رجال المهمات القذرة

يحيى بشير حاج يحيى

رجال المهمات القذرة

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

مسرحية في مشهد واحد

غرفة تحقيق فيها ضابط برتبة نقيب ، خلفه صورة للطاغية و ابنه ) و لوحة كتب فيها : ( ليس بريئا من يعتدي على الرئيس الرمز و الحزب القائد )

النقيب (يتكلم الهاتف ) حاضر سيدي - كما تحب !

لا ، لن نتهاون ... هذا غير صحيح .. كل عناصرنا من النوع الذي تعرف ..

(يبتسم) لا يوجد عندنا مكان لسجن النساء فاضطررنا بعد الاغتصاب إلى التصفية ..

احترامي سيدي ... احترامي

( يضع سماعة الهاتف) و يخاطب نفسه ( بافتخار ) :

نفعل كل شيء ، وجودنا في الحكم و مكتسباتنا أهم من حياتهم.

( يمسك بالهاتف مرة أخرى : مساعد حيدر ، أنا في الغرفة لا تتأخر

( يدخل بعد قليل رجل بدين يؤدي التحية ، يأمره النقيب بالجلوس )

المساعد : خير سيدي شغلت بالي ( بلهفة و تصنع )

( النقيب يتصفح بعض الأوراق ، يقطب حاجبيه  ينظر إلى المساعد ، المساعد يشاركه في الصمت و هو ينظر إليه

النقيب :هل عندنا أحد من العناصر من غير منطقتنا ( يضيف ) يعني يمكن أن يتعاطف مع الموقوفين !!

المساعد : عندنا ثلاثة عناصر فقط ! اثنان من درعا و واحد من إدلب ! وضعناهم في الحراسة الخارجية

النقيب : حسنا فعلت ! و مع ذلك تخلص منهم بأي وسيلة .. نقل.. قتل .. سجن .. بأي طريقة

المساعد : و لكنهم يا سيدي لا يطّـلعون على التحقيق  ، و لا يحضرون إلى غرفة التأديب

النقيب : ( بحدة) و مع ذلك ... فإن سيادة العميد منزعج من الأخبار التي تصل إلى وسائل الإعلام المعادية لنا ، بما يحصل لدينا في الفروع

المساعد : عجيب ؟!

النقيب : لا عجيب و لا غريب .. تدبـَّـر أمرهم ، و لا تنس أنهم يمكن أن ينشقوا أو يسببوا لنا مصيبة ؟!

المساعد ( يهز رأسه ) : كما ترون سيدي ( يهم بالقيام ثم يقف و يعود ليقول : سيدي ! لدينا أربعة من الشبيحة من غير منطقتنا ، انتهى تدريبهم و نريد أن نبثهم بين المتظاهرين في الأسواق و المساجد و المدارس

النقيب ( بعصبية ) : متأكد من ولائهم لنا ؟!

المساعد : ( يبتسم ، و يتكلم بهدوء مطمئنا النقيب : لم نجد أوسخ منهم بين المتقدمين ، و هم مستعدون أن يفعلوا كل شيء و ينفذوا أية مهمة !!

( يضيف ) فيهم واحد أرسله الرائد عزيز لأنه قرف منه !

النقيب ( بتعجب ) قرف منه ، و هل هو يعمل في مطبخه ؟

المساعد : لا يا سيدي .. و لكنه مستعد للاعتداء الجنسي حتى على الحيوانات !

النقيب : ألهذا الحد ؟

المساعد ( بتباطؤ) بل إنه على استعداد أن يفعل أكثر من ذلك

النقيب : و البقية ؟

المساعد : واحد كان تاجراً استدان من البنك و هرب و الثاني مهرب مخدرات ، و الثالث يقول إنه كان يعمل في الأوقاف

النقيب : و هذا المقرف الذي بعث به الرائد عزيز

المساعد : قوّاد ، كان حارساً شخصياً لإحداهن ، و لكنهم طردوه

النقيب ( بتعجب) : طردوه ؟

المساعد : طردوه نعم ، هكذا يقول لأنه حاول أن يعتدي على إحدى الراقصات و يسرق محفظتها

النقيب ( بتهكم و سخرية ) : إذا كان كل من يعتدي على واحدة يطرد من العمل ، فعلينا أن نسرح خمسين بالمئة من عناصرنا!!

