حسبنا الله

د. زهير كحالة

الأشخاص

1 . عبدالله

2 . رافع

3 . المنافق

4 . اليهودي

5 . أبو سفيان

6 . صفوان

7. عبد العزّى

8 . الخزاعي

9 . عبد القيس

10 . القارئ

بسم الله الرحمن الرحيم

القارئ :

" ولقد صدقكم الله وعده ، إذ نَحسُّونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ، وعصَيتم من بعد ما أراكم ما تحبّون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ، ولقد عفا عنكم ، والله ذو فضل على المؤمنين " (1).

صدق الله العظيم

المنظر : أرض ترابية ، وقد بدا من بعيد جبل أحد ..

(يدخل رافع وعبد الله ، من المجاهدين ، وقد وضع كل منهما يديه على جراحه النازفة)

عبدالله : آه .. آه .. لقد كان يوماً عصيباً ..

رافع : نعم يا أخي عبدالله .. لا أدري كيف دارت علينا الدائرة ..

عبدالله : كنا منتصرين في بداية المعركة ، كنا نحُسُّ المشركين حسّاً بقدرة الله ..

رافع : كان الرماة يحموننا من ظهورنا ، كما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لا أدري لم تركوا مكانهم على الجبل .

عبدالله : ظنّوا أن المعركة انتهت بالنصر ، فتركوا مواقعهم لجمع الغنائم .

رافع : (لاهثاً) ولهذا انتهز العدو فرصة خلوّ الجبل منهم ، فكرّعلى المسلمين من خلفهم ..

عبدالله : وكانت المصيبة الفادحة التي حوّلت نصر المسلمين إلى هزيمة كادت أن تودي بحياة رسولنا صلى الله عليه وسلم .

رافع : الحمد لله الذي حفظ  لنا الرسول الكريم ..

(يرتجف صوته من التأثر) لست أدري ماذا كان سيحل بنا لو .. لو .. (يبكي) ..

عبدالله : بأبي أنت وأمي يا رسول الله .. كل مصيبة بعدك هينة ..

رافع : آه يا أخي .. لو أن قدميّ تسعفانني لزحفت من فوري إليه لأطمئن عليه ، وأقتبس من نور الجنة الساطع من وجهه الكريم ..

عبدالله : روحي فدى رسول الله .. لقد أصابه المشركون في وجهه وركبتيه ..

رافع : عليهم اللعن .. كسروا رباعيته . وشجّوا وجهه . وأدخلوا حلقتين من المغفر في وجنته .

وهو الذي بعثه رحمة للعالمين . روحي فداك يا رسول الله .

عبدالله : وعمه حمزة يا رافع ؟ .. أتذكر كم حزن عليه رسول الله حين رأى مصرعه ، وتمثيل المشركين بجثّته ؟.

رافع : لهفي على رسول الله .. كم دخل على قلبه الشريف من الحزن يوم أحد ..

عبدالله : وكل ذلك بعصيان نفر من المسلمين لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رافع : نعم يا عبدالله ، إن أمر الرسول من أمر الله .. وطاعته من طاعة الله .. ونصره من نصر الله .. فلا جرم أن نرزأ كلنا بالهزيمة حتى ولو لم يبتعد إلا بعضنا عن هديه الكريم .

القارئ : (يؤذن من الخارج) الله أكبر .. الله أكبر ..

عبدالله : إنه بلال يؤذن .. فلأسرع لأصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

رافع : (صائحاً) عبدالله .. انتظر .. إني ماضٍ معك .

عبدالله : ولكنك لا تقوى على السير .. إن جراحك مازالت تنزف .. ولا تثريب عليك ..

رافع : لن تفوتني صلاة خلف رسول الله .. أعطني ساعدك يا أخي .. إن نظرة إلى رسول الله تكفي لبُرئي .. (مردداً مع المؤذن) أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن محمداً رسول الله ..

(يتكئ على عبدالله بكلتا يديه ، ويخرج معه)

(يدخل المنافق واليهودي من الجانب الآخر)

المنافق : ما أعجب ما نرى يا سلام .. ما إن فرغ محمد من صلاته حتى دعا أصحابه الذين هزموا في أحد للخروج لمطاردة قريش ..

اليهودي : (بذهول) إني لا أصدق .. المسلمون منهكون نازفون .. ومع ذلك يتجاهلون جراحهم ، ويجرجون للثأر من عدوهم .. من أين يستمدون هذه القوة العجيبة يا ترى ؟

المنافق : هذا والله لأمر عجيب كما تقول يا سلَّام ..

اليهودي : إنهم ما كادوا ينزعون حمائل سيوفهم بعد ..

