ربيع تامر (حواريّة الأب و الابن)

د. حمزة رستناوي

[email protected]

إلى: روح الطفل تامر الشرعي

- أبي كنتُ قد وعدتُكَ أنْ أصبحَ طبيبَ أسنانٍ

 ها قدْ كسروا أسنانيَ يا أبي

 هل أسنانهمْ هي ذاتها أسنانُنا؟!

- كنتُ قد وعدتُكَ أن لا أشتري السجائر, و ألا أكونَ في عديدِ المدخّنين

 و لكنهمْ أطفؤوا نارَ سجائرهمْ في جسدي

 و سكروا برائحةِ لحمي المحروقِ يا أبي

 أليسَ لهمْ أطفالٌ في مثلِ عمريَ يا أبي؟!

- كنتُ قد وعدتُكَ أن أكفَّ عن شقاواتي

 و لكنّي لمْ أفِ بوعدي

- وعدتُكَ أنْ أحفظَ دروسيَ ,و أنْ أنامَ باكراً

 و لكنّي حفظتُ درساً لا كالذي علّموني

 و استيقظتُ باكراً في قلوبِ العصافير

*

 قدْ أكونُ صغيراً لأهتفَ للحرِّيةِ

 و كي أموتَ في زحمةِ الهُاتفين ...يا أبي

 نسيتُ نفسي و تذكّرتُ مغاليقَ خوفكَ الكتيم ..ما قبل آذار

 قلتَ يومها : إنَّ الحيطانَ لها آذان

 و قالتْ أميَ : يا بنيَّ جاورِ الحائطَ و قلْ :"يا ربِّ السِتْرَة"

 تذكّرتُ قولَ جارنا لغريبٍ مغامرٍ تطاولَ فيهِ الحماسُ:

 اخفضْ صوتكَ يا غريب

 هؤلاءِ لا يرحمونَ و لا يتركونَ رحمةَ اللهِ تنزلُ على أحد.

 و الذين لا يخافونَ منِ الله , احذرهمْ يا غريب

*

 منِ الغريبُ يا أبي ؟!

 الذلٌّ جمادٌ و غُرْبَة

 و نحنُ كذلكَ يا أبي.

*

 مازلتُ أقضي نهاري في فسحةِ القبرِ مستأنساً بصديقي و ابن جارنا حمزة

 البارحةُ زارنا يوسفُ العظمة ذلك البطلُ الذي قرءنا عنه في المدرسة

و قبلها بيوم زارنا نبي عظيم مصطحبا معه الهدايا والأناشيد , يرافقه طفلان في مثل عمري , و لعبنا معا طوال النهار مع أطفال القبور المجاورة .

لا تحزنْ عليّ يا أبي.

*

 أقضي نهاري في جنّة المأوى , و عندما يخيمُ الظلام أتسلَّلُ خلسةً إلى فراشك , و أندسُّ في جفنِ عينكَ اليمنى لآخذَ غفوةً في كلِّ ليلة , و آوي إلى مأوى.

أنا سعيدٌ بفرحتكَ يا أبي

أنا حزين بحزنك عليَّ يا أبي

*

الحيطانُ يا أبي لم يعدْ لها آذان

أصدقائي في الصفِّ مسحوا الآذانَ من على السبورةِ

 شاهدتُها تتفتّتُ بأم عينيَّ إلى غبارِ الطباشير.

و الحائطُ الذي كنَّا نمشي جنبهُ - يا أميَّ- لقد تهدّم

صدّقيني ..

 و غريبُ جارِنا العزيزِ لنْ يخفضَ صوَتَهُ بعدَ الآن

 الله خلقَ الأذنينِ للسمع

 و خلقَ الحرّيةَ شفاءٌ للسمعِ

 و غسولٌ لما يُكْبِي النفوس

 لنْ أهتفَ أبداً بحياةِ أذنين ْ

 لنْ أهتفَ يا أبي.

 لنْ أهتفَ أبداً يا أبي.