أسد التلمود

يحيى بشير حاج يحيى

أسد التلمود

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

( مسرحية من فصل واحد ، في مشهدين )

غرفة قيادة عسكرية يتصدرها ضابط صهيوني يمسك بمفتاح التلفاز بحركة عصبية ، يقف عند قناة يتعالى منها الهتاف : الشعب يريد إسقاط النظام

حرية للأبد رغم أنفك يا أسد

سيدنا محمد قائدنا للأبد

تتغير ملامح وجهه و يخاطب نفسه : هذا الذي حَذّرْنا منه ؟!

يقف وبيده المفتاح ، يضرب به على يد الأخرى ، يردد ببطء : إسقاط النظام ... حرية للأبد .. مقبول

( يرفع صوته بعصبية) أما سيدنا محمد قائدنا للأبد .. غير مقبول !! غير مقبول !!

(بقرف) رئيس .. مجنون إنه بتحديه للإسلام يقتل نفسه ، و يقتلنا معه

(يعود للجلوس في تململ .. يمسك بالهاتف ) : عزيزي إلياهو إذا كنت غير مشغول فأنا بانتظارك

(يعود فيرفع صوت التلفاز ، و حيثما قلب في القنوات تنطلق أصوات الاحتجاج : ساقط .. ساقط يا بشار

يسقط بشار و يسقط حزب البعثية

يدخل زميله الضابط (إلياهو) لا يهتم به كثيرا و هو يتابع المشهد ، يشير إليه بيده أن يجلس ، ثم يلتفت إليه ، و إلى التلفاز ، يهز رأسه ، يوجه كلامه لزميله : هذا ما كنا نخشى منه ، لقد انبعثت روح التضحية ، و مشاعر الجهاد في الشعب السوري ...

(يتابع بغضب ) رئيس مغفل لا يدري ما يفعل ؟!

(يحدق في إلياهو) : أجبني بصدق

إلياهو : أصدقك .. يا عزيزي .. و لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بسلامة الدولة

حاييم : ما رأيك في الشعب السوري ؟!

إلياهو  يخفض صوته ، و كأنه يخشى أن يسمعه أحد : شعب شجاع !!

حاييم  (يضرب بيده على المنضدة ) و يصرخ : و هنا المصيبة !

(يطلب المزيد من إلياهو ) : و أيضا

إلياهو : و صابر (يخفض صوته ) و هو محق فيما يفعل ؟

حاييم : (يلتفت إليه بتعجب ) كيف !

إلياهو (يعدل من جلسته ): لو كانت حكومتنا تفعل بنا كما يفعل البعثيون بالشعب السوري ، هل كان يسكت عليها أحد منا ؟!

حاييم (بعصبية ) : لا ... لا يسكت

إلياهو ( يتعمد البطء و اللهجة الواعظة ) : يبقى أنهم بشر - يا حاييم - فالمشاعر الإنسانية قد تتبلد أحيانا كثيرة ، و لكن بعض المشاهد و المواقف تعيد إليها صدقها ..

حاييم : و لكنهم أعداء ؟ّ!

إلياهو : لم يقل أحد منا أنهم أصدقاء أو سيكونون في يوم من الأيام أصدقاء لنا ، و لكنهم يبقون - على كل حال - بشرا مثلنا!

حاييم (بسخرية) : أصبحت - يا إلياهو - عاطفيا أكثر من المطلوب ؟! ألست أنت الذي قاد عمليات سحق الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية ؟!

إلياهو ( مدافعا عن نفسه ) : بلى ! و لكننا نحن و الفلسطينيون شعبان مختلفان دينا ، و لسانا ، و أصلا .. و لكن الشعب السوري و نظامه

حاييم (يقاطعه ، و لا يتركه يكمل ): و كذلك الشعب السوري و نظامه الحالي مختلفان (يحدق النظر في إلياهو ) إن من يقرأ التاريخ المعاصر و المتأخر نسبيا يدرك ذلك .. إن من أكبر المغالطات أن نعدهما شيئا واحدا !!

إلياهو : و لكن ... ( و هو في حالة تعجب )

حاييم (يستأنف) : أجبني من واقعنا الذي نعيشه ، مَنِ الذي سلم لنا هضبة الجولان ؟

و من الذي هادننا أربعين عاما لننعم بالراحة و الهدوء و البناء!

من ... (يقف عن الكلام قليلا ) و بلهجة تقريرية :

الشعب السوري أم رئيس النظام الراحل ، و ابنه من بعده ؟!

إلياهو (يصمت)

حاييم (ينظر إلى الساعة): أنا على موعد مع راشيل لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في سفح جبل الشيخ هل ترافقنا ؟

إلياهو : شكرا لك (يضحك) بل شكرا لكما ، فأنا سأكون في الخدمة هذا الأسبوع

(يهمان بالخروج)

تغلق الستارة

المشهد الثاني :

غرفة حاييم نفسها لم يتغير فيها شيء، يدخل و ينظر إلى صورة بن غوريون المعلقة ، يؤدي له التحية العسكرية يناجي الصورة :أحبك .. أحبك  - يا قائدي - لأنك كنت تحبنا .. فقد بنيت الدولة ، و حافظت على شعبك !

(يجلس ) و قد بدت عليه علامات السرور و النشاط يتحدث بصوت مسموع ، بعد أن يخلع القبعة : كانت بحق عطلة ممتعة . ما أجمل جبل الشيخ ، لم أر في حياتي جوا مثل جوه !(يعلو صوته ) و لا ثمارا كثماره التي تسقي بماء ثلوحه ..