المنافق : نعم نعم .. حتى ولم يداووا جراحاتهم ..

اليهودي : انظر .. سعد بن معاذ .. أسيد بن حضير .. كعب بن مالك .. عبدالرحمن بن عوف ..و..

المنافق : من ذا يصدق أن أحداً مصاباً بعشرات الجراح يهب خفيفاً لمعاودة القتال ؟

اليهودي : لقد ظننّا حين رأيناهم يجرّون أذيال الهزيمة أن الإسلام قد قضي عليه ، وأن محمداً وأصحابه لن يقووا على رفع رؤوسهم بعد اليوم ..

المنافق : منيّت نفسي أن اعود لأحتسي الخمر ، وألعب القمار ، وآخذ الربا ، بعد أن يرفع عن يثرب ظل الإسلام في أعقاب هزيمة أحد .

اليهودي : ونحن بدأنا نفكر في التخلص من وثيقة العهد الذي أبرمه معنا محمد .

المنافق : إسمع يا سلّام .. لابد أن يلقى محمد ضربة أوجع من ضربة الأمس .. ضربة تكون القاضية على هذا الدين يا عزيزي سلّام ..

اليهودي : نحن ندلّكم على ذلك يا سعيد .. تثيرون فتنة هوجاء من وراء ظهر محمد في صفوف المسلمين .. تشككون في نبوّته ، وتستغلون هزيمته ، وتصفونه بالكذب ، فتتصدع الجبهة الداخليه ، وتتصدع بعدها الجبهة الخارجية ، ولا يلبث أن ينهار بناء الإسلام ، وينطفئ نور هذا الدين .

المنافق : نعم يا سلّام .. وليس أقدر على هذا الأمر منا نحن معشر المنافقين ..

اليهودي : وكذلك نحن معشر اليهود المتربصين ..

المنافق واليهودي : هاهاهاهاهاهاها..

(يخرجان)

(يدخل أبو سفيان ورجاله وهو يصلح من عمامته ويغلق لأمته على صدره)

أبو سفيان : هيا بنا يا قوم نستأنف السير إلى مكة بعد أن بتنا ليلتنا في الرَّوحاء ..

صفوان : إن سيوفنا قد ارتوت من دماء المسلمين في أحد ..

أبو سفيان : نعم يا صفوان .. أخذنا ثأرنا لبدر ، بعد عام طويل من الحشد والتأهب ..

صفوان : الآن تقرّ روحي لإدراكي ثأر أبي أمية بن خلف ..

أبو سفيان : إن مكة تستعد لاستقبالنا مكللين بغار النصر .

عبد العزى : يا قوم .. واللات والعزى أنكم ما زدتم على أن قاتلتم محمداً وانتصرتم عليه .. فهل يكفيكم النصر وحده ؟

صفوان : ماذا تعني يا عبد العزّى ؟

عبد العزى : أعني أنكم لن تستريحوا من عدوّكم ما تركتموه وراءكم ..

صفوان : أتريد أن نعود لنستأصل شأفة المسلمين ؟

عبدالعزّى : نعم يا أمية .. فلا محمداً قاتلتم .. ولا الكواعب أردفتم .. ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة ..

صفوان : لا يا قوم .. لا تسمعوا لهذا الرجل .. فإني أخاف أن يجمع محمد عليكم من تخلّف عن الخروج معه إلى أحد ..

عبدالعزى : ولكنكم يا قوم لم تصنعوا شيئاً بانتصاركم .. لقد أصبتم شوكة القوم ، ثم تركتموهم ، ولم تبتروهم ، وقد بقيت منهم رؤوس يجمعون لكم ..

أبو سفيان : انظروا يا قوم .. هذا صاحبنا الخزاعي مقبلاً من صوب يثرب ..

الخزاعي : عِموا صباحاً يا قوم ..

الجميع : عِم صباحاً يا أخا خزاعة ..

أبو سفيان : ما وراءك يا أخا العرب من أخبار محمد ؟

عبدالعزى : لا شك أن أجواء يثرب تمتلئ بأنين الجرحى ، ونحيب الأرامل ، والثكالى ، والأيتام ..

صفوان : إني لموقن أن اليهود والعرب في يثرب لم يعودوا يؤمنون بأساطير محمد وسوف ينقلبون عليه ويكفوننا أمره .

عبدالعزى : يقيناً أن أبواب المدينة غدت مفتوحة لكل عازٍ وناهب ..

الخزاعي : بم تتعلّلون يا قوم ؟ إن الأمر على غير ما تتصورون ..

