من دمكم سيكون الطوفان

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

يحلس مروان على كرسي خشبي أمام منزله المهدّم ، يتأمل ما آل إليه أمر البلد ،يرى رفيق قادم يحمل بين ذراعيه كلبا صغيرا

مروان : أين كنت يا رفيق ؟

رفيق : كنت عند الطبيب

مروان : ومم تشكو ؟ أبك مرض ؟

رفيق : لست أنا المريض الشاكي

مروان : من إذن غيرك ؟

رفيق :  إنه كلبي الوفي الذي أحبه ، وحارسي ومسليني ، اشتكى من شوكة أصابت قدمه
مروان: عجبا ! أتحب الكلاب ؟ وترعاها ؟

رفيق : نعم إنها أنفع وأوفى من كثير من الأصحاب

مروان : يتمتم ... إن كانوا أمثالك !

رفيق : ماذا قلت ؟

مروان : قلت : وهل فحصه الطبيب وعاينه ؟ وبما أجاب ؟

رفيق : قال : إن قدمه متورمه وفيها إلتهاب ، أثّر على نفسية الكلب وأورثه الاكتئاب !

مروان : أول سمعه.. أن الكلاب تصاب بالاكتئاب

رفيق : صدّق أو لا تصدّق .. هكذا قال الطبيب ... فديتك يا كلبي الحبيب

مروان : وأين هذا الطبيب يا رفيق ؟

رفيق : إنه هناك في الجمعية على يمين الطريق ، إنها جمعية الرفق ... بالحيوان ، يقولون : أنها تهتم بالحيوان وتقدم له الرعاية والحماية والغذاء والدواء

مروان : كل هذا للحيوان !!؟... يا ويح الإنسان .. يا ويح لإنسان   .. او يرفع من شأن الحيوان .. ويداس .. يداس الإنسان !! يموت جوعا .. يموت قهرا .. يموت سحقا وتعذيبا  .. ويضيع دمه بالمجان .. ويصبح في طي النسيان ؟  هه.. وهناك جمعية تعنى بالحيوان ... يا ويح الإنسان من مكر الإنسان
رفيق : احذر يا مروان ... لا تزدري .. ولا تذّم الحيوان

مروان : ولم يا رفيق ؟ أهو ينتسب للرئيس أيضا !!؟

رفيق : إن سمعوك في الجمعية .. أقاموا عليك الحدّ.. فهناك شرطة .. ومحقق .. وقاض  يضع للمتهاون بحق الحيوان حدّ

مروان : عجبا أسمع .. عجبا أسمع .. لو يحظى الإنسان بشيء مما يتمتع.. به هذا الحيوان .. أكلب يحفظ ويصان في حين أن الإنسان يذبح ... يسحق .. ويهان ... وماذا أيضا يا رفيق ؟

رفيق : بالأمس جاؤوا  بغلام كان قد ضرب قطة .. أكلت له فرخ حمام

مروان : هذا أمر مشروع أن يحفظ المرء حقه !

رفيق : لقد أدانوه .. وغرموه مالا .. وأوعدوه إن عاد ..

مروان : بالأمس رجال الأمن قد قتلوا في قريتنا خمسة شبان ... ومن قبل هدموا بيتا فوق الأسرة .. وذبحوا بالسكين الحاقد بنتا أمام الأم .. وأبا أمام الولد .. من يحمي الإنسان ... من يرفق بالإنسان في هذا البلد !!!؟  هل تفعل جمعية الرفق بالحيوان !!

رفيق : هذه سياسة لا نتقنها ولا نعلمها دعنا بعيدا عنها

مروان : هذا جيش جرار .. مغوار  .. يرمي قنابله وقذائفه عشوائيا فوق البلدة والسكان !!

رفيق : لا... ليس كذلك يا مروان .. بل يرمي حمما فوق رؤوس الإرهاب .. فنحن لسنا في الغاب !!

مروان : خذ كلبك .. وامض .. دفئه .. فأنت أتفه منه ..   هل في العالم إرهاب يفوق هذا الإرهاب  ؟هل أمي وأمك .. وأختي وأختك .. وحرائرنا وعجائزنا    هم إرهاب ؟

رفيق : لا أدري .. هكذا قال القائد  في المجلس   وأمام الدول

مروان : وأي مجلس يا مسكين .. أي مجلس !!؟

رفيق : مجلس الأمن... وفيه الدول العظمى

مروان : أسّ البلوى .. أسّ البلوى وأساسها  .. الدول العظمى ... لم يبق في البلد بيت نسكنه ... لم يبق أكل نطعمه ,, لم يبق شيء نبكي عليه .. كي ترضى الدول العظمى

رفيق : هكذا نحن يا مروان .. نعيش في هذا العالم ويحكمنا قانون

مروان : قانون القوة .. قانون القهر .. قانون مصاصي دم الإنسان .. هذا قانون يأباه حتى الحيوان

رفيق: بالأمس قال القائد وبحضور مولانا المفتي أن الإرهاب في بلدي سيسحق ... وكل دول العالم مشتركة في دكّ اوكار الإجرام

مروان : نحن هنا في أرض باركها الله ... هو مولانا ... هو مولانا .. هو خالقنا هو يرعانا .. ليس يعقوب الروسي   .. ولا الخمخام المجوسي .. ولا شالوم وعذرا .. ولا خنزير أهل الشام  لا نخضع أبدا .. أبدا لوصايا العم سام  

 رفيق  ماذا تقول يا مروان .. أتنكر.. أتنكر أن رئيسنا يحفظ مصلحة الشعب ، ويحقق أهداف الأمة .. يسعى للحرية .. يعمل للديموقراطية

مروان  : إن كان يرضيكم من أجل الحرية  أن يجري دمنا أنهارا ..إن كان يرضيكم يا أهل الديموقراطية أن يجري دمنا أنهارا ... فالطوفان ,.. الطوفان يزلزل أركان الحقد .. الطوفان يجرف أوساخ الزيف .. سوف يكون من دمكم .. من دمكم .. من دمكم .. الطوفان القادم من دمكم

رفيق : ولكن .. رئيسنا قال ....

مروان : اذهب .. عليك اللعنة .. أنت ورئيسك .. اذهب  دع كلبك يعلمك كيف تكون الحرية .. فهو أفهم منك .. ومن قائدك ورئيسك ..الحرية ليست أمزجة .. الحرية ليست أغنية..   الحرية حق للإنسان دفع ثمنها من دمه ..  ونحن هنا أهل الحق .. أهل العدل .. أهل رعاية حق الإنسان

رفيق : يا خوفي عليك يا مروان .. يا خوفي عليك يا مروان
مروان : اخرس .. لاتهددني .. ولى زمن الخوف .. ولى زمن الذل .. ولى زمن القرد   حبيب الغاصب والمحتل .. اسمع .. اسمع يا رفيق.. لن ترفع في بلدي للكفر راية ... لن ترفع في بلدي للعهر راية ..لن يهنأ فيها مجوسي عبد النار .. لن يهنأ فيها خنزير يعمل بالكيد وبالعار .. اسمع .. اسمع .. يا رفيق قال الشعب بصوت واحد : لغير الله لن نركع ... لغير الله لن نركع ... لغير الله لن نركع

انتهى