عمار بن ياسر

عبد الله الطنطاوي

    أبطال خالدون: 1

عبد الله الطنطاوي

[email protected]

الراوي: كان من عادة الجد الشيخ محمود، أن يجلس ساعة مع حفيديه: أحمد وفاطمة، ليلة كلّ جمعة، يحدثهما فيها عن شخصية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحاول التركيز على قيمة عُليا من قيم الإسلام الخالدة، التي اشتُهر بها الصحابي موضوع السهرة، وكنتُ أحضر سهراتهم تلك، وأستفيد منها عِلماً وأدباً، وأعلّق على بعض ما يرد فيها، وأحياناً، كنتُ أشاركهم في الحديث عن بعض تلك الشخصيات.

أنا الآن جالس مع الجد، ننتظر قدوم الحفيدين النابهين: أحمد وفاطمة..

مؤثرات: نقرات على باب.

الراوي: يبدو أنهما جاءا، فقد سمعتُ معكم نقرات على الباب، وها هو ذا الجد يدعوهما إلى الدخول.

الجد: ادخلوا يا أولادي.

مؤثرات: وقع أقدام.. صوت صرير الباب يُفتح ويُغلق.

أحمد: السلام عليكم ورحمة الله.

فاطمة: السلام عليكم ورحمة الله.

الراوي والجد: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته.

الجد: اجلسا يا حفيديّ النشيطين الذكيين.

مؤثرات: صوت جلوس على الكراسيّ.. خشخشة ملابس.

الجد: حديثنا في هذه الليلة المباركة، سيكون عن رجل مبارك، طيّب مطيَّب، كما كان يصفه ويرحّب به رسول الله.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

أحمد: تعني عمار بن ياسر يا جدي؟

الجد: أجل يا أحمد، وبارك الله فيك يا حفيدي.

مؤثر: صوت كرسي يتحرك، ثم وقع أقدام، صوت إخراج كتاب.

الراوي: نسيتُ أن أقول لكم: إنّ السهرة في مكتبة الجد، وقد نهض الجد إلى مكتبته، وتناول كتاباً ضخماً وعاد به إلينا، وقد وضع أُصبعه عند فصل من فصوله.

الجد: هذا الكتاب للعالم العامِل أبي نُعيم.. اسمه: حلية الأولياء.. اسمعوا ما كتبه أبو نُعيم، عن عمار بن ياسر، فقد لخّص حياته في سطور.

فاطمة: لكننا لا نريد التلخيص يا جدي، نريد التفصيل.

الجد: بعد الموجز، يأتي التفصيل، اسمعوا جيداً ما كتبه أبو نُعيم:

"ومن الأولياء الأصفياء: عمار بن ياسر. أبو اليقظان، الممتلئ من الإيمان، والمطمئن بالإيقان، والمتثبِّت حين المحنة والافتتان، والصابر على المذلّة والهوان –في سبيل الإسلام- ومن السابقين الأوّلين، سبق إلى قتال الطغاة زمن النبي

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: وكان له مع النبي

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): كان له، إذا استأذن، البشاشة والترحيب، والبشارة بالتطييب.. كان لزينة الدنيا واضعاً (أي هاجراً) ولنخوة النفس قامعاً، ولأنصار الدين رافعاً، ولإمام الهدى تابعاً.

الجميع: رضي الله عنه.

الجد (متابعاً): كان من أهل بدر، وبعثه عمر على الكوفة أميراً، وكتب إليهم أنه –أن عمار بن ياسر- من النجباء، من أصحاب رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): وكان أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنة، ولم يزل يدأب لها، ويحنّ إليها، إلى أن لقيَ الأحبة، محمداً وحزبه.."

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

مؤثر: صوت إغلاق كتاب، وحركة كرسيّ.

الراوي: وأغلق الجد الكتاب، وراح يتفرّس في وجوه الأحباب، فقالت له فاطمة:

فاطمة: هذا هو الموجز يا جدي، فأين التفصيل؟

الجد: جدّكم عند وعده يا أولاد، وإليكم التفصيل.

الراوي: عدّل الجد من جلسته، وأعاد فتح كتابه، ونظر فيه، ثم رفع رأسه وقال:

الجد: اسمه: عمار، وأبوه: ياسر بن عامر العنسي القحطاني.

فاطمة: يعني.. عمار من اليمن؟ من القحطانيين؟

الجد: نعم يا فاطمة، جاء ياسر أبو عمار من اليمن إلى مكة المكرمة، واستقر فيها، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، فزوّجه أبو حذيفة أمَةً له اسمها: سمية بنت خُبّاط، فولدت له عماراً.

أحمد: وما معنى (أبي اليقظان) يا جدي؟

الجد: كنية عمار: أبو اليقظان.

فاطمة: متى ولد عمار يا جدي؟

الجد: ولد عمار سنة.. سنة.. قبل الهجرة بسبع وخمسين سنة، واستشهد سنة سبع وثلاثين للهجرة.

أحمد: إذن هو شهيد يا جدي؟

الجد: وابن شهيدين.. وكان الوحيد بين الذين قاتلوا في معركة بدر، من أبوين مسلمين مؤمنين.

أحمد: ماذا؟ قتلوا أمه وأباه؟

الجد: نعم يا أحمد.. أمه سمية قتلها أبو جهل لعنه الله، ضربها بحربته فقتلها، ثم استشهد زوجها ياسر تحت التعذيب الوحشي.

فاطمة: يبدو أن المشركين بلا قلوب.

الجد: بل لهم قلوب ذئاب.. قلوب ضباع.. قلوبٌ حجرية.

أحمد: ألا تحدثنا يا جدي عن إسلام عمار وأمه وأبيه أولاً؟

الجد: معك حق.. فاسمعوا قصة إسلامه: سمع عمار رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): وهو يتلو آيات الله في جوف الكعبة المشرّفة، فتأثر بها، ولكنه لم يجرؤ على الاقتراب من النبي الكريم، لأن المشركين كانوا يراقبون كل من يجلس إليه، ويتحدث معه، ولذا قرر عمار أن يزور النبي في المكان الذي يجلس فيه مع أصحابه، أو أن يزوره في بيته.. المهم أن يجلس إليه، ويسمع منه، ويعرف هذا الدين الذي يدعو إليه، ولكن.. على شرط ألا يراه أحد، ولا يعرف المشركون شيئاً عن هذا اللقاء.

أحمد: لماذا كل هذا الخوف من المشركين يا جدي؟

الجد: لأن مشركي قريش طغاة، وعمار غريب، ومن المستضعفين الذين لا يجدون من يدافع عنهم، أو يحميهم.

فاطمة: نعم يا جدي!

الجد: سأل عمار عن الطريقة المناسبة للقاء النبي الكريم.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: وبعد أن سأل وفتّش، عرف أن النبي الكريم يجتمع بأصحابه الذين آمنوا معه، في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وعرف أن قريشاً تترصّد المسلمين، لتعرفهم، وقد بثّت جواسيسها في كل مكان، لتمنع الناس من الوصول إلى النبي الكريم، ولقائه، والاستماع إليه.

أحمد: أعوذ بالله من شر الكفار.

الجد: قرر عمار الوصول إلى النبي الكريم مهما كلّفه هذا من المشقة والعذاب، فتوجّه إلى دار الأرقم، وعيناه تراقبان الناس.. وهناك.. أمام باب الدار، شاهد صهيب بن سنان، فتقدّم منه وسأله عما جاء به إلى هنا، فردّ عليه صهيب بسؤال كسؤاله:

وأنت.. ماذا تريد يا عمار؟

فاطمة: وبعدها؟

الجد: فقال عمار: أريد أن أدخل على محمد فأسمع منه.

فاطمة: فاطمأنّ صهيب؟

الجد: قال صهيب: وأنا أريد ذلك.

 ودخل الرجلان: عمار وصهيب، وجلسا إلى رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): وسمعا من النبي الكريم كلام الله تعالى، فتغلغل في قلوبهما، وأضاء جوانب تفوسهما، فشهدا شهادة الحق: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: أسلما، ومكثا ساعة عند النبي الكريم، يحفظان بعض الآيات، ويتلقّيان بعض المبادئ التي جاء بها الإسلام، ثم خرجا مستخفيين عن عيون المشركين.

أحمد: وبقي أمره سراً؟

الجد: لم يبق سراً إسلامه وإسلام أبيه وأمه، وكانوا جميعاً من المستضعفين، فأذاقهم المشركون ألواناً من العذاب، وكانت أم عمار أول شهيدة في الإسلام، وكان أبوه ياسر، أول شهيد في الإسلام.

الجميع (في تأثر): رضي الله عنهم.

فاطمة: كم كان عدد المسلمين يوم أسلم عمار يا جدي؟

الجد: كانوا بضعة وثلاثين رجلاً.. قيل: كانوا سبعة وثلاثين رجلاً.

أحمد: لماذا لم يقتلوا عماراً؟ هل كان قوياً فخافوه؟

الجد: لا يا أحمد.. تركوه.. لا لأنه قوي، بل لأنه لم يستطع تحمّل العذاب، وعرضوا عليه أن يرفعوا عنه العذاب إذا سبّ النبي الكريم، وذكر أصنامهم بخير.

أحمد: واستجاب لهم؟

الجد (في تأثر): أجارك الله من تعذيب الطغاة يا ولدي.. فقد أذاقه المشركون أنواع العذاب.. كانوا يحرّقونه بالنار، وكانوا يغطّون رأسه بالماء، ولا يرفعونه إلا قبيل الموت..

الراوي: وسكت الجد قليلاً، وأخرج من جيبه منديلاً أبيض نظيفاً مسح به دموعه، ثم تابع يقول:

الجد: كان المشركون يخرجون ياسراً وأمه وأباه إلى الأبطح، عندما تحمى الشمس، وتلتهب الرمال.. يجرّدونهم من ملابسهم، ويلبسونهم دروع الحديد، ويرمونهم في لهيب الشمس فوق الرمال المحرقة، ويدمون أجسادهم العارية بالسياط، ويضعون فوق أطرافهم جمرات النار.

مؤثر: صوت بكاء.

الجد (متابعاً): فعلوا بهم كل هذا من أجل أن يرتدّوا عن الإسلام، ويكفروا بالله ورسوله، ويعودوا إلى عبادة الأوثان والأصنام.. عبادة أحجار شوهاء صمّاء لا تضر ولا تنفع.

أحمد: يا ويل الطغاة من عذاب الله.

الجد (متابعاً): ومرّ النبي الكريم مرة بعمار وهو يعذّب بالنار، فمرّر يده على رأسه وقال:

"يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار، كما كنتِ على إبراهيم".

الجميع: عليه الصلاة والسلام.

الجد: ومرّ النبي الرحيم مرة على عمار وأمه وأبيه وهم يعذّبون، فقال ياسر: الدّهر هكذا. فقال له النبي

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): اصبر.. اللهم اغفر لآل ياسر.. وقد فعلت.

وقال لهم مرة أخرى: "أبشِروا يا آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنة"..

وماتت أم عمار، ومات أبو عمار، وكانا أول شهيدين في الإسلام، وأنقذ عمار نفسه من الموت، بسبّ النبي الكريم، وامتداح الأصنام والأوثان.

أحمد: هل سامحه النبي يا جدي؟

الجد: نعم يا أحمد.. وكان قد سأله: ما وراءك يا عمار؟ فأجاب عمار: شرّ يا رسول الله.. والله ما تركوني حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير.

فسأله النبي الكريم: فكيف تجد قلبك؟

أجاب عمار: مطمئن بالإيمان.

فقال له النبي الكريم: "فإن عادوا فعد".

فاطمة وأحمد: الله أكبر.

الجد (متابعاً): فأنزل الله تعالى في عمار وأمثاله: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)

الراوي: صدق الله العظيم، الرحمان الرحيم، فالله أرحم بعباده من الأم الرؤوم بولدها.. وكذلك الرسول الكريم الذي رخّص لعمار أن يقول مرة أخرى، مثل ما قال في الأولى، فقال له: فإن عادوا فعد.

فاطمة: ألا تصف لنا عماراً يا جدي؟

الجد: كان عمار ضخماً، طويلاً، قوياً.. كان إذا جلس بدا كأنه واقف، وإذا مشى بدا كأنه راكب، من شدة طوله، وكان أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، غزير الشعر، أبيض الفودين، كثير الصمت، قليل الكلام، شجاعاً مقداماً، مطيعاً لله ورسوله، حتى لو أدى الأمر إلى خوض أشرس المعارك غير المتكافئة القوى.. حتى المَرَدَة والشياطين كان يصارعهم، ولا يخشاهم.

فاطمة: كيف يا جدي؟

الجد: قال عمار رضي الله عنه: "قاتلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن والإنس، قيل: كيف؟ قال عمار: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلنا منزلاً فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه" فلما كنتُ على رأس البئر، إذا برجل أسود كأنه مرسٌ فقال: والله لا تستقي اليوم منها.

فأخذني وأخذته، فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي، وأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أتاكَ على الماء أحد؟

قلت: نعم. وقصصت عليه القصة فقال: أتدري من هو؟ قلت: لا..

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك الشيطان.

