الحلقة الضيقة

حيدر الحدراوي

انقسمت خشبة المسرح الى شطرين , الشطر الايمن , علقت عليه لافتة , كتب عليها ( الحكومة ) , واستقر تحتها كرسي فخم , يمثل مكان جلوس الرئيس , وامتدت عدة كراسي علي يمين ويسار الكرسي الفخم , تمثل اماكن جلوس السادة المسئولين .

اما الشطر الثاني ( الايسر ), فقد علقت لافتة كتب عليها ( الشعب ) , وامتدت عدة صفوف من الكراسي , يفصل بين الشطرين اطار سيارة , يتدلى من على حبل احمر .

يدخل الرئيس من جانب خشبة المسرح اليمنى , يرافقه شخص طويل , كأنه حارس شخصي او مساعد , يتوجه الرئيس نحو الكرسي الفخم , يقف امامه , يحدق فيه , ثم يدير ظهره للكرسي وينطلق للامام , ثم يعود الى الكرسي , وهكذا يستمر عدة لحظات , وكأن هناك شيئا يؤرقه , ثم وقف فجأة , نظر الى مساعده , وقال :

-         اطلب من كافة المسئولين الحضور ! .

-         حاضر سيدي . 

تمر عدة ساعات , فيبدأ توافد المسئولين , يجلس كل واحد منهم على كرسيه , وبعد ان اكتمل العدد , قطع الرئيس الصمت :

-         هناك شيء يؤرقني ! .

-         خيرا لا سامح الله ! .

-         فلم استطع ان اتناول وجبة العشاء .

-         شاورنا في الامر , لعلنا نشر عليك بما فيه خير .

-         كما تعلمون , لقد جلسنا على هذه الكراسي , والشعب يتطلع ويترقب ان نخدمه , لكن وصلتني معلومات تؤكد ان الشعب غير راض عن ادائنا .

-         لكنكم طوال الفترة التي مرت , كنتم تبذلون قصارى جهودكم  .

-         لكننا لم نحقق ما يطمح اليه الشعب , ولو بمقدار قليل , فكل يوم يمر , يزداد الشعب بغضا ومقتا وغضبا علينا .

-         اننا نقوم بواجبنا , ولقد حقننا بعض الانجازات الجيدة , مما يفتح لنا بوابة المستقبل .

-         لكن الشعب يريد المزيد , ولم يقتنع او يصل حد الرضا عنا وعن جهودنا , لذا ارى انه يجب ان نتحدث الى الشعب بصورة مباشرة , كي نوضح الامور .

-         لا باس بذلك ! .

التفت الرئيس نحو مساعده وقال له :

-         اجلبوا لي ممثلين عن كافة شرائح الشعب وطبقاته , الشيوخ والاطفال النساء والرجال , الارامل والايتام , الفقراء والاغنياء , الجميع ... الجميع ! .

-         حاضر سيدي ! . 

تمر اللحظات , حتى يدخل جمع من الناس , من جهة الخشبة اليسرى , اطفال وشيوخ , رجال ونساء , كل واحد منهم يمثل طبقة معينة , وبجعبته طلب معين , كل قد كتب طلبه على ورقة , يحملها على صدره ( وظائف – امان – رعاية – كهرباء .... الخ ) .

بعد ان جلس كل في مكانه , نهض الرئيس من كرسيه الفخم , نظر نحو ممثلي الشعب وابتسم لهم ابتسامة خفيفة , ثم سار ببطيء نحو اطار السيارة , نظر بداخله , كأنه يتفحصه , فلعل فيه قنبلة , او ربما فيه لفة فلافل ! , فقد كان الرئيس جائع .

ادخل الرئيس راسه في فتحة الاطار , كانه يريد ان يلقي خطابا ما , وتوجه نحو الشعب وقال :

-         اعرف ان لديكم الكثير من الطلبات , التي خيبنا املكم في تحقيقها , لكنكم لا تعلمون بمدى ما بذلنا من الجهود , من اجل الايفاء بوعودنا لكم , لذا جمعتكم في هذا المكان كي اشرح لكم , في حوار مفتوح , من غير حجاب او حاجز ......

انطلق الرئيس يشرح ويتكلم عما يذله من جهوده الجبارة , فلم يبدو على ممثلي الشعب الرضا عن كلامه , حتى نهض شاب من كرسيه , وتقدم نحو الرئيس , وحشر رأسه في الاطار مع الرئيس , حتى اصبح بالكاد يستنشقا الهواء , وقال بصوت متقطع الانفاس :

-         سيدي ! .... مشكلتكم انكم تحكمون من خلال حلقة ضيقة !! .

انتهى العرض , واسدل الستار .