المهرج والحكيم(1)

عبد الله عيسى السلامة

المهرج والحكيم(1)

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

الساعــة

قال المهرج: أخبرني يا سيدي الحكيم، متى الساعة؟

قال الحكيم: أتعني يوم القيامة؟

قال المهرج: أجل.

قال الحكيم: ويلك.. وهل عرفها أنبياء الله حتى أعرفها أنا!؟

قال المهرج: ولكنهم ذكروا أماراتها وأشراطها، والحكيم مثلك يستطيع الاستنتاج، من خلال معرفة هذه الأمارات والأشراط، ما إذا كانت قريبة أم بعيدة..

قال الحكيم: صدقت.. إن ربط العلامات الدالة، بالوقائع الحاصلة، يساعد على الاستنتاج الصحيح، أو القريب من الصحة، إلا أن للساعة علامات صغرى وعلامات كبرى. أما الصغرى فقد ظهرت كلها، أو أكثرها منذ زمن غير يسير. وأما الكبرى فلم يظهر منها شيء حتى الآن، والراجح أنها تظهر متتابعة، كحبات مسبحة انفرط عقدها.

قال المهرج: هلا ذكرت لي بعض علاماتها الصغرى يا سيدي الحكيم!

قال الحكيم: وردت علامات عدة في الأحاديث النبوية، أذكر منها على سبيل المثال: "من أمارات الساعة، أن تلد الأمة ربتها.." و"أن ترى الحفاة العراة رعاة الشاء، يتطاولون في البنيان.." و"أن يتكلم في الناس الرويبضة.." أي الرجل التافه يتحدث في الأمور العامة والهامة..

و"إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة"..

وقد ظهرت هذه الأمارات كلها، كما ترى..!

ولكن.. ماذا يهمك من الساعة واماراتها.. ويحك!؟

قال المهرج: إنها تخيفني يا سيدي الحكيم..

قال الحكيم: فاعمل لها عملها، الذي ينجيك عند ربك، ثم التمس منه الرحمة. فأشراطها المذكورة، تدل على أنك لن تشهدها، إلا أن يشاء الله أمراً آخر. لكن قيامتك أنت تقوم عندما تموت، كما ورد في الحديث النبوي "إذا مات ابن آدم فقد قامت قيامته".

قال المهرج: إني أخاف من أمر آخر يا سيدي الحكيم، يأتي قبل الساعة، وأخشى أن يدركني، فهو من أشراطها..

قال الحكيم: وما هو؟

قال المهرج: المسيح الدجال.

قال الحكيم: وما يخيفك منه، وقد حصنك ضدّه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حين وصفه لك، وصف هيئته، وعينه العوراء كعنبة طافية، وأنه مكتوب بين عينيه كلمة "كافر"، يقرؤها كل مؤمن، قارئاً كان أم غير قارئ!

قال المهرج: أخشى من التطبيع يا سيدي الحكيم.. التطبيع الذي يدمر تحصيناتي النفسية والعقلية، ويجعلني هشاً مطواعاً سهل الانقياد لذلك الخبيث الدجال..

قال الحكيم مستغرباً: وماذا تقصد بالتطبيع، ويحك..!

قال المهرج: ألا ترى يا سيدي الحكيم هذه الألوف المؤلفة من البشر، وهي تتابع كرة القدم، المتنقلة من رجل إلى رجل، وتلهث، وتخفق قلوبها، مع كل ركلة للكرة، ويعلو صياحها وهديرها.. وتتماوج صفوفها يمنة ويسرة، ذاهلة عن كل ما حولها ومن حولها..!

قال الحكيم: بلى..

قال المهرج: أولا ترى يا سيدي الحكيم، قطعان البشر محتشدة في صالة، يموج بعضها في بعض، الطفل والشيخ والشاب والشابة والكهل، هذه نصف عارية، وهذا نصف سكران، وذاك ذاهل عن نفسه، وتلك مشغولة عما حولها.. كلهم يصفقون، ونصفهم يرقصون، وربعهم يتأوهون ويصيحون.. فيختلط الصوت بالضوء، بالحركة، باليد، بالرجل، بالرأس، بالكتف.. بالـ...