أحمد وفاطمة: الله أكبر.. الله أكبر.

الجد: وقال عمار: "أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: وأبو بكر، وأمي سميّة، وصهيب، وبلال، والمقداد، وأنا.. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعه الله بعمه (أبي طالب) وأما أبو بكر، فمنعه الله بقومه، وأما صهيب وبلال وأمي وأنا، فأخذنا المشركون، فألبسونا أدرع الحديد، وصهرونا في الشمس المحرقة.

أحمد: هل هاجر عمار يا جدي؟

الجد: نعم.. كان ثالث المهاجرين إلى المدينة المنورة.

فاطمة: من سبقه إلى الهجرة؟

الجد: هاجر قبله مصعب بن عمير، وعبد الله ابن أم مكتوم.

أحمد: هل هاجر وحده؟

الجد: بل هاجر معه سعد بن أبي وقاص، وبلال رضي الله عنهم، وكان عمار أول من بنى مسجداً في الإسلام.

فاطمة: كيف يا جدي؟

الجد: قال عمار: عندما قدم رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): إلى المدينة، قلت له: ما لرسول الله بد من أن نجعل له مكاناً يستظل به، ويقيل، ويصلّي فيه. فأذن لنا بذلك، فجمعنا الحجارة، وبنينا مسجد قُباء.

الراوي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

(إنما يعمُرُ مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، ولم يخش إلا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) صدق الله العظيم.

فاطمة: لابد أن رسول الله..

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

فاطمة (متابعة): كان يحب عماراً؟

الجد: اسمعوا ما قاله عمار: حينما كنّا نبني بيت رسول الله ومسجده، كنا في غاية السعادة والسرور. كنا نبني ونحن ننشد:

لئن قعدنا والنبيّ يعملُ   لذاكَ منّا العملُ المُضلَّلُ

وكان بعضنا يهتف وهو يعمل:

اللهم لا عيشَ إلا عيشُ الآخره   فارحم الأنصار والمهاجره

وكان عليّ رضي الله عنه يرتجز بهذه الأرجوزة الجميلة:

لا يستوي من يعمرُ المساجدا

يدأبُ فيه قائماً وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا

يقول عمار: وكنتُ أعمل في ناحية من المسجد، فأخذتُ أردد هذه الأرجوزة الجميلة، وأرفع بها صوتي، فظن أحد الصحابة الكرام أنني أُعرّض به، فغاضبني ببعض القول.. وسمع رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: كلامه، فغضب النبي الكريم وقال: "مالهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار. إن عماراً جِلدة ما بين عيني وأنفي".

فاطمة: الله أكبر! ما هذا الحب؟ وما هذا التقدير لعمار؟

أحمد: وإذا أحب رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

أحمد (متابعاً): مسلماً مثل هذا الحب، فلابد أن يكون ذلك المسلم، ذا إيمان عظيم، وصاحب أعمال عظيمة.

الجد: وكذلك كان عمار يا أحبابي.. كان مؤمناً قويّ الإيمان، حتى قال عنه المصطفى.

الجميع: صلى الله عليه وسلم

الجد: "إن عماراً مُلئ إيماناً إلى مشاشه، يعني إلى أخمص قدمه.. المشاش، يا أولادي، جمع مشاشة، وهي رؤوس العظام اللينة، كما درستم في علم التشريح.

أحمد: الله أكبر.

فاطمة: زدنا يا جدي.

الجد: وقال رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار".

الجميع: رضي الله عنهم.

أحمد: هل كان عمار مجاهداً يا جدي؟

الجد: كان مجاهداً كبيراً، قاتل إلى جانب رسول الله، وتحت رايته الشريفة في غزوة بدر، وغزوة أحد، وسائر الغزوات الأخرى.. وكان مقاتلاً بطلاً فيها.. لقد نال شرف الجهاد تحت لواء الرسول القائد..

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

مؤثرات: صهيل خيل، وصليل سيوف، وهتافات، وأصوات مختلطة.

الجد: كما نال شرف الجهاد تحت راية البطل خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، في حروب الردّة، قاتل مسيلمة الكذاب، وكان يحمّس المسلمين.. كان يقف فوق صخرة عالية، وينادي بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرّون؟ أنا عمار بن ياسر، أمن الجنّة تفرّون؟ أنا عمار بن ياسر.. هلمّوا إليّ.

أحمد: الله أكبر.