المساعد ( يضحك )

النقيب : أحضرهم إلـيَّ

( يخرج المساعد و يعود معه أربعة  و هو يمشي أمامهم )

المساعد : احترامي سيدي

الأول : ( يحاول بتذلل أن يصافح النقيب )

النقيب ( جالس على كرسيه ينظر إليه ) : ابقَ مكانك لا داعي للمصافحة

الشبيح الأول ( بابتسامة صفراء ، يطأطئ رأسه و هو أقرب إلى الركوع )

النقيب ( يغيـّـر من جلسته ، متصنعا منتهى الجد ، يستعرضهم ببصره ، ثم يلتفت إلى المساعد : أحسنت الاختيار يا مساعد حيدر !

المساعد ( يبتسم راضياً ) نحن تلاميذكم سيدي

النقيب ( يشير إلى الأول ) ماذا كنت تعمل قبل الالتحاق بنا ؟

الأول : كنت - يا سيدي - موظف أوقاف

النقيب ( يقوّس حاجبيه ) إذاً تصلح لأن تكون خطيباً في مسجد!

الأول : جربت ذلك ، و أظن أنني نجحت

النقيب ( ساخراً ) و لكنك تحتاج إلى لحية أطول

المساعد ( يبتسم ) : و معه - يا سيدي - عدة الشغل

النقيب ( يتجاهله ، و ينظر إلى الثاني ) و أنت ماذا كنت تعمل؟

الثاني ( بتزلف و استخزاء ) : كنت تاجراً - يا سيدي

النقيب : و خسرت ؟ ( مستفهما و منكراً)

الثاني : (يهز رأسه )

النقيب : و تحب أن تعوّض خسارتك ؟

الثاني : من خيركم و خير القائد - سيدي

النقيب : ممتاز ! المطلوب منك أن تخذّل التجار ، و تخوفهم ، و تمنعهم من التظاهر ، أو مساعدة أي واحد

الثاني : ( يهز رأسه موافقا )

النقيب : و تنقل لنا ما يدور في السوق و ما يتحدث به التجار

الثاني : بكل أمانة - يا سيدي

النقيب ( مبتسما و ساخراً) اُترك الأمانة جانباً ، نحن نريد الدقة و المتابعة

الثاني : كما تحبون و تريدون

النقيب ( يلتفت إلى الثالث ، و قبل أن يسأله )

الثالث : متهم بتهريب المخدرات و سجين سابق

النقيب : أظن أنك كنت بريئاً ( بلهجة ساخرة ) ؟

الثالث ( بسرعة ) : ما أكثرَ الذين في السجون و هم أبرياء!

النقيب ( يتغير لونه ، و يبدو عليه الانزعاج

المساعد ( يستدرك الموقف ) ما عندنا أحد بريء ، مَـن يدخل السجن فهو متهم ( يبلع ريقه محرجاً ) و يلتفت إلى الثالث ، صحيح أم غلط ؟

الثالث ( أدرك أنه أغاظ النقيب بكلامه ) صحيح ( و يضيف) لا يوجد أحد عندنا مظلوم

النقيب ( ينظر إلى الرابع ) و أنت ماذا كنت تعمل ؟

الرابع : حارس - يا سيدي

النقيب ( يضيف إلى كلامه ) في ملهى ليلي

الرابع : بالضبط سيدي

النقيب ( ساخراً) الأمن عندنا مستتب ، وليس هناك حاجة إلى حراسة ؟!

الرابع : الأمر لا يخلو من وجود أبناء حرام

النقيب ( ساخراً) : ويمكن أن يكون أولاد الحرام كما يقول المثل : حاميها حراميها

الرابع ( يطأطئ رأسه ) يمكن - سيدي - و الدنيا لا تخلو

النقيب ( يوجه كلامه إليهم ) لا يهمنا ماذا كنتم تعملون و لكن المهم منذ اليوم أن تقوموا بما نطلبه منكم و كل عمل له حساب ! هل أنتم جاهزون و موافقون ؟!

الجميع ( يهزون رؤوسهم )

( يلتفت النقيب إلى المساعد ) : وزع عليهم المهمات و حدد لهم الأماكن

المساعد : ( يخرج محيياً و يخرجون وراءه )

النقيب ( يخاطب نفسه بعد خروجهم ) أكاد أجزم و قد عملت سنتين في الأمن الجنائي أن وجوهكم وجوه لصوص ، و أقفيتكم أقفية قـوّادين ..

( يضرب بيده على المنضدة ثم يقف : و لكن من أين نأتي بمن يتعامل معنا ، و يرضى بهذه المهمات القذرة ؟!

ســــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــار