قاضي الجيران

يحيى بشير حاج يحيى

[email protected]

 الشخصيات :

1 ـ قاضي كبير في السن

2 ـ معاونان له بصفة مستشارين

3 ـ المدّعى عليه

4 ـ المدعي الأول

5 ـ المدعي الثاني (رجل عجوز)

  تفتح الستارة فتبدو لوحة كبيرة مكتوب عليها (قاضي الجيران) وقد جلس القاضي وحوله معاوناه ، وبين يديه بعض الأوراق .... يلتفت إليهما ويقول : الحمد لله ، لقد مر زمن طويل على قريتنا ، ولم يقع خلاف بين أهلها ، وما جاءنا أحد يشتكي على أحد !!

  المعاون الأول : هذا من فضل الله علينا ، بعد أن عرف كل واحد منا حقوقه وواجباته مهتدين بكتاب الله وسنة رسوله .

  المعاون الثاني : ولكن سمعت أن رجلاً غريباً سكن منذ مدة في قريتنا ، وأن جيرانه منزعجون من تصرفاته .

  القاضي : لن نتعجل الأمر فنحكم على تصرفات الرجل قبل أن نسمع منه ، ونعرف حجة كل واحد من المتخاصمين .

  صوت يأتي من الخارج ، ويدخل رجلان (هما الخصمان) : السلام عليكم السلام عليكم ..

  القاضي ومعاوناه : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

  ثم يوجه القاضي كلامه إليهما : قفا بجوار بعضكما ....

  يفتح بعض الأوراق ويلتفت إلى المدعى عليه : لقد كثرت عليك الشكاوى ومن يستمع إليها يظن فيك ظن السوء ؟! أي شيء فعلت أيها الرجل ؟

  الرجل الغريب (المدعى عليه) : لا أعلم أنني فعلت شيئاً سيئاً ؟

  القاضي : سنستمع إلى خصمك ، ثم نسمع إليك ..

  ويلتفت إلى المدعي قائلاً : ماذا عندك ؟

  المدعي : أيها القاضي الموقر ، إن هذا الجار لا يعرف لي حقاً !

  القاضي : (للغريب) ماذا تقول ؟

  الرجل الغريب : عجيب هذا الكلام ؟ فأنا لم أعتدِ عليه ، ولم آكل له حقاً ؟!

  القاضي : (للمدعي) ماذا فعل ؟

  المدعي : لقد طلبت منه أن يعينني على رفع كيس من القمح ، فنظر إلي مستغرباً ، ودخل بيته !

  القاضي : هذه واحدة ! وماذا أيضاً ؟

  المدعي : وطلبت إليه أن يقرضني مبلغاً من المال فرفض .

  والقاضي : وماذا أيضاً ؟ اذكر كل ما لديك ...

  المدعي : ومرضت أسبوعاً فلم يأت لزيارتي ! ونجح ابني فلم يشاركني فرحي !! وتوفي قبل ذلك والدي فلم يطرق باب منزلي ليعزيني ، ولا هو مشى في جنازته !!

  القاضي : هل لديك شيء آخر ؟؟

  المدعي : ليس لديّ شيء آخر أقوله ، ولا أريد أن أتهمه بما لم يفعل .

  القاضي : بارك الله بك ! فإن اتهام الناس بما لم يفعلوا يوجب غضب الله تعالى .

  يلتفت القاضي إلى الرجل الغريب قائلاً : هل ما قاله جارك صحيح ؟؟

  الغريب : نعم ـ أيها القاضي ـ ولكنني لم أعتدِ عليه ، لم أضربه ! لم أدخل بيته ، لم أقطع له غصناً ! لم أقترض منه مالاً وأماطل في الدفع ! فكيف يشتكي عليّ ؟!

  القاضي : إن كل ما ذكرته طيب وحسن ، ولكن لا يكفي عدم الاعتداء على الجيران حتى يُعد ذلك إحساناً إليهم ، فلربما كانوا محتاجين لمعونة أو مال ، وعندما تمتنع عن إعانتهم وإقراضهم تكون قد أعنت المصائب والفقر عليهم ، فهل ترضى بذلك !!

  الغريب : (باستنكار ونفي) بالطبع ، لا أرضى ؟! وهل هناك مسلم يرضى بذلك ؟!!

  يلتفت القاضي إلى الباب ويقول : ليدخل المدعي الآخر ...

  يدخل رجل طاعن في السن ، يستند على عكاز ، وهو يصيح : أيها القاضي أنصفني من هذا الجار ، إنه يؤذيني في الليل والنهار ، لقد نغص عليّ حياتي ، وأفقدني سعادتي في منزلي.

  الغريب : (وقد فاجأه الاتهام) ويحك ! كيف تقول ذلك ، إنني لا أراك في الأسبوع أكثر من مرة ، ولا كلمت أولادك حتى حدث ما ذكرته ؟

  القاضي : تمهلوا قليلاً .... قف أيها الشيخ بجوار خصمك ...

  ثم يسأل الغريب : هل هذا الكلام صحيح ؟1

  الغريب : أيها القاضي ، إنني لا أذكر شيئاً مما يقوله هذا الرجل ! فهل لديه دليل ؟

  القاضي : هل لديك دليل أيها الرجل ؟

  المدعي العجوز : نعم ـ أيها القاضي ـ عندي ثلاثة أدلة ـ

  القاضي : اذكرها لنا إذاً !

  العجوز : مَنْ مالكُ الشمس والهواء ؟

  القاضي : الله رب العالمين ، خالق كل شيء .

  العجوز : فكيف إذاً يمنعني منهما هذا الرجل ؟!!

  القاضي : وكيف ؟؟

  المدعي العجوز : لقد رفع بناءه ، وأعلى جدرانه دون أن يطلب مني إذناً بذلك ، وقد منع عن داري المتواضعة الشمس وحجب عني الهواء العليل !

  القاضي : ثم ماذا أيها الرجل ؟

  العجوز : (وهو يبكي) إنه يؤذيني ويشعرني بفقري واحتياجي .

  القاضي : وكيف هذا ؟

  العجوز : إنه يطبخ الطعام ، ويشوي اللحم ، فتنتشر رائحة الشواء ، وتنطلق روائح الطعام مما يجعلنا نشتهيها ونزهد بما في أيدينا من طعام بسيط ، وجاري هذا لا يتذكر أننا أيضاً بشر مثله ، ولا يفكر ـ ولو مرة واحدة ـ أن يبعث لنا شيئاً مما طبخ !؟

  القاضي : ثم ماذا أيها الرجل ؟

  العجوز : إن جاري هذا يشتري فاكهة كثيرة ، ونحن لا نملك مالاً كي نفعل مثله ، ولا يتذكرنا بشيء منها .. كما أنه يدخلها إلى بيته علناً ، وبعد ذلك يخرج أولاده وبأيديهم أنواع الفاكهة ، ويقولون لأبنائي : نحن عندنا منها الشيء الكثير ، فهل اشترى لكم أبوكم مثلها ؟

  فيغتاظ أولادي وينزعجون ، ويدخلون إلى المنزل باكين !!

  القاضي والحاضرون (بأسى) : لاحول ولاقوة إلا بالله .

  ويتابع العجوز شكواه : أيها القاضي ، إنني لا أدبر ثمن الخبز إلا بصعوبة ، فكيف يمكنني أن أشتري الفاكهة الطيبة الغالية الثمن ؟!! أنصفني ـ أيها القاضي ـ من هذا الرجل الذي نغص عيشي ، وأحرجني أمام أبنائي ..

  ..... يطرق الرجل الغريب رأسه حياءً ..

  القاضي : هل ما قاله جارك صحيح ؟

  الغريب : نعم ـ أيها القاضي ـ وإني أستغفر الله مما فعلت .

  القاضي : إن لجيرانك عليك حقاً .. ثم يلتفت إلى الجميع : أتدرون ما حق الجار ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا استعان بك أعنته ، وإذا استقرضك أقرضته ، وإذا افتقر عدت عليه ، وإذا مرض عدته ، وإذا أصابه خير هنّأته ، وإذا أصابته مصيبة عزيته ، وإذا مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، وإن اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده .

  الغريب : (يلتفت إلى القاضي .. ثم إلى الحاضرين) معذرة ـ أيها القاضي ـ معذرةً أيها الجار ، لم أكن أعرف هذا من قبل .

  القاضي : لأنك لا تصلي معنا ، ولا تحضر مجالس العلم ، لتستمع إلى حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .

  صوت المؤذن يرتفع .. يقول القاضي : أجيبوا النداء وهيا بنا نؤدي الصلاة في وقتها .

  يخرج ويخرجون معه .. يصافح الغريب المدعيين ويخرج وهو يمشي بينهما .

تسدل الستارة