الجد: فيتحمّس المسلمون، ويحيطون بعمار، ويقاتلون قتال الأبطال خلف عمار، وتحت راية خالد. حتى قتلوا مسيلمة الكذاب، وهزموا المرتدين عن الإسلام شر هزيمة، وبذلك ترسّخت أقدام المسلمين، وعادت إلى الجزيرة العربية وحدتها، وقد خسر عمار في هذه الحرب أذنه.. قُطعت أذنه وهو يقاتل المرتدين.

أحمد: الله أكبر.

فاطمة: زدنا يا جدي؟

الجد: وقاتل عمار في حروب الفتوح الإسلامية.. في العراق، وفي بلاد الفرس، وفي الشام، وكان فيها شجاعاً مقداماً، يقاتل بإخلاص، من أجل نشر دين الإسلام، وعدل المسلمين.

الراوي: وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، كان من نجباء النبي ووزرائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكن نبيٌ قط إلا وقد أُعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أُعطيت أربعة عشر، وذكر منهم عماراً".

أحمد: أنا أعرف من أولئك الوزراء النجباء: أبا بكر الصدّيق، وعمر، وعلياً، وحمزة، وجعفراً.

الجد: والحسن، والحسين، وأبا ذر، والمقداد، وحذيفة بن اليمان، وبلالاً، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود.

الجميع: رضي الله عنهم.

الراوي: وقال رسول الله

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الراوي (متابعاً): "ثلاثة تشتاق إليهم الجنة: علي وسلمان وعمار".

الجميع: رضي الله عنهم.

الراوي: وقال البطل العظيم خالد بن الوليد رضي الله عنه: "كان بيني وبين عمار كلام –يعني.. خصومة وشجار- فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي..

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الراوي: "من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله" يقول خالد: فخرجتُ، فما شيء أحبّ إليّ من رضا عمار، فليقيته فرضي".

أحمد: الله الله.. ما أعظمكم يا أصحاب رسول الله!

فاطمة: لكن.. كيف يختصم الصحابة يا جدي؟

الجد: يختصمون في الله، ولله.. واسمعي هذه الحادثة:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على رأس سريّة، وكان عمار جندياً في تلك السرية، تحت إمرة خالد.. يقول عمار:

الراوي: خرجنا حتى أتينا قريباً من القوم الذين نريد أن نصبِّحهم، فبتنا ليلتنا هناك، وعلم المشركون بقدومنا فهربوا، إلا رجلاً منهم كان قد أسلم هو وأهله، فجاءني وقال لي:

- يا أبا اليقظان! إني قد أسلمتُ وأهل بيتي، فهل ذلك ينفعني إن أنا أقمت؟ فإن قومي قد هربوا حين سمعوا بقدومكم.

فقلت له: أقم حيث أنت، فإنك آمن.

فانصرف الرجل هو وأهله..

ثم صبّح خالد القوم –يعني هاجمهم وقت الصباح- فوجدهم قد هربوا، فأخذ الرجل وأهله، فقلت لخالد:

- لا سبيل لك على الرجل، فقد أسلم، وقد أمّنته وأجرته.

فقال لي خالد في حدّة:

- وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟

فقلتُ لخالد: نعم يا خالد.. أُجير عليك وأنت الأمير، إن الرجل قد آمن، ولو شاء لذهب كما ذهب أصحابه، ولكنني أمرته بالمقام لإسلامه.

يقول عمار:

- وعندما عدنا إلى المدينة، ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاز الرسول أماني، ونهى أن يجير أحد على الأمير، وقال لخالد:

"كفّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عز وجل، ومن يلعن عماراً، يلعنه الله عز وجل".

ثم قمت وخرجتُ، فتبعني خالد، حتى أخذ بثوبي، وما زال يترضّاني حتى رضيتُ عنه ونزلت الآية الكريمة:

(أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) أي أمراء السرايا (فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول، ذلك خير وأحسن تأويلاً) صدق الله العظيم.

أحمد: هنيئاً لأصحاب رسول الله..

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

أحمد (متابعاً): كان رسول الله بينهم، يختصمون إليه، فيحكم بينهم بالحق والعدل.

الجد: ونحن ما زال عندنا كتاب الله تعالى، وسنّة نبيّه.

الجميع: صلى الله عليه وسلم.

الجد (متابعاً): نحتكم إليهما، فيحكمان بيننا بالحق والعدل.

مؤثرات: صوت كرسي يتحرك.

الراوي: يبدو أن الجلسة قد انتهت، فهاهو ذا الجد يلملم ثيابه وينهض وهو يقول:

الجد: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم: (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

الختام