الجميع : ماذا تعني يا رجل ؟ ..

الخزاعي : أعني أن المسلمين لم يستكينوا ولم يستسلموا ، فإن لهم ديناً يتحدى الهزيمة ، وعلى رأسهم رجل يلتفّون حوله ويستميتون دونه ..

الجميع : ماذا تقول يا رجل ؟

الخزاعي : نعم وحق هبل .. لقد تعالَوا على جراحاتهم ، وخرجوا لطلبكم في جمع عظيم لم أرَ مثله قط ..

صفوان : أسمعت يا عبدالعزى ؟

عبدالعزى : إني لا أصدق .. فقد نلنا منهم نيلاً لا أحسبهم يقدرون معه على الحركة ، ناهيك عن القتال ..

الخزاعي : بل خرجوا وتعاهدوا على أن لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا منكم ، وفيهم من الحنق والغيظ عليكم ما لم أر مثله قط ..

أبو سفيان : ثكلتك أمك يا صاح .. ما جئتنا والله بالخبر ..

الخزاعي : لقد صدقْتكم ، والرائد لا يكذب أهله .

أبو سفيان : ومتى تتوقع أن يصل المسلمون إلى هذا المكان يا معبد ؟

الخزاعي : وحق الآلهة ، ما أرى أن ترحلوا حتى تظهر نواصي خيل المسلمين من ذلك الأفق ..

أبو سفيان : يا قوم ، هلمّوا إلى رحالكم ، فلا رغبة لنا في قتال محمد ..

(يخرج الجميع من طرفي المسرح ، ويبقى عبدالعزى) يا عجباً .. أتخاف على انتصارنا ولا نخاف أن يرى الناس ضعفنا .. كيف نفوّت على أنفسنا هذه الفرصة الثمينة لمجرّد أننا رغبنا في أن نحتفظ بإعجاب الناس بانتصارنا بدلاً من أن نجهِز على عدوّنا أولاً لِنعجب نحن بأنفسنا قبلما يعجب غيرنا بنا ..؟ أم هو الخوف من المجهول يدعونا للفرِّ بدلاً من الكرِّ خشية أن نتعرّض للإصابة بالقرح ، أو نمنى بهزيمة أخرى كهزيمتنا ببدر ..؟ إن قلبي يحدثني أن معبداً الخزاعي يكذب علينا ، وأن قلب خزاعة مع عدوّنا .. ولكن ما العمل ؟ (يتنهد باستسلام) رُحماك يا عزى .. لقد ضاع صوتي .. وبقيت وحدي .. غير أني لاأملك أن أشذّ عن القطيع ..

(يخرج من طرف المسرح .. يسمع صوت أجراس معلقة على أعناق الإبل .. يدخل عبدالقيس وخلفه قومه من الطرف الآخر وهو ممسك برسن أحد الجمال . يقابله أبو سفيان) ..

أبو سفيان : انظروا يا قوم .. ذلكم هو عبدالقيس .. يقود قافلته .. إلى أين يا عبدالقيس ؟

عبدالقيس : إلى يثرب .. نَتَموّن الطعام ..

أبو سفيان : (بصوت خفيض) طرأت ببالي فكرة .. (يصفق) يا لها من فرصة سانحة ..

عبدالقيس : ماذا تقول يا أبا سفيان ؟

أبو سفيان : يا عبدالقيس .. أتريدون أن أميركم غداً بما تحبّون في عكاظ وتبلّغون محمداً عنا رسالة ؟

عبدالقيس : ما تلك الرسالة يا أبا سفيان ؟

أبو سفيان : إذا وافيتم محمداً فأخبروه أنّا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم ..

عبدالقيس : (ملتفتاً ذات اليمين وذات الشمال) ولكنكم قاصدون إلى مكة ، ولستم بكارّين على يثرب .

أبو سفيان : إنها خدعة للمسلمين .. نريد هزيمتهم مرتين .. مرة بحد الحسام ، وقد ألحقناها بهم بالأمس ، ومرة بحدِّ اللسان . ونريد إلحاقها بهم اليوم ..

عبدالقيس : هاهاهاهاهاها .. فهمت مكيدتك يا أبا سفيان .. حقاً إنك لداهية أريب .. تريد أن يقال إن المسلين خشوا منكم ، وخافوا من مقارعتكم ، وإن كنتم غير جادّين في تهديدكم ، ولا صادقين في وعيدكم .. يا لك من محارب خدّاع يا أبا سفيان ..

أبو سفيان : هو ذاك يا عبدالقيس .. ولئن أفلحت في مهمتك لأملأن عيركم زبيباً بعكاظ كما وعدتكم ..