لماذا يا سيدي الحكيم كل هذا؟ لأن شاباً ماجناً وقف على خشبة مسرح يتمايل ويرفع عقيرته، بكلام يدعونه غناء.. وربما نواحاً، أو مواء، أو نباحاً.. أو.. لا أدري..

ألا ترى يا سيدي الحكيم هذا كله، يعرض على شاشات التلفزة، في بيوتنا صباح مساء، وظهراً وعصراً، وبين كل صلاتين، وفي أوقات الصلوات، وفي رمضان.. وفي كل ساعة من عمرنا..!؟

قال الحكيم: بلى.. أرى هذا كله..

قال المهرج: فهل ترى يا سيدي الحكيم، أن هذه القطعان البشرية، قطعان الغناء، وقطعان الكرة، وسائر القطعان الأخرى.. هل ترى أنها يمكن أن تتماسك لحظة واحدة، أمام دعوة الدجال، الذي يأتي بالخوارق، زاعماً أن لديه جنة وناراً، وقدرة على الإحياء والإماتة، وأنه إله، من أطاعه أدخله في جنته، ومن عصاه أدخله في ناره.. هل تتماسك هذه القطعان، أمام صيحة الدجال يا سيدي الحكيم!؟

الحكيم: وما عليك منها، إذا بقيت أنت مؤمناً صلباً قوياً!؟

المهرج: وما الذي يضمن لي ذلك يا سيدي الحكيم، وهذه السيول البشرية الجارفة من حولي!؟ ما الذي يضمن لي ألا أنجرف معها رغماً عني؟ ما الذي يضمن لي ألا يطبع عقلي ونفسي وكياني كله، فأصبح مؤهلاً لاستقبال الدجال بالبشر والترحاب!؟

قال الحكيم بأسى: لا أحد يضمن أحداً يا عزيزي المهرج، فالسيل جارف كما قلت، والموقف عصيب، والدجالون الصغار مصرون على تطبيع شعوبهم نفوساً وعقولاً وقلوباً، لاستقبال الدجال الأكبر، سيدهم المنتظر..

قال المهرج مندهشاً: أتقول "الدجالون الصغار" يا سيدي الحكيم!؟

قال الحكيم باسماً بأسى: ويحك.. وهل تظن هذه الجماهير الهائلة، قادرة وحدها على إضاعة أوقاتها وعقولها وكراماتها، دون دجالين صغار، يزينون لها هذا العبث بشتى السبل، ويدفعونها إليه دفعاً، ويسوقونها إليه سوقاً، ويزجون بها في أتونه زجاً، وهي شبه مخدرة، لا تعي ما تريد، ولا ما يراد منها، ولا تستطيع حيلة، ولا تعرف ما تأخذ وما تدع!؟ أوَ كنت تظنها تتدافع إلى هذه المستنقعات الآسنة، لتتساقط فيها كالذباب، دون تخطيط ولا توجيه، ولا حض، ولا حفز، ولا ترغيب..! إنهم الدجالون الصغار يا عزيزي، المصنوعون عن وعي وتصميم، لتسهيل مهمة سيدهم الدجال الكبير..

قال المهرج: فبم تنصحني يا سيدي الحكيم؟

قال الحكيم: "قل آمنت بالله، ثم استقم" واحفظ الأدعية التي تنجيك من شر الدجال الكبير، وجوقة تلاميذه ومريديه وأعوانه الدجالين الصغار..

قال المهرج: ثم ماذا يا سيدي الحكيم!؟

قال الحكيم: اعمل بكل ما أوتيت من قوة على تطهير المستنقع، فإذا عجزت، فاحذر جاهداً من الوقوع فيه.

قال المهرج: جزيت خيراً يا سيدي الحكيم، وسبحان القائل:

"ومن يؤت الحكمة، فقد أوتي خيراً كثيراً".