(بجدية و اعتزاز): كان علينا أن نحتل هذا القسم من الجبل لنري الآخرين كيف يكون الاستثمار الحقيقي !!

(يرفع صوته ) : بل الاستعمار الذي يحيي الأرض المهملة و يعمرها بالمستعمرات

(يرفع يد الهاتف) : آلو عزيزي إلياهو ، طبت صباحا ، كانت جلستنا السابقة ممتعة على ما فيها و ستكون أكثر متعة فيما لو جئتني .. أنا في غاية السعادة أنتظرك (يضع سماعة الهاتف) و يمسك بمفتاح التلفاز 

 ( أصوات تعلو .. صوت مدفعية و قذائف ، ترتفع أكثر.. أناس يكبرون .. مقاطع من مجابهة المظاهرات بالرصاص الحي

يدخل إلياهو ، يلتفت إليه حاييم باستنكار :

ويحتجون علينا ، لأننا استعملنا الرصاص المطاطي (بهزء)

كان علينا أن نستعمل قطع السكر .. انظر .. انظر ، آلاف المتظاهرين و ليس بيدهم عصا أو حجر؟!

إلياهو (بلا مبالاة ) كنت أتابع ذلك قبل مجيئي إليك

حاييم ( وقد بدا عليه الانشراح ) ينظر إلى إلياهو

إلياهو : أراك سعيدا اليوم أكثر مما كنت أتوقع !

حاييم : بالطبع ! يجب أن أكون سعيدا

إلياهو : أهكذا تفعل عطلة نهاية الأسبوع ، يبدو أن هناك شيئا ما ؟!

حاييم (بتعال) أشياء و أشياء !!

إلياهو (بتعجب و استعجال) أتتك مكافأة من القيادة؟

حاييم : أهمُّ .. أهم بكثير ؟!

إلياهو : أجاءك مولود ؟

حاييم (يبتسم إلى حد الضحك) كيف ؟ و أنا غير متزوج ؟!

إلياهويغير جلسته و يقترب و كأنه عرف السبب : إذا قضيت وقتا ممتعا مع المجندة الجديدة راشيل في سفوح جبل الشيخ ؟!

حاييم (بتعال و غرور) :حدث هذا ، و لكن الذي أسعدني شيء أهم !

إلياهو يرفع قبعته و يحك رأسه بأظافره ، يقلب شفتيه يخاطب نفسه دون أن يلتفت لزميله : على كل حال .. فالسعادة

أفضل من الحزن

حاييم : ألم يلفت نظرك ما تنقله الفضائيات عن انتشار الجيش السوري بأسلحته الثقيلة في المدن و القرى ، و قصف المدنيين؟!

إلياهو : بلى !

حاييم : هذا هو الذي سرني ! إن الأسلحة التي اشتراها السوريون بزعمهم لقتالنا يقتلون بها !

و الجيش الذي أعدوه لمحاربتنا يحاربهم ؟! و النظام الذي يرفع شعارات التحرير و الممانعة يحرقهم و يذيقهم الأمرين ؟

إلياهو (بلا مبالاة ) : و مع ذلك فإن عددا من الجيوش في العالم قد تفعل ذلك

حاييم (محتجا): أبدا؟! لا تخطئ يا إلياهو فإن أقسى جيوش العالم لم تصل إلى هذا الحد

(يهدأ قليلا ) : تصور - يا عزيزي - لو أن جزءا من هذا السلاح ضربت به مستعمراتنا ماذا كان سيحصل لمواطنينا الأعزاء ؟ و إلى أي حد سيكون الاستنفار في عموم الدولة ..

إلياهو ( في حيرة و ارتباك) : هذا أمر لا يعنينا كثيرا ، طالما أن حدودنا آمنة و الهدنة تجدد بشكل روتيني !

حاييم : و ستبقى آمنة طالما بقي هذا النظام

إلياهو : و لكنه قد يزول ، و يعود الجيش السوري إلى الحدود و تصبح الجولان منطقة ملتهبة

حاييم (بتراخ) : لا تهتم لذلك كثيرا ، فدوائرنا في الغرب و الشرق تدعم النظام و تدافع عنه ( يعلو صوته )

و حتى لو سقط فهو لن يسقط إلا بعد أن يضعف الجيش ، ويبدد الأسلحة ، و ينهك الشعب (بتباطؤ) و من يأتي بعده فسيجد بلدا منهكا و جيشا مبعثرا يحتاج إلى عشرين عاما حتى يبني نفسه ، فنكون قد أضفنا عشرين عاما إلى الأربعين التي عشناها في ظل الهدنة - و تحققت كثير من نبوءات التلمود

(بجدية أكثر ) قل لي يا إلياهو ألا يستحق هذا الأسد الذي يدمر سورية جيشا و شعبا أن يسمى أسد التلمود ، كما كان هيلاسيلاسي الذي دمر المسلمين في الحبشة يسمى أسد يهوذا

حاييم (يمد يد مصافحا)

إلياهو : بلى ! يستحق ، و لكن أخشى أن تكون نهايته كنهاية الذين سبقوه ممن خدمونا طويلا

حاييم : فلتكن .. لنبقى نحن و ليذهبوا إلى الجحيم

تـــــــغــــــلق الســــــــتــــــــــــــارة