عبدالقيس : إطمئن يا أبا سفيان .. سأبذل جهدي لإقناع المسلمين بأنكم ستنقضّون عليهم لتطفئوا ما تبقّى من بصيص الإسلام ..

(يخرج أبو سفيان وقومه من طرف ، وعبدالقيس وقومه من طرف آخر)

(يدخل عبدالله ، وقد حمل على ظهره أخاه رافعاً)

رافع : (لاهثاً) آه .. آه .. إن جراحي مازالت تنزف منذ خرجنا من يثرب لنلحق بجيش المسلمين ..

عبدالله : (لاهثاً) نعم يا أخي يرحمك الله .. ولو أنك رضيت لتركتك تداوي جراحك وخرجت وحدي أطلب الشهادة في سبيل الله ..

رافع : وكيف أترك غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أليس ذلك فسقاً ومعصية ؟..

عبدالله : بلى والله يا رافع .. ولهذا رضيتُ أن أحملك على ظهري حتى نلحق بالمجاهدين ..

رافع : جزاك الله خيراً يا أخي عبدالله .. إنك لنعم الأخ المعين على الآخرة .. تحملني وأنت جريح ، وترضى أن تسير بي إلى القتال ، على الرغم من إرهاقك الشديد .

عبدالله : إنني أيسر جراحاً منك يا أخي ، فلم أتردد في أن أحملك عُقْبةً ، حتى نصل معسكر المسلمين ، عسى أن يكتبنا الله مع المتقين المحسنين ..

(يخرجان من الطرف الآخر)

(يدخل عبدالقيس ورجاله من الطرف المقابل)

عبدالقيس : (مخاطباً قومه) أولئك هم المسلمون .. هيا بنا يا قوم نبلّغ محمداً رسالة أبي سفيان ، ثم نندسّ في صفوف المسلمين ونسعى لتفزيعهم وتخذيلهم لنفوز من أبي سفيان بميرَتِنا من الطعام ..

(يخرجون من الطرف المقابل)

(يدخل عبدالله ورافع على ظهره)

رافع وعبدالله : (بفرح عظيم) الله أكبر .. لقد بلغنا جيش المسلمين المعسكر بحمراء الأسد ..

رافع : (برقة) أخي عبدالله .. لا أدري بم أكافئك على ما تحمّلت من أجلي في سبيل الله ..

عبدالله : لا عليك يا رافع .. فإني أحتسب أجري عند الله .

رافع : أنزلني عن ظهرك الآن يا أخي الحبيب ، ناشدتك الله ورسوله ..

عبدالله : على رسلك يا أخي رافع .. على رسلك .

(ينزله عن ظهره ويخرج به ، وهو يتكيء عليه ، من طرف المسرح .. يدخل عبدالقيس من الطرف المقابل وهو يكلم جماعة من المسلمين ، ينضم إليهم عبدالله ورافع..)

عبدالقيس : يا مسلمون .. إن أبا سفيان قد أقبل عليكم بجمعٍ لا قِبَل لكم به .. يريد أن يستأصلكم عن بَكرة أبيكم .. فارجعوا إلى المدينة لئلا يستبيحها المغيرون .. أحموا بلدكم .. أحموا أموالكم .. أحموا أعراضكم .. أحموا أولادكم ..

رافع : كفّ عن محاولتك يا عبدالقيس .. فلن تجد مسلماً واحداً يرضى أن يعود إلى المدينة حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عبدالقيس : ولكن .. إن بقيتم هنا مع صاحبكم فلسوف تُقتلون عن آخركم ..

عبدالله : حسبنا الله ونعم الوكيل ..

الجميع : حسبنا الله ونعم الوكيل ..

عبدالقيس : عجبي لأمركم معشر المسلمين .. إني أخوّفكم بجمع كثيف يتحدّر عليكم كالسيل الهادر ، فلا أجد واحداً يحسب حساباً لما أقول .. أليس فيكم من يخشى الناس أو يخاف من الموت ..

رافع : لا تعجب يا عبدالقيس .. فإنما نحن قوم بايعنا الله ورسوله على شراء الآخرة ، فاعتصرت بيعة الموت من نفوسنا كل خوف من الدنيا ..

عبدالقيس : (وهو ينتحي جانب المسرح) يا عجباً .. ماأعظم سحرك يا محمد .. لقد بلّغتك رسالة أبي سفيان ، بغية تخويفك ، فما زدتَ على أن قلت بصوت ثابت مطمئن (حسبنا الله ونعم الوكيل) ،فلما تركتك وبدأت أخوِّف أصحابك ازدادوا إيماناً بربك ، وتعلقاً بك .. أية أمة عجيبة هذه الأمة المسلمة ؟..

