتب هندامه) الناس.. لقد حشد المتطرفون الناس ضدنا, الجماهير الغاضبة تزحف على الصحيفة من كل مكان.

الثالث: الأمن لابد من تدخل الأمن لحمايتنا.

 الثاني: سأتصل به فوراً. (يمسك بالهاتف).

الأول (يشير عليه بالتوقف): رئيس التحرير في الطريق الينا مع مكافحة قوات الشغب.. لقد هاتفني الآن.

(يدخل رئيس التحرير فيتحلق حوله الجميع).

الجميع: سيدي...

رئيس التحرير: لابأس أيها الرفاق لقد علمت بكل شيء.

الجميع : والعمل ياسيدي.

رئيس التحرير: سنحني رؤوسنا للعاصفة حتى تمر بسلام ثم نعاود الظهور من جديد.

(يصفق له الجميع تصفيقاً حاداً يملأ المكان).

ستــــارة