المهرج والحكيم(2)

عبد الله عيسى السلامة

المهرج والحكيم(2)

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

البطولة الحقة

سأل المهرج الحكيم قائلاً: أخبرني يا سيدي الحكيم عن الفرق بين بطولة الجندي وبطولة القائد.

قال الحكيم باسماً: بسيطة.. الجندي مسؤول عن نفسه، فهو ينفذ الأوامر فيما يتعلق بشخصه، ويتحمس لتنفيذها. وكلما كان أكثر دقة في التنفيذ، وأكثر حماسة له، كان أكثر بطولة، أو أكثر اقتراباً من البطولة. أما القائد فمسؤول عمن تحت إمرته من الناس، فكلما كان أكثر رعاية لهم، وأكثر مراقبة ومتابعة، وأكثر دفعاً لهم في تنفيذ مهماتهم بدقة وحماسة، وأكثر دفعاً لهم كذلك في عشق المبادئ التي يتبنونها، والتضحية في سبيلها... كان أكثر بطولة، أو أكثر اقتراباً من البطولة.

قال المهرج: فإذا كان القائد منفذاً كذلك لأوامر قائد أعلى منه؟

قال الحكيم: يكون عندئذ قد جمع الصفتين، صفة القائد وصفة الجندي، وهو مسؤول عنهما  معاً، ويستحق صفة البطولة في تحقيقهما كليهما على أكمل وجه، وبأكبر قدر من الحماسة.

قال المهرج: فإذا شغلته إحداهما عن الأخرى؟

قال الحكيم: يكون مقصراً، ويحاسب على قدر تقصيره، وعلى قدر الخلل الذي يحدثه في العمل المنوط به، والمهمات المسندة إليه.

قال المهرج: فإذا أخذ القائد دور الجندي في الحماسة الفردية، وفي الاندفاع لتنفيذ المهمات الفردية، وفي الجري وراء نزعة حب البطولة الفردية.. وأخذ الجندي دور القائد في التفكير والتخطيط ووضع الأهداف، ورسم المسارات الموصلة إليها، منشغلاً عن وظيفته الفردية الأساسية.. أقول: إذا حدث هذا، فكيف تكون الأمور؟

قال الحكيم باسماً: إذا حدث هذا وجب تبديل المواقع. فإذا أصر القائد العاجز، على التشبث بموقعه، العاجز عن ملئه، وجب خلعه أو نقله إلى مكان يناسب طبيعته، وإسناد الموقع إلى رجل يملأ قلوب مرؤوسيه وعقولهم. فلا يدع لهم مجالاً لأن يفكروا عنه ويخططوا عنه، ويرسموا الأهداف بالنيابة عنه، لأن مصيرهم في الأصل معلق بتفكيره وتدبيره. فإذا عجز عن التفكير والتدبير، وأحجم عن مشاورة أتباعه وجنوده، وعن توظيف عقولهم وخبراتهم في صناعة قراراته.. أغرى أتباعه، أو دفعهم دفعاً، إلى التفكير والتدبير، لحفظ مصائرهم وأرواحهم، ولخدمة قضيتهم التي يناضلون من أجلها، ولتحقيق الأهداف التي يسعون إليها. وحين تصل الأمور إلى هذا الحد.. حين يصبح كل جندي قائداً، إلا القائد نفسه.. فانتظر الكارثة.

قال المهرج متضاحكاً: أو.. الساعة.

قال الحكيم جاداً: صحيح.. لقد ذكرتني بالحديث النبوي: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.

قال المهرج ضاحكاً: أما أنا يا سيدي الحكيم فأنتظرها منذ أمد بعيد.

قال الحكيم بهدوء عميق: معك حق.. فقد تحقق مضمون الحديث منذ زمن غير يسير.. وما تزداد الأمور إلا سوءاً.. ونعوذ بالله من سوء المنقلب.