عبدالله : عد إلى من أرسلك يا عبدالقيس .. وقل له أن كل مسلم في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرّق شوقاً لقتال المشركين . ولئن كنتم على النصر أحرص منكم على سواه ، إننا على الموت في سبيل الله لأحرص منا على الحياة ..

عبدالقيس : (يعبّر عن حيرته وعجبه ، ثم يدور على نفسه ، ويخرج مع الوفد المرافق له)

(يدخل اليهودي والمنافق)

اليهودي : (بقلق شديد) ماوراءك يا رجل ؟.. إن الجيش لم يرجع .. ما أخبار محمد ؟ تكلم .

المنافق : لا أدري يا سلّام .. إن الأيام تمضي ولا أعلم ما يحدث لمحمد وأصحابه ..

اليهودي : إني أخاف يا سعيد ..

المنافق : ممَّ يا سلّام ..

اليهودي : من أن يعود وقد .. وقد ..

المنافق : وقد ماذا يا سلّام .. تكلم ..

اليهودي : وقد نال من قريش بدلاً من أن تنال منه قريش . وغن حدث ذلك ، فمن يقوى على النيل منه بعد ذلك ..؟ إن المنهزم إذا انتصر ، لأشد خطراً من المنتصر إذا اغترّ . ألم تر إلى الأسد حين يلعق جرحه وينقضّ على صائده ؟

المنافق : صبراً يا سلّام .. فلن تلبث أن تسمع ما يسرّك بعد أيام .. هكذا يوسوس لي الشيطان ..

اليهودي والمنافق : هاهاهاهاهاهاهاها ..

(يخرجان)

(يدخل عبدالله ورافع)

عبدالله : أين ما زعمه أولياء الشيطان من وغد عبدالقيس ؟

رافع : ها قد مضت ثلاثة أيام ونحن هنا بحمراء الأسد ننتظر كرّة قريش ..

عبدالله : نمضي النهار متأهبين للقتال ، ومتى جنَّ الليل نعكف على جراحنا نكويها بالنار ..

رافع : ويا لها من نار كثيرة تبعث الرهبة في النفوس .. هذه الخمسمئة شعلة التي أمرنا رسول الله أن نوقدها كل ليلة لنظهر بأسنا ، ونخيف عدونا..

عبدالله : لعمري إن هذه المظاهرة قد بلغت المشركين ، وألقت في قلوبهم الرعب ، فآثروا الفرار منا بدلاً من الكر علينا ..

رافع : نعم يا أخي عبدالله .. إن الميزان اعتدل اليوم بحمراء الأسد .. إذ أظهرنا نحن القوة ، وأظهرت قريش الضعف .

عبدالله : نعم يا أخي رافع ، وسنعود إلى يثرب بأمر رسول الله مرفوعي الهامة ، مستردي الكرامة ، كما يليق بحال هذه الأمة ، فيما اكتسبت من الهزيمة ، أو كسبت من النصر ..

رافع : صدقت يا عبدالله .. وسيُلجَم المنافقون واليهود فلا يستطيعون أن يخوضوا في ديننا كما يشتهون .

عبدالله : نعم يا أخي رافع .. وسيكون لعودتنا الغانمة وقع الصاعقة على أعداء الله وأعداء الدين ..

رافع : بإذن الله .. والفضل لله قبل كل شيء ، ولرسوله الذي خرج بنا إلى حمراء الأسد ، وكان أسوتنا في الثبات ، وقدوتنا في مواجهة التحدي ، والتغلب على الآلام ..

رافع : حقاً من يتبع رضوان الله غير مبالٍ بالصعاب ، ولا مستمع لتخويف الناس يكفيه الله السوء ، ويردّ عنه الأذى ، ويزده من فضله العظيم ..

عبدالله : نعم والله يا أخي ، ولن يكون في حياتنا بعد اليوم إلا النصر تلو النصر ، مادمنا مع الله ، ومادام الله معنا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ..

رافع وعبدالله : حسبنا الله ونعم الوكيل ..

الجميع : (من الخارج) حسبنا الله ونعم الوكيل ..

القارئ : (من الخارج) بسم الله الرحمن الرحيم

" الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، للذين أحسنوا منهم واتقَوا أجر عظيم . الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشَوهم ، فزادهم إيماناً ، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، واتبعوا رضوان الله ، والله ذو فضل عظيم " (2)

صدق الله العظيم

               

الهوامش :

1- آل عمران 152

2- آل عمران 